الصفحات

السبت، 12 أكتوبر 2019

تشرينيات... 1

إغتالوا الأشجار. قبل إغتيالها منعوا عنها الماء... شحبت، بَهتت، بدأت أوراقها تَذبل... تجفّ... تتساقط،
أصبحت جُثث هامدة تنتظر إقتلاعها، وقد حان إقتلاعها، وتمّ بإتقان... أما لماذا حدث كل ذلك؟ لا أحد يعلم.

البُستان الواسع والمليء بالأشجار تحوّل لأرض جرداء وصفراء حزينة... وبقايا الأغصان، شاهدةً على مجزرة حدثت هُنا... هُنا على هذه الأرض تُغتال الأشجار وتُقتل بلا سبب، أو لسبب نجهلهُ جميعنا.... لذلك لا يوجد سبب لإغتيال الأشجار.
ليس هذا ما أردتُ كتابته... أنا لا أدري، ثمة ثُقب داخلي ينزف على مهل، وشعور غريب وواسع يبتلعني... إنني أسقط في فراغ مُعتم وبارد!
التفاصيل تُرهقني والوجوه كذلك والحياة كلّها مُرهقة وكريهة، وأيضًا يعتريني دائماً شعورٌ يُناقض شعوري الأول، شعورٌ بالسعادة والحُب والرغبة الجامحة في الأشياء وأرتطم بخمولي برغبتي الدائمة بالإنزواء بعدم التخبط في هذه المتاهات المُظلمة... أرى الناس ولا أتفهمّهم أراهم كريهين جدًا مُمتلئين بالزيف والسطحية والكذب والجُبن وأراني حزينًا بينهم... عليّ وعليهم حزين. حزين لحياتنا المهدورة والتي تفتقد للمعنى والقيمة، وبأننا صرنا قُطعان بشرية أليفة وطيّعة وبلا إرادة...!
وبأن الإحباط هو الشعور العام والحقيقي، من الحُمق أن تتفائل... أن تتوقع بأن الغد يحمل الخير وبأن كل شيء على ما يُرام... كل شيء يسير بسهولة ويُسر نحو الظلام، الناسُ يسيلون نحو الهاوية ويُسرعون بجريانهم، لا أحد منهم يسأل/يتساءل إلى أين نتجه؟ وأين نحن؟
***
إن حاولت تجميل القبيح وتلوين الرمادي، أنت ساذج!
ستتعب في مُحاولة تصحيح الأخطاء... في بحثك الدائب عن المعنى... دائماً ستجد نفسك في دائرة مُغلقة، تدورُ فيها ولا تعرف كيف دخلتها ولماذا؟
الألم ثمن... الخوف. القَلق. التفكير الفظيع. التفاصيل الواضحة. النتائج التي تتسائل كيف حدثت. اللاجدوى واللامعنى والموت... كلها أثمان تدفعها، لأنك حيّ بين موت كثيف!

أنت كافر بين مؤمنين... تقف بين ساجدين وراكعين... أنت ترى نفسك في المرآة بينما الجميع من حولك يرون بعضهم جيدًا ويتماهى الواحد مع المجموع، ولا يُدركون عُريّهم في المرآة... ولا مرة صرخت عقولهم من الغضب... ولا مرة فكّروا في ماهية الوجود...
أنت لا تُشبههم. لستَ مثلهم، أنت أنت. وهُم ليكونوا كما يُريدون، ولكن لا تدعهم يعبثون بك.. يلونونك بألوانهم، ويُغرقونك في أوحالهم ويحشرونك في زواياهم... دعهم وتجاوزهم. فهم غارقون في موتهم الأرضيّ ووهم الجنان الإلهية...
إنظر إليهم، كم يُثيرون الشفقة؟ أنت تُشفق عليهم... تتألم لآلامهم، تُحاول مُساعدتهم لكنك ستفشل، وتتذوق مرارة الفشل والخُذلان، لأنهم موتى بلا حياة... كفروا بالحياة وآمنوا بالموت!

وحكايتك ليست جديدة تمامًا، ألم تُدرك بعد وجودك في الدائرة؟ ألم ترى بوضوح هشاشة الأركان التي تتكأ عليها بكامل ثُقلك...! 
إنك ترى الإنهيار التدريجي بوضوح. ها هو الرُعب يملأ عالمك... وأنت لست بطل إلا في حكايتك الصغيرة، وليس ثمة أبطال إلا أولئك النادرون، العشرات من مليارات... أولئك الذين صمدوا في وجه العاصفة الهوجاء أو الدمار الذي يقترب وتراه... لتجدك أمام خيارات إنهزامية... ولن تختار الهزيمة، وستفهم كيف للهزيمة أن تتحول لنصر حتميّ! 
دع كل شيء... 
لا تُحاول تجميل القبيح... ستتعب جدًا إن حاولت ذلك... وبعد، ماذا بعد؟ لماذا الرداءة تُحاصرنا هكذا؟ 
كل شيء رديء... كل شيء بلا معنى... كل شيء يدور ولا يتعب، ويُوشك على الإنهيار الكامل! 
وأنا مُتعب جدًا، وفي عقلي إنتصاراتٌ تُولد وتكبر وتموت وهزائم تحدث دائماً...! 
***
غريبٌ أنا. بينهم أراني ألوذُ بصخرتي... بي... وغرٌ لا يفهم. أنا، وأجتهدُ للفهم ويطولُ جهادي وأتعب... أكادُ أستسلم، لا أرفع رايةً بيضاء. بل أرفع راية الدم... التضحية... رايتي حمراء، كثورتي العنيفة، كشيوعيتي الوليدة، كفكرتي العنيدة،
عامل النظافة. وجوه الناس المُرهقة... النسوةُ الخائفات، قهوتي وسكائري، معارفي الذين لا أُحبهم وحبيبتي التي لا أستطيع الحفاظ بها لأنها خائفة... مثلهم، مثلنا.. كُلنا خائفون!

وطنٌ من الخوف، ومليارات الجوعى الجُبناء... وطنٌ من الزيف والموت المجاني والأحزان الحتمية...
عُقد تُولد وتترعرع وتكبر لتموت قبل أن تعيش، هدرٌ يوميّ/سرمديّ،

أجسادٌ لامعة وجميلة وميّتة. هذا الواقع لا أفهمه ولا أنتمي إليه... بين الأشياء الثقيلة أتطاولُ وأعلو، فوق الأشياء الثقيلة لا أرى شيء. ضبابٌ كثيف. برد. بقايا... فراغ!

أنا هُنا في أثناء اللحظات أتجاوزُ أشياء وأتراجع، لأراني زمان... والآن وما أنا في الغد؟ الغد... المجهول المُرعب. البعيد والقريب والمُستحيل، هل سأراني غيري الآن؟ هل سأحنُّ لليوم؟ كيف لا أُخطأ... وخطأ كل شيء.

لا أدري... 
***
أسيرُ على خُطى الأمس

أقتفي أثرَ أمس... أمس قريب، أقربُ من الآن وغدًا بعيد... أمامهُ ظلام. الغد، لا أراهُ، فهو يختبأ وراء... وراء اللاأدري! 

وجسدي ثقيل... جسدي يتعب ولا يتفق أبدًا مع عقلي، عقلي دائمًا يحترق. يموجُ ويضطرب.

سأختلقُ إنتصارًا حتى لا تقتلني هزائمي الحقيقية. الوهم مُقابل الحقيقة... الوهم أقوى من الحقيقة، لأن الحقيقة واقعية... ونحنُ نغرق تمامًا في اللاواقع. لماذا أتحدث كنحن وأنا وحدي المعنيُّ في الأمر؟ 
هل يُمكنني أن أعيش بلا رداء... بلا قشور...؟

مَن يحتمل الواقع دون تزييف؟ من يحتمل الحُرية والتقدم والتغيير؟ 

أهربُ مثلهم من واقعي. من لحظتي الآنيّة، أنشغلُ باللاشيء، وأهربُ مني... من أفكاري، من مخاوفي، ولكن كيف يهرب الإنسانُ من نفسه؟ 
الشك والريبة تملآني، والواقع رديء جدًا، أنظرُ للأشياء ولا أفهمها، ولا أقبلها... أشعرُ بي أغرق في فراغ مُظلم، والجميع بلا إستثناء بعيدون جدًا، ولا يعنيني إبتعادهم أو إقترابهم... ما يعنيني هو أنا... كيف سأقوى على الحياة المُقبلة، وأنا ثقيلٌ هكذا... خائفٌ وبلا سلاح أحمي بهِ نفسي، ولكن لماذا أحميني؟ وهل بالفعل هُناك خطر مُحدق؟
لا تنتظر شيء. أنت حرٌ بلا إنتظار، الأشياء لا تتغير... تتغير أنت فقط، كُفّ عن محاولة تصحيح الخارج، بحيث يتوافق مع نظرتك القاصرة... وأنظر للخارج كأنه لا يعنيك. 
***
الخميس، 9:05ص، 10-10-2019
"أهو وباءٌ ضرب البلدَ؟"

أجلسُ وحدي. 
هذا المكان يعرفني وأعرفه... إشتقتُ إليه لكنه لا يشتاقُ إليّ، كأنني به غريبٌ وليسَ مُرحبًا بي!
لماذا يا كل الأشياء تَنسين، ولماذا أنا أغرق في التفاصيل. أرتبطُ بالأشياء برباط وثيق، وأنتزع نفسي في كل مرة أُغادر بها شيئًا...

منذُ بدأت الكتابة، بدأتُ بشكل تدريجي أفقد إرتباطي بالخارج. الخارج بات كريهًا وفاتنًا وصعبًا. أنا بحاجة ولادة جديدة وإنتصار شخصي يُعيد لي إعتباري، بدأتُ معركتي الشخصية وسأنتصرُ حتمًا...
"لا إستسلام". الإستسلام موت مع إذلال، "لا إنهزام" فالإنهزام غرق في الظلام.

سأكتب. لأنني أحيا بالكتابة، وسأرفض دومًا... لأن الرفض حياة، والطيّعون أمواتٌ يخافون الموت. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق