يجب أن أكتب،
ولأن في رأسي "إزدحام" أفكار. أجدني بلا مِداد لغوي... كلماتي مُبعثرة وبعيدة وباردة.
وتُؤلمني الأفكار/الكلمات، لا أتفهمُّ "إزدحامي"، لا أقول لنفسي:"ربما أنا بحاجة أن لا أكتب... وجوب الكتابة ليس إلا عبئ وهمي ثقيل"... لا أقول ذلك، بل أستمر في مُحاولة تخفيف الإزدحام / ترتيب الكلمات... أحيانًا أنجحُ في ترتيبها وصياغة شكل لغوي أعتقد بأنه جميل، ودائمًا أشعرُ بالفشل وبأنني خسرتُ المحاولة... بأن ثمة ملل/سأم شديديّن، بدأ يتسللُ إليّ من ثغرات فشلي المُستمر، ومخاوفي ومواقفي تملأ لحظاتي بقَلق ضائع في ظُلمة داخلي.. وفي ظُلمتي أضيع، وأتيه. أتلمسُ الجدران والظلامُ يُغرقني تمامًا...!
كيف للإنسان أن يتجاوز حدوده؟ أن يقف أمام مرآة، تعكس صورتهُ كما هو، دون أن يخجل/يكره/يهرب منهُ؟
مَن يحتمل أن يكون آثمًا، بلا مُبررات، بلا سبب؟
أن يعترف بالخطأ وأن لا يبحث عن "حُرية الإثم"؟!
نحنُ غارقون تماماً بالمفاهيم والقواعد والصور النمطية. ندّعي غير الحقيقة، لأن الحقيقة عادةً لا تناسبنا... ليست سوى واقع مرفوض، وندّعي الأشياء التي تُحصننا من "خوف عظيم" نعيشُ هاربين منه ولم نُفكر لحظة بأنه ربما غير موجود، ربما كلُّ خوفنا وهمٌ غرقنا به... تدريجيًا أو فجأة غرقنا، المُهم بأن "الغرق" صارَ هو الواقع.
***
تدارك... أعدّ النظر مُجددًا، وتجاوز حدودك.
غادر مكانك، لا سقف فوقك إلا السماء، والسماء ليست سقفك، ولا جُدران حولك،
التغيير مرهونٌ بالحركة. لن تتحرك إلا بقوة، والقوة هُنا داخلية... تملأ داخلك، لتُنهي حالة "الخمول" تلك الحالة التي قيّدتك والتي سجنتك تحت سقف واطئ وإن لم يلمس أعلى رأسك، وجُدران... يا رفيقي الجُدران كثيرة منها: الخوف الدفين... والوهم الطاغي!
والسقف، واحد... لونهُ أبيض مثلًا، ويمنع رؤيتك للفضاء فوقك، الفضاء الشاسع... السقف يهبطُ عليك بفكرة مفادها: أنت لا تستطيع الطيران وإن حاولت وأجتهدت، وأنا أحميك؛ من حرارة الشمس... من المطر... من الليل... والبرد...!
إعادة النظر تعني إحتمال وجود خطأ ما... لذلك هي فعل مُرعب،
إعادة النظر تعني إمكانية تحمّل مسؤولية، وتغيير ما نعتقدها:"ثوابت"!
***
مُرعب أن "يُحبّك" أحدهم. أن تكون إحتمال؛ خيبة، جُرح، جبان، مُتردد... أن، ربما تُبادل الحُب، تتقبل محبة أحدهم، وتجد في قلبك حبًا له، يُكبر، يتضاعف، وينمو ويترعرع، ولكن هل أن تكون مَحبوبًا هو أمرٌ مُرعب؟
مُرعبٌ ربما لمن يُدرك الحُب وكيف تكون مُحبًا، مُرعب لأنك أصبحت فجأة؛ فرصة/هدف، يسعى أحدهم لتحقيقها، ملاذه الآمن دون أن تعرف كيف ولماذا،
وكيف لا تنمو فيك بذرة الغرور والكِبر... كيف ستواجه هذه المحبة دون أن تكون "خيبة ظن"؟؟
لأنها أحبتك، ولأنك الآن أنت محبوبٌ جدًا، ربما هي أحبتك لشهور لأعوام، قبل أن تتجرأ وتعترف لك... ربما كان إعترافها كأنه "إنتحار" هُناك أمل بأنه سيفشل!
أحبتك في أحلامها، وفي أوهامها... أوجدتك في عالم آخر، أنت فيه أميرٌ وهي أميره، أنتما، حبيبيّن عاشقيّن(جدًا)، نحن لسنا مسؤولون عن توقعات الآخرين، نعم... ولكن كيف ستتقبل بأن تكون محبوبًا؟
أن تكون مُحبًا أمر عاديّ/مقبول للنفس أن تُحب... بل ومُريح جدًا، والفاعل لا يُقارن بالمفعول به!
عندما تكون محبوبًا، هو إمتحان مُفاجئ لإنسانيتك وشرفك؛ صدقك وأمانتك وشجاعتك، ومعظم الناس يفشلون في أن يكونون محبوبين، ليس لأنهم سيئون، ولا لأن المُحب أحمق/ساذج... بل لأن المُحَب لا يُمكن إلا أن يكون مَلاكًا ليكون بالفعل يستحق الحُب، ولعلنا هُنا تجاوزنا إنسانيتنا ووصمنا الإنسان، بالملائكية أو الشيطانية، ولم نُدرك ما هو "الإنسان" حقًا...
***
2019/9/21
لماذا لا تغضب...؟ أنت غاضب. لماذا تسكت؟ هل تخاف؟ ممَ أنت خائف؟!
إغضب... إغضب يا شعب، هذا زمنُ الغضب، لن تموت بعد الآن إن غضبتْ... سرقوك... سرقوا ماءك ورغيفك... باعوك (أنت الوطن)... داسوا كرامتك وشوّهوك... صرتَ رقمًا في سجلاتهم، مُجرد رقم بلا قيمة إلا قية الضريبة المفروضة عليك عنوةً... لتمت بحادث سير... بجلطة قلب مُرهق أو دماغ مُترع، بتفكيرك الدائم بلقمة عيشك المسروق... مُت أنت-شعب، شعبٌ صيّروك عبدًا صاغرًا ينحني برأسه في حضرة سيّده الأبديّ... ليس سيّدك أبديًا، أنت واهم.. مخدوع... أكفر-ألحد-حطّم صورة الإله... حطّم صورة جلالة الملك/الزعيم الخالد/سيادة الرئيس... لا تسجد/لا تركع/لا تخنع، إن مُتَّ واقفًا... صارخًا في وجه الظُلم... ثائرًا لإسترداد كرامتك، أنت شهيدٌ؛ إن مُتَّ كذلك. أنت خالد، لن تموت.. أنت حيٌ للأبد، لن تُنسى كموت رقم ودفنه في مقبرة جماعية للأرقام.
تجاوز خوفك الدفين-الموروث. موتك اليوميّ، ألم تسأمه؟ ألم تسأم سجنك الأبديّ؟! لم يُؤلمك بعدُ عمودك الفقريّ؟ ألم تتعب من سجودك الدائم... ألم تكره وجهك في المرآة... وجهك المليء بالخوف والخيبة والخُذلان وبقايا أرقكّ المرضيّ، لأنك تُفكر بالغد والأمس ووجودك البائس... وجودك الحتميّ المُفضي للعبودية والهرب المُستمر من سؤال عقلك:"لماذا تعيش؟".
تعيشُ هاربًا من الحُب.. من الحقيقة والبحث عنها... منك... من وجوه أقرانك... من الشوارع المُزدحمة بالأرقام الشمالية... من وجه البناية القديم والمُتهالك، من ساعة يدك المتوقفة منذ ولادتك حتى وفاتك،
لماذا لا تثور؟ كم أمضيت في هذه الحياة صامتًا وخائف؟
عمرك، عشرين أو لم تتجاوزه بعد، مخاوفك تتجسد في لامسؤولية وفراغ وجداني مُؤلم!
عمرك، تسعين، أو أقلَّ من ذلك بقليل، عشتَ حياةً دائرية/دائرة واحدة تدور وتدور، ولا تتحطم من دورانها... لا تغضب من دورانها العبثيّ،
لماذا لا تثور؟
تخافُ العبارة، مُرعبة هي الثورة لأنها ثورة... أربعة حروف تُرعب أصنام، تصورت نفسها آلهة... على وقع "ثورة" وبها، تتحطم الأصنام... تُصبح هشيمًا تذروه الرياح، تُنسى لأنها لم تكن، سوى أصنام تظنُّ نفسها آلهة، لنقلّ:"غضبة" بدلًا من "ثورة"... لنقلّ أيُّ كلمة تصف "