الصفحات

الثلاثاء، 5 نوفمبر 2019

كلمات خريفية

جاء الخريف بلا مُقدمات. فجأة أوراق الشجر ملأت الساحات... فجأة أصبحنا في الخامس من نوفمبر... فجأة الهواء صار باردًا... فجأة بدأ يتراجع الصيف... فجأة جاء الخريف

الخريف شبه فصل. كأي شيء ينتهي/يمضي بسرعة. كلوحة سُريالية لونها أحمر وتبدو بألوان كثيرة. 
قبل ساعة بدأت كتابة هذا النص الذي داهمتني فكرة كتابته بعدما هبّت نسمة هواء أسقطت ورقات شجر وبعثرت تلك الساقطات على الساحة. كنت قد أنهيت قهوتي وأدخن سيكارة قبل ذهابي لقاعة مُحاضرتي الأولى التي تبدأ في تمام الساعة العاشرة... لماذا أذكر هذه التفاصيل الباهتة؟ 
لأنني أكتبُ لألون "بهاتة" التفاصيل اليومية. ما الجميل في ذلك المشهد؟ أقصد رؤيتي للأوراق تتساقط وتتلاعب بها نسمة الهواء، 
لماذا في إجتماعي بالآخرين أشعر وكأني لا أستسيغُ بشريتي أو لا أفتخر بذلك، فلو أنني مقعد في مكان مهجور أو عامود إضاءة في ساحة مَنسية... لو أنني لستُ بشرًا، لرأيتهم كأوراق الخريف... يتساقطون بولادتهم وتبعثرهم نسمات الحياة الخريفية بشكل شبه دائم... ثمة لحظات ربيعية، تُزهر بها الأماكن والأوراق وليدة، ولحظات صيفية تبدو لا نهائية وشتاء عاصف، والخريف... الخريف ينتمي لكل الفصول، ولا ينتمي لشيء هو غير مُستقر ولا يرتاح، 
في كل مكان خريف. الخريف كامن وراء السطح، في عُمق الأشياء. 
الأوراق تساقطت وتجمّعت في الزوايا بفعل الرياح، الأشجار لم تحتفظ بها ربما لأنها إحتفظت بها أكثر مما يجب أو لأن لكل شيء نهاية، المهم هو أن الأوراق باتت بلا موطن، وستندثر عن الوجود، ستتحول لتراب... هذا هو الإنسان بدورة حياته التي تبدو عظيمة، هو ورقة سقطت بلا إرادة منها وهي تُعاني اللاجدوى في محاولة البقاء!

لو أني  حُرٌ، كطير... جسدي ليس ثقيل، كورقة في خريف. لكنني أملكُ فكري، أرى العالم صغير وأُدرك بأنه واسع جدًا، ونظري قاصر. مضى يومي هذا كأمسي الكثير والواسع، الآن أنا مُرهق وجسدي ثقيل وذهني مُشتت ورغبتي بالكتابة مُلّحة أو بإكمال هذا النص تحديدًا... ما الجدوى؟ لماذا أعيشُ أيامي؟ 
متى سأسقط كأوراق الخريف؟ هل الموت تجسيد للسقوط النهائي؟ 
وهل الحياة مُجرد تداعي أو إنهيار نحو قاع مُظلم بلا ملامح أسمهُ "موت"؟ 
ما الجدوى؟ هذا السؤال يلحُّ عليّ كثيرًا... عندما أستغرق في مشهد يوميّ، كإزدحام الناس في موقف الباصات وضجيجهم في المُجمعات... كلّهم أموات وعبيد وأشقياء والتعاسة تلاحقهم وهم يهربون منها... وسعادتهم أحلام تُداعب خيالهم المليء والمُشبع بالمُستحيلات، لماذا المُستحيل مرغوب والمُمكن كريه؟ 
لماذا الأشياء تبدو "مُقرفة" عندما نخوضها أو نقترب منها أكثر؟ لماذا النهاية تلوح في كل شيء يبدأ؟ 
تخيّل يا قارئي لو أن النهايات ليست موجودة، وكل شيء سيستمر حتمًا... لا يوجد شيء أسمه نهاية، تخيّل حياتنا بلا نهايات. لا يُمكن تخيل ذلك؟ 
الطيور لا تسقط. الأوراق لا تسقط. الوجوه لا تشيخ. الأحبة لا يفترقون. والعائلة لا تتضائل بموت الآباء ورحيل الأبناء. الساعة لا تتقدم ولا تتأخر. التاريخ لا يتغير. لا... هذا خيال مجنون! هذا حُلم جديد مُستحيل. 
هدوء ثقيل منذ زمن. مَن يحتمل الثقيل؟، مَن يحمل الثقيل سينهار عاجلًا أو آجلًا. 
ويأتي شتاءٌ جديد ومألوف... يبدو الصيف بعيد ومُستحيل. 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق