الصفحات

الأحد، 16 ديسمبر 2018

مُجدداً أتحدث عن نفسي! 
مُجدداً... لا أستطيعُ صياغة ما في رأسي من أشياء لكلمات، مُجدداً أحتار... بل أتألم !
أعود مُجدداً، اوووف سئمت، "قرفت" وكأنني مُقيد أو مدفون. 
الليلة،  الثالث عشر من ديسمبر، الكلمات تهربُ مني... وأنا مُحتاجٌ جداً لها ! 
إنني بحاجة هدوء أو لحظة عابرة من تلك اللحظات النادرة، 
إنني بحاجتي. 
الصقيع يجتاحني وأنا كمشلولٌ، عاجزٌ عن أي شيء! 
والدفء بعيد... او يبدو هكذا، لا أعلم!
في أعماقي مأساةٌ وحرب أهلية، وحبيبيّن ينفصلا... لأنهما أحبّا بعضهما أكثر مما يجب. 
في أعماقي ظلامٌ وفوضى وضجيج. أتمنى هدوء يكسوني، كشعاع شمس على أرض ابتلت من مطر طال هطوله. رأسي يؤلمني ووطني كذلك، وأحبائي أيضاً، حتى قهوتي وسجائري!
حتى صوت فيروز... حتى جوربيّ وحذائي!
الواحدة بعد منتصف الليل، ديسمبر يستعجل، وأنا مُستعجلٌ أيضاً. والله مَنسيٌ في السماء. وأنا مُتعبٌ مذ صحوتُ. متى أعود للنوم الهانئ... لماذا لا أنام الآن ؟
حسناً، سأعود قريباً وأُكمل... وداعاً وإلى اللقاء
يا عاهرتي الجميلة، ويا مُلهمتي، ويا حبيبتي الشقيّة، أنا محضُ مجنون ومريض وكئيب... أنا لا أُطاق!
فأبتعدي، أُهربي مني... هذا إن أردت الحياة والطمأنينة !
لم أعثر عليكِ بعد، وأنتي نادرةٌ... حقاً نادرة، كعاهرة ومُلهمة وحبيبة!  بالمُناسبة أنتي تُشبهين الحياة كثيراً!
لماذا لا أتوقف ؟ لماذا أنا أسير ؟ 
كل يوم تزداد وحشتي ظلاماً، وأكتشفُ مزيداً من إغترابي... لكنني ما زلتُّ أسير... أسيرُ مُسرعاً، وأسيرُ(سجين) الأماكن والمشاعر والناس من حَولي!
هذه الحياة جداً مُقرفة ومُتعبة وحقيرة، وأيضا هي فاتنة وجميلة ورائعة! 
هل تناقضي الصارخ مُنعكسٌ عن تناقض الحياة ؟
أخيراً وجدتُ السر !
في الليل ينتابني إحساسٌ وضيع ومُرتفع، كأنني إلهٌ وشيطان، وإنسانٌ بينهما ضائعٌ ومُرتبك وقَلقٌ جداً..!
ستبكي كثيراً. وستحزن. 
ستنفذُ سهامٌ فيك، وستُقيّدك حبالٌ وسلاسل. ولن تموت... لن تموت! ستتمنى ذلك. لكنك سترغب كثيراً في الغياب عن كل شيء. لكنك ستتبلد في النهاية،
سترى كم كانت حياتك شاقةٌ ومُعقدة وبسيطة!
كانت الإبتسامة هي السر المفقود. والتغاضي (التطنيش) هو خير الأفعال! والإقدام والمواجهة كذلك. ستحزن لأن الفرح كان وجهٌ آخر، والحبل المتين كنت طرفاً اساسياً في تقويته! والموت كان قريبٌ منك أيضا، لكنك غافلٌ عنه وتتمنى حدوثه، لتنجو منك ومنهم... مَن هَم ؟ -لا شيء...!
الواحدة بعد منتصف الليل، 2018/12/16

***
صباح باردٌ كهذا. ووجوهٌ مُرهقةٌ جداً، وأنا ما زلتُ مُتعب وخائف وقَلقٌ جداً. 
والليلُ لم يأفل. منذُ دقائق طلعت الشمس، والساعة تجاوزت التاسعة صباحاً، وأنا أكاد أتجمد من البرد والتعب والانتظار وسؤالٌ يضطربُ فيَّ: لماذا ؟ وكيف؟
هُنا لا يوجد شيء سوى؛ أشجار ومقاعد خشبيّة فارغة، وجُدران بُنية عالية... الأشجار والجُدران وحتى المقاعد باردة، وللوهلة الأولى تكاد تسمعُ أنيناً مُؤلماً يصدرُ عنها. بعيداً عني، في الجانب الآخر من هذا "السكوير"*سكوير كلية العلوم الطبيّة المُساندة، يجلس عددٌ من الطلاب يتناقشون بصوتٍ مُرتفع مادة "إمتحان فاينل" لعين! إنهم يُزعجونني بشكلٍ لا يُطاق!
ربما. حتى أشجار ومقاعد وجُدران هذه الكلية مُنزعجةٌ مثلي؟ رُبما! أأنا جدار ؟؟



فتاة البرزخ 10

صباحٌ جديد، لا جديد في هذا الصباح، سوى فراغي الذي يكاد يبتلعني او يخنقني !
أنا مُتعبةٌ جداً من... كل شيء تماماً ! 
والحياة ما الجميلُ فيها ؟ لماذا نحيا ؟؟ لنتوقف فوراً عن هذا ال... هذا الغباء او الضياع او الجنون او... لا أدري بالضبط ما هي الجُملة/الوصف المُناسب !
وهُنا، في هذه الجامعة وبين هذه المباني القديم منها والجديد وحولي عشرات الطَلبة، أشعر وكأني في سجن ضخم موبوء ومُحاصر منذ سنوات ! ليش أنا هيك !!
بعد قليل تبدأ مُحاضرتي الأولى، وعليّ أن لا أُطّنش وإلّا سأُحرم ببساطة... أو عليّ أن أزور الدكتور في مكتبة واغنج لهُ قليلاً، حتى أضمن تفوقي في هذا الفصل ! 
أنا مُتعبة من الإستماع وواجب التفاعل مع المُتحدثين إليّ، ومُؤخراً إكتشفت إضطرابي في الكلام ! صرتُ أتلعثم ولا أجد الكلمات المُناسبة لأي حوار... أنا أرغب في الإندثار كُلياً لا جُزئياً... وسأقوم حالا لألحق بالمُحاضرة !

****

جدّي وُلد وعاش ثلاثون عاماً في يافا، ولجأ لنابلس ومنها هَرب عابراً النهر لشرق الأردن. أبي وُلد في عمّان، بالتحديد في مُخيم البقعة، وخرج من المخيم للمدينة" مُهندساً (عاطلاً عن الهندسة) ليعمل مُوظف خدمات في إحدى الدوائر الحكومية. تزّوج أمي السلطيّة، ليُنجب ثلاثة بنات وولد. أمي وُلدت في ماحص، وبيت جدّي من أمي يغفو فوق هضبةٍ خضراء. وأنا أنتمي لكل الأماكن ولا أنتمي لشيء! بعيداً عن تفاصيل ما ذكرت آنفاً، بالفعل أنا لا أنتمي لشيء! 
أبي كان يبتسم دائماً، ويحتضنُ أمي عندما يعود في المساء... تلك الأمسيات كانت أجمل من أن تُوصف! أبي مات. وانطفأت ابتساماته، قبل أربعة أعوام.. أبي كان رجلاً وإليه أنتمي! وأمي كذلك... ما زالت تُضيء عتمتنا بنورها، اللهم إحفظ لنا نورها... آمين.

****

تدخل لـ "كشك الجامعة"، تشتري شيئين، كعُلبة ماء وكيك، تدفع دينار وتخرج، وتشعر بأنك تُسرق بإحترام بل وبمنيّة !!
تجوع، تبدأ معدتك بإلتهام نفسها، خُطاك تسير -رُغماً عنك- نحو مطعم الجامعة، تدخل تشتري ساندويتش زنجر وكولا، تخرج وقد دفعت دينار ونصف، تأكل ما اشتريت وتجوع أكثر !! إننا نُسرق/نُنهب هُنا ! 
آه أنا فلسطينية ولا يحقُّ لي الاحتجاج، إبنة مُخيم، مع أنني أملك هوية أحوال مدنية أردنية فَضلاً عن الجنسية، لكنني أبقى حاملةً فيّ خلايا اللجوء... مَن سمّى الأماكن، وفرّق شرق النهر عن غربه ؟؟
لا بأس... اليوم الحادي عشر من أبريل، واليوم أنا سعيدة جداً، لأول مرة لا أُفكر بالموت منذ إستيقاظي، والساعة الان: 11:36 ص، ترمب سيضرب سوريا، او الأسد او الحمار... المهم ترمب سيقتل قاتل ما... او ما يُعتقد بأنه قاتل، هل حاولنا ولو لمرةٍ على الأقل سماع كل أطراف مُشكلة ما، دون التعاطف مع جهةٍ مُحددة، لا نستطيع ذلك، فهل يُمكن سَماع رواية الذئب في قصته مع ليلى ؟؟ الذئب مُجرم وليلى ضحية بكل الأحوال ! او هكذا نعتقد... لماذا أتحدث في هذه الأمور ؟؟

**

لماذا كُلّ هذا الضجيج ؟ 
نعم... إنني أشعر بالعار والخوف من اللاشيء!
أشعر وكأنني غيّري ؟ متى كنت أعرفني ؟ لعلّي فقط عرفت أكثر مما يجب ؟ ورأيتني بوضوح... فقط!

لعلّنا مجرمون، ومُستمرون في ارتكاب الجريمة ؟

مُجدداً ما سرُّ هذا الضجيج الذي يُحاصرني ؟

الإستمرار... كيف ؟؟ لا يُمكن للعقل أن يحتمل، يُمكن للغباء أن يستمر ؟؟ 
أنا أهذي مُجدداً، منذ أيام أنام ليلي قبل منتصفه، واستيقظ باكراً جدداً.. هذا هو سبب هذياني الآن!

إنني ارتكب الأخطاء الفادحة... او هكذا أشعر! إنني أفتقدني جداً، وأكره بل احقد رغماً عني، على الوجود... وأرتدُّ لعدميتي السوداء الهادئة... وأُجيبني بأن: كُلّ شيء... كُلَّ شيء تماماً محضُ وهم لذيذ وأحيانا مُر، لكنه يبقى وهم، وأطمئن، واهدأ... أنا هادئ بطبيعتي حتى ولو كنت أصرخ واتداعى...  اهدأ داخلياً. أأنا مجنون ام أنني عاقلٌ بين مجانين، ام أننا جميعاً زائدون، مُجرد أرقام فارغة!!

الليل... هو الذي يُدمر آخر حصوني... التي أرممها كل صباح، لأستطيع مواجهة الظلام الدامس... الظلام الذي ولحسن الحظ، لا يخترق الحصون المُرممة على عَجل، الظلام يأتي في الصباح، ويغيب قُبيل مُنتصف الليل، بحسب توقيتي... إلى اللقاء، في صباح جديد، أكتب في تمام الساعة 12:23ص.

***
لماذا لا أختلسُ لحظة...
لماذا لا أنتبه او أتوقف ؟ لماذا كل هذا الإسراع أو التسرّع ؟ حسناً... منذُ ساعة قُطع تيار الكهرباء، وهدأ كل شيء! 
الظلام جميلٌ... بل آسرْ.. بعض الشيء! الظلام هُنا يُشبه إلى حدٍ بعيد الهدوء والراحة! ولكنه لا يُحتمل لولا إشعالُ شمعةٍ.. الشمعة تذوبُ ببطئ.. لكنها تستمر في الذوبان، إلى أن تندثر! 
الفكرةُ تكبر... تتضخم.. والحيّز الذي يحتويها، يضيقُ بها، ولا يحتملها، هي تُريد بإصرار الخروج! وخروجها عسيرٌ وصعب... صعبٌ جداً.
سطرٌ جديد. كل شيء من حولي، يبدو مُشوشاً، مُضطرباً. والليل لم يعد كما كان! مَن لا يَتغيّر مع مرور الخيبات؟ سؤالٌ جديد: متى آخر مرةٍ أحسست بالهدوء وعدم الاستعجال ؟ 
.....
التوقيت ليسَ مُهماً. المُهم هو: إنني منذ أيام لا أستطيع الكتابة! وأشعر بأنني مُمتلئةٌ جداً بل وأكاد اتفجّر من فرط إمتلائي... ومع ذلك لم أعد قادرةً على إفراغي مما لا أحتملُ الإحتفاظ به! 
الأشياء من حولي تتداعى... تنهارُ ببطئ، وأنا لا أتحرك.. لا أبكي او أصرخ او... أهرب!
وحدي. نعم وحيدةٌ كالعادة، منذ متى وأنا مع.. أنا وحدي دائماً بلا مُبالغة! 
****
كنت بدي أحكي معك ضروري!
بس ما لقيتك... زعلت كتير وما نمت بس ما بكيت، كنت مخنوقة كتير... بس ما بكيت لحتى نمت، كانت لحظات صعبة... أصعب مما تتصور، لساعات ظليّت مش عارفه أعمل شي... غير إني أختنق، وظليّت أختنق لحتى نمت... كيف نمت؟ ما بعرف!
كنت بدي أحكيلك: لا تحكي شي ضروري! خلينا مع بعض هيك! بدون مُبررات ووعود وأحلام ! وكنت أتسائل؛ هل راح تفهمني؟ 
على فكرة أنت مش حبيبي ولا شي! أنت إنسان عابر ارتحت لك، لأني صادفتك وبس!
وأنا... أنا إنسانة مريضة... مُعقدة... الخ، بس ما طلبت منك تحبني... أو تظلّك معي، أنت اللي ظليّت..
بدي أحكيلك إني "كافرة" بكل شي! مش مؤمنة الّا بما أرى وأشعر! والحياة ما راح تتحملني...! كيف بدك تتحملني أنت ؟ 
أنت ما تعرفني...! آه، حكينا كتييير... وتعارفنا من زمان أكتر... بس شو تعرف عني؛ غير إسمي وشكلي وصوتي وأحاديثي السطحيّة معك ؟ 





فتاة البرزخ 9

قلبي كاد ينخلع، وبدأ جسدي ينضحُ عرقاً، وكانت حرارتي قد تجاوزت حدّ الغليان!
عندما تخيّلتُ مشهداً، يجمعني وصديقتي رنا، عاريتيّن ومُلتحمتين، ونبلغ ذروة الانتشاء ومن ثم نحتضنُ بعضنا فوق السرير، وتفوحُ في الأرجاء رائحةُ الأجساد التي انهكها اللُهاث!
- ما هذا الانحلال ؟ أسمعُ هذا السؤال يتفجّر في رأسي ! 
- هل أنا شاذّة ؟؟ أنا مثليةُ الجنس !! لا أنا شاذة وملعونة وفاسقة !!
- حسناً أنا كذلك إن أردت يا "صوتي الداخلي"ّ وصفي بذلك... ولكن هل تُدرك غُربتي! هه... أصمت وكفّ عن الصُراخ ودعني وانحلالي يا ذا الفضيلة !

***

ظلالٌ تتبعني. ووردةٌ جورية تكاد تذبل. وشمس لم تُشرق بعد. وليل أزرق. وعيون كثيرة. واجساد شفّافة. وكذبٌ كثير.. كثيرٌ جداً. يكادُ يُغرقني طوفان الكذب، 4/6

***
جاءت الحافلة وركبت وجلست وملت بجسدي ناحية النافذة، أرى من خلالها سُرعة الحياة، وفوضى الوجود. أسمع هدير الراديو الصاخب، كصوتُ الوكيل "المُقرف" على نحوٍ خاص... وإعلانات تستفزُ غضبي الدفين. وذكريات الأمس والليل والمشاعر الرقيقة، تستنزفُ طاقتي. وأصلُّ لجامعتي وقد أُنهكت تماماً، وابداً لستُ مُستعدةً ليومٍ جديد... أُفكر بالإنتحار او بتناول غدائي قبل العاشرة، او بصومٍ عن الغداء كُلياً... او بشراء بكيت سجائر والتهامه مع أكواب القهوة والنسكافية، او بإغواء فتاةً او شاب ومُمارسة الجنس لساعات وراء الكُليات... ولا أفعل سوى الذهاب لأقرب مبنى  والجلوس على أقرب مقعد، وانتظار مُحاضرتي الأولى.

***

قالوا لي الكثير، وسمعتُ وآمنتُ بالكثير... هل العيب هو الشيء الغير طبيعي ؟ ام أن الطبيعي هو العيب ؟ مَن سمّى الأشياء وصنّفها ؟ ولماذا أخجل/أخاف من أن أكون مُختلفة ؟! كأن أكون مِثلية ولادينية ولا تؤمن بإله ولا تحمل عينيّن مُنكسرتين ورأس محجوب ومليء بالمساحيق والألوان وجسد يُحاول لفت الإنتباه ..! هذا كثير ! ما الفرق بين العيب والحرام والخطيئة ؟ ولماذا كل هذا الخوف منّي إن لم أكن كما ينبغي ؟ هل الخوف قابعٌ فيّ ؟؟
لماذا عليّ أن أستمع فقط وأحفظ وأفعل ما يُملى عليّ؟ والّا فأنا... أنا "ملعونة" !
يبدو بأنني تُهتُ في ظُلمتي، وما خوفي الّا منّي! متى ما تجاوزتُ خوفي إنتصرت..! كيف سأتجاوزني وأخرج مني لأكون غيريّ..؟ سأحاول بكل الأحوال.
أكره إحساسي بالنقص والحاجة الدائمة لإثبات أنني "كما يُريدون لي أن أكون"، أكره ضعفي وإنكساري وغُربتيع الدائمة في عالمٍ لا يُرحب بي.. بل يُحدقّ في جسدي ويُعاملني بناءً على ذلك ! يُحدّق بي بوجهٍ شاحب مُتجهم مُتعالي.. وأنا الأنثى، وهذا يكفي لأن أكون صاغرة وتابعة.. ! أُلوف السنين انتجتني هكذا..فهل أستطيع التغيير !؟ الساعة تجاوزت الثانية صباحاً. سأنام الآن.. إلى اللقاء !

فتاة البرزخ 8

...بعدما جلسنا لساعتين لا أعلم كيف مضتا ؟ فقد كان يُحدثني طوال الوقت، وكان وجههُ قريبٌ منيّ، وكان فمه قبيحٌ ورائحته نتنة. لكنني كنت كمن قُيّد بإحكام...!

-ما فائدة هذا الحديث الآن... بعد الذي جرى !
-ما فائدة حياتي الآن وأنا أعلم بأنني سأكون يوماً ما جيفة تنهشها الديدان ! إخرس يا سائلي !

هل احببتهُ ؟
يُمكن أحببتُ الخطيئة التي ارتكبتها من خلاله مع سبق الإصرار !! 
هل كان حجابي قيّدي ؟ هل خلعي لهُ عتقاً لي ؟ ام كان مُجرد ديكور يحفظني من الشر الكامن في أعماقي... هل أنا... حسناً هل أنا عاهرة/شرموطة/قحبة/داعرة لولا إنفراج فخذيّ وعلوّ قهقهتي وانتشائي من قُضبان تلجُ مهبلي او كُسي او ثُقبي !

أكاد اتقيأ عندما اسمع حواراً (عربياً) حول "جنس حوا" ! وأعلم يقيناً كم نحن مولعون بالاثداء والارداف والمهابل الضيّقة والاهات اللاهثة والعيون الشبقة...! مولعون بكل ذلك حدّ الثمل، وفي غمرة ثملنا نلعن حواء ونسلها !
سأنام الآن...!

كنتُ أرتدي قميصاً أبيض، وبنطال جينز ازرق، وحذاء جديد اسود لامع، وجوارب شفّافه سوداء، وقبل دقائق قليلة خرجت من محاضرتي الأخيرة، والساعة تُشير للثانية والنصف مساء، لم أكن جائعة... كُنت... أشعرُ بي حارّة، ومُندفعة... مضيتُ معه وركبنا السيارة واتجه بي لمكان لم أعرف إلى الآن كيف وصلنا له وكم استغرقنا من الوقت لنصل... نزلنا وبلا كلام بدأنا نلتحمُ ببعضنا... فتح القميص ودلّى ثديايّ وبدأ يلعبُ بهما.. نزلتُ وركعت أمامه على ركبتيّ، وأخرجت قضيبه وبدأتُ المصّ.. كنتُ وأنا العق قضيبه الحار، انظر إليه، وكانت عيناهُ تقدحان شهوةً و... أمسك شعري بيديه وعلى أربع مشيت وراءه، طلب مني أن أضع رأسي على الأرض لترتفع مؤخرتي... ففعلت وقد كنت اختنق وارتقب... وفجأة اقتحمني شيءٌ مؤلمٌ وفظيع، وصرختُ صرخةً مكتومة... وقضىّ فيّ ماءه الساخن وقام عني مُترنحاً، وانكفئت أنا على الأرض، غارقةً في... اللاشيء! 
نسيان. إطمئن او إهدأ... لم أفقد غشائي. هل الآن صار الأمر هيناً ؟ يُمكنني أن أستمر دون أن أحمل في جسدي دليلاً يُدينني... يا للحُمق والوضاعة !
لم أطلب منهُ مُعاشرتي من... من المكان الذي يحمل قذارتي... لكنه أراد أن يُؤلمني ويحميني كما يدّعي الأخيرة... يحميني من فرضية عدم زواجه مني، لأكون صالحةً لزواجي بآخر... لم أطلب منه -ولو لمرةٍ واحدة- الزواج بي... يا للحمق! 
عرفتهُ قبل دخولي إلى الجامعة، وسأخرج من جامعتي مومس/عاهرة خاصة لهُ، وسيخرج رجل... كما دخلها رجل! يا للحُمق مرةً ثالثة... في تلك المرة الأولى والأخيرة التي يعتليني بها كالدواب، غادرنا وقد أشبع رغبته وقد ضلّت رغبتي حبيسة جسدي، قذف فيّ ماءه ومائي بقيّ فيّ محبوساً...!
لماذا كتبت ما قد صارَ وانتهى ؟ لكي أُشفى من عاري...! عاري الذي أحمله في أعماقي ولو تحصنتُّ في قعرٍ مُظلم سيبقى واضحاً...!

عاري الذي خصّني وميّزني بهِ الله.
 الله الذي أمرني بغطاء يُغطي شعري وبرداء يسترُ جسدي الفاتن، وبأن أسير وقد جللّني خوفٌ وإنكسار... والّا فأنا عاصيةً لله. هل الله هو الناس ؟ 
أرتدي الحجاب والجلباب، وبعد خروجي وإبتعادي عن مملكة أبي، أخلع كلّ اقنعتي...! 
منذُ ثلاثة أشهر بدأت، وسأستمر فيما أقوم به. ولكن مَن يستطيع خلع أقنعة باتت أصيلةً فيه ؟ خلعت حجابي وجلبابي، متى وكيف ساخلع انتقاصي لنفسي، وجسدي ؟؟

من هُم ؟ الذين يرونني وفق شكل مُحدد، ويحكمون عليّ وفق ذلك ! 
هُم ذاتهم، مَن ينظرون لي، وقد سالت شهواتهم المكبوتة من عيونهم وألسنتهم تفوحُ منها رائحة القُبح ! هم الذين يرغبون في مُضاجعة مؤخرتي ولعق مهبلي ومُداعبة اثدائي... ثُم ماذا ؟ أكونُ عاهرة... ملعونة... لها شكلٌ ممقوت ومكروه... لهم أجر أن غضّوا ابصارهم عنيّ !!

فتاة البرزخ 7

قد مرّت الأيام والليالي، واهدتني جُرحاً وقلباً جديداً وقبراً يضمُّ رُفاتي. وليالٍ نسجت فوق كاهليّ ثوباً أسود وآخر كُحلي. وطوّت ثوبي الأبيض الناصع، ووضعته بعد ذلك على رفّ النسيان!
ما الفرق بين نسيان ونيسان ؟ الكذب والغدر والنهايات والاشتياق كُلها اجتمعت فيهما! السين تتقدم في الأولى لتُخبرنا بأن سلوانا بأن ننسى مُجرد كذبٌ وهذيان... 
الخامس من نيسان/أبريل، وأكتبُ بعثي مُجدداً، بعد موتي قبل شهر ونيّف.. متُّ ! او مات قلمي ! لا فرق... المُهم هو أنني كنت ميّتةً وعُدت!

رفُّ النسيان مليءٌ ومُثقل، ولا يحملُ من أسمهِ سوى عبء الأحرف وشدّة الفاء... أأهذي أنا ؟ ام أنني ثملتُ جرّاء إفطاري من صومي الطويل عن الكتابة ؟؟
رفُّ النسيان، إنهار مُؤخراً وملئ المكان فوضى وغُبار وأتربة بعدما كانَ مُرتباً (جداً)!
هواء الليل بارد، وجسدي يغلي، وأصوات الكلاب تُدوي في جُمجمتي، والساعة تُهمس لي بأنني تماديت في سهري، كيف لي أن اُخبرها بأن الأرق كبلّني واوثقني جيداً... قبل رحيل الشمس !! 
رحلت شمسي، قبل يومين، وغاب بدري وراء الغيوم الكبيرة، وفي هذه المدينة لا يُمكن رؤية نجوم الليل الساطعة ! فكيف تُطالبينني يا ساعتي الملعونة بأن أنام باكرا ؟! حسناً أنا مريضة او مُضطربة او... لا أدري! دعيني وشأني الآن..!

الليل يعوي في الخارج. ويتردد لمسمعي صوتُ نُواحٍ وعويل... لماذا يستمرُّ كُل هذا ؟ 
****
التاسعة إلّا خمسُ دقائق، في "سكوير" الطب/الجامعة الهاشمية.
لن تأتي؛ تلك اللحظة التي تنتظرها... لن تأتي ببساطة بلا تفسير... ما دُمت تنتظر لن تأتي! وسواء كنت مؤمنٌ بالله او المُصادفات او القدر والمكتوب او اللاشيء، في الإنتظار كُل الإيمان يستوي...!
في "السكوير" حيث أجلس الآن وحدي، يوجد عدد من الطُلاب... لماذا لا أقول طالبيّن وعدد من الطالبات، ومع ذلك أشعر بأنني غريبٌ بينهم، هل لأنهم طُلاب طب وأنا طالبٌ في العلوم التربوية ؟ 
في العادة لا أُقارن نفسي بالآخرين... لكنني الآن في كليّتهم الفارهة، وأحتلُّ رُكناً من "سكويرهم" الجميل!
"سكويرهم" !! الكلمة مُمتلئةٌ بشيء لا يُطاق، لكنني أنا الذي أُفكر بهذا الأمر، عليّ حتماً أن أنتهي عن هذا !

هذا المكان (السكوير) يُشبهني... يفتنني... ويحتضنني... مع أن هذه هي المرة الثانية التي أجلس فيه! عندما وجدتهُ ذات صدفة، أحسست بأنني اكتشفته... لحُسن الحظ إكتشفته!

أعود للإنتظار. الإنتظار لعنة الوجود! لا أنتظر شيئاً بعيّنه، لكنني أكاد أحترق من شدّة إنتظاري!
أكادُ أذوب او أتجمد!
هذه الكُليّة ستُخرج أطباء... الكثير من الأطباء! أحدهم قد يُحاول إنعاشي عندما ألفظ أنفاسي الأخيرة، واحدهم قد يأتيني ليشكي لي أوجاعه الوجدانية! وكل ذلك هُراء لا أكثر! نحن مُقرفون جداً ومدعاةً للسُخرية والتعاطف !
سأتوقف عند هذا. وأبدأ بالقراءة... بالابتعاد عن هذا الضجيج، 
منذُ قليل توقفت عن القراءة (اقرأ في هذه الأيام مُذكرات إليف شافاق "حليب أسود")، توقفتُ عند قصّة الشاعرة الأمريكية سلينيا بلاث، الشاعرة التي اصطدمت مع امومتها... مع غُربتها كإمرأة في عالمٍ هجين ومُخادع، إنتحرت سلينيا في الحادي عشر من فبراير عام 1963م، في صباحٍ أكاد أشعر بهِ بارداً كئيباً من فرط ظلامه. كانت تُعاني من الحياة المُتناقضة فضلاً عن الاكتئاب، فأختارت الموت إختناقاً بوضع رأسها في فرن الغاز الذي خَنقها بأول أوكسيده... وتركت أشعاراً وطفليّن وزوجٍ غريب مسؤولٌ بشكل او بآخر عن موتها.

أُكمّل ما بدأت. في الليل ينتابني شعورٌ غريب! يغزوني غضبٌ لا أعرفُ.... لا بأس! أين كنت ؟ أنا مُرهقٌ من مرور الأيام والوجوة والأحلام والمخاوف! أنا جداً مُتعب! لم أعد أحتمل مزيداً من... دعوني أسميها "المُفاجآت" وكذلك أعلم بأنني لن أصبر على "عاديّة الحياة"، أحملُ في أعماقي تناقضاً وشذوذاً وثورة، وأُقاتل اشباحاً، وأخافُ جنوني واضطرابُ مزاجي العنيف! أيضاً لا أرغب بأن أكون "شخصاً عادياً"، ويُرعبني خوفي من اللاشيء! 
لن أواصل حديثي عنّي، كيف سأحميني من جُدران الواقع وألوانه المُتنوعة؟ كيف سأتحرر من تلك الجُدران ؟ وعليّ حتماً أن أبقى يقظاً حتى لا أتلّون دون أن أدري؟ 

الاثنين، 3 ديسمبر 2018

علبة معجون (قصة قصيرة)

إنتزع نفسهُ من... شيء يُشبه الجمود، وسارع للحاق بباص الشركة الذي لا ينتظر أكثر من نصف دقيقة (وقت فتح الباب وصعود الراكب وجلوسه)، الحمد لله لم يفته موعد الباص، وفي أثناء رحلة الوصول لمكان العمل، راح صاحبنا "يُقاتل" بمعنى الكلمة أفكار/مشاعر بدأت تشتعل بقوّة في جُمجمته، وزاد من اضطرابه شعورٌ بالضيق في الصدر يعود إليه كُل حين... يعود كُلَّ يوم تقريباً، في الصباح عندما يركب هذا الباص.

وَصل صاحبنا ورفاقه، وتوزعوا في أنحاء المكان، بعدما ارتدى كلّ واحد منهم معطفه الأزرق الداكن، والباج.. وبدأوا عملهم كعمال نظافة مع شركة "ك" في إحدى الجامعات الحكومية، الصباح في هذا اليوم باردٌ جداً، باردٌ بشكل فظيع... فالرياح شرقيّة والسماء مُلبدة بالغيوم التي لا تُمطر وإنما تحجب دفئ الشمس فقط! صاحبنا في هذا اليوم يرتدي حذاء "سيفتي" اشتراه مُستعمل، وها هو يُسرع في تنظيف ساحة المبنى الذي يعمل فيه، يحمل الأكياس السوداء الكبيرة، وينتقي القُمامة حتى أعقاب السجائر، ويظعها في الكيس... وهكذا. حتى تذكر... قبل يومين، في المساء وقُبيل موعد النوم، طلبت منه ابنته جنا "علبة معجون"، وهو لم ينسى طلبها، لكنه لا يستطيع... لا يعرف كيف ؟ 
إعتدل واقفاً، ساهماً، يبدو غرقاً في التفكير... وأظلم وجههُ الضاحك دائماً... وجهه من تلك الوجوة السعيدة، التي عادةً ما يكون أصحابها أكثر الناس شقائاً! 
المُهم، استمر هكذا لدقيقة او دقيقتين، والساحة فارغةٌ تماماً، والرياح الشرقية الجافة تُحرك الأشجار، والسماء مُتجهمة، حتى المبنى بدا وكأنه غاضبٌ من شيء ما... ورأى وجه المسؤول... الشاب الذي يُعاملهم كالدواب، وارتعب، وكأنه إستيقظ وراح يتلّفت وينظر في الأرجاء بعيون زائغة خائفة... وانتبه مرعوباً، لنسيانه وضع الباج حول رقبته، وتنفسّ الصعداء، وعاد لإنتقاء القُمامة دون إبطاء. وهو يُدمدم بأُغنيةٍ سمعها قبل قليل من راديو الباص، وتقول كلماتها: لو كان بخاطري أنا... لو كان بكيفي كمان... تممممم.

الأحد، 2 ديسمبر 2018

ثلث الساعة إلا دقيقة، مضت منذ دخولي لشهر ديسمبر، الشهر الأخير من هذه السنة... السريعة!

وباقٍ سبعة دقائق، حتى ينتهي هذا اليوم الأول! بالفعل هو أول، هو نهاية "بسيطة" لشيء كان لابد من أن ينتهي، ليبدأ شيءٌ آخر... أتمنى أن يكون جميلاً او على الأقل "شيءٌ بلا تعقيد"!
فقد تعبت... نعم تعبت من... أشباح... لاشيء تُحاصرني وتزمجر بضجيج حاد، لم أعد قادراً على تحمله...!
هل أنا ضعيف ؟ ربما! ولماذا لا ؟ لماذا نخافُ كَشفنا ؟ ونجتهد في عدم رؤيتنا كما نحن ؟؟

ولأكون مُنصفاً في حقي، أنا لا أحتمل الألوان العديدة ولا أقبل الواقع كما هو... الواقع دائماً لا يسرّ ولا يُحتمل... ولكن هذا الشيء سببهُ نحن، كيف ؟ لأننا نتخيل ونبتدع تصورات غالباً ما تتنافى مع الحياة الحقيقية...!

وليس الخطأ إلّا الإستمرار... لنتوقف عن الأخطاء لا لعن المُخطئين! لكن مَن يقوى على التوقف ؟ 
مَن يملك جُرأة الإعتراف ؟ 
ساعتي قد تجاوزت مُنتصف الليل، وبدأ يومٌ جديد الثاني من ديسمبر. أتسائل الآن، لماذا نستمر ؟ ما جدوى الحياة ؟؟ هل هُناك شيء يستحق مِنّا كُلَّ هذا العناء والبحث المُضني ؟؟ بالنسبة لي، توجد الكثير من اللحظات التي استشعر فيها عَظمة وروعة الوجود... كمثال عندما إستيقظ باكراً وأذهب لجامعتي "القريبة" وآخذ معي كتاب (رواية)، وعندما أصل أول شيء أقوم به هو شراء قهوة "فوق الوسط" وأذهب مُسرعاً، حيث أجلس وحدي (مَجازياً)، وأدخل جنتي...! وأنا أكتب أحسست بالنشوة والفرح !

ولكنني، بتُّ كاهراً للقاءات والجلسات والكلام الفاضي وإنفاق الساعات في أحاديث يومية مُقرفة... وعذابي المؤلم عندما أضطر (أخلاقياً) للجلوس او الإجتماع مع الناس. ويُعذبني تفكيري وصوتي الخفيّ ورؤيتي للأشياء بطريقة غير عادية! لكنني حيّ، وأُقاتل "أشباح" وأُحاول أن لا اتداعى... قدر الإمكان!


الأحد، 25 نوفمبر 2018

عاجزٌ تماماً. وكُلما حاولت جمع شتات أفكاري تزدادُ حيرتي إستعاراً ؟ ما الذي ألمَّ بي ؟ لا أعلم...
ما يُعزيني فقط هو إمتلاكي القُدرة على الوحدة ورغبتي الجامحة-الدائمة للإنعزال والابتعاد عن ضجيج الحياة وإزعاجها..!
ولكن؛ حسناً أنا أشعر بأنني أتشظى.. او كوصفٍ أدق أنا أسمع وَقع تحطمي ولا أملك سوى الإستماع، وأُذكر نفسي بإمكانية إستمتاعي لسماع تحطمي على الأقل..!

هل الحياة، أو لحظة الآن دائماً صعبة/سيئة والأجمل هو الذي ذهب أو الذي نأمل منه أن يأتي ؟
كل البدايات جميلة... كل الصباحات جميلة، وكل مساءٍ حزين. والليلُ صاحب الوحدانيين والمُنعزلين، الذين يُناجون كل شيء إلّا البشر..!
البشر، نحن الذين نملك في رؤوسنا مصدر عذابنا الوحيد ! ونحيا وهم التفوّق، ونحزن كثيراً لموت أحدنا ! هل نحزن أو حزّنا، لجفاف شجرة، او موت قطّة او كلب او سمكة ؟؟ وحدنا نستحق الحياة، او على الأقل نحزن ونأسف لإنتهاكها.. إنتهاك حياتنا، ولو بفعلٍ ربانيّ او بفعلنا!

حسناً، لم يعد بإمكاني مواصلة الكتابة.. مع أنني لم أكتب ما أُريد أو لم أستطع صياغة ما في رأسي من أفكار تفتعل ضجيجاً (مُؤلماً) في سجنها... في رأسي!
ليلة سعيدة للكئيبين المُنهكين، تصبحون على واقع جميل مهما كان سيئاً.. وصباح لا يحتاج لأمنيات ليكون صباحاً سعيداً !

الخميس، 22 نوفمبر 2018

كان يقف بمُحاذاة الباب الضخم والمفتوح دائماً.
يقفُ ساهماً وكشجرةٍ باسقةٍ إنحنت مع مرور الوقت، بدا كاهلهُ الذي إنحنى وتقوّس قليلاً. 
هو حارسٌ لهذه البلدة التي أصبحت مؤخراً غريبة ومُوحشة بشكلٍ لا يُصدق، يحرسها منذُ ثلاثةِ عقود. 

