الأحد، 16 ديسمبر 2018

فتاة البرزخ 10

صباحٌ جديد، لا جديد في هذا الصباح، سوى فراغي الذي يكاد يبتلعني او يخنقني !
أنا مُتعبةٌ جداً من... كل شيء تماماً ! 
والحياة ما الجميلُ فيها ؟ لماذا نحيا ؟؟ لنتوقف فوراً عن هذا ال... هذا الغباء او الضياع او الجنون او... لا أدري بالضبط ما هي الجُملة/الوصف المُناسب !
وهُنا، في هذه الجامعة وبين هذه المباني القديم منها والجديد وحولي عشرات الطَلبة، أشعر وكأني في سجن ضخم موبوء ومُحاصر منذ سنوات ! ليش أنا هيك !!
بعد قليل تبدأ مُحاضرتي الأولى، وعليّ أن لا أُطّنش وإلّا سأُحرم ببساطة... أو عليّ أن أزور الدكتور في مكتبة واغنج لهُ قليلاً، حتى أضمن تفوقي في هذا الفصل ! 
أنا مُتعبة من الإستماع وواجب التفاعل مع المُتحدثين إليّ، ومُؤخراً إكتشفت إضطرابي في الكلام ! صرتُ أتلعثم ولا أجد الكلمات المُناسبة لأي حوار... أنا أرغب في الإندثار كُلياً لا جُزئياً... وسأقوم حالا لألحق بالمُحاضرة !

****

جدّي وُلد وعاش ثلاثون عاماً في يافا، ولجأ لنابلس ومنها هَرب عابراً النهر لشرق الأردن. أبي وُلد في عمّان، بالتحديد في مُخيم البقعة، وخرج من المخيم للمدينة" مُهندساً (عاطلاً عن الهندسة) ليعمل مُوظف خدمات في إحدى الدوائر الحكومية. تزّوج أمي السلطيّة، ليُنجب ثلاثة بنات وولد. أمي وُلدت في ماحص، وبيت جدّي من أمي يغفو فوق هضبةٍ خضراء. وأنا أنتمي لكل الأماكن ولا أنتمي لشيء! بعيداً عن تفاصيل ما ذكرت آنفاً، بالفعل أنا لا أنتمي لشيء! 
أبي كان يبتسم دائماً، ويحتضنُ أمي عندما يعود في المساء... تلك الأمسيات كانت أجمل من أن تُوصف! أبي مات. وانطفأت ابتساماته، قبل أربعة أعوام.. أبي كان رجلاً وإليه أنتمي! وأمي كذلك... ما زالت تُضيء عتمتنا بنورها، اللهم إحفظ لنا نورها... آمين.

****

تدخل لـ "كشك الجامعة"، تشتري شيئين، كعُلبة ماء وكيك، تدفع دينار وتخرج، وتشعر بأنك تُسرق بإحترام بل وبمنيّة !!
تجوع، تبدأ معدتك بإلتهام نفسها، خُطاك تسير -رُغماً عنك- نحو مطعم الجامعة، تدخل تشتري ساندويتش زنجر وكولا، تخرج وقد دفعت دينار ونصف، تأكل ما اشتريت وتجوع أكثر !! إننا نُسرق/نُنهب هُنا ! 
آه أنا فلسطينية ولا يحقُّ لي الاحتجاج، إبنة مُخيم، مع أنني أملك هوية أحوال مدنية أردنية فَضلاً عن الجنسية، لكنني أبقى حاملةً فيّ خلايا اللجوء... مَن سمّى الأماكن، وفرّق شرق النهر عن غربه ؟؟
لا بأس... اليوم الحادي عشر من أبريل، واليوم أنا سعيدة جداً، لأول مرة لا أُفكر بالموت منذ إستيقاظي، والساعة الان: 11:36 ص، ترمب سيضرب سوريا، او الأسد او الحمار... المهم ترمب سيقتل قاتل ما... او ما يُعتقد بأنه قاتل، هل حاولنا ولو لمرةٍ على الأقل سماع كل أطراف مُشكلة ما، دون التعاطف مع جهةٍ مُحددة، لا نستطيع ذلك، فهل يُمكن سَماع رواية الذئب في قصته مع ليلى ؟؟ الذئب مُجرم وليلى ضحية بكل الأحوال ! او هكذا نعتقد... لماذا أتحدث في هذه الأمور ؟؟

**

لماذا كُلّ هذا الضجيج ؟ 
نعم... إنني أشعر بالعار والخوف من اللاشيء!
أشعر وكأنني غيّري ؟ متى كنت أعرفني ؟ لعلّي فقط عرفت أكثر مما يجب ؟ ورأيتني بوضوح... فقط!

لعلّنا مجرمون، ومُستمرون في ارتكاب الجريمة ؟

مُجدداً ما سرُّ هذا الضجيج الذي يُحاصرني ؟

الإستمرار... كيف ؟؟ لا يُمكن للعقل أن يحتمل، يُمكن للغباء أن يستمر ؟؟ 
أنا أهذي مُجدداً، منذ أيام أنام ليلي قبل منتصفه، واستيقظ باكراً جدداً.. هذا هو سبب هذياني الآن!

إنني ارتكب الأخطاء الفادحة... او هكذا أشعر! إنني أفتقدني جداً، وأكره بل احقد رغماً عني، على الوجود... وأرتدُّ لعدميتي السوداء الهادئة... وأُجيبني بأن: كُلّ شيء... كُلَّ شيء تماماً محضُ وهم لذيذ وأحيانا مُر، لكنه يبقى وهم، وأطمئن، واهدأ... أنا هادئ بطبيعتي حتى ولو كنت أصرخ واتداعى...  اهدأ داخلياً. أأنا مجنون ام أنني عاقلٌ بين مجانين، ام أننا جميعاً زائدون، مُجرد أرقام فارغة!!

الليل... هو الذي يُدمر آخر حصوني... التي أرممها كل صباح، لأستطيع مواجهة الظلام الدامس... الظلام الذي ولحسن الحظ، لا يخترق الحصون المُرممة على عَجل، الظلام يأتي في الصباح، ويغيب قُبيل مُنتصف الليل، بحسب توقيتي... إلى اللقاء، في صباح جديد، أكتب في تمام الساعة 12:23ص.

***
لماذا لا أختلسُ لحظة...
لماذا لا أنتبه او أتوقف ؟ لماذا كل هذا الإسراع أو التسرّع ؟ حسناً... منذُ ساعة قُطع تيار الكهرباء، وهدأ كل شيء! 
الظلام جميلٌ... بل آسرْ.. بعض الشيء! الظلام هُنا يُشبه إلى حدٍ بعيد الهدوء والراحة! ولكنه لا يُحتمل لولا إشعالُ شمعةٍ.. الشمعة تذوبُ ببطئ.. لكنها تستمر في الذوبان، إلى أن تندثر! 
الفكرةُ تكبر... تتضخم.. والحيّز الذي يحتويها، يضيقُ بها، ولا يحتملها، هي تُريد بإصرار الخروج! وخروجها عسيرٌ وصعب... صعبٌ جداً.
سطرٌ جديد. كل شيء من حولي، يبدو مُشوشاً، مُضطرباً. والليل لم يعد كما كان! مَن لا يَتغيّر مع مرور الخيبات؟ سؤالٌ جديد: متى آخر مرةٍ أحسست بالهدوء وعدم الاستعجال ؟ 
.....
التوقيت ليسَ مُهماً. المُهم هو: إنني منذ أيام لا أستطيع الكتابة! وأشعر بأنني مُمتلئةٌ جداً بل وأكاد اتفجّر من فرط إمتلائي... ومع ذلك لم أعد قادرةً على إفراغي مما لا أحتملُ الإحتفاظ به! 
الأشياء من حولي تتداعى... تنهارُ ببطئ، وأنا لا أتحرك.. لا أبكي او أصرخ او... أهرب!
وحدي. نعم وحيدةٌ كالعادة، منذ متى وأنا مع.. أنا وحدي دائماً بلا مُبالغة! 
****
كنت بدي أحكي معك ضروري!
بس ما لقيتك... زعلت كتير وما نمت بس ما بكيت، كنت مخنوقة كتير... بس ما بكيت لحتى نمت، كانت لحظات صعبة... أصعب مما تتصور، لساعات ظليّت مش عارفه أعمل شي... غير إني أختنق، وظليّت أختنق لحتى نمت... كيف نمت؟ ما بعرف!
كنت بدي أحكيلك: لا تحكي شي ضروري! خلينا مع بعض هيك! بدون مُبررات ووعود وأحلام ! وكنت أتسائل؛ هل راح تفهمني؟ 
على فكرة أنت مش حبيبي ولا شي! أنت إنسان عابر ارتحت لك، لأني صادفتك وبس!
وأنا... أنا إنسانة مريضة... مُعقدة... الخ، بس ما طلبت منك تحبني... أو تظلّك معي، أنت اللي ظليّت..
بدي أحكيلك إني "كافرة" بكل شي! مش مؤمنة الّا بما أرى وأشعر! والحياة ما راح تتحملني...! كيف بدك تتحملني أنت ؟ 
أنت ما تعرفني...! آه، حكينا كتييير... وتعارفنا من زمان أكتر... بس شو تعرف عني؛ غير إسمي وشكلي وصوتي وأحاديثي السطحيّة معك ؟ 





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق