الصفحات

الثلاثاء، 23 يوليو 2019

أنا...

أنا هاشم... المُحب والعاشق والذي يقرأ تفاصيل المشاهد، ويبحث عن معاني المعاني ويقفُ كثيرًا... حائرًا...
والدهشةُ تملأه...،
وأقفُ لنسمة هواء.. للحظة ما... لرائحة تأخذني عن واقعي، وأتيه... لأجدني هُناك... في أيّ مكان غير مكاني!
هل أنا أتقدم نحو نهايتي...؟
 وهذه الوجوه التي أصادفها، كُلها ستتغير... ستذوي... ستذوبُ في تراب الزمن،
ولكن لماذا...؟
لماذا لا أرى سوى الموت... التكرار موت... الخوف موت... الحُزن موت... العبودية موت... الركوع للفشل موت...السعادة الخجولة موتٌ أيضًا... وأصعبُ موت غُربة في وطن!
لماذا كل هذا الموت؟ وما هي الحياة؟ ما دامت الحياة ضد الموت!!،
أنا رسول حياة،
نبيٌ في مواجهة أصنام الموت المعبودة والمُقدسة!
سأُحطم الأصنام، لا بأس سأرضى بعقوبتي حرقًا، إن غضبوا لأصنامهم المُقدسة... نعم، سأموتُ فداءًا للحياة وثائرًا على الموت المعبود والمُقدس...! على موت الحياة قبل موتها...!،
أرى في الوجوه الموت...!
في أحاديث الشوارع والأرصفة والمقاهي والجلسات المسائية، أراهُ في الإبتسامات الرمادية والضحك الجاف والبُكاء المكبوت، والغضب الذي يتحول لخوف وتباكي وتناسي وإنصهار في روتين الحياة اليوميّ، روتين يُشبه الموت كثيرًا،
لماذا يُحاصرني الموت هكذا؟
في المساجد أرى الموت وفي حفلات الزفاف وفي عيون الأحبة!
أنا مريضٌ بالموت، وأُحاول التعافي...، عندما أغيبُ عن واقعي وأراني لحنًا فيروزيًا، ورائحة الصباح تُحاصرني، ومعي قهوتي وسكائري، ومع الهواء أشتمُّ رائحة المحاصيل والعطور والبراد...!،
وأشعرُ بالعظمة وبالحُب... وتتسللُ إليّ مخاوفي وهزائمي ومُنتصفات لم تكتمل وغموض ما، وأصدُّ تسلل تلك المُوجعات، بإبتسامة... بذكرى جميلة وبعيدة، بضحكة فتاة وبسمة طفل ورائحةُ مطر... حتى في يوليو!
 وأبتلعُ غصتي، وأرمي حُزني... لا أُسقطه، إنما أضعه على ظهري َويتدلى، يُلامس الأرض وأسمعُ أنينهُ، وأرفعه... أسمعه يعوي َويصرخ ويبكي... ويغيب صوته، ينتهي... تبقى الألحان تنسابُ كنسمة صُبح أياريّ...!
البعيدين يحضرون، أرى وجه أمي وتجاعيد أبي ووجه فتاتي ورفاقي... أراهم حولي، وأحزن رُغمًا عن سعادتي الآنيّة!،
وألاحظُ حُزن وجه عامل النظافة، وأقرأ في وجهه تراجيديا وطنية...!
وأحتقرُ حُزني وسعادتي وخوفي... أكره حذائي ولباسي وهاتفي... وأغرق مُجددًا، في ظلام، في غضب وفي ضعف، وموت!،
الثورة حياة، وتحطيم الأصنام نصر، وعدم الإيمان قوّة، وعدم الرضى والرضوخ والتسليم شجاعة وإنتصار عظيم!،
وأنا هاشم،لم أكبر بعد...!
لم أستسيغُ بعد، قُبح الأشياء وتكرارها المُعتاد وموت الدهشة، بأن تُصبح الأشياء عادية وباهتة وبلا لون جديد!،
بأنني ربما سأكون رقمًا بليدًا في تعداد الأرقام، وبأن أنساني في خضم التنافس والجشع والسرعة و... الموت المُستمر!



الثلاثاء، 16 يوليو 2019

كم أنا ضعيف؟
هل أنا إنسان لأنني ضعيف؟
كم هي المرات التي واجهتُ فيها ضعفي؟!
ولم أفشل في المواجهة بل نجحتُ دائمًا في الإلتفاف حول ضعفي، والتخفيف منه قدر الإمكان ومن ثم تجاوز الحالة...!

رغبتي الدائمة بالحياة تُثقلني أو إنسانيتي تُؤلمني!
والإعتياد موت كما التعلّق والإحساس العميق وسيناريوهات العقل والتفكير... اللعنة على التفكير،
وللأيام وجوهٌ عديدة، لكل شيء نهاية... وثمة بدايات دائمًا، لا تستبطئ النهايات دع الأشياء تنتهي دون أن تُحاول تأخيرها...!

نحن عبيد، وللحرية ثمنٌ باهظ!

والوهم يُحاصرنا...!
لنتحرر من الأوهام ومن كل شيء، لنتعرى من أوهامنا، ولنحيا فقط!

الأحد، 14 يوليو 2019

عن مقالة قصيرة حذفتها بالخطأ...

قبل لحظة حذفت - دون قصد - مقالة قصيرة كتبتها أمس الأول، بعد عودتي من صلاة الجمعة، هذه الصلاة التي أمارسها شكليًا لا أكثر!
المقالة نسختها لأنشرها على مدونتي، وحذفتها من الملاحظات، ولأنني لا أستسيغُ بقاء الملاحظات حذفت ملاحظة بإسم فيلم أردت مُشاهدته وهو "الإرهاب والكباب"... وعندما فتحت المُدونة ولصقت ما نسخت... كانت ملاحظة الإرهاب والكباب!
لا أدري لماذا... بالمُناسبة الساعة الآن الثانية وثمان وعشرون دقيقة صباحًا، واليوم هو الرابع عشر من تموز/يوليو لعام ألفين وتسعة عشر!
فيلم الإرهاب والكباب لم أكمله للنهاية، بل شاهدت أقل نصفه، الفيلم بطولة عادل إمام، وأول الأمس وهو يوم الجمعة وبعد تناول الغداء "المنسف" لم أستطيع ممارسة عادتي اليومية وهي النوم بعد الغداء وبعد التقلب بالفراش ومحاولة الغرق في النوم، فشلت محاولتي ونهضت... ولأن الملل صديقي اللعين والذي أكره وجوده طبعاً، فتحت اليوتيوب وبدأت بمُشاهدة الفيلم...
عنّت على بالي سيجارة، وسجائري من نوع أجنبي وأعتقد بأنها "مضروبة" ولا أعلم مغزى هذه التسمية، ربما تعني بأنها مُنتهية الصلاحية!
المهم سحبت سيجارة من الباكيت، ودخنتها وأنا أُشاهد بدايات الفيلم، وطعم السيجارة كان مُرًا... والجو حار!

هذا النوع من السجائر النحيلة، والتي إشتريتها منذ أسبوعين... إضطررت لشرائها لأنني في هذه من العام، كما هي حالتي كل عام "طفران جدًا" وكانت في جيبي عشرة دنانير فقط، وذهبت للمدينة كي اشتري "كروز" من أي نوع سعره عشرة دنانير، أي دينار للباكيت الواحد...!

وللأسف في هذه البلاد صحة الإنسان ليست ذاتُ قيمة، لا أقصد مضار التدخين بل بيع البضاعة التالفة أو الغير صالحة... كنت أُدخن من تلك السجائر المُقرفة، وأنا أعلم بأنني أشربُ تبغًا غير صالح والله وحده يعلم ما الذي دخل في جسمي بعد تدخيني لتسعة باكيتات ونصف الباكيت العاشر تقريباً...!

أعود للموضوع الأساسي، مقالتي القصيرة بالأمس الأول... كلماتها قليلة، لكنني كتبتها من أعماقي، لم أتكلّف كلمة، مع أنني في هذه الفترة أعاني شُحًا في التعبير اللغوي!

بدأتها بأنني لا أستسيغُ هذا الكمّ من العفونة... وأقصد العفونة الاجتماعية... والآن مثانتي مُمتلئة وأعجز عن النهوض إلى الحمّام لإفراغها!
لماذا عليّ أن أتبوّل في الحمام؟
لماذا أنا مُثقل باللاشيء... أقصد رأسي مليء بالقرف والإشمئزاز والخوف والريبة والشكّ والحُزن ومشاعر الذنب والإضطهاد واللاجدوى ومن وراء كل هذا تنتابني حماسة وتفائل ورغبات... اللعنة على العقل والتفكير!

معي قهوتي وسجائري الجيّدة، وقبل ساعتين تقريبا كنت في مكان مع أُناس لا أدري لماذا كنت معهم... كان إجتماعنا لعمل، والعمل بحاجة عمل كثير لإنجازه وأنا منذ وعيت أفتقد للصبر والإلتزام، دائمًا تراودني رغبة عدم الوجود والإنطواء، والعودة بسرعة لمكاني، لإريكتي وطاولتي التي تحمل فوقها كتاب ودفتر ونفايات ووصلة كهرباء... أطفئ ضوء الغرفة وأُضيء النيون الخارجي، ويتسلل الضوء من خلال زُجاج الباب، والنافذة الشمالية تُدخل هواء الليل المليء برائحة الحقول الجافة...!
لطالما شعرتُ بأنني عبدٌ للأماكن والأمزجة والماضي، ولطالما إستذكرتُ حتى أتفه الحوادث التي صادفتني قبل أشهر أو سنوات أو أيام أو لحظات!
كم هي حياتي كريهة وفاتنة؟!

 وحدك تُناجي الليل وتبكي بصمت... تحزن وحدك والليل قادر على أن ينكأ جروحك ويدعك تخاف بصمت...
بصمت تنحدر نحو الظلام، وتتسائل كيف؟
عقلك يضجٌ وتُعربد الأفكار وترقص في جُمجمتك... ووحدك!
وكل الذين تعرفهم لا يعرفونك ولا يُدركون!
دعهم... دعهم وأحتضن ليلك وناجي الصمت وأبكي لتضحك وتبكي وتضحك... وستُدرك كم أنت وحدك!
كلّهم بعيدون ومُزيفون، ولماذا تنشغل بالزيف؟ لماذا لا تتصالح معك وتمضي وحدك... كما كُنت وستكون!

والليلُ هذا حقيقيّ وواضح، وأنت مع هالليل تعي وحدتك وكم أنت هشٌّ وضعيف!
إنني ثَمل. ثَملٌ جدًا!
دون أن أسكر... ثَمل،
النُعاس يُداهمني، كغيمة أول خريف!

وها هو الصُبح يقترب دون أن أنام!

سأنام فورًا أو بعد قليل!

لم أنم، بعد ثلاثة أيام...
في صدري ضحك وبُكاء وسعادة وحُزن مُظلم!

في صدري كلامٌ وخوف وشجاعة وندم وقوة ولاجدوى!
أُحاول الفرح وأسترق من عبوس الأشياء من حولي إبتسامات... ولكن كل شيء مُزيف! وثمة ظلامٌ يبتلعني ويلفظني دون أن يدعني وشأني!
لن أستسلم كعادتي... سأُقاوم وأقاوم وحدي... ووحدي قوي وأنتصر دائماً!

لا تحتملني الكلمات، وكأني سقطت في قعر مُظلم!
حزين جدًا وسعادتي ناقصة ومخاوفي تتكاثر وجداري هشّ وليلي طويل!




الثلاثاء، 9 يوليو 2019

حمص، التاسع من حزيران/يونيو عام 2012 م.

المدينة هادئة والشمس ستشرق بعد ساعتين تقريبًا.
محمد لم ينم، طيلة ساعات الليل كان يجلس في فراشه ويقوم ويعود ليتمدد فيه ومن ثم يجلس... وظلام الليل يُخفف من وطأة الإحساس الدائم بالخطر والموت الوشيك، ويزيد الليل من الإحساس الهشّ والخوف والحُزن!
منذ أشهر وهذا الحال مُستمر بل ويزداد حِدةً ووضوحًا، حالةٌ من الخراب... خرابُ البنايات والشوارع وكل البُنى التحتية والفوقية، وخراب يمتدد في الجسد والروح!
وإلى متى؟ وكيف ستنتهي الحكاية؟ ومتى بدأت هذه الحالة ولماذا؟ نعم لماذا حدث كل هذا؟
تبقى التساؤلات مُعلّقة... لا تنتظر، فهي ميّتة أو لا تشعر بشيء!

والليل هذا الضيف اليوميّ الذي يُخفف دائمًا من فظاعة الواقع... نعم، فكل الثقوب في الجدران من جرّاء الرصاص، وكل الدمار الموجود يختفي في الليل... لا تراه العين وأصوات الرصاص والإنفجارات تختفي أيضًا، إلا في حالات إستثنائية طبعاً!
والصباح يبدو وكأنه بداية أو إستمرار لما قد توقف بالأمس قُبيل مغيب الشمس أو بعد غيابها بقليل... كصباح اليوم التاسع من حزيران/يونيو، أشرقت الشمس على الخراب والدمار، وكان محمد الذي يقطن وإثنين من رفاقه في عمارة مهجورة ومُدمرة بعض الشيء، ويستخدمونها كمسكن ومُعسكر، وهي تطل على شارع القاهرة... ومنذ أيام باتت جبهة القتال هُنا، ثمة فُتحات في البناية لإطلاق الرصاص والأربيجي....
كان محمد يقف في وسط الغرفة، وينظر لرفيقية النائمين على الأرائك، كانا ينامان بعمق وهو ينظر ويتسائل: كيف ينامان هكذا وبهذه السهولة؟!
كان يشعر بشعور قويّ وقاسٍ، شعورٌ بالتعب والخوف والحُزن والرغبة بالهرب... ولكن إلى أين؟
لا يدري... منذ أيام لم يذق طعم النوم، وخلال هذه الأيام إستبدّ به شعوره ذاك، حتى صوت الرصاص بات يُثيرُ فيه الشعور باللاجدوى واليأس ويعلم بأن الرصاص إما أن يفشل في إصابة الهدف أو سيقتل أحدهم... وأحدهم هذا مثلهم، ويُشبههم! ويقفز في ذهنه سؤالٌ مُرعب: لماذا نقتلُ بعضنا؟!
ويُشاهد، نعم بات يكتفي بالمُشاهدة والتركيز في تفاصيل كل شيء.
صوتُ الرصاص والإنفجارات لا تُخفف من حِدّة الأفكار التي تتراكم وتنفجر في رأسه كل حين... ويعودُ للوراء لمشاهد قديمة جدًا وقديمة وفي الأمس القريب حدثت!
يراهُ طفلًا في بيتهم بين إخوته ويرى أمه وأبوه، يرى الوجوه تبتسم ويسمع الضحكات والنداءات، ويسمع صوت التلفاز... مُسلسل مرايا وبقعة ضوء، وأخبار المساء عن بغداد وغزة وإقتحام المستوطنين للمسجد الأقصى، وفي حديقة البيت تحت "مُعرش" الدوالي تجلس العائلة الكبيرة الأب والأم والأعمام والعمات وأحاديثهم اليومية عن الحال والأحوال، وهو وأبناء العمومة أطفالٌ يلعبون ويسترقون السمع لأحاديث الكبار التي لا يفهمون مُعظمها... وتغرب الشمس لتشتعل إنارة المساء، والمساء المُنعش مع رائحة المحاصيل الزراعية...!
يرى الطفل يكبر، يراهُ ذاهبًا إلى المدرسة في الصباحات الباردة وعائدًا في نهار حار، ويُسرع في العودة، ليشرب من جرة الفخار التي ترشح بالماء، ويتلذذ بطعم الماء...!
ها هو الطفل يكبر أكثر، تنبت على وجهة علائم البلوغ، شارب وبضعة شُعيرات في الذقن، ويُنهي البكالوريا بإمتياز وتبدأ حياته الجامعية، ويبدأ يتعب من المواصلات العامة ووعي الكبار وإدراكهم، وفي الجامعة يدرس: اللغة العربية، لم يختر هذا التخصص، كان يرغب بدراسة التاريخ أو علم الاجتماع أو العلوم السياسية... لم يُفكر إطلاقًا بدراسة تخصص اللغة العربية، ولكن ليس كل ما يُريده المرء يُدركه "تجري الرياح بما لا تشتهي السفن"!
يُحب فتاة معه في الجامعة ويعيشُ معها احمل قصة حُب، وتبدأ مُعاناة العشق ترتسم على الملامح الطفولية، ويبدأ مُسلسل الشوق المُستمر والرغبة الجامحة في كل ما هو ممنوع، تبدأ حكايات الهروب والتلصص والمواعدات والمشاكل وكل شيء مُرهق وجميل... وفجأة: يحدث إنفجار!
صراخ وتكبير وغُبار كثيف ورائحة حادّة تزكم الأنوف وتملأ الصدور، سُعال هُنا وكلمات لا مفهومة هُناك!

والخبر العاجل: إستطاعت قوة من الجيش في حمص تدمير وكر للإرهابيين وقتل عدد منهم...!

وقُتل مُحمد عن عمر يُناهز الثلاثين عامًا.... وكذلك قُتل في هذا الصباح أحمد وميلاد ويوسف وجعفر وخالد...!