في الليل، وبعد إنتشار الهدوء في الأرجاء، يُشعل النار في سطل زيت مُثقّب بشكل طولي، ويجلس خارج كوخه ليحرس بلدةً نامت بعد يومٍ شاق!، 
في الليل ينامُ بشكل مُتقطع، وإن أردنا الحقيقة هو لا ينام ولو أغمض جفنيّه، وعَلا صوتُ شخيره المُتحشرج، 
وحول مائدة العشاء، تحلّقت عائلةُ سعيد الصغيرة، زوجته وإبنته وولديّة، سعيد يكاد ينغمس في النوم، والليل في أولهُ، وبعد أقلّ من ساعة سعيد نائمٌ بعُنف، عنيفٌ في نومه لأنه أمضى يومهُ حمّالاً للاثقال في سوق البلدة المُزدحم، 
كانَ يسير بإتجاه المسجد القريب، عندما لَمح شبحها. توقف، وتلّفت في كلّ الاتجاهات، قبل أن يحلقَ وراء هيئتها المُدبرة، ترتدي سواداً وتضعُ فوق رأسها دفتر... وتجري كأنها تهرب من وحش، 
"الصلاةُ خيّرٌ من النوم..."، وتنبّه من غفوته اللذيدة، واستسلم لخدر الناعسين، وقامَ مُتثاقلاً ليتوضأ... الجوّ بارد بل قارس، وتخيّل إستحالة انتهاء اللحظة، وبدأ يملأ إبريق الوضوء من ماء حنفية السبيل، 

عشرون عاماً.. بل ثلاثون. ما الفرق ؟ قبل... عام كُنت شاباً وهاانا أكاد أسقط في حفرتي المُظلمة ! عشرون عاماً او ثلاثين، منذ كنت اربعينيا يُعاني من ضغط الدم وأعراض الروماتيزم، واليوم لا أعاني فقط من مرض خبيث...!
ما الفرق، بين ولادتي واحتضاري القريب !، 
وأمسك عصاه، ومضى نحو بيته لينام قليلاً. 
كم نموت في حياتنا ؟ عفواً، كم ننام ؟ 

وصلا مُفترق طُرق، هي توقفت عن الجري أو الهرب، وهو كذلك توقف على بُعد سبعة أمتار منها ! إلتفتت والتقت عيناهما، ولم يلتقيا بعد ذلك أبداً؛ هو ذهب للقتال في جبهات الشمال، وهي تزوجت من إبن عمها العائد من بلاد الواق واق.! سبعة أمتار، كسبعة أعوام عاد بعدها الجُندي، يحمل فوق كاهله عبء الحياة وجدواها وغايتها ومُنتهاها، عادَ يائساً من كل شيء، فقد تلاشى إيمانهُ تماماً، وتصحّرت أرضه، وصار البردُ ساكناً فيه لا يَبرحهُ، هل بدأ عذابه يوم لحاقه بهيئة الهاربةُ منه ؟ لو أنه لم يلحق هل كان سيطمئن قلبهُ كالعادة عندما يخرج من باب المسجد ؟ لو أنهُ...

كخطيئةٍ أرتكبها داعرٍ أو عاهرة، تبدو الحياة.

في غَمرة إنشغاله المحموم، كانت الأفكار التي يُجاهد حَرفياً في إبعادها عن وعيه، تُحاولُ إحتلالهُ وإسقاطه في وحلها اللزج والعميق. 
أفكارٌ مُتنوعة، ولكنها تتشابه... تتشابه في صعوبتها واشياءٌ آخرى لم يُدركها العقل البشريُّ بعد!. 

أسئلةُ الـ "لماذا ؟" هي التي ولّدت قَلقنا الوجوديّ وبحثنا عن أجوبة حقيقية جعلنا نُبحر في مُحيط اليأس بلا قارب، وكان وما زال سبب بؤسنا، هو الأمل بالوصول لميناء او شاطئ نجاتنا ! 

الساعةٌ تعمل، والأصوات بعيدة لكنها مُزعجة... كلّ الأصوات يُمكن تحمّلها إلا أصوات البشر البعيدين والقريبين أيضا... والهدوء الدائم ليسَ إلا عاصفةٌ هوجاء تقترب... وأنا أهذي، وعربيدٌ ما ينتشي فوق جُثة إمرأةٍ كانت قبل قليل تتأوه وجعاً أو شَبقاً...!

أنا أهذي، وطفلٌ يموتُ جوعا، هكذا ببساطة، وآخر بسهولة يموت لأنه لم يجد علاجاً أو وطن يحتضنهُ ويُخفف من أوجاعه... هكذا ببساطة !
تعتقد بأن الحياة قد تُنصفك، تُعاملك بما تستحق، وتنسى او لا تعلم بأن الحياة، هكذا ببساطة مُجرد "خطيئة" أُرتكبت بشكل عادي وبلا أدنى شعور بذنب..!

الساعةُ تعمل. وأنا ما زلت أهذي... والعطش يشلُّ اركاني وأنا جائعٌ جداً، وأعلم بأنني لن أشبع...!

وأعلم بأنني مُجرمٌ بشكلٍ او بآخر. 
لماذا لا تموت الساعات ؟ 
ولماذا بتُّ أكره إنسانيتيّ ؟ وأكره أن أرى جرواً مات ولم تُقم عليه أمهُ حِداداً وجنازة ! هل الآباء (الحيوانات) لا يملكون أدنى مسؤولية في العناية بأبنائهم ! أم أن الأمر بسيط... وأنا أهذي فقط ؟

في الخارج الأمر مُختلفٌ كُلياً. أنت هُنا في عالمٍ آخر، عالمٌ خاص. تسلل إلى الخارج، وأقتلع بعض الأغصان النضرة، وأشعل أوراق اللوز الخضراء، ونمّ على صخرةٍ... النار لونها أزرق سماويّ ! وسماء النهار الوردية ملئيةً بالنجوم الضخمة والصغيرة جداً. 
والشمس حمراء، والقمر أخضر داكن. والتراب لونهُ رماديّ... والنهر ذو اللون الأصفر لا يجري، والصحراء تلوحُ في الأفق، وورائها يبدو الجبل الأسود شامخاً، كإلهٍ ما... وأنت تستيقظ للتو. تُمسك هاتف «الصارخ» لتطفئه او تُحطمه... تُسكته وتضعه جانباً. تُغمض عينيك وتتخيل عودتك للنوم... تقوم في الحال. تترنح في مشيتك. تكاد تسقط ولا تسقط بل تدخل الحمام لتخرج بعد دقيقتين وقد غسّلت وجهك جيداً. عيناك بل وجهك كلّهُ مُتورم.

ترتدي ملابسك العمليّة. وتنسى وضع القليل من العطر، وتتذكر جوع بطنك، ولا تملك وقتاً، لإختلاس -أي شيء يُمكن أكله-. بالفعل منذ خمس دقائق تنتظر قدوم الباص. وها أنت تجلس في المقعد، وتهتز مع اهتزاز المركبة. ذهنك صافٍ وعيناك ذابلتان. وأنت ناقمٌ وغاضب، لا تعرف على مَن بالضبط ؟!

وكسجين مُقيد، ويجلس في حَضرة مُحقق حقير... لا تملك سوى الاستسلام، لسماع برامج الصباح المُقرفة وإعلانات المذياع المُبتذلة، وروائح الناس من حَولك تُصفعك حيناً وتُدغدك حيناً آخر... وتصل إلى وجهتك، مُجهداً، تنزل كمولود او كسجين تم الإفراج عنه... وترى بأن كل شيء يبدو غريباً... غريباً جداً. 


الثلاثاء، 20 نوفمبر 2018

كخطيئةٍ أرتكبها داعرٍ أو عاهرة، تبدو الحياة.

في غَمرة إنشغاله المحموم، كانت الأفكار التي يُجاهد حَرفياً في إبعادها عن وعيه، تُحاولُ إحتلالهُ وإسقاطه في وحلها اللزج والعميق.
أفكارٌ مُتنوعة، ولكنها تتشابه... تتشابه في صعوبتها واشياءٌ آخرى لم يُدركها العقل البشريُّ بعد!.

أسئلةُ الـ "لماذا ؟" هي التي ولّدت قَلقنا الوجوديّ وبحثنا عن أجوبة حقيقية جعلنا نُبحر في مُحيط اليأس بلا قارب، وكان وما زال سبب بؤسنا، هو الأمل بالوصول لميناء او شاطئ نجاتنا !

الساعةٌ تعمل، والأصوات بعيدة لكنها مُزعجة... كلّ الأصوات يُمكن تحمّلها إلا أصوات البشر البعيدين والقريبين أيضا... والهدوء الدائم ليسَ إلا عاصفةٌ هوجاء تقترب... وأنا أهذي، وعربيدٌ ما ينتشي فوق جُثة إمرأةٍ كانت قبل قليل تتأوه وجعاً أو شَبقاً...!

أنا أهذي، وطفلٌ يموتُ جوعا، هكذا ببساطة، وآخر بسهولة يموت لأنه لم يجد علاجاً أو وطن يحتضنهُ ويُخفف من أوجاعه... هكذا ببساطة !
تعتقد بأن الحياة قد تُنصفك، تُعاملك بما تستحق، وتنسى او لا تعلم بأن الحياة، هكذا ببساطة مُجرد "خطيئة" أُرتكبت بشكل عادي وبلا أدنى شعور بذنب..!

الساعةُ تعمل. وأنا ما زلت أهذي... والعطش يشلُّ اركاني وأنا جائعٌ جداً، وأعلم بأنني لن أشبع...!

وأعلم بأنني مُجرمٌ بشكلٍ او بآخر.
لماذا لا تموت الساعات ؟
ولماذا بتُّ أكره إنسانيتيّ ؟ وأكره أن أرى جرواً مات ولم تُقم عليه أمهُ حِداداً وجنازة ! هل الآباء (الحيوانات) لا يملكون أدنى مسؤولية في العناية بأبنائهم ! أم أن الأمر بسيط... وأنا أهذي فقط ؟

في الخارج الأمر مُختلفٌ كُلياً. أنت هُنا في عالمٍ آخر، عالمٌ خاص. تسلل إلى الخارج، وأقتلع بعض الأغصان النضرة، وأشعل أوراق اللوز الخضراء، ونمّ على صخرةٍ... النار لونها أزرق سماويّ ! وسماء النهار الوردية ملئيةً بالنجوم الضخمة والصغيرة جداً.
والشمس حمراء، والقمر أخضر داكن. والتراب لونهُ رماديّ... والنهر ذو اللون الأصفر لا يجري، والصحراء تلوحُ في الأفق، وورائها يبدو الجبل الأسود شامخاً، كإلهٍ ما... وأنت تستيقظ للتو. تُمسك هاتف «الصارخ» لتطفئه او تُحطمه... تُسكته وتضعه جانباً. تُغمض عينيك وتتخيل عودتك للنوم... تقوم في الحال. تترنح في مشيتك. تكاد تسقط ولا تسقط بل تدخل الحمام لتخرج بعد دقيقتين وقد غسّلت وجهك جيداً. عيناك بل وجهك كلّهُ مُتورم.

ترتدي ملابسك العمليّة. وتنسى وضع القليل من العطر، وتتذكر جوع بطنك، ولا تملك وقتاً، لإختلاس -أي شيء يُمكن أكله-. بالفعل منذ خمس دقائق تنتظر قدوم الباص. وها أنت تجلس في المقعد، وتهتز مع اهتزاز المركبة. ذهنك صافٍ وعيناك ذابلتان. وأنت ناقمٌ وغاضب، لا تعرف على مَن بالضبط ؟!
وكسجين مُقيد، ويجلس في حَضرة مُحقق حقير... لا تملك سوى الاستسلام، لسماع برامج الصباح المُقرفة وإعلانات المذياع المُبتذلة، وروائح الناس من حَولك تُصفعك حيناً وتُدغدك حيناً آخر... وتصل إلى وجهتك، مُجهداً، تنزل كمولود او كسجين تم الإفراج عنه... وترى بأن كل شيء يبدو غريباً... غريباً جداً.


الاثنين، 19 نوفمبر 2018

صديقي الله... أنت غير موجود بشكل حقيقي لأضمن سماعك لي او قراءتك لكلماتي هذه... أنت لست صديقي لأنني لا أعرفك جيداً، لنُصبح أصدقاء. ولستَ عزيزي ولا أستخدم كلمة "سيّدي" في حديثي مع الآخرين أبدا... اوووه لماذا كل هذا التبرير..
الله... أنت الذي أعرفك ولا أعرفك، هُنا أنت مسؤول عن كل شيء حَدث ويَحدُث وسيحدث، الناس هُنا يخافون منك جداً... هل أنت مُرعب لهذه الدرجة ؟ كيف أدخلت هذا الرعب في نفوسهم ؟؟
مَن أُحدّث أنا ؟ أنا لا أهذي ولا اُعاني من ذُهان افقدني صوابي وجعلني أرى ما هو غير موجود !
حسناً... الله هو الموجود اللامرئي، لذلك حديثي معهُ حقيقيّ، وعندما أحدثه فأنا أتحدث لموجود يُنصتّ ويَعي، يا الله هُنا يتحدثون عنك كثيراً... كثيراً جداً، بل يتحدثون بلسانك... مثلا هل أنت قلت: كهيعص او وانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع او القارعة... ما القارعة ؟ وما أدراك ما القارعة ؟ هل أنت من كَتب هذا السجع والحشو المُفرط في النصّ... الشعري؟ 
يا الله أنا أكرهك بقدر حُبي لك، أنا أعرفك جيدا بل ولم أتخيل في لحظة بأنني قد لا أؤمن بوجودك...! أين أنت ؟ الجميع هُنا يخافونك ويُحبونك وأنت لم تظهر سوى في الكتب والمعابد والأحلام !
كيف نعرف شيء ونحن لا نعرفه ؟ كيف نؤمن باللاشيء ؟ 
يا الله، يقولون بأنك الخالق، والبارئ، والمُصور، وبأن لك أسماء... أسماء حُسنى عددها تسعاً وتسعون! هل كنت عاجزاً عن اكمالها مئة أسم ! لا تزعل إنني أُمازحك، ههه أنت تُعاقب بالحرق والتعذيب إن زَعِلتْ..! وتُجازي المؤمنين بوجودك بجِنان فيها كل شيء.. تحديداً أنهار من خمر ولبن وطبعا ماء زُلال ونساء فاتنات ووِلدان مُخلدون، هل جنانك مواخير ؟؟

هل كل الذي تريده هو إيماننا بكَ... آمنا بك ما الذي تغيّر ؟ هل خلقت العالم والكون أجمع سواءً في ستة أيام او عشرة او لحظة، من أجل أن تكون سيداً لمليارات العبيد !! هل أنت ساديٌّ ومهووس لهذه الدرجة ؟؟ مَن أًحدّث ؟ لا يوجد من حَولي سوى جُدران وأرائك وصوت تلفاز يأتي من الغرفة المُجاورة... أين أنت يا الله هل أنت في السماء كما يقولون ام أنت مُجرد وهمٌ لذيذ يسكن الرؤوس ؟؟

الاثنين، 12 نوفمبر 2018

كلّ الأماكن غريبة وباردة، وكلّ الوجوة رمادية وقاتمة.. لماذا كُلّ هذا الإكتظاظ والسعي ؟؟

عينيّ رماديتان وفيهما سوادٌ قاتم، والغُربة تسكنني وتُحيلُني جليداً لا يذوب...!

لا أرضى بإنسانيتي الحيوانية، ولا أقبل فوضى النظام الرتيب...! لذلك لا أحيا مُطمئناً في الإكتظاظ والسعي مع الساعين !!

لستُ أنا مَن كَتب، أنا عدة أُناس في جسم واحد! وكلّ حين اتفاجئ بجديد. 
يدي ترتجف، ويملكني خجلٌ رهيب، وأنا جسورٌ ومُتمرد وعبد وقائد ومُنهزم يسعى جاهدا للإنتصار !
أنا... محضُ طفلٍ يكره العالم كُلما نضج ! بالمُناسبة «نضوجاتي» المُتتالية لا تعني إطلاقاً نهاية طفولتي... تعني بأنني طفلٌ يهرم، وما أقسى الطفولة في عالم مليء بالكبار والبالغين !!

كانت في كل ليلة، عندما تخلد للفراش، تتأمل الصورة وتراودها رغبةٌ جامحة في حرق الهاتف الذي يحتوي تلك الصورة، لكي تتخلص من عبء ثقيل ترزح تحت وطأته! لا تحرقه ولا حتى تُغلقه او تحذف تلك الصورة، تضع الهاتف بجانبها وتتغطى بلحافها وتنام بعد تفكير طويل...!

وقد كان ينامُ منذ ساعة تقريباً، ينامُ كميت! فهو لم ينم بشكل حقيقي منذ يومين، وها هو يدفع الثمن. يعودُ من العمل المُضني الذي يستنزف ساعات نهارة وبضعة ساعاتٍ من ليله، وقد أُنهك تماماً ولا يملك سوى الاستسلام !

استسلمت المدينة، ورفعة راياتها البيضاء. وقبل المغيب كانت الرايات قد تلوّنت بالأحمر القانيّ.. والشوارع باتت مهجورة وكئيبة ومُظلمة... وفيها لونٌ أشبه بالرماد لا يُرى لكنهُ يُحسّ بإحساسٍ غامضٍ مُريب!، 

عادت وقد تغيّر شكل الحي، فعمارة الإسكان باتت مهجورة ومُدمرة، ومُزينة بثقوبٍ عميقة. والأشجار إختفت، والشارع ... الشارع بات مأوى للكلاب الضالة...

الجُثث... الجُثث لا تُدفن، هل تغيّرت العادات ؟ 
ولم يعد هُناك فرق بين جُثة كلب مات مدهوساً، وتم التعاطف معه بإلقاء جثمانه بجانب الطريق، وبين جثة إنسان لم يتعاطف أحد معها لتُلقى بجانب الطريق... يا للعار !!

وهي تتهادى في الطريق الفارغ المُظلم، عائدةً من بيت آخر زبائنها، وتحمل في حقيبتها مئتي دولار وزُجاجة عطر وكيس مليء بالواقيات الذكرية وعدد من الجوارب الطويلة الشفافة... وهوية شخصية وصورة لطفلة تبتسم. 
كان رأسها مليءٌ بالضجيج وفي عينيها أثقال ودموع حارة... هي علامات الإفراط في شُرب الكحول، وفي أنفها رائحةٌ نافذة ممزوجة بروائح عديدة ومُتناقضة، أبرزها رائحة المنيّ الذي قُذف على وجهها عدة مرات في هذه الليلة...! وصلت حيث شقتها، خلعت حذائها ذو الكعب العالي، ودون أن تُبدل ملابسها، رمت بجسدها فوق سريرها الذي أنَّ من تحتها وراحت في غياهب النوم...!

في جُنح الظلام، كان الليلُ ساكناً والمكان بدا وكأنه توقف عن الوجود، في تلك اللحظات كان أحدهم يُحاول بيأسٍ شديد، إيجاد وجبة طعام... لا بل بقايا أي وجبة شبع صاحبها قبل إتمامها ولم يضعها في سلة المُهملات، وَجد كيساً فيهِ بقايا فطيرة بيتزا وعلبة عصير فارغة، أكل البقايا ورمى الكيس في سلة المُهملات، وراح يبحث عن مكان مُناسب للنوم، 

عندما صَعد للحافلة، وجلس في المقعد الفردي، بالقرب من الباب، تنفسّ الصعداء، واوشك على تقبيل رأس السائق... لأنه منذ ثلث الساعة وهو ينتظر قدوم أي شيء يُقلّه... ليصل الجامعة ليحضر المُحاضرة... غير المُهمة، أزمة المرور الصباحية، تُخبر الجميع بأن المشي او الركض نحو الوجهة خيرٌ من إمتطاء الحافلات...!



الجمعة، 9 نوفمبر 2018

فتاة البرزخ (6)

وقد كُنتَ لي كليلي الطويل ومَسيري الصعب. وقد كنتُ أنا دائماً راحلةً مُودعة. دائما أحمل حقائبي ومتاعي الثقيل فوق ظهري واسيرُ في طُرقٍ مُتعددة وكثيرة، بعضها مُوحشٌ جداً.. 
وبعضها مليءٌ بالمُنعرجات والالتفافات والصعود والهبوط.. متاعي كانَ وهماً.. لم يكن شيئاً محسوساً أبدا.. كان دائم الشفافية، ثقيلٌ كلما زاد في عدم وجودة !
لكنني الآن ما زلتُ في سفري أحمل متاعي وحقائبي صار لونها رمادياً ! 
أتغيّر كلما تقدمت في سيري خطوات، وانتكسُ كلما هاجمتني ذكرى قديمة ! ودائماً انتكس! أنا طفلةٌ لم تتجاوز العشرين تنحني فوق قبر وليدها الشيخ الهَرم ! لا تبكيه إنما ترثي نفسها، وتبكي حصنها المنيع أمام رياح المنيّات المُفاجئة !
لا أدري كيف ؟ 
كنت أمشي في ظلام بين أشجار طويلة لونها كئيب. وأمامي طريقٌ طويل، والضباب من حولي كان كثيفاً وبعيداً وقريباً !
الشمسُ ! أيّنها ؟
لم تُشرق بعد ؟ ام أنها تحتجبُ عني !

***

....
كان يوماً خريفياً بإمتياز، وكانت الشمس توشكُ على المغيب. وكنتُ أغيب او اتضائلُ رغماً عني !
....
في حديثي معها لم أتحدث بما أريد ! كنت لا موجودة وأضحك بلا إنقطاع، قطرات ماء انبجست من عينيّ، هل كنت أبكي من شدّة الضحك؟ 2018/3/7
....
يا أمي كيف لي أن أحيا وأنا أعلم بأنني أنتهي ؟
لن احتمل -وأحتمل رغماً عني- ظلام الليل وحرارة النهار، زمهرير الخارج واختناق الداخل !
وكان لا يدري كيف حدث... كل شيء ؟ لماذا لا يموت لينتهي كل شيء ؟ لينتهي من ألمٌ شديد وضيق يبدو ابدياً ولا يدوم ! لعلّ الطفل لا يفهم ! ولعل الجائع يشبعُ من النظر والخيال الجامح ! ولعل الأم لم تُنجب سوى أموات ! ،وماتت في مخاضها الأول ! ولعل الصفعات لم تسقط على الوجوة الغافلة والآمنة! والنائمين متى يستيقظون ؟ بلا ضوء أو نهار !
بلا ضجيج وصُراخ ! متى يصمت الضجيج الصارخ؟؟

***

اليوم كان مُتعب وصعب. وفي هذه اللحظة أدركت بأنني تغيّرتُ.. كثيراً !
لا أعرفني ! فكيف لي أن لا أتوه وأضيع ؟
المُهم، أنا الآن في فراشي الدافئ، وأشعر بجسدي المُنهك وقد تعافى بعد الحمّام الساخن، وكأنه طفلٌ أُهديت له لُعبةً (طالب بها بإلحاح).
.....

الجهل أساس الشرور والمصائب، والمعرفة هي الترياق الثمين. لا أدري من أين/كيف جائت هذه الحكمة التي املاها عليّ عقلي.. ؟؟
ــــــ•ـــــ•ــــ•ـــــ««

نهاية القسم الأول من "فتاة البرزخ"، 11:30م، 2018/10/15
هاشم عبدالله الزبن





فتاة البرزخ (5)

أنا آسفةٌ (جداً) ! للكثير...

لوسادتي وفراشي وغرفتي (ذات الفوضى الأبدية). لصوت أمي المبحوح وإنكسار عينيّ متسوّل يفترش الرصيف !
لساعات نومي وأرقي. لجسدي المُنهك واسترداد طاقتي (بعد نومٍ عميق)!
لرغبات تبيّن لي بأنها مُستحيلة. ولأمور/واجبات/أفعال تمّ فرضها عليّ!
لسعادة/فرحة/ضحكة أجلّتها. ودمعة حبستها. وكلمة خنقتها. ونظرة حطمتها بإغماض جفنيّ. ومُغادرة مكان/لحظة بإرادتي الملعونة ورُغماً عني !
آسفةٌ لغضون/تجاعيد وجه أبي وحُزنٌ/خوف يُلّون وجه أمي! 
لقميصي الذي لم يعدّ يُناسبني، وبنطالي الذي ضاقّ وتجعّد وبهت لونه! 
لرأسي الذي أحجبه عن العالم. وجسدي الذي أخجل منه وأُداري سوئته!
لأحدهم، ذاك الذي بنيتُ بيني وبينه حاجزاً (من اللاشيء)، وذاك الذي حاولتُ مراتٍ عدة لفت انتباهه ولم ينتبه! لم ينتبه!!.
 للفُرص السانحة والضائعة. للفشل الذي يظهر من نجاح، ولنجاح بدا كفشل ذريع!
......
ذات صُبح. إستيقظتُ للحياة من الموت، لابدأ يومي طفلة.. رضيعة.. مُجرد هيكل عظميّ يكتسي لحماً. 
ذات ليل. لم أنم، بقيتُ مُستيقظة حتى أعتاب الفجر، وارتميتُ في فراشي، ونمتُ مع بزوغ الشمس. واستيقظت عندما أذن العصر، وكنت سعيدةٌ لتلك الفوضى. 
أحزن لحال مكان ما. وأبكي لمنظر أشجار مُهملة، وجدران توشكُ على التهدّم! أعشق تفاصيل زاويةٍ ما، كحديقة جميلة لكنها قذرة! كبركةٍ لم يجفّ مائُها بعد، مائُها الذي صار نتناً بلون أخضر!
قبل يومين ودّعت دفتري وكسرتُ قلمي. واليوم أُنهي أيام عزائي.. واذهب حيثُ «الضريح» أضع عليه (من باب الإتيكيت) بوكيه من الورد الثمين. وابكيه (من باب الندم)!
مرتين... حاولتُ قتلي! لمَ لا أقول حاولتُ (الانتحار) وفشلت أو كنت أجبن من أن أفعل (رغبتي) على أكمل وجه!
قبل عام تقريباً، صعدتُ أعلى العمارة، وبكيت على الحافة! وقبل أسبوع "اشتريت علبة دواء لاتناولها دفعةٌ واحدة" كنت أرغب بالشفاء السريع، في آخر لحظة رميت العلبة في سلّة القُمامة.. وبكيت! 
في المرتين، بكيتُ ضعفي. وفي المرتين قمتُ بعد بكائي كأنني غيريّ!
تغيّرتُ كثيراً. أعلم ذلك! وأعلم بأنني لم أعد أبكي! 

***

يومٌ جديد. الخامس من شباط/فبراير أيّاً كانَ أسمه، بالفعل هذا يومٌ جديد! ليلة الأمس، تم الإفراج عني! أما أين كنت مسجونة ولماذا ؟ فهذا ما لا أستطيع الإعتراف به.. حتى لنفسي!
2018/10/13 

فتاة البرزخ (4)


2017/12/31..قبل مُنتصف الليل، قبل بداية العام الجديد.. قبل النهاية. 

منذُ يومين لم أخرج من البيت.. لم أُغادر غرفتي الّا لتلبيّة نداء عائلي او لتناول وجبات الطعام او لقضاء حاجتي، وكنت أرغب بشدّة بأن "تندثر/تموت" أسباب خروجي من... غرفتي حيث اعتصم!

لا يوجد "أفظع" من شعور "الاغتراب المُفاجئ"، فجأة تكتشف غُربتك وبأنك محضُ "مجهول" ! 
نعم، محضُ مجهول.. سراب.. معالم تتخفى في ظلام.. نورُ ساطع.. وشيء لا يُلحظ كمزهريّة في زاوية غرفة !

***

وكان وجهُ "سعد" حاضرٌ دائماً.. وجهٌ مُبتسم ومُطمئن.. وكنت أقرأ "في ديسمبر تنتهي كل الأحلام"، وبدأت أحلامي تتوقد ولعلّها لن تنتهي.. قبل قليل أنهيت قرآءتها، وبدأتُ أرى أحدهم وحيدٌ في غربته، مليءٌ بما لا يُحتمل، ولا يعرف لماذا لا يُفرغ رصاص هذا المُسدس "المرمي" -لا يعلم إلا الله لماذا- على الطاولة أمامهُ في رأسه، لينتهي فعلاً لا كحلم بل كحقيقة. كحقيقة إنسان تجرّد من كل شيء، وبقيّ يخاف.. كان شجاعاً في ترك كل شيء وراءه، وفي كفره بكل الحتميات، الّا بالعدم، ومع ذلك لم يجرؤ على الموت مع أنه فَقد الحياة أكثر من مرة..!
بعد دقائق ينتهي عام ويبدأ.. ما الذي يبدأ ؟ وما الذي إنتهى أصلا ؟ ولمَ كل هذا الإحتفال والفرح !!

سعدٌ كان طفل. ومات وهو طفل. وأنا لم أكبر بعد لاعترف/أتقبل ولو -ضمنياً- فَقد سعد..!
هه، لم أكبر !
ولكن ما دلالة تلك الشُعيرات التي نبتت بين فخذيّ، والدم الذي لا يتأخر كل شهر عن تذكيري بإنوثتي النتنة! وشعري الذي لا أجرؤ على الخروج من باب بيتنا دون أن أُغطيه كذنب او خطيئة! وجسدي الذي أعرف بأنه صار "فاتناً" للإلباب ولافتاً للنظرات الممحونة/الشهوانية ! وتفكيري وقَلقي وخوفي من بعد قليل ورغبتي الجامحة -أحيانا كثيرة- في إدخال شيء غليظ وقاسٍ في مؤخرتي او في كُسّي..!
وإشمئزازي من "تناقض" مشاعري وازدواجيتي التي بدأت العبها منذ صغري.. منذ كُنا نُمارس لعبة الازواج في الغُرف المُغلقة، ونلهج بالأدب وذكر الله والفضيلة في حَضرة الآخرين.. نحنُ كما تريدون ملائكة.. أنبياء.. صالحون.. كما تريدون تماماً، وما دام معظمنا كُنا كذلك، من أين جاء كلّ هذا "الانحطاط" الذي يكاد يفيض وينفجر في بلاد "الفاضلين" بالفطرة!
كانت آخر مُحادثة: صورة (لا تُشبهني إطلاقاً) وتحتها مكتوب شفتك أنتي بالصورة! هو ما شافني.. هو إشتاقلي بس خانه الوصف، او خاف يحكي بصريح العبارة "إشتقتلك"!
تعلّمت وأدركت قيمة الحذف أول بأول، نصيحة: "إحذف الماضي".. لكنني في كل مرة أتراجع وأُبقي تلك "الذكريات"، وإن تجرأت ذات قوة على الحذف، مَن يملك القُدرة على "حذف" ما يُحفظ في الرأس ؟!
.. لكنني حذفت وحذفت وأبقيت على صورة و"سكرين شوت" لآخر مُحادثة ؟ وكأنني لم أحذف شيئاً.. وإن حذفت كل شيء! لن أمنعني كل حين من العودة للحظات بقيّت عالقة في ذهني، هُناك في أعماق رأسي بين أعصاب دماغي..! هل يستطيع ألزهايمر على قتل تلك "العالقات" في الرؤوس؟

....
منذُ نصف ساعة ودقيقتيّن، بدأ عامي الجديد (2018)، أتمنى أن لا أخاف/ايأس/أتراجع في حياتي القادمة.. هذه أمنيتي فقط.
....
2018/9/24 | 8:56ص



فتاة البرزخ (3)

10:03ص
مزاجي بهالفترة سيء.. والسبب: الدوام ! والفرحة التي تبزغ فيّ كل حين: إقتراب نهاية الفصل! فصلي الأول بالجامعة..!
قبل ما ادخل الجامعة كنت مفكرة إن التعاسة الحقيقية هي التوجيهي.. وبس دخلت للجامعة إكتشفت إن التعاسة او أي شعور آخر يرتبط بالشخصية مش بالحال والوضع.. مدري ليش حاسه إن الناس يبحثون - بشكل دائم - عن أسباب تحسسهم بالبؤس والتعاسة في كل تفاصيل حياتهم!
أعلم بأن الحياة (بنت كلب) كأقلّ وصف، بس كمان هي (جميلة وحلوة) بالمُقابل!
ليش الإنسان (العربي خصوصاً)، يكره إنه يكون جديد/جاهل/غريب/مش فاهم شو الطبخة ؟ قبل ما يبلش بأيّ شيء؟؟
كيف بدنا نقنع عقلنا الباطن، بأننا لم نولد عُلماء وذوي خبرةٍ وفهم ؟؟ 
مرات (كثيرة) أشعر بأن كل العلاقات اللي بين الناس (صداقة/حُب/أخوّة)، ما هي إلا.. محضُ كذب وخيال!
ومع ذلك قلّما تجد بني آدم إستطاع الحياة وحدة!
وغير هيك، فعلاً عندنا (فهم خاطئ) للصداقة والأخوة وحتى العلاقات العابرة أو السطحيّة ؟ يعني جدّ ليش نتعلّق بالآخرين شو ما كانوا ؟ مش قادرة أكتب الفكرة اللي براسي. عندي محاضرة مهارات إتصال كمان نص ساعة وصاحبتي رنا رنّت عليّ مرتين عشان اجيها ورا مبنى الخوارزمي.

***

أنا رؤى. إسمي الذي فُرض عليّ كأيّ معلومات شخصية أخرى. وُلدتُ في أغسطس، وكانت لي لعبةٌ من صوف، تقول أمي بأن جدتي صنعتها، عندما كانت تعيشُ في بيت والدها المقدسيّ.. 
أكره؛ مزاجي المُظلم وفرحي الشديد، المشي وحدي والجلوس مع مجموعة أشخاص، الساعات وبناطيل الجينز الضيّقة (مع أنني لا أرتدي غيرها!) وحجاب الرأس، صوت التلفاز المُرتفع وحاجتي المُلحة للبكاء عندما.. لا أستطيع فهم مُعادلة رياضية أو قبول واقع كإغتصاب فتاة وقتلها ومن ثم إحراق جثتها او إنفصال أحبةً ما، أكره دورتي الشهرية وتعرّقي وخفقانُ قلبي لرؤية رنا كحبيبة لا صديقة، رغبتي في العُري الصارخ معها، وكشف أسرار جسديّنا وولوج تلك المحجوبات عنّا، كلعقي لمهبلها او إدخال أصابع يدي في.. أكره هذا الارتعاش في يديّ وهذه الرائحة العفنة التي تنبعث في الباص الآن.. وأنا عائدةٌ للبيت وبجانبي تغفو رنا، وجهها الطفولي والانهاك الواضح عليها، أنا مفتونةٌ بها، وعليّ.. أن لا اتجاوز حدود الكتابة!.

***

ما هي "حدودي الكتابيّة" ؟ 
ولمن أكتب؟ أو لماذا أكتب ؟ 
هل أكتب لأنني أعجز عن الكلام.. التعبير.. الصُراخ.. المُواجهة ؟ 
نعم. أنا فقط أكتبُ ما لا أستطيع البوح به.. ومَن يحتمل ثرثرتي.. غضبي و"شذوذي" ؟ 
لكن الأسئلة/الهواجس، بدأت تُقلقني.. بل تُرعبني!  
كلماذا أخجل من شكل أنفي وأعتقد بأنني أبدو قبيحة للآخرين ؟ وبأن رائحة عَرقي تملأ ايّ مكان أجلس فيه ؟ ولي رائحة فمٍ كريهة ؟ واملك شخصية ضعيفة/خجولة ؟ وقد أكون "شاذة" جنسياَ.. أرغب بمُضاجعة أحد زملائي بينما أقبلُّ صديقتي رنا قبلةً حارة على فمها ؟ 
أنني مُتعبةٌ جداً.. ورأسي بدأ يثقلُ بي.. ولا أرغب بالنوم.. أرغبُ فقط بالكتابة.. وهذا الأمر يزيدُني تعباً.. يملأني خوفاً و... يجب عليّ أن أنام الآن.

***

2017/12/17
2:45ص
لا أستطيع الكتابة !
.....
.....
يوماً ما.. 

***

2017/12/23
1:56ص
خائفة. 
حياتي تغيّرت.. تبدلّت.. كيف ؟ ومتى ؟ لا أدري!
هذه الكآبة تجثمُ على كاهليّ منذُ.. لا أدري! 
دائما أستطيع تحملّها، لكنني أحيانا أسقط مُنهكةً بسببها ! 
"اللاأدري" هي المُعضلة، لأن جهلنا يُغذّي الرُعب فينا، ويجعلنا "ضعيفين" بمعنى الكلمة. 
.....
لم أعد أحتمل "إطلاقاً" وجودي بين.. عائلتي، صديقاتي، زملائي، تحولت جلساتي مع معارفي لأوقات صعبة ومُؤلمةٌ جداً.. وارتاحُ كثيرا لوجودي وحدي.. وحدي معي!
كيف لي أن استمر في التظاهر..؟ وأنا كافرةٌ بالواقع! 
كفرتُ بـ العادات، الدين، الوطن، الأمل، الأهداف والطموحات، الأحبة والاصدقاء والأهل، حتى النوم والاستيقاظ ووجوب شرب الماء وتناول وجبات الطعام!
وأعلم بأنني بعد ساعاتٍ قليلة سأستيقظ "خائفةٌ" ومُشمئزةٌ كثيراً.. من كتابتي هذه، وسأرغب بمسح/حذف/تمزيق كلُّ ما كتبت، ولن أفعل أعدُّ نفسي بذلك.
2018/9/22 | 10:39م









فتاة البرزخ (2)

6:56ص
قبل دقائق نزلت البنت التي كانت تجلس بجانبي لكلية البوليتكنك كعادتها، ولا أعلم كيف أُغلق باب الباص الكهربائي على رأسها؟ صراخها دوّى في الصمت المُطبق، لثوانٍ قليلة بقي الباب مُغلقاً على رأسها، وعندما أنتبه السائق، وفَتح الباب، كانت تُمسك رأسها بيديها وتجلس على أرضية الباص وتبكي.. وكان الجميع خائفون، حتى الشاب الذي حاول مُساعدتها كان يبدو خائفاً منها لا عليها.. قامت ونزلت بعصبيّة، وبدأت تشتمُ.. أعتقد بأنها كانت تشتم كل شيء تراه بعينيها. بَرر السائق الأمر بأنها لم تضغط زر النزول عندما توقف الباص لإنزال أحد الركاب.. لم أفهم تبريره.. لكنني لم أفهم شعوري في لحظات صراخها وراسها عالقٌ بين حديد الباب الكهربائي.. شعوري بأن كل شيء.. تماماً كل شيء لا يستحق !؟

****
مُلاحظة: هذه الكلمات وجدتها مكتوبة بلا تاريخ.

2:56ص
رأيتها لأول مرة وهي تجلس وحيدةً، على مقعد تحت أشجار ضخمة، بعيداً عن صَخب الطُلاب، تجلس هكذا بلا أي إنشغال، ولا يبدو بأنها كانت تُفكر بأي شيء. كانت كطفل لا ينتظر شيء، الّا عودة أمه التي وعدته بأن تشتري له أي شيء يريده، إن بقيّ جالساً بأدب وهدوء..!
إقتربتُ منها، وانتابني خوفٌ شلَّ اركاني، وتراجعت عن رغبتي في.. لا أدري! كأنها وضعت حدوداً لا مرئية، تحول بينها وبين المُتطفلين أمثالي..!
لم أقترب، من ذلك المكان، غادرتُ بسرعة نحو كليّتي، ولم أرى تلك.. هل هي بشر ؟ لم أراها منذ ذلك اليوم ولم أكن قد رأيتها قبل ذلك أبدا..!
هل كانت وهماً.. خيالاً.. ابتدعهُ عقلي ؟ 
*خطوط مشطوبة.. 
جُرعات القهوة التي تعاطيتها خلال يومي السابق، تأتي بمفعولها الآن، الساعة تجاوزت الرابعة صباحاً وعقلي مُصحصح.. فيّ حماسٌ ورغباتٌ تنهشني، لأقوم بـ: إعادة قراءة رسائل موقع صراحة.. إرتداء أجمل ملابسي والرقص على أنغام أغنية هابطه.. مُداعبتي لأنتشي، أثناء مُشاهدة فيلم إباحي عنيف.. 
يُخمدُ سُعار الرغبات، صوت الآذان، أقوم لأتوضئ وأُصلي.. وأضع رأسي على وسادتي واسمعُ ياسر الدوسري يُرتل:" حتَّى إذا جآءَ أمرُنا وفارَ التَّنُّور قُلنا احمِل فيهَا من كُلّ زَوجينِ اثنينِ وأَهلكَ إِلّا مَن سَبَقَ عَليهِ القَولُ ومن ءامَنَ وَمَآ ءامَنَ مَعَهُ إلّا قَليلٌ "، وانام بعد ذلك، وقد هدأ فيّ كل شيء، واطمئنت نفسي كثيراً. إلهي لا تتركني حائرةً في هذا السديم المُعتم، دُلّني على الصواب، ولا تُحملّني ما لا طاقة لي به.

***

ما أدري ليش أول ما صحيت من النوم قبل شوي تذكرت كلمة كتبتها (مدري وين ومتى؟) وهي:"إن صح التعبير"، لمّا تذكرتها حسيت بغثيان وقرف من كلّ الكتابة.. اليوم الجمعة وأنا جائعة للنوم والمنسف.

***
2017/12/10
1:56ص
شو الحلّ مع هالتفكير ؟ أفكر بكل شي ومش قادرة أركز بشي. لازم أنام وبس. 
قبل شوي كتبت هالمنشور عالفيسبوك:"أحيانا يجب علينا أن نصمت وحسب، أن نرى فقط، وأن نسمع دون تركيز"، نفسي أكتب أشياء كثيرة، بس خايفة من... يعني مثلاً لو أكتب:"عيناكَ ليلٌ وفي ملامحك غُبارٌ وفوضى، ثم إنني آمنتُ بك، وألقيت بنفسي في لُجتك، فهل تحتملُ سقوطي ام أنك ستكتفي بإغراقي؟"، كيف بدي أقنع اهلي/صاحباتي بأنني مُش عاشقة.. مُش "ساقطة" ؟
 لطالما أحببتُ عابربن لم أَأبهُ بإسمائهم، وفُتنتُّ بواحد واثنين وعشرة، لكنني لم أفعل سوى الشعور ؟ وهل يُحاسب المرء على شعورة، لا أُطالب بمنحي رُخصة الحُب/العشق -مَعاذ الله- ولكنني أرغب بقوةٍ، بأن أُمنح حُريّة الشعور والتخيّل فقط ؟ أنا لم أزل مُراهقة، أعلم ذلك! ولكنني منذ أشهر، أشعر وكأني نضجتُ أكثر مما يجب ! ما هو النُضج ؟ هل يعني -ببساطة- التبلّد ؟
أنا خائفةُ فقط! أعلم بأنه شعورٌ قد يكون مُبالغٌ به! لكنه أحيانا يجعلني.. يُميتني عذاباً وألماً! بالطبع لا أموت... فقط أصمت وابتلع آلامي واوجاعي، وأحيانا أبكي! 
قبل شهرين عملت موقعي على صراحة، وشاركته أكثر من مرة على صفحتي الشخصية، وصلتني رسائل كثيرة -أغلبها- من بنات دفعتي وصاحباتي بالجامعة متأكدة من ذلك، ومتأكدة كمان إن أغلب رسائل العشق والحب منهن، على أساس أنهن شباب!! بس فيه رسالة وصلتني قبل شهر تقريباً، لحد الآن ما فهمتها.."إنتي مُبدعة وناجحة.. لولا عيونك وشخصيتك الضعيفة، عيونك فاتنات.. وشخصيتك ما تزبط الّا لبنت عادية"، حسيّت بوقتها إني مش بأمان، ما بعرف ليش راودني هالشعور؟ وندمت إني عملت الموقع، ومع ذلك ما قدرت احذفه بل استمريت بمُشاركتة كل فترة، شو الحلو برسائل ما تعرف أصحابها ؟ لهالدرجة إحنا "خايفين من بعض. 
2018/9/4 | 10:52م

فتاة البرزخ (1)

إسمي رؤى. وهذه كلماتي.. كلماتي القليلة.


قبل ثلاثة أيام دُفنت في قبري، وعمري ثمانية عشر عاماً وثمانية شهور.. وخمسة عشر يوماً.


كُنتُ قد وصلتُ للتو لـ "مُجمع الباصات"، لم أقم بعادتي اليومية، وهي شراء قهوة وحبتيّ شوكولاته، والصعود بباص يُوصلني حيثُ "مُجمع الباصات" الآخر، ومنه أصعد لباص الجامعة.. بل أردت مشي المسافة بين المُجمعيّن على قدميّ وقبل أن اُغادر المُجمع، صدمتني سيارةٌ مُسرعة، جائت من ورائي وارتطمت بجسدي وقذفتني للأعلى لأموت.. قبل إسعافي للمستشفى (القريب)،

وكنت أُفكر (قبل موتي.. أثناء نزولي من الباص وسيري على الطريق) بالامتحان وبأحدهم الذي تجرأت وأعطيتهُ سريّ ليقرأني، ويُعريّني، بل حاولت لأول مرةٍ أن أكون "شُجاعة" لا اخافني، وكان ذلك بالأمس (بعد انتهاء الدوام قبل الغروب بنصف ساعة).
اتفقنا على المُضي قُدماً جنباً إلى جنب، وها أنا أحنث بالاتفاق الذي أُبرم (بيني وبينهُ) قبل ساعاتٍ قليلة، ها أنا ذا أُغادر قبل أن يبدأ أيُّ شيء.. كم أنا جبانه ؟!
كُنت شُجاعة في تنفيذ كل شيء خططتُ له، أرسلت له في ساعةٍ مُتأخرة، ولم أكن من صديقاته، كانت الرسالة "غبيّةً" جدا ! ومع ذلك لم أشعر بالخوف منها او منه.. توقيت الرسالة كان في، 2:43ص.. "مرحبا.. كيفك ؟" وبضعة كلمات سطحيّة فارغة، وقد حذفت في آخر لحظة، كلمات اعتذار عن إزعاج مُحتمل.. لماذا أتحدث عن نفسي وأموري الشخصية الآن ؟ أنا مُحض جثةٍ، لفتاة في زهرة العمر، اختطفها الموت.. وها هو جسدها الجميل، الممشوق يتفسخ ويتحلل تحت التراب، ورائحتي.. أنا ميتة، هل تفهمون ؟
اقرئوني جيداً.. هذا ما بقيّ مني على قيد الحياة.
وفاتي كانت في يوم الخميس، 2018/5/3م.. أنا "فتاة البرزخ"..


(ماتت رؤى قبل عشرة أيام. قبل وفاتها بيوم عرفتها، وأصبحنا صديقيّن، وصاحبيّ مشروع خططا لهُ ولم يتمّ. قدمت لي أوراق تحتوي "كتاباتها السريّة".. كلماتها القليلة حسب وصفها.. كلماتها التي لم تعترف بوجودها لأحد غيري.. كان مشروعنا صفحة على فيسبوك بإسم "كتابات فتاةٍ عربية"، تنشرُ عليها كتاباتها دون خوف او خجل من كلماتها الصريحة.. وأنا لا أقوم سوى بما يتوجب عليّ القيامُ به، إتمام المشروع وبعثُ كلماتها من الورق إلى العالم.. وما زلت أراها تُغادر المكان الذي جلسنا به أنا وهيّ لأول وآخر مرة.. تُغادر المكان وتترك معي جزءً منها، وتمشي بين السائرين نحو البعيد.. كانت الشمس توشكُّ على المغيب، وكنت أرى وجهها الذي تبدّل لونه من الرماديّ القَلق إلى  الورديّ الخجول، بعدما إطمئنت لكوني سأقرأ "خرابيشها" مثلما قالت ساخرةً من كونها لم تدخل عالم الكتابةُ بعد..
الراوي 2018/5/13)

2017/12/4
الساعة: 10:30م
رأسي يكاد ينفجر، تقيأتُ مرتين منذ وصولي للبيت، لكنني الآن أشعر بالتحسن ولا أرغب في النوم الذي بدأ يُهاجمني ويشلًّ أركاني. لماذا لا أُخبر والديّ بأنني مريضة ؟
*****
11:23م
قبل قليل فرغتُ من قراءة آخر صفحات رواية "كبرت ونسيتُ أن أنسى".. لماذا قرأتها بهذه السرعة ؟ لا لم استعجل نهايتها.. بل كنت أُعيد قراءة صفحاتها مراتٍ عديدة، بدأتُ قرآءتها في الأمس، لماذا تنتهي الأشياء التي نُريدها/نستبطئ نهايتها، بهذه السرعة ؟ كم كانت "فاطمةُ" تُشبهني.. كم من فتيات يُشبهنّ فاطمة بإختلاف التفاصيل والأسماء ؟! 
ليلُ الشتاء طويل، وأنا في غرفتي أُفكر.. وأُفكر.. وأكتب..
ليش أكتب ؟ وليش لم أعدّ أستمتع بتصفح مواقع التواصل ؟ بل أصبحتُ لا أحتمل صوت نغمة الإشعارات.. تكّ تك،ّ وكم هي نغمة الماسنجر مُقرفة والواتس آب كذلك. ليش ما أحذف تلك "المُزعجات" من حياتي ؟ لا أستطيع.. حسناً، سأبقى جبانةً لا أملك الّا... وجهٌ مُدور وعينين ذابلتين واتخيل كلما نظرت في المرآة وابتسمت بأنني أملك غمازتيّن..

رائحةُ أقدامي تفوح في الأرجاء (مع أنني غسلّتهما بالصابون أكثر من مرة)، كم مرةً حلفتُ بأنني سأمتنع عن ارتداء الجوارب النايلون ؟  بصراحة رائحتي (كُليّ) مُقرفة.. مُقززة.. أنا بحاجة حمّامٌ ساخن فقط !! والجو صقيع، وجسدي يرتعش من الحُمّى.. وعقلي لا يرغب في النوم..!!
لأعترف بأنني اليوم، ارهقتُ جسدي.. بل عذبته، في الجامعة وحدها مشيت عشرات الكيلو مترات بلا مُبالغة، وفي السوق تتضاعف الكمية، وأستيقظتُ في الصباح مع أذان الفجر.. واوشك اليوم على النهاية وأنا لم أنم.. إذن مرضي معذورٌ !  ليش أستمتع بلفظ "مرضي"؟ وهل أنا مريضةٌ أصلا؟ 
لأنام الآن واكفّ عن هذه الثرثرة، فغداً عندي دوام.. لماذا لا يمرض الدوام ؟ سأرتدي في الغد جرابات قطن.. صوف.. أذهب حافيةً أحسن لي !! والآن إلى النوم..
***

2017/12/5
الساعة: 8:56ص.
لم أعد أحتمل ثرثراتهنّ، وابتساماتهنّ. هديلٌ هي واحدة من "الشياطين" لا أشك في ذلك إطلاقاً، وجهها جميل.. عيناها واسعتان.. وانفها مُتقن التشكيل.. وجسدها رائعٌ ومُتناسق، لكنها.. لا تُطاق أبداً، لو أنني أستطيع تقييدها، وربط حبة بصل على فمها، وجلدها بخيزران او صفعها كل حين..!! لو أنني أستطيع ذلك ؟بدلاً من الابتسام في وجهها كُلما نظرت إليّ..!!
هل أنا مُفترسةٌ.. مُتوحشة.. داعشية.. لولا الظروف ؟ 

وراما أيضاً تُثير في نفسي الغثيان، كُلما تحدثت، خصوصاً عندما تقول:"إميي.. وااافئت أعمل.. هااا هااا أعمل تاتو عند كعبي.." وأبوها ما هو رأيه؟ ، وانظر لقدمها وفعلا أرى "تاتو" وخلخالٌ ذهبيّ.. أعتقد بأنها أرادت منا أن نرى خلخالها قبل كل شيء! راما لا ترتدي "جرابات"، وأنا ما زلت أرتدي تلك الجرابات اللعينة..!
الجو في القاعات خانق، خصوصا عندما يجتمعن الطالبات ويبدأن بالثرثرة.. تفوح روائح العرق.. والعطور.. و.. عدم الطهارة.. والافواه الكريهة.  لذلك صرتُ أُغادر تلك القاعات فور انتهاء المُحاضرة، ولا ادخل للقاعة إلا بعد دخول الدكتور/ة.. !!
  
1:03م
صديقتي رنا غادرت قبل قليل، لم تُنهي مُحاضراتها، لكنها قررت أن "تُطنش" آخر مُحاضرة، لتعود للبيت.. لم أصدقها ! ولماذا قد -تكذب- عليّ ؟!
هل ذهبتْ مع.. أحد الطلاب !!
لا أدري.. وشو دخلي أنا !! بس هي صاحبتي لازم ما تخبي عليي شي؟ طيب ليش أنا ما حكيتلها عن.. كتاباتاي هذه!! ؟ طيب ليش أنا افكّر هيك ؟ آه دورتي الشهرية هي السبب !!
****
7:51م
قبل قليل رجعت من الجامعة، لأول مرة أعود وحيدة!! دائما معي رنا، عرفتها من أول يوم واصبحنا أكثر من صديقتيّن، مع ذلك لم أشعر يوماً بأننا صديقات.. او أخوات.. أشعر بأن ما جمعنا كان حاجةً او خوف.. لا صداقة او أخوّة كما نعتقد !
لا أدري لماذا أجعل من الحبّة قُبة؟ 
أمي تقول لي: وجهك أصفر يا رؤى.. فيكِ شي ؟ تعبانه ؟؟ أخبرتها بأنني اتضوّر جوعاً فحسب، مع أنني تناولت قبل ساعة تقريباً وجبة شاورما سوبر وكأس كوكتيل.. لماذا أكذب كل يوم على أمي ؟ كُلما سألتني عن حالي وانتبهتْ للون وجهي الأصفر أو الازرق لا يهمّ.. لماذا أكذب وادفع ثمن ذلك قيء يُعذبني وحدي في الحمام ؟ أستحق أن اتقيأ خمس مرات كلما كذبت..!
10:15م
للتو أنهيتُ اتصالي مع رنا، رنا تغيّرت كثيراً ؟ لماذا الآن أدركتُ ذلك ؟ لا لم تتغير رنا.. أنا التي.. حتى أنا لم اتغيّر، أنا فقط صرتُ أرى أكثر مما يجب.. 
***

2017/12/6
12:43ص
قبل ساعة دخلت فراشي لأنام.. او لأُنهي يومي فحسب. لم استطع النوم، تقلّبتُ كثيراً، أغمضتُ عينيّ وتخيّلت الأشياء الجميلة.. الفظيعة.. التي أتمنى حدوثها في حياتي.. موتي المُفاجئ للجميع، يدي تُمسك بيد حبيبي/زوجي/صديقي.. المُهم يدي تُمسك بيد لا أخاف صاحبها.. إصابتي بالسرطان وتعرضي لإغتصاب.. نجاحي في عملي، في كتابة عدة أعمال أدبية لاقت اهتماماً كبيراً من القُراء.. كتاباتي الجريئة الثائرة على كل شيء، وتعرضي للقمع او مُحاولة إغتيال.. كلّ تلك الأشياء لم تُفلح في "رميي" في سديم النوم. 
منذُ شهر تقريباً، تغيّر كل شيء في حياتي. لا أدري هل كانت ولادةً جديدة ام.. لا أدري ؟!
ما هو التغيير الذي حدث ؟ 
فجأةً وبلا مُقدمات، مددتُ يدي والتقطتُّ الثمرة.. المُحرمة، تناولتها دون تفكير..!
في تلك الليلة (السابع عشر من نوفمبر)، كانت ولادتي الثانية.. ولادتي من رحم قضيتُ فيه ثماني عشر عاماً، وُلدت بلا مَخاض، ولم أصرخ عندما لفظتني أمي خارجها.. لم أكن عاريةً، كنتُ خاسرةً إن صح التعبير..! 
حينها كنتُ وحيدةً جداً، غاضبةً.. غير راضية.. توقفت عن البحث والاستمرار في ما أنا عليه.. فقررت الإنعطاف مئة وثمانون درجة، هل كان الأمر مُجرد "نُضجٌ" مُبكر ؟ هل هو الإنسلاخ عن الطفولة والتماهي مع الكبار وعالمهم.. القذر ! لا أدري.. لا أدري.. يجب أن أنام وحسب.

6:17ص
لماذا لا يموت الدوام ؟ ليش لازم أذهب كلّ يوم لمكان، التقي فيهِ بأشخاص لا أرغب بلقائهم ؟ واحضر مُحاضرات مُملة.. راكدة.. وأقاوم رغبتي بالصراخ والنوم والضحك والبكاء و... "التطعيم" على كل ما أرى بعينيّ ؟ أرفع يدي واهمس بـ "نعم"، ليتم تسجيلي حاضرةً، حتى لا اُحرم.. وأُريد أن اسخر/انتقد/أُناقش الأفكار التي يصرخ بها الدكتور، ولا اجرئ الّا على هزّ رأسي والتمثيل بأني فاهمة أو حافظة لا يُهم المُهم حضوري.. 

هذا النُعاس الذي يُداهمني حالياً، ويحتلّني حتى آخر شبر مني، هو ثمن سهري ليلة البارحة.. جوّ الباص خانق وحار، التدفئة مُبالغٌ فيها، والرائحة هُنا تُثير الغثيان والصُداع، وبجانبي تجلس بنت من جيلي، تفوح منها رائحة عطر لطالما اسكرتني وكنت لا أجرؤ على سؤالها عنها..  
2018/9/1



السبت، 3 نوفمبر 2018

نحن الذين عبدنا الله على حَرف، فإن اصابتنا مُصيبةٌ نظرنا للسماء... للأسقف الاسمنتية من فوقنا؛ وتسائلنا: أين الله.. لماذا لا يُساعدنا ؟ هل يرانا ؟ او يسمعنا ؟
لا نؤمن بالله، بقدر إيماننا بأنه موجودٌ لأجلنا، ينتظر منّا رجاءه، فإن أجاب فله الحمد والشكر.. وإن لم يُجب... فلهُ السخطُ والكُفر! 
كفرنا به ونحن ساجدون، في قصورٍ شيّدناها بإسمه. آمنا بهِ ما دمنا لم نعد كما كان أسلافنا يعيشون، بيتهم الصحراء فإن لم يمتلكوا أسباب النجاة، هلكوا... سواء سجدوا للإله او لم يسجدوا !

الله. هو الذي خَلق.. أوجد.. قدّر.. وأختار.. ونحن مُجرد دمىً.
نحنُ من خَلق الله واوجده من العدم، جئنا من العدم وسنعود... لا إله، ولا رسول... لا إلهٌ يُراقب، ولهُ نارٌ وجنة، ولكننا تشربنا العبودية، فمن يُقنع العبد بأن سيّده قد مات ؟ وهو واقفٌ أمام الباب يحمل صينية الإفطار، ومنشفة، ويرتجفُ خوفاً من لسعات السوط ؟

الأربعاء، 31 أكتوبر 2018

كيف سأحمي نفسي من سوادهم !
اللون القاتم في الوجوة العابرةُ منها والمُقيمة ! والكلمات التي تفوح منها رائحةٌ عَفنة !
كيف للحرف أن يبدو مُقرفاً باعثاً للإشمئزاز في النفس...؟ بل هو كذلك !
***
ولماذا العيون هكذا !!
كما لو أنها جُثثٌ سوداء مُتعفنة! لكل شيء يُوقظُ فينا، إحساساً قاتماً ولاعناً للوجود، هلّا ترفقتي بنا وخففتي من وضوحك الفاضح !
نحنُ الذين تُهنا مُذ وُجدنا، وبقينا نبحث ونبحث وقد يغزونا السأم واليأس والغضب مُبكراً ويُفقدنا الرغبة في الاستمرار !

الجمعة، 19 أكتوبر 2018

المُبتسم !!

صَحا من نومه مُبتسماً ! 
هو لا يُصنف (إجتماعياً) كبائسٍ او مُعدم. هو مواطنٌ بسيط؛ كأيّ مواطن ينتمي لـ "الطبقة الوسطى" التي تُوشكُّ على الانقراض! يبدو من غير المنطقيّ أن يصحو مُبتسماً! في العادة يستيقظ ليُسارع في الذهاب للعمل (هو يعمل في دائرة حكومية منذ سنواتٍ قليلة)، يستيقظ في كلِّ يوم، وهو يتألم حرفياً من عدم "شَبعهُ" من النوم.. 

لكنه في هذا اليوم صَحا/استيقظ/بُعثَّ من مرقده مُبتسماً، والغريب في الأمر بأنه لم يستطع (مع بذله الجُهد المُضاعف) لينتهي من "وضع الابتسام" !
وقف أمام المرآة مُتأملاً وجهه "المُبتسم"، رأى وجهه قبيحٌ (جداً) على غير العادة! وبدأت تتلاطم في رأسه مخاوف/وساوس/افتراضات كـ "كيف سيخرج إلى الشارع بهذه الإبتسامة الفاضحة ؟" 
"كيفَ سيُقابل زملاءه في العمل وهو مُبتسم حقاً لا مُشمئزاً كمُبتسم ؟" 
"وكيف.. حقاً كيف سيغضب من زحمة الطريق وهفوات السائقين الاغبياء؟ كيف سيصرخ ويشتم ويلعن و... ؟" 
واستيقظ، وتذكر بأن اليوم هو الجمعة واطمئن قلبه، وبأن الساعة لم تزل باكرة لذلك سينام سويّعاتٍ أُخريات قبل اقتراب موعد الصلاة.. فهذا يوم "يشبعُ" فيه النائمون حقاً..

الأحد، 7 أكتوبر 2018

السؤال هو الذي جعلني أكتب، والإجابة هي التي جعلتني أمرض باحثاً عن علاج. 
والحياة.. هل الحياة مُجرد عذاب ؟ أين السؤال ؟ 
لماذا لا أستطيع كتابة السؤال الذي يصرخ في رأسي؟ السؤال الذي صار كجُرح غائر ومخفي ! 
غضبٌ دفين. حبٌ لا يُمكن مزجهُ مع الواقع. روحٌ تتوق وجسدٌ مُقيّد. وحياةٌ فوضوية تُطالبنا بالنظام !
مُعتقدات. أفكار. مبادئ. إيمان. كُلّها أمورٌ إتضحَ زيفها وهشاشتها ! ومع الوضوح إنحرف الطريق إلى مدىً واسع مُظلمٌ وبارد ! 
في ذلك المدى لا يوجد إلا الظلام والبرد. لا يوجد طريق ولا معالم ولا أمل بإشراقٍ لشمس !
حرفي ليسَ كئيب. وفكري لا يحتضر. وأنا مُتفائل !
مُتفائلٌ بعد كل شيء ! كأن التفائل كان هو القشة التي تعلّق بها الغريق ! وغرق! لكنني مُتفائل كمن يعلم بأن وراء هذا الموج المُتلاطم وهذا الظلام الدامس، أرضٌ شاسعة تُشرق شمسها كل يوم وتغيب لتعود مُجدداً.

كُنا أطفالا وكبرنا. كبرنا وعرفنا نعمة الطفولة. لا نعرف قيمة الاشياء إلا بعد فَقدها.. هكذا نحن. بهذه السذاجة!
لماذا لا نعترف بأننا -قد نكون- أخطأنا ! 
عندما... لا أدري ! لكننا حتماً ارتكبنا خطأ فادح ندفع ثمنهُ طيلة حياتنا ! لا.. نحن لم نُخطئ ! أنا لم اخطئ!

خوفنا الدفين. كل شيء مدفونٌ فينا دون أن يموت! مَن المسؤول عن دفن الحي ؟
خوفنا الدفين هو سبب تعاستنا وموتنا على قيد الحياة، وهو سبب قَلقنا واضطرابنا ورقودنا الباكر!
نحن... أنا.. أنتم. كُلنا جبناء بدرجات مُتفاوتة! 
كل شيء من حولنا بسيط ومُتقن ويحيا ببساطة، إلّانا نحيا ونُمارس التعقيد ومن ثم نتسائل بغباء.. لماذا كلّ هذا التعقيد ؟ بل أصبحنا لا نرتاح للبسيط. أصبحنا نبحث عن التعقيد والتعب. لا نعلم سوى مُعادلة فارغة تقول: بأن النجاح/التفوق/الإبداع لا يحصل إلا بعد بذل الجُهد المُضاعف أو بعد خوض الِصاعب والتحديات!

ذات يوم ستُدرك بأنك خسرت.. عندما لم تجد من وقتك لحظات تُجالس فيها احبائك.. 
تتأمل وجه أمك لتُدرك كم كنت غائباً.. كم من تجاعيد بدأت تغزو وجهها دون أن تحزن -على الأقل-!
لتعلم بأن أباك بدأ يَهرم، وبأن إخوتك بدأوا يتغيّرون مثلك تماماً.. وبأن مُعظم أصدقائك لم يكونوا سوى عابرين. وبأن ما أحببت لم يكن سوى سرابٌ خَدعك!
وما الذي بقي ؟ كل شيء يسير !! وهذا السير مُخيفٌ جداً..! 






  

الخميس، 4 أكتوبر 2018

حديث الجُدران

الجُدران تُحاصرني. وحاجتي للكتابة صارت كحاجة الكائن الحيّ للماء والأكل والسُلطة والحُب و.. الوطن !

أيُّ وطن ؟ هذه كلمةٌ جوفاء فارغة !

الأوطان أكبر من مُجرد، أراضٍ مُحدّدة بأشياك وأسوار، وصوّر لقادة وألحان وترانيم لأغانٍ وطنية، وكلمات مكرورة تتناقلها الأجيال حتى غدت باليةٍ وغير مُجدية!
عن أي أوطان يتحدثون ؟
عن تلك اللتي ضاقت بأهلها ولم تحتمل وجودهم عليها، فَلفظتهم خارجها، لتتلقفهم أمواج البحار وتستوطن جُثثهم قيعانها ؟
أم عن أوطان وأدت طاقات/طموحات شبابها في التغيير. والحصول على حقوقهم "الإنسانية"، واكرهتهم على الهجرة والاغتراب طلباً لتلك الحقوق ؟



كفرتُ بكلّ الأشخاص والأسماء والمفاهيم والمعاني، وآمنتُ.. هل أنا مؤمنٌ بشيء ؟
"عدم الإيمان" لا يتوافق -إطلاقاً- مع ضعفنا (الإنساني).
الجُدران وحدها تُعريّنا، تفضحنا، أمامنا..! فهل أصبحت الجُدران مرايا زُجاجية تعكسنا لنرانا ؟
وهل يوجد أتعس من إنسان لا يجد لنفسه مكاناً يكون فيه على سجيّته ؟
مَن يعرفك ؟ لا أحد !
هل تعرفُ نفسك أو هل حاولت معرفتك ؟
دعني أُحدثكَّ بحديث الجُدران؛ الجُدران مُجرد وهمٌ جميل، يحمينا من عيون الآخرين ومع ذلك لا نكون وراء الجدران سوى خائفين من... العيون.. الأصوات.. الشمس.. الليل.. الحرُّ والمطر..!

في غرفتي صنعتُ وطني "الخاص"، ولا أُنكر بأنني في أحيان كثيرة إنتابني شعورٌ بالاغتراب وانعدام الأمان.. في غرفتي.. في وطني الخاص!
لا أُحمّل الوطن عبئي.. لكنني أعتب عليه فحسب!

ذات ليلة، وقد كنتُ حينها طفلا لم يتجاوز الثامنة من عمره، إستيقظتُّ من نومي خائفاً.. مرعوباً.. وتلفتُّ حولي ولم أرى سوى الظلام وصوت الهواء العاصف في الخارج يدبُّ في رأسي كقرع الطبول (كان ذلك في شتاء عام 2004)، أردت أن أُنادي أُمي أن أرى أبي واقفاً في الممر يشربُ شاياً سخنّه جيداً.. أن أرى اخوايّ نائميّن بقربي.. ولم أقدر الّا على التكوّر في فراشي واغماض عينيّ.. وتذكّر بأن في الغد لن يكون هناك دوام للمدرسة!! وكان ذلك كافياً ليطمئن قلبي!!

وفي "حوش بيتنا" كان يوجد حوض "برسيم" صغير، رأيته كخارطة فلسطين، ومنذُ تلك الرؤية بدأتُ أخوض عليه لعبة "الحرب".. لم اتجاوز حينها العاشرة من عمري، حين قسمّتُ ذلك الحوض بقطع اللُّبن، كالجدار العازل وفي كلّ يوم كانت تستعرّ المعارك ما بين جنود و.. نمل! وكنتُ بجنودي البلاستيكيين أقتلُ كثيرا من النمل.. وأدفن النمل المقتول وأُقيم للقتلى (النمل) جنائز مَهيبة.

قلبي الذي بدأ يخافُ وينتابهُ القلق كُلما كبرت وانسلختُ عن طفولتي، وكأن "عالم الكبار" الذي كان هاجسي ومُبتغايّ وأنا طفلٌ، مُجرد عالمٌ من المخاوف.. عالمٌ من الواقع الرماديّ..
وقد كنتُ أرسم الوجوه، والديناصورات وعلم وطني، وانف المُذيع الذي يظهر على شاشة التلفاز، ويُرتلّ بصوتٍ واهن، ترنيمة الحرب القادمة، وكان الليل مُرعب والصباح جميل، والمدرسةُ هي المُنغصّ الوحيد للسعادة، سأكون سعيداً عندما أتخرج/أُغادر المدرسة، هكذا كنت اتخيّل ؟
كان الخوف واقعياً، مثلاً؛ الخوف من ظلام الغرفة وتخيّل وجود "شبح" في ذلك الظلام، ونُباح الكلاب في الخارج، وإنقطاع تيار الكهرباء في ليالي الشتاء العاصفة، وصار الخوف غامضاً، وكلما كبرت أمعن الخوف في حصاري، مع أنني لم أعد أخاف الليل، وظلام الغرفة، وأعرف بأن لا وجود للاشباح، وما إنقطاع التيار الكهربائي سوى عُطل فني، تعمل فرق الصيانة على إصلاحه !

كنتُ اسئلُّ كثيراً، ولا أدري لماذا كنت أشعر بأنني أُزعج الذين أسئلهم مع أنهم كانوا يُجيبون على اسئلتي.. الغبيّة، بإجابات تُرضي فضولي..أحياناً !
"يبّه وين يعيشون الأقزام ؟ يمّه الله موجود فوق الغيوم ؟ ليش ما عندنا فيل ؟ للغيوم حنفيات ؟ وين نروح بعد ما نموت؟  ليش اليهود يقتلوا الفلسطينيين ؟ وليش العرب ما يساعدوهم ؟ ليش أمريكا أحتلت العراق ؟ وليش العراق احتلت الكويت ؟"

كبرتُ ولم انسى. هل أنا حقود ام أملك ذاكرةً ملعونة، تكتظُّ بالكلمات والمشاهد والوجوه ؟
بدايةً بسقوط بغداد، ثم دبابات تملأ شوارع رماديّة كُلّها حجارة بيضاء وأطفال يقذفون الحجارة على جنود مُدججين بالسلاح ويموت اولائك الأطفال بالرصاص، ذات يومٍ (فبرايريّ) كنت عائدٌ من المدرسة وأمي في غرفة الجلوس وعلى شاشة التلفاز إنفجارٌ ودُخان وأُناسٌ تحولوا لاشلاء محروقة(إغتيال الحريري)، ولماذا فقط "الحريري"؟ لماذا لا تكون للآخرين أسماء كما الحريري؟،
ما قبل سقوط بغداد ؟ ما الذي تخزّن في عقلي ؟ آه.. ولادةُ أحمد ولعبتي (سيارة الشرطة البيضاء) والاريكة ذات اللون الزيتي.. ولماذا لا أذكر تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر؟




الثلاثاء، 2 أكتوبر 2018

يبدو بأن صاحب العقل المُستيقظ مُعذبٌ. وبأن الذي يَطمح ما هو الّا كطائر يرتفع.. ويرتفعُ للأعلى أكثر فأكثر إلى أن يَهوي إلى الأرض. 
مهما ارتفعت الأشياء وعلّت، لابدّ لها من أن تتوقف وينتهي ارتفاعها، وتبدأ برحلة الهبوط للهاوية. هل الارتفاع غباء ! 
هل يبدو الأمر منطقياً أكثر كُلما أمعن في الضبابية ؟
ام أننا إعتدنا الضباب وإنعدام الرؤية ؟
والشمسُ صارت ضَرباً من الخيال ! والليل بدى وحشاً مُستعداً للإفتراس !
والوجوة كُلها مُعتمة. والابتسامات مُجرد أقنعة. والطريق الواضح المُستقيم كان حُلماً واستمر.. كُل الطُرق مُتعرجة ! معالمها رماديّة ! والليل كائنٌ مُفترس، والصُبح أسرع للزوال ! الصُبح لا يأتي ! كيف يزول مَن لم يَظهر ؟
وكلُّ هذياني مُجرد تهاويل اوجدها وغذّاها عقلي المريض ! هل أنا المريض ! ام أنني أدفعُ ثمن رغبتي... رغبتي بالحياة الحقيقية !!
سواد الليل وعتمة الصباح وإختناق الظهر وكآبة العصر وموت الشمس وعودة الإسوداد، كُلها تُمعن في حصارك وأنت مركونٌ في زاويةٍ ما.. تتألم من قيودك وفي اثناء غفواتك المُتتاليات تتخيل الإنعتاق !!
يا هذا الجاثمُ فوق صدري، هل تنام ؟ 
سقطت أوراق العنب والتين. وامتلئت السماء بغيوم لا تُمطر.. والشمسُ من وراءها طغت بحرارتها. 
ووجه القائد دائما يبتسم، لكنه مؤخراً بدأ يَشحب. 
وأمي بدأت لا ترى بشكلٍ جيّد. وأبي بدأ لا يسمع الأصوات جيداً. والناس جميعاً... بدأتُ لا أحتمل غثيانهم واصواتهم وحتى ظِلال أجسادهم. 



الأحد، 30 سبتمبر 2018

وجود 8

الليل العاصف. السماء المُمطرة. الخوف الدفين. الصرخة المكتومة. الجفن الرماديّ. التظاهر والتصّنع. الشمس الحارقة. والضباب الكثيف. البرد.. هو البرد.

مَن قالَ ؟ ومَن سَمع ؟ ومن يُطيع ؟ ومن يتمرد ؟ من يثور ؟ 

لماذا لا نعترف بأننا "زائدون" ؟ بأننا "واهمون" ؟

لماذا لا نعترف بأننا "أجبن" من أن نحيا و "أضعف" من أن نموت ؟ 

كان جائعاً ونام. كان خائفاً واستيقظ. كان شُجاعاً وصمت. كان سعيداً وبكى. كان تعيساً/بائساً وضَحك!

صديقي أنا. عقلي إستيقظ، وتكشفت لي وحدتي/جنتي وجحيمي اللطيف/القاسي.
تجاوزتُ الجنون. وأعلم بأنني جاهلٌ. 
بدأتٌ أتبلّد واقسو. 
لم أعد اتأثر (كثيراً).
لم أبكي منذ سنوات وهذا الأمر يُقلقني (جداً) !
هل جفّت دموعي ؟؟
كُل الوجود (بسيط)، لاحظ الأشجار وجُدران البيوت واسراب الطيور وقُطعان الماشية؛ هل لاحظت تعقيداً؟ او ضجيجاً ؟ لا ارتباك ولا قَلق ؟ كل شيء بسيط ؟ الأشجار تنمو ببطئ وتجف وتندثر لتعود مُجرد ذرات تراب قد تُبعث في نباتٍ آخر أوتتحول لغُبار أو حجارة.
****
ليلة السابع والعشرين من أيلول/سبتمبر. ليلةٌ خريفية بإمتياز. هواءٌ عليل يميل للبرودة ورائحة الأرض واضحةٌ من حيث عطشها وجوعها الشديد للماء والبرد.

الأرض صبورةٌ جداً، فهي لا تضجر/تسأم من إنتظار الماء، تغضب أحيانا من خلال عاصفة رمليّة او صدوع تَظهر على سطحها. لكن غضبها نبيل.. غضبها لا يشوبه قَلق ولا ارتباك.






الثلاثاء، 25 سبتمبر 2018

إنهض..

                   



2016/9/25
ما زلتُّ أذكر تفاصيل ذلك اليوم. 

كان الخبر واضح: مقتل الكاتب الأردني ناهض حتّر أمام قصر العدل في عمّان.
 لم أكن اعرف ناهض، ولكنني كنت أعرف بأن أحدهم قُتل بسبب "صورة" يومها تراجعتُ أكثر من مرة وأردت أن لا أدخل إلى الفيسبوك إطلاقاً، لأنني سأرى "المُرحبون.. المُكبرون" لمقتل صاحب الصورة التي أساءت لذات الله، مُستبشرين بالقَصاص ولو في دخيلتهم، ولو أنكروا فعل "القاتل الرسمي"، أيقنت بأن الجميع قَتلةٌ لولا بقيّة الخوف وإدّعاء الاحتكام للقانون.
وبأن القاتل الرسمي ما هو الا مُسدس كان في يدّ "مُعظم الشعب" ورئيس الوزراء ووزير الداخلية آنذاك.. إذ كيف يقوم رئيس وزراء برفع دعوى (اساءة للذات الإلهية وإثارة نعرات طائفية )ضد مواطن ؟ ويُسجن ذلك المواطن بإيعاز من وزير الداخلية لأكثر من شهر بسبب "صورة" شاركها على صفحته الشخصية ؟! 
ترددتُ، لأنني سأعرف -كانت حقيقة صادمة- بأن مُعظمنا نصبّوا أنفسهم وكلاء لله على الأرض، وآمنوا بأن الله لهم فقط، وبأن مُعظم الذين أثارت تلك الصورة حفيظتهم واستحثّت هرمون الداعشية فيهم لا يَرون الله الّا كما بيّنته تلك الصورة..! 
فيما بعد أدركتُ دور الإعلام في شيّطنة الأشخاص، وإثارة "الغوغاء" بمُجرد إنتقاء عنوان "عاطفيّ" لخبر لا يتحرّى أي موضوعية ومهنيّة في الطرح الإعلامي..
وبأن ناهض حتّر كانَ "مُزعجاً" للسُلطات ومُربكاً لحالة الركود الشعبي والصمت الحِراكي. لا أعلم وقتها لماذا تذكرت حادثة ثُريا وجمانة السلطي وقبلهنّ حادثة الشرطي أحمد الصبيحي ؟ 
ولا أعلم ما السر في معرفة قيمة الأشخاص بعد موتهم ؟ أم أننا -رُغماً عنّا- نُقدّس الأموات ولا نعرف قيمة الأحياء ؟!

الاثنين، 17 سبتمبر 2018

ذات يوم..

عامٌ مضى. أوقاتٌ عصيبة/جميلة/صعبة/سهلة ولّت.. وها انا ذا أجلسُ في ذات المكان أرى العالمُ من حولي يسيرُ بسرعةٍ ودقةٍ ونظام، والفوضى/الاسئلة في داخلي تتصارع كالثيران الهائجة.. 
تُرهقني هذه الوجوة بشتّى تعابيرها. أرتعبُ جداً من هذا الواقع المجنون وأرتدُ إليّ ولا أجد سوى الخواء..
ما سرُّ هذا الحِراك البشريّ ؟ كيف لي أن لا أتحول (رُغماً عني) لآلةٍ صمّاء تتحرك وتتحرك..
الطفلُ في داخلي لم يكبر ! 
ما زلتُ إبتسمُ للوجوه العابرة والجُدران وعامود الشارع، 
ما زلتُ إنتظرُ من الآخرين التعاملَ معي على هذا الأساس الطفولي !،
يُرعبني الرفض/الإنكار/الصوت العالي/التكشير/الابتسام، ولو أنني "طفلٌ حقيقيّ" لبكيت ملأ فمي.. لوددت أن أُعطى ما أُريد بسُرعةٍ وامتنان لأنني قبلت الأُعطية!، 
نعم أعلم بأن هذه الحياة لا ترحم الضعفاء والأطفال الذين لم يكبروا بعد.. وعليّ أن اتماهى -ولو بشكل قسريّ- مع حقيقة "يجب أن تكون صَلباً/كبيراً" لكي تحيا..!
لطالما وجدتُ نفسي عالقاً هُناك في كومةٍ من "المِحن" وانتشلتني منها ورجعتُ إلى الطفل في داخلي ووجدتهُ ضاحكاً عليّ.. كان الأولى بي أن لا أُقارنَ بيني وبين الكِبار حتى لا أضيعُ في بحر الظلام وأركب سفين الحياة مُتسلحاً بقواعد الكبار ومخاوفهم..!

وأنا جالسٌ الآن في مكان.. حَسناً هو: موقف انتظار الحافلات. 
لا أنتظرُ أيّ حافلة، وبدأتُ اختنق (حرفياً) من عوادم السيارات ورائحة المدينة الخانقة، ماذا أنتظر ؟ لا أدري بالضبط، ولكن "حركة الحياة" أمامي اوقفتني هُنا.. كأن قيّداً ما شلّ اركاني عن الحركة.. ولستُ قَلقاً من تأخري عن الموعد، ولم أشعر بالاغتراب كوني ثابتا وما حولي يتحرك ولا يهدأ.. أشعر فقط.. هي عدة مشاعر تُحاصرني الآن، كالحزن والسعادة والطمأنينة والخوف واليأس؛ كيف لي أن أحتمل تناقض مشاعري ؟ لا بأس.

الأربعاء، 12 سبتمبر 2018

وجود 7

الحياةُ هي قضيتنا الأولى، وهي المُعاناة والحرب المُستمرة... في الحياة نحن الطرف الأضعف، لذلك عادةً لا نحتملُ قسوتها ونطلبُ دائماً منها ما لا تستطيعُ فعلهُ لنا..
...
نعيشُ في بلاد... الإنسان فيها مُجرد رقم.. مُجرد شيء بلا قيمة.. يُمكن أن يُداس، لا بل يُمكن -بسهولة- قتلة، لأنه أراد أن يُصبح إنساناً..
...
الحادي والثلاثون من آب/أغسطس، في الخارج الجو قائضٌ/خانق.. وأنا في البيت وبُقربي (مُروحةٌ)، ولا أحتمل برد المُكيف اللعين.. وأشعر بالاختناق.. أشعر به وكأني... كيف لمن لا يملك (مُروحة) أن يحتمل ؟
يجب عليّ أن احتمل !!
7/15 - 8/31 2018

قراءة للواقع..

تسودُ حالةٌ من اليأس والقنوط وبذل الجُهد الذاتي الذي يتلخص في السعي وراء المصلحة الشخصية والنظر للأمور بشكل عام بمنظور شخصيّ ضيّق.

"أزمة ثقة"، تفتك في العلاقات، سواء بين الأفراد داخل المُجتمعات او بين الحكومة والشعب. 

الأجيال تتكرر وتتشابة، فجوةٌ عميقة بينها وتكاد تنعدم لغة الحوار ما بين الآباء والأبناء من جهة وبين الأفراد ضمن المجتمع او البلد الواحد، وينتج عن هذا كلّه نتائج (كارثية) مثل:
تفشي الانحراف والجريمة، التعصب والانغلاق وعدم الإنتماء للوطن الكبير بسبب عدم الإنتماء للبيت والأسرة والمجتمع المحلي، زيادة نسبة الأمراض الجسدية/النفسية المُزمنة، وتتحول الحياة بلا قيمة ومعنى سوى مُحاولات للوصول لأقصى حد من الإشباع الذاتي الذي لا يحصل أبداً.

الخوف ينبع من الشعور بعدم الإستقرار، ويُؤدي للقلق وعدم الهدوء والقُدرة على التركيز؛ لماذا نخاف ؟للخوف أسبابٌ كثيرة، منها:
1-التعلّق الشديد بالأشياء، ورغبتنا المُلحة بعدم الفقد والخُسران.
2-التنشئة المُجتمعية/الأُسرية التي تغرس في أعماقنا الشعور بالنقص والحاجة.
3-إنعدام أو قلّة الثقة بالنفس.
4-الأنانية المُفرطة والشعور بعدم الإنتماء....، الأنانية تأتي من تعاملنا مع الحياة خارج بيوتنا على أساس التنافسية والرغبة الدائمة بالانتصار ماديا/معنويا على الآخرين.
الشعور بعدم الإنتماء، ينغرس في النفس كبذرةٍ تبدأ في النمو ببطئ لكنها مُستمرةٌ في النمو، لأنها تحصل على غذائها (الماء) بشكل دائم دون إنقطاع: كالخوف الذي لا أدري ما أُسميه لكنه لا يُشبه الخوف العادي، إنما هو خوفٌ من الحياة..! كيف تموت تلك النبتة وقد نَمت في تُربةٍ خَصبة وهي "الطفولة" ؟ 
"الخوف" يقتلنا بصمت.

الأسلوب التربوي من البيت/العائلة/المجتمع إلى المدرسة ومن ثم الجامعة، في ذلك الأسلوب يوجد خَللٌ فظيع، يُخرج إلى الحياة أُناس مملؤون خوفاً وعُقداً.
وفي واقعنا الحياتيّ (السيء غالباً والمليء بأسباب التراجع والتخاذل والخوف)، أحدنا يجدُ نفسهُ قابعاً في سجن ضخم لا يدري كيف ومتى دخلهُ ؟ وما هي جنايتة ؟ قد تكون الجناية الوحيدة هي: الحياة!

 أنا أعلم الآن بأن الحكمة الوحيدة القريبة من الواقع، تخرج من أفواه  ما نحسبهم "سُذج"، وهي الأمل الوحيد للنجاة. الشجرة تكبر وتنمو ببساطة، وأجدادنا عاشوا حياتهم وماتوا هكذا ببساطة. هذا هو سر الوجود. أكتب لأحيا، لأبقى مُتماسكاً في هذا "الوهم" الصريح والمعقول...
أكتب الألم والفَرح، الموت والحياة. 
أنت تخوضُ حرباً ضَروس إذا ما صحوتَ بين النائمين، لماذا ننامُ هكذا ؟ ولماذا الاستيقاظ هو الغريب/المُستهجن في الأمر ؟
كُلّ ما أحتاجه هو الإنتصار على الفشل (الخاص بي)، نعم إنني أشعر وكأنني بركة ماء بلا روافد وحرارةُ الشمس تُحاول تجفيفها كل يوم.
ما هذه الحياة سوى مُحاولات، فإما أن تنجح او تنجح بعد فشل لا خيار ثالث، قد يكون نجاحنا في تجاوز العَقبات أكثر من تحقيق الأهداف/الطموحات، لكنهُ نجاحٌ حقيقي وخيّر...
نتخيّل ونُصدم من الواقع، لماذا لا نحيا ببساطة ؟
البساطة تتناقض مع واقعنا ونمط حياتنا.
هل نحن أقوياء ام ضعفاء ؟
الوهم... نطمئنُ للوهم ونتبعهُ، مُطأطئي الرؤوس!.
العذاب الحقيقي هو التفكير خارج الصندوق، لا خيار لك سوى الغوص في ظُلماتٍ بعضها فوق بعض....
في الظلام أتخبط... هُنا في هذا العالم (المُظلم)، يُصبح العقلُ قاتلاً..
ستنتصر في كل معاركك، متى ما تجاوزت خوفك وخُذلانك لنفسك..
هذه الحياة بسيطة، وعقلنا يُعقدّها ويجعلها مُخيفة.
2018/6/23

سطرٌ جديد ونُقطة نهاية..!

بعد المُنتصف تقتربُ النهاية أكثر.

وقبل المُنتصف يكونُ كل شيء هادئٌ مُستقر على ما يبدو. عاصفة التساؤلات لا تهدأ، قد تفقد السيطرة على عقلك وتضيع في مُحيط الحياة المُظلم.. لكن ستبدأ شيئا فشيئا بالإدراك والفهم.

ذات يوم أدركتُ ضعفي وبكيتُني بلا دموع..
لم أكن ضعيفاً بمعنى الكلمة، كنتُ منزوع السلاح او واهمٌ وأدركتُ وهمي.. 
وأنا الآن أقرب لشظايا تناثرت وتباعدت.. وهل من قوةٍ تُجمّع شظايايّ ؟

اليوم وغداً وبعد الغد؛ ما الفائدة ؟

هل الحياة مُجرد تقدم نحو العَدم ؟!
ام أن في الأمر خُدعةً أو سرٌ ما ؟
لا أجدُ النور ولا أرى الألوان بوضوح؛ هل أنا الحياة ؟

سطرٌ جديد: قبل قليل رأيتُ الليل وجهاً لوجه، والمُصيبةُ؛ بإنه ما إن لَمحني ولّى هارباً ؟ أيحسبُني الموت !
نحن هاربون، لاجئون، وعبيدٌ في حَضرة الأشياء، الحياةُ أعظم اسيادنا وكذلك المال والجنس والطمع والخوف...
سطرٌ جديد، التاسع من حُزيران هاشمٌ جديد غير الذي كان... 
في داخلي إنقلابٌ وتغيّر، أشعرُ وكأنني وُلدت من جديد. 
نُقطة إنتهى.
5/25 - 6/9 2018

إحتلالي..!

إحتلني وأمتلئتُ به. هكذا وبلا مُناورات؛ دَخلني وأَسقط حُكمي عليَّ وأسرني... وها أنا ذا أنتظرُ حُكم إعدامي. 
هو اللون وأبعاد الصورة، هو الطعم والرائحة..!
لا يُرى ولا يُسمع لحفيف ثوبهِ صوت.. ليسَ واحداً ولا هو مجموع.. لكنهُ كثيرٌ.. مكروهٌ وقاسٍ، في طُغيانه..
يهدأ ويعود.. يعودُ بشدةٍ وقوةٍ لا قَبل لها، ويغيبُ مُجدداً..
هو اللاشيء بعد غيابه وحضوره لا نهائيّ.. كرداء ثقيل يُلبس عنوةً ويُخلع كذلك!
يجعلُ من الليل ضجيجاً صارخاً، ومن النهار بُؤساً وشقاء رقيق..!
يجعلني أستعجل.. النهايةُ والخَلاص، يجعلني لستُ أنا ولا أعرفني.. يُنسيني مَن أكون وأين المسير ولمَ.. كل شيء! هو أنا...!

الثلاثاء، 11 سبتمبر 2018

وجود 6

كل شيء يبدأ ولا ينتهي. تبدأ الأشياء وتبقى.. ما ينتهي حقاً هو الذي لم يبدأ حقاً. لذلك بدأت أنهار عندما بدأتُ أعي بنائي.. فلو أنني لم أعي حقاً بأنني أستطيعُ بنائي وتقويّتي لَما أحسستُ انهياريّ الفظيع!
إنني لم أكن يوماً كما أنا الآن.. لذلك سأبقى كما الآن، لأنني بدأتُ الضياع الحقيقي.. أنا الذي بدأت فعليَّ أن أتحمّل عواقب تلك البداية. سينتهي كل شيء دفعةٌ واحدة، كبداية ما ولعليّ لن أنتظر طويلا.. بسبب طَبعي العجول. قد أُنهي كل شيء بطريقةٍ حتى أنا لم اتوقعها! فالبدايات غير مُتوقعة.. مُفاجئة، وما النهاية الّا بداية لو نعلم ذلك بيقين، لأختصرنا الكثير ولاطمئنت نفوسنا.. لأن كل شيء ينتهي.. ينتهي فعلاً دون أي بداية مُتوقعة، والسبب بسيط وهو: لا يُمكن توقع بدايةً ما ! 2018/1/7 ،، 1:03ص
...
سأطوي الصفحةُ تلو الأخرى. قد أُحرقها/أُمزقها رُغم كل شيء.. مع أنني سأكون يوماً ما حزيناً (جداً) لأنني فعلت. 
المرةُ تلو الأخرى سأفتح صفحاتٍ بيضاء.. لن يُربكني بياضها، لن أضيع فيها.. سأكتب أو أُلّون او أُخربش.. سأفعل فيها ما أُريد.. وبعد ذلك لن أتردد في طيّها دون رجعةٍ إليها وقد أُحرقها او أًمزقها. 
...
كُلّما صعدتُ أيقنت بأن تعثري وإفلاتي يعني شللي الدائم في أقل تقدير.
...
سأبقى رُغم كل شيء.. سأبقى حقيقياً.. لن تُخيفني الحياة.. سأثبت في وجه عاصفتها إن هبّت ولن أرتاح لهدوءها وإستقرارها.
...
أيّها العابرون؛ هل لي ببعضِ سيّركم ؟ هل لي بإنشغال بالكم وقَلقكم وشرودكم ؟2018/3/4،، 11:27ص.
...
في هذا اليوم بدأتُ قصتي او حياتي.. بأن رَكبتُ الموج ووقفتُ بوجه التيار.. هل سأصمد ؟ بالطبع.
لا أُبالغ إذ أعتبر بدايتي في هذا اليوم "مَعركةً وجودية" بل إستكمال لِما بدأتهُ في تلك الليلة من شهر أكتوبر قبل عامٍ ونصف.. واليوم أُطمئنُ نفسي بأنني "أحسنتُ".2018/3/5،، 10:01م.
...
إنني لا أعرفني...
في هذا الخِضم المُتلاطم.. سفيني يكادُ يغرق.. ولا يغرق.
أأستطيعُ الصمود ؟ بلى أستطيع.
لأنني وإن غامت سمائي.. وأظلمَ دربي.. وأسودّ المدى أمامي.. لم أزل أنا.. الذي يعرفُ ما وراء كل ذلك.. يرى الشمس واليابسة في البعيد، ويعلمُ بأن الإسوداد يعقبهُ وضوحٌ جليّ..
ما الذي حَدث ؟ هل للمسافات والظروف كل هذا التأثير ؟! الأمر أشبه بعذاب.. للوهلةِ الأولى تظنُّ أنه لا يُحتمل.
هل هذه الحياة مُناسبة ؟
أحيانا يتأكدُّ لي بأنني أحيا في زمان ليسَ لي !
فأنا لا أنتمي لكُلِّ هذا ! أحيا كغريب.. كشيخ أمضى شبابه في سجن صحراوي وخَرج لعالم لا يعرفه، لم يتأخر ذلك الشيخ في إعدام نفسه في صبيحة ليلةٍ مُظلمة.. عاصفة.. في طرف مدينة سريعة في كل شيء!
إنني الآن مُتأكدٌ من هذا ! وأنا أُمارس جنوني في هذا العالم المجنون.. لا أتأخرُ عن موعد قهوتي ورائحةُ سجائري تُحيي في رأسي ما قد مات.
لا أعلم لماذا أنا "مُتوحد"، أهوى الانعزال والهدوء والظلام.. مع أنني كثيرا ما اقذفُ بنفسي في إزدحاماتٍ شتّى لا تروقني بل وتُؤلمني دائما ! وأخرجُ منها غيّري.. لستُ أنا من يخرج بل شخصاً آخر مُختلف!
مَن يدري فقد أكون أحيا بشكل جيد !
أحيا كطفل يُحاول (جاهدا) إكتشاف العالم من حوله.

وجود 5

في ليلةِ أول الأمس مات العيد. هبّت عاصفةٌ ليلة الأمس، و استيقظ الصبح في هذا اليوم على زخات المطر التي طال إنتظارها. 
كان العيدُ رجلاً لا يتغيّر، كانَ كبيراً ذو لحيةٍ شيباء.. كانَ كالليل.. لكنهُ ليلٌ مُشرق.. يُشبهه الليل، لأن العيد كانَ إلى أن واتتهُ المنيّة، كقلبٍ لا يَجزع.. كنفسٍ لا تَقلق، كجسدٍ لا يندفع ولا تُحركه حماسةً لحظيّة لا تلبث وأن تتحول لخمود.. يا لهذه الحياة ما أقساها، ويا لتلك الأنفس التي تترك فراغاً وراءها ما أسرع رحيلها..
....
كفّوا عن التباكي. وابكوا صادقين.. والبكاء الصادق يجعلنا في أحسن حال.
....
لماذا لا يصمتون ؟ ليُدركوا وليعلموا بأن الصمت (غالبا) أكثر تأثيراً وتغييراً وتواصلاً.
لماذا لا يتركون ؟ لأن الترك حُريةً وإنعتاق! 
لماذا يُغذّون أجسادهم ويتركون وجدانهم خاوياً..فارغاً؟
عبيدٌ وإن إعتقدنا (واهمون) بإننا أحرار، او نتملكُ حرية الإختيار.. الإعتقاد.. التعبير.. في الحقيقة نحن لا نملكُ شيئاً، حتى حياتنا تجردنا منها وصرنا غرباء عن أنفسنا ومن ثم نستغرب تردينا في غياهب البؤس والتعاسة واليأس.
....
نستخدمُ المفاهيم والقواعد الجاهزة التي قرأناها وحفظناها عن ظهر قلب.. دون أن نعيها.. نحنُ لسنا أصيلون/مُبدعون في أفكارنا ورؤانا وانظمتنا الحياتية والفكرية، وبالتالي لا يكون إستخدامنا لتلك المحفوظات ("الدخيلة) الّا إنحرافاً او تطرفاً.
نحنُ عاطلون عن كل شيء، ونُمضي حياتنا نعمل ونكدُّ..
ما نتيجةُ هذا العمل المُتواصل ؟ أعتقد لا شيء.. لا بل هُناك نتائج سلبية، أهمها هدر حياتنا القيّمة وراء سراب.
....
أيّها الليل مَن أنا ؟ وما أنت ؟ 
هل تعرف بأنني سأستيقظ بعد أربع ساعات لأذهب في رحلة لا أدري ما أُسميها... قد تكون فقط إثبات حضور او لأستمعُ (مُجبراً) لدكتور يتفلسف.. او لأصرف دنانيري في رحلتي هذه!
لماذا كُل شيء لا يُعجبني ؟ حتى انت لم تعد تروقُ لي بل أصبحت -مُؤخراً- شيئا كريهاً.. لا عليك، أعذرني فإنني طافي من النُعاس.. لكنَّ رأسي مُضطرب وانفي كذلك وعينايّ ! إلى اللقاء..
...
إنني على خيرْ ما يُرام لولا... كُل شيء! إنني انزف واخوض معاركي!
أنتظر وأنتظر.. ملَّ الإنتظارُ مني، وسأمتُ منه وضُقت به، ما لي هكذا.. كأن الحياة مُجرد كابوس يجثمُ فوقَ كاهلي المُتعب.
...
هذا السكون يُؤذيني.. لا يتناسب إطلاقاً مع ما فيَّ من عاصفةٍ لا تهدأ.
...
لا شيء يُغريني بالحياة سوى الغد..

الاثنين، 10 سبتمبر 2018

إرهابية (قصة قصيرة)

كنت راجعة من المدرسة (صفي ثالث)، وكان الجو "غير مُستقر بمعنى الكلمة"، في الصباح كان الجو غائماً وبارد.. بعد ذلك تحوّل لحار.. والآن مُغبر (عاصفة رملية) مع برد وشوب! 
تاريخ اليوم: 2004/4/5.. وما بعرف ليش حسيت إنه صاير شي مش كويس.. وهالشي ما كنت قادرة أتوقع شو هو؟، إنتابني ذلك الإحساس أول ما شفت باب درانا بآخر الطريق.. قدمايّ "تشنجن" و"ثقلّن" كأنهنّ حجارة.. وصدري إختنق.. وفكرت بأن السبب هو الجو! مَرق من جانبي جارنا، رأيت في عينيّة دموع يُجاهد لحبسها، بس شفتها.. توقعت أنه من الغبرة.. بس فيه جواتي شيء غريب مُبهم.. 
قبل وصولي لباب البيت بأمتار قليلة، سمعت بكاءً وصُراخ وصوتٌ غاضب.. ودخلت للبيت.. ورأيت حوش بيتنا "مليان" ناس.. اعمام وخوال وجيران وغرباء.. كلهم يبدو على وجوههم الكرب والحزن الشديد.. لمّا دخلت كلهم إلتفتوا ناحيتي.. والتقت نظراتي بنظرات عمي.. الذي جائني بعيون دامعة ووجهٌ غاضب.  إحتضنني وحملني.. وخرج بي للشارع.. جلسنا على الرصيف(مجموعة حجارة بجانب الشارع).. بقيّ إحساسي المُبهم سيّد الموقف، لم أستطع استنتاج شيء.  ماما كانت تبكي جوّا غرفة الجلوس.. لمحتها هي وبابا اللي كان جالس على كرسي وماسك رأسه بإيديه.. وأختي الكبيرة تجلس بجانب أمي وتبكي.. واخوي.. ما شفت أخوي؟ اليوم إجازة عنده.. هههه الصبح قبل ما أطلع شمتّ فيَّ.. لأني مداومة وهو مُجاز.. قهرني بصراحة.. بس نسيت أسئلة سؤال مُحرج: إنت معطل صح.. طيب ليش صاحي بكير ؟ روح كمّل نوم واستمتع! ما كان له حق يشمت لأنه صاحي مثلي.. بكير!
"أخوكِ إستشهد"، كلمتين حكاهما عمي، قطعوا حبل أفكاري.. صوته كان ضعيفاً، مُرتجفاً، ولم أستوعب تلكما الكلمتيّن.. واللهِ ما استوعبت! شعرت بأنهما تعويذة.. شيفرة.. أي شي ما له معنى واضح!
بس انتبهت لعمي.. طنشت فيه..كأنه فهم شعوري.. كان ينظر للشارع ويتحاشى النظر لوجهي.. وكل شوي يمسح وجهه بيده.. إلتفت ناحيتي واحتضنني.. 
"لينا حبيبتي.. أحمد أستشهد.. تعرفي شو يعني أستشهد؟ يعني هو هسّا بالجنة.. عند ربنا، وعند الرسول.. لا تفكريه.. مات لا اوعك.. هو ما مات.. هو حيّ ويشوفنا وبسمعنا كمان.. هو بطل يا لينا.. أخوكِ بطل... زلمه وبخافش.."
....
آيةٌ سمعتها في ذلك اليوم.. بَقيت محفورةٌ في جدار رأسي.. مُحفوظةٌ في داخلي.. أسمعها إلى هذه اللحظة..:"ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله امواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون.." وفي المساء.. سمعت رجل كبير يتكلم بعد أن وقف بين الناس على عُكازة..:"هُم الزُلم.. اللي ماتوا.. اللي استشهدوا.. همّ العايشين، واحنا اللي ميتين.. ولكوا يا عالم.. شو فايدة الحياة.. إذا أرضنا مُحتلة؟ إذا شبابنا أولادنا بتكتلوا بالشوارع!.." أنهى كلامه ومضى خارجاً من المنزل.. لحقت به ووقفت على الباب لاراه وهو يبتعد.. كان يمشي في ظلام الشارع وكأنه يحمل اثقالاً فوق ظهره.. في اليوم التالي أُدخل إلى المستشفى وبعد أيام قليلة حُمل على الأكتاف ليُدفن في مثواه الأخير..  هو جدّنا أبو صابر، كان يجمعنا ليُحدثنا بحكايات وقصص.. كُنا نجتمع في بيته ويقصُّ علينا حكايات معارك وادي اللطرون وباب الواد والرباط في المسجد الأقصى.. حدثنا عن النكبة والنكسة وحذرنا من تداول تلك المُصطلحات.. كان يُحدثنا عن الانتصارات اللي ما توثقت وما اكتملت لمليون سبب وسبب! والهزائم التي أصبحت ذكريات سنوية تفتح جروح لم تلتئم!..
...
"ماتت البنت.. نادوا الإسعاف.. إتصلووا معهم.."
-اليوم: 2-8-2015.. صحيت بكير.. لسّى إجازة الجامعة ما خلّصت..
قبل كم يوم صحيت على خبر:" مُستوطنون يُضرمون النار في بيت سعد دوابشة.. واستشهاد علي الرضيع، حرقاً.. تفحماً..".
والعام الماضي، كمان صحيت على خبر استشهاد الطفل محمد أبو خضير.. كمان حرقاً، كان شهر رمضان، وكنت لسّى من كم يوم مخلصة توجيهي.. هالاخبار اوجعتني كثير.. ومع كل خير كنت أشوف اخوي أحمد اللي دايما يخطر على بالي.. أتذكر يوم 5-4..
"خَلص بكفي.. ولكُم لو إنا حجار حسينا.. ولكم عشنا وضلينا عايشين.. شو استفدنا؟ شو هالعيشة اللي خايفين عليها ؟ اللي كلها ذل وموت ونار... أحمد وعلي ومحمد والالاف اللي استشهدوا.. بل الملايين اللي ماتوا واحنا ضلينا عايشين بدون ما نوخذ حقهم..!" هكذا حدّث/صرخت بنفسها عندما قرأت الخبر(إحراق بيت الدوابشة)، وتأكدت من قرارها الذي اتخذته قبل ليالي.. وكانت جاهزة له منذ سنين.
واليوم قبل ما أطلع من البيت.. تأملت وجه أمي.. شفت فيه كل شيء.. رأيت أحمد في عينيها، وهي لم تتأخر يوما في الدخول لغرفته.. لتتأمل كتبه.. وتُرتب ملابسه.. أرى في عينيها أبي الذي مات قبل ست سنوات.. ولم يزل القهر يبدو واضحا عليه.. لم يكن يستطيع النوم.. كان يخرج من البيت ليجلس وحيداً على درج الباب.. لا أدري هل كان يبكي ام كان مُتماسكاً !!
أختي مَرح كبرت بعد 5-4.. هي لم تتجاوز بعد الثلاثين من عمرها وقد شابّ شعرها.. وأنا.. كل يوم أكبر ويكبر معي... سمّوه "ثأري" "حقيّ المسلوب" "غضبي وقهري" مُش مهم الإسم.. 
قبل خروجي من البيت إحتضنت أمي. ما حسستها أنه فيه شي.. وذهبت لبيت أختي مرح لأودعها.. ولم اتمالك دموعي عندما ودعتهم.. لأنني سأشتاقهم كثيرا.. لأني مش عارفه شو رح يصير فيهم لما يسمعوا خبري.. حاولت ما أتخيل وجعهم.. دموعهم.. والله اللي فينا مكفينا، وأنا ماشيه بالشارع كنت أردد يارب يسامحوني.. وكنت اشاهدني وأخي في حوش بيتنا نلعب ونضحك ونتشاجر.. 
في حقيبتي سكين.. كمان شوي أصلُ إلى الحاجز.. قبل الحاجز بعشرة أمتار توقفت حتى أخرج سلاحي، والمهم بأن لا ينتبه الجنود إلي.. بعد ما نزلت الحقيبة عالارض إلتفتت ناحية الجنود ورأيت جندي "مطنشّ" فيّ.. حاولت إني ما احسسه بشيء.. 
إلتفتت مرةً أخرى وجدته قد توقف عن النظر إلي.. فتحت الحقيبة.. بحثت بين الكتب.. وين السكين ؟ وضعتها قبل قليل.. ياا ربي ! صفنت.. وفكرت:" معقول أمي لاقيتها.. لااا.. اااه.. ياا بيّيي!" وشعرت بحمّى تجتاحني.. وانتبهت لـ "بساطير" تقف بالقرب مني.. أقصد عدد من الجنود.. مُدججين بالسلاح.. واحدٌ من هالبساطير.. تحدث معي:" على شو تدوري يا حلوه ؟ سكين صح.. مثل هاي !.." وأبتسم ملأ فمه.. ورمى السكين بقربي.. وأنا كنت لسّى منحنية على حقيبتي.. وخلال لحظات شيء نَفذ في خاصرتي و سمعت صوتٌ مُدويّ.. رماني ذلك الشيء للوراء.. وصوتٌ مُدويّ مرةً أخرى.. ولكن هذه المرة في كتفي نَفذ الشيء..الحار.. قوة الوجع لا تُوصف.. للحظات لا تشعر بشيء سوى شيءٌ فولاذيٌ حار يَنفذُ في اللحم.. وعند استقرار ذلك الشيء يُولدُ ألم لا يُمكن وصفه..
لكنه لا يُشبه تلك الأوجاع والآلام التي عاينتها وقاسيتها منذُ سنوات..!

2017-7-1

عندما رُجمت حياة (قصة قصيرة)

قيّدوني جيداً.. وقبل ذلك تأكدوا بأنني أرتدي "الخمار الأسود" ولا يظهرُ مني شيء.. 
خطيئتي "الزنا"، لن أُبرئ نفسي او أعترف بفعلتي.. إعتقلوني، ووضعوني في مكان مُظلم وموبوء.. عندما إعتقلوني، كانوا لا يُريدون مني شيئا.. لا اعتراف او دفاع، هُم مُتأكدون من كل شيء.. لأنهم.. لا أعلم! الله وحده يعلم! ولكن رأيت في وجوههم فرحٌ وسعادة، كأن خطيئتي هي التي اسعدتهم... استجوبوني لا لشيء سوى لإخباري بأنه قد ثبت عليّ بأنني مارستُ "الزنا" وأنا مُتزوجة! مَن هم شهود خطيئتي؟ لا أسمع الشهود ولم أراهم !ولأنني متزوجة فعقوبتي هي "الرجم" بالحجارة حتى يغفر الله لي خطيئتي ويتم تطهير المجتمع من الرجس الذي ظَهر فيه.! هكذا أخبروني.. وغداً هو يوم التنفيذ مع ساعات الفجر.
عندما أخبروني بذلك.. طبعاً انتابني خوفٌ ورعبٌ شديد.. وتذكرت زماان لمّا كنت ألعب مع أخواني وابناء الجيران قدّام البيت.. إبن الجيران عمره أربعة سنين.. ضربني بحجر صغير على رأسي.. وإلى الآن أتذكر الوجع اللي حسيت فيه آنذاك.
لمّا تقدّم لي زوجي، كنتُ صغيرةً في السن، كان نفسي إني.. ما أتزوج لأني كنت طفلة، صح عمري كان 19 بس ما كنت متخيلة إني أصبح زوجة.. بس مين كان رح يسمعني؟ ما هم يحكوا "الحُرمة" لازم تنستر ببيت زوجها.. زوجها هو سيد راسها وتاجها، لأنه سَتر عليها! 
وهو كذلك صاحب فضل عليها وعلى عائلتها.. لماذا؟ لأنه تزوجها! زوجوني صغيرة حتى اتربى على ايدين زوجي.
لمّا بلشت الازمة بالبلد إختفى زوجي، وتغيّر الحي والبلد. تغيّرت بلدتنا كثيرا... لم أعد أرى الألوان.. صار كل شيء كئيباً.. سوداوياً.. والوجوة الغريبة ذات العيون المُتلصلصة تملأ الشوارع.. لها حقّ المُسائلة والعقاب وكل شيء.. يتشابهون في هيئاتهم ووجوههم القبيحة راياتهم سود والله أكبر من أفواههم تعني الموت والدم.

قُبيل الفجر وضعوني في.. شِبه حافلة، كان أبي معهم، لم أره منذ أمد، وجهة ناحل وعيناه قاسيتان.. ويتحاشى النظر إليّ.. وعندما حاولت التحدث معه أشاح بوجهة عني، ورفع يده، إنتهى الكلام!.
هل أنا خائفة ؟ يجب عليّ أن ارتعب! بعد قليل، ستُسدد عليّ الحجارة، لا بشكل عفويّ او مُزاح لاتحاشاها.. لا بل لقتلي!. 
نظرت إليهم.. ما أكثرهم!؟ مُلثمون.. وتهتز أجسادهم مع اهتزاز المركبة.. ويحملون بندقياتهم على أكتافهم.. هل يُعقل بأنهم خائفون مني ؟ أنا الوحيدة.. الحُرمة.. المُقيدة.. وهم الجماعة.. الذكور.. !!
أعرفُ هذه المنطقة جيداً، لطالما أتيتُ إلى هُنا.. طبعا في الماضي، مع رفيقاتي بعد انتهاء اليوم الدراسي.. من أجل "حفلة غدا جماعي".. هُنا كانت مزارع الزيتون والخُضار والفواكة.. وآبار المياة والقنوات والبرك المائية.. لماذا أصبحت شبه صحراء ام إنني اخطئتُ المكان والتخمين ؟ 
لاا... لن يرجمونني.. هُنا.. ياا رب.. ليبقى هذا المكان ذكرى فرح وسعادة سُرقت او قُتلت لا يهم الآن..  ليبقى ذكرى حياةً كانت.. بسيطة.. سعيدة.. رائعة.. عفوية.. هل الموت هو المُرعب؟ منذ أن دخل هؤلاء الغرباء بلدي، أصبحت الحياة مُرعبة.. ولا أعتقد بأن الموت وهو انتهاء هذا الرعب.. هو الرعب؟! ليش اموت ؟ أعلم بأن الموت هو مصير كل حي، ولكن يختلف الموت الآن.. في حالتي هو.. هم فقط قرروا موتي.. حتى يغفر الله لي !
وصلنا.. كان "المشوار طويل".. والصُبح بدأ يصحو.. لكن الشمس لم تطلع بعد.. قد لا أحيا لأراها!
نزلت بصعوبة.. لأنني مُقيدة بإحكام.. مربوطةٌ بحبل مشدودٌ حول بطني، مُحكم التقييد ولم يسألونني هل يُؤلمني ام لا ؟ وقف أمامي أحدهم.. لحيته سوداء كثيفة وبجانبه أبي.. أبي الذي يستحق كرهي.. أبي الذي كان يجب عليه أن يحميني من هذه الوحوش التي ستتلذذ بألمي وصُراخي! لكن أبي خذلني.. مَن يلومني إن كرهته؟ أنا أكره جُبنه وخُذلانه وضعفه.. الذي غطّاه بكبرياء وقسوة! 
تحدث ذو اللحية، كان صوته قاسياً، لم أعي ما يقول.. وبكل الأحوال فهو يُمثل أمام الكاميرا التي تقف خلفي، وحولنا جمهور من المُسلحين.. يترقبّون البدء بتنفيذ حدّ الله.
طَلبت من أبي أن يُسامحني، ورفض طلبي! مَن مُطالب بأن يُسامح من؟ تناقضت في تلك اللحظة كلماتي مع ما يعتمل في أعماقي.. فبسبب رجائي في أن أرى بعينيه أسف ويأس.. طلبت منه السَماح والعفو.. كُنت مسلوبة الإرادة ومشلولة الأركان.. الله يرى كل شيء ويعلم كذلك! حُفّظت كلمات لقنونني اياها وكان يجب علي قولها لتكتمل الصورة أمام الكاميرا! 
كنت ارتجف رُعباً وهَلعاً.. لن أقدر على تحاشي حجارتهم المُسددة بإحكام.. سأكتفي بأن اتلقاها.. سأتألم كثيرا هكذا حدّثت نفسي.. كانت حفرتي جاهزة والحجارة جاهزة أيضا.  
وضعوني في الحُفرة.  وتجمّعوا أمامي.. نظرت إلى أبي.. كان يقف معهم.. ضدّي.
سألتهُ: ليش ما توقف معي يا أبي؟ كان صوتي واهناً وأنا في الحفرة..أنتظر. 
بدأوا.. اللهُ أكبر، وحجرٌ ارتطمت برأسي.. فوق عيني اليمنى.. وكردّ فعل، ترجّع رأسي إلى الخلف وندّت مني صرخة.. قبل لحظات حدثت نفسي بأن يجب علي أن لا أصرخ او أبكي.. وهل صُراخي سيُغير شيئاً، على العكس سيزيد من سُعارهم وشهوتهم للدماء!
بعد الضربة الأولى، وخلال أجزاء من الثانية، فكرت بأن علي أن اتفادى الحجارة.. عليّ أن أهرب.. وتحركت وكنت ثابتةٌ في الأرض أعجز عن تحريكي قيد أنملة.. وكان قد تسلل إليّ أملٌ بالنجاة !

وتتالت حجارتهم عليّ، لن أقدر على وصف الألم الذي كنت أُقاسيه، فالكلمات تعجز عن الوصف.  أكيد إنتهى كل شيء.. وها أنتم بعد سنوات تقرأون ما حدث لي.. لو أردت أن اعرف شيئا، فقط أريد أن أعرف.. هل أبي بقيّ حياً(يأكل ويشرب.. ينام.. يرى نفسه في المرآة)، وهؤلاء الذين قتلوني، هل يُقبّلون أولادهم ويعيشون بشكل عادي.. أحمد الله بأن الميت لا يعرف ما الذي يفعله الأحياء!!