الصفحات

الأربعاء، 31 أكتوبر 2018

كيف سأحمي نفسي من سوادهم !
اللون القاتم في الوجوة العابرةُ منها والمُقيمة ! والكلمات التي تفوح منها رائحةٌ عَفنة !
كيف للحرف أن يبدو مُقرفاً باعثاً للإشمئزاز في النفس...؟ بل هو كذلك !
***
ولماذا العيون هكذا !!
كما لو أنها جُثثٌ سوداء مُتعفنة! لكل شيء يُوقظُ فينا، إحساساً قاتماً ولاعناً للوجود، هلّا ترفقتي بنا وخففتي من وضوحك الفاضح !
نحنُ الذين تُهنا مُذ وُجدنا، وبقينا نبحث ونبحث وقد يغزونا السأم واليأس والغضب مُبكراً ويُفقدنا الرغبة في الاستمرار !

الجمعة، 19 أكتوبر 2018

المُبتسم !!

صَحا من نومه مُبتسماً ! 
هو لا يُصنف (إجتماعياً) كبائسٍ او مُعدم. هو مواطنٌ بسيط؛ كأيّ مواطن ينتمي لـ "الطبقة الوسطى" التي تُوشكُّ على الانقراض! يبدو من غير المنطقيّ أن يصحو مُبتسماً! في العادة يستيقظ ليُسارع في الذهاب للعمل (هو يعمل في دائرة حكومية منذ سنواتٍ قليلة)، يستيقظ في كلِّ يوم، وهو يتألم حرفياً من عدم "شَبعهُ" من النوم.. 

لكنه في هذا اليوم صَحا/استيقظ/بُعثَّ من مرقده مُبتسماً، والغريب في الأمر بأنه لم يستطع (مع بذله الجُهد المُضاعف) لينتهي من "وضع الابتسام" !
وقف أمام المرآة مُتأملاً وجهه "المُبتسم"، رأى وجهه قبيحٌ (جداً) على غير العادة! وبدأت تتلاطم في رأسه مخاوف/وساوس/افتراضات كـ "كيف سيخرج إلى الشارع بهذه الإبتسامة الفاضحة ؟" 
"كيفَ سيُقابل زملاءه في العمل وهو مُبتسم حقاً لا مُشمئزاً كمُبتسم ؟" 
"وكيف.. حقاً كيف سيغضب من زحمة الطريق وهفوات السائقين الاغبياء؟ كيف سيصرخ ويشتم ويلعن و... ؟" 
واستيقظ، وتذكر بأن اليوم هو الجمعة واطمئن قلبه، وبأن الساعة لم تزل باكرة لذلك سينام سويّعاتٍ أُخريات قبل اقتراب موعد الصلاة.. فهذا يوم "يشبعُ" فيه النائمون حقاً..

الأحد، 7 أكتوبر 2018

السؤال هو الذي جعلني أكتب، والإجابة هي التي جعلتني أمرض باحثاً عن علاج. 
والحياة.. هل الحياة مُجرد عذاب ؟ أين السؤال ؟ 
لماذا لا أستطيع كتابة السؤال الذي يصرخ في رأسي؟ السؤال الذي صار كجُرح غائر ومخفي ! 
غضبٌ دفين. حبٌ لا يُمكن مزجهُ مع الواقع. روحٌ تتوق وجسدٌ مُقيّد. وحياةٌ فوضوية تُطالبنا بالنظام !
مُعتقدات. أفكار. مبادئ. إيمان. كُلّها أمورٌ إتضحَ زيفها وهشاشتها ! ومع الوضوح إنحرف الطريق إلى مدىً واسع مُظلمٌ وبارد ! 
في ذلك المدى لا يوجد إلا الظلام والبرد. لا يوجد طريق ولا معالم ولا أمل بإشراقٍ لشمس !
حرفي ليسَ كئيب. وفكري لا يحتضر. وأنا مُتفائل !
مُتفائلٌ بعد كل شيء ! كأن التفائل كان هو القشة التي تعلّق بها الغريق ! وغرق! لكنني مُتفائل كمن يعلم بأن وراء هذا الموج المُتلاطم وهذا الظلام الدامس، أرضٌ شاسعة تُشرق شمسها كل يوم وتغيب لتعود مُجدداً.

كُنا أطفالا وكبرنا. كبرنا وعرفنا نعمة الطفولة. لا نعرف قيمة الاشياء إلا بعد فَقدها.. هكذا نحن. بهذه السذاجة!
لماذا لا نعترف بأننا -قد نكون- أخطأنا ! 
عندما... لا أدري ! لكننا حتماً ارتكبنا خطأ فادح ندفع ثمنهُ طيلة حياتنا ! لا.. نحن لم نُخطئ ! أنا لم اخطئ!

خوفنا الدفين. كل شيء مدفونٌ فينا دون أن يموت! مَن المسؤول عن دفن الحي ؟
خوفنا الدفين هو سبب تعاستنا وموتنا على قيد الحياة، وهو سبب قَلقنا واضطرابنا ورقودنا الباكر!
نحن... أنا.. أنتم. كُلنا جبناء بدرجات مُتفاوتة! 
كل شيء من حولنا بسيط ومُتقن ويحيا ببساطة، إلّانا نحيا ونُمارس التعقيد ومن ثم نتسائل بغباء.. لماذا كلّ هذا التعقيد ؟ بل أصبحنا لا نرتاح للبسيط. أصبحنا نبحث عن التعقيد والتعب. لا نعلم سوى مُعادلة فارغة تقول: بأن النجاح/التفوق/الإبداع لا يحصل إلا بعد بذل الجُهد المُضاعف أو بعد خوض الِصاعب والتحديات!

ذات يوم ستُدرك بأنك خسرت.. عندما لم تجد من وقتك لحظات تُجالس فيها احبائك.. 
تتأمل وجه أمك لتُدرك كم كنت غائباً.. كم من تجاعيد بدأت تغزو وجهها دون أن تحزن -على الأقل-!
لتعلم بأن أباك بدأ يَهرم، وبأن إخوتك بدأوا يتغيّرون مثلك تماماً.. وبأن مُعظم أصدقائك لم يكونوا سوى عابرين. وبأن ما أحببت لم يكن سوى سرابٌ خَدعك!
وما الذي بقي ؟ كل شيء يسير !! وهذا السير مُخيفٌ جداً..! 






  

الخميس، 4 أكتوبر 2018

حديث الجُدران

الجُدران تُحاصرني. وحاجتي للكتابة صارت كحاجة الكائن الحيّ للماء والأكل والسُلطة والحُب و.. الوطن !

أيُّ وطن ؟ هذه كلمةٌ جوفاء فارغة !

الأوطان أكبر من مُجرد، أراضٍ مُحدّدة بأشياك وأسوار، وصوّر لقادة وألحان وترانيم لأغانٍ وطنية، وكلمات مكرورة تتناقلها الأجيال حتى غدت باليةٍ وغير مُجدية!
عن أي أوطان يتحدثون ؟
عن تلك اللتي ضاقت بأهلها ولم تحتمل وجودهم عليها، فَلفظتهم خارجها، لتتلقفهم أمواج البحار وتستوطن جُثثهم قيعانها ؟
أم عن أوطان وأدت طاقات/طموحات شبابها في التغيير. والحصول على حقوقهم "الإنسانية"، واكرهتهم على الهجرة والاغتراب طلباً لتلك الحقوق ؟



كفرتُ بكلّ الأشخاص والأسماء والمفاهيم والمعاني، وآمنتُ.. هل أنا مؤمنٌ بشيء ؟
"عدم الإيمان" لا يتوافق -إطلاقاً- مع ضعفنا (الإنساني).
الجُدران وحدها تُعريّنا، تفضحنا، أمامنا..! فهل أصبحت الجُدران مرايا زُجاجية تعكسنا لنرانا ؟
وهل يوجد أتعس من إنسان لا يجد لنفسه مكاناً يكون فيه على سجيّته ؟
مَن يعرفك ؟ لا أحد !
هل تعرفُ نفسك أو هل حاولت معرفتك ؟
دعني أُحدثكَّ بحديث الجُدران؛ الجُدران مُجرد وهمٌ جميل، يحمينا من عيون الآخرين ومع ذلك لا نكون وراء الجدران سوى خائفين من... العيون.. الأصوات.. الشمس.. الليل.. الحرُّ والمطر..!

في غرفتي صنعتُ وطني "الخاص"، ولا أُنكر بأنني في أحيان كثيرة إنتابني شعورٌ بالاغتراب وانعدام الأمان.. في غرفتي.. في وطني الخاص!
لا أُحمّل الوطن عبئي.. لكنني أعتب عليه فحسب!

ذات ليلة، وقد كنتُ حينها طفلا لم يتجاوز الثامنة من عمره، إستيقظتُّ من نومي خائفاً.. مرعوباً.. وتلفتُّ حولي ولم أرى سوى الظلام وصوت الهواء العاصف في الخارج يدبُّ في رأسي كقرع الطبول (كان ذلك في شتاء عام 2004)، أردت أن أُنادي أُمي أن أرى أبي واقفاً في الممر يشربُ شاياً سخنّه جيداً.. أن أرى اخوايّ نائميّن بقربي.. ولم أقدر الّا على التكوّر في فراشي واغماض عينيّ.. وتذكّر بأن في الغد لن يكون هناك دوام للمدرسة!! وكان ذلك كافياً ليطمئن قلبي!!

وفي "حوش بيتنا" كان يوجد حوض "برسيم" صغير، رأيته كخارطة فلسطين، ومنذُ تلك الرؤية بدأتُ أخوض عليه لعبة "الحرب".. لم اتجاوز حينها العاشرة من عمري، حين قسمّتُ ذلك الحوض بقطع اللُّبن، كالجدار العازل وفي كلّ يوم كانت تستعرّ المعارك ما بين جنود و.. نمل! وكنتُ بجنودي البلاستيكيين أقتلُ كثيرا من النمل.. وأدفن النمل المقتول وأُقيم للقتلى (النمل) جنائز مَهيبة.

قلبي الذي بدأ يخافُ وينتابهُ القلق كُلما كبرت وانسلختُ عن طفولتي، وكأن "عالم الكبار" الذي كان هاجسي ومُبتغايّ وأنا طفلٌ، مُجرد عالمٌ من المخاوف.. عالمٌ من الواقع الرماديّ..
وقد كنتُ أرسم الوجوه، والديناصورات وعلم وطني، وانف المُذيع الذي يظهر على شاشة التلفاز، ويُرتلّ بصوتٍ واهن، ترنيمة الحرب القادمة، وكان الليل مُرعب والصباح جميل، والمدرسةُ هي المُنغصّ الوحيد للسعادة، سأكون سعيداً عندما أتخرج/أُغادر المدرسة، هكذا كنت اتخيّل ؟
كان الخوف واقعياً، مثلاً؛ الخوف من ظلام الغرفة وتخيّل وجود "شبح" في ذلك الظلام، ونُباح الكلاب في الخارج، وإنقطاع تيار الكهرباء في ليالي الشتاء العاصفة، وصار الخوف غامضاً، وكلما كبرت أمعن الخوف في حصاري، مع أنني لم أعد أخاف الليل، وظلام الغرفة، وأعرف بأن لا وجود للاشباح، وما إنقطاع التيار الكهربائي سوى عُطل فني، تعمل فرق الصيانة على إصلاحه !

كنتُ اسئلُّ كثيراً، ولا أدري لماذا كنت أشعر بأنني أُزعج الذين أسئلهم مع أنهم كانوا يُجيبون على اسئلتي.. الغبيّة، بإجابات تُرضي فضولي..أحياناً !
"يبّه وين يعيشون الأقزام ؟ يمّه الله موجود فوق الغيوم ؟ ليش ما عندنا فيل ؟ للغيوم حنفيات ؟ وين نروح بعد ما نموت؟  ليش اليهود يقتلوا الفلسطينيين ؟ وليش العرب ما يساعدوهم ؟ ليش أمريكا أحتلت العراق ؟ وليش العراق احتلت الكويت ؟"

كبرتُ ولم انسى. هل أنا حقود ام أملك ذاكرةً ملعونة، تكتظُّ بالكلمات والمشاهد والوجوه ؟
بدايةً بسقوط بغداد، ثم دبابات تملأ شوارع رماديّة كُلّها حجارة بيضاء وأطفال يقذفون الحجارة على جنود مُدججين بالسلاح ويموت اولائك الأطفال بالرصاص، ذات يومٍ (فبرايريّ) كنت عائدٌ من المدرسة وأمي في غرفة الجلوس وعلى شاشة التلفاز إنفجارٌ ودُخان وأُناسٌ تحولوا لاشلاء محروقة(إغتيال الحريري)، ولماذا فقط "الحريري"؟ لماذا لا تكون للآخرين أسماء كما الحريري؟،
ما قبل سقوط بغداد ؟ ما الذي تخزّن في عقلي ؟ آه.. ولادةُ أحمد ولعبتي (سيارة الشرطة البيضاء) والاريكة ذات اللون الزيتي.. ولماذا لا أذكر تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر؟




الثلاثاء، 2 أكتوبر 2018

يبدو بأن صاحب العقل المُستيقظ مُعذبٌ. وبأن الذي يَطمح ما هو الّا كطائر يرتفع.. ويرتفعُ للأعلى أكثر فأكثر إلى أن يَهوي إلى الأرض. 
مهما ارتفعت الأشياء وعلّت، لابدّ لها من أن تتوقف وينتهي ارتفاعها، وتبدأ برحلة الهبوط للهاوية. هل الارتفاع غباء ! 
هل يبدو الأمر منطقياً أكثر كُلما أمعن في الضبابية ؟
ام أننا إعتدنا الضباب وإنعدام الرؤية ؟
والشمسُ صارت ضَرباً من الخيال ! والليل بدى وحشاً مُستعداً للإفتراس !
والوجوة كُلها مُعتمة. والابتسامات مُجرد أقنعة. والطريق الواضح المُستقيم كان حُلماً واستمر.. كُل الطُرق مُتعرجة ! معالمها رماديّة ! والليل كائنٌ مُفترس، والصُبح أسرع للزوال ! الصُبح لا يأتي ! كيف يزول مَن لم يَظهر ؟
وكلُّ هذياني مُجرد تهاويل اوجدها وغذّاها عقلي المريض ! هل أنا المريض ! ام أنني أدفعُ ثمن رغبتي... رغبتي بالحياة الحقيقية !!
سواد الليل وعتمة الصباح وإختناق الظهر وكآبة العصر وموت الشمس وعودة الإسوداد، كُلها تُمعن في حصارك وأنت مركونٌ في زاويةٍ ما.. تتألم من قيودك وفي اثناء غفواتك المُتتاليات تتخيل الإنعتاق !!
يا هذا الجاثمُ فوق صدري، هل تنام ؟ 
سقطت أوراق العنب والتين. وامتلئت السماء بغيوم لا تُمطر.. والشمسُ من وراءها طغت بحرارتها. 
ووجه القائد دائما يبتسم، لكنه مؤخراً بدأ يَشحب. 
وأمي بدأت لا ترى بشكلٍ جيّد. وأبي بدأ لا يسمع الأصوات جيداً. والناس جميعاً... بدأتُ لا أحتمل غثيانهم واصواتهم وحتى ظِلال أجسادهم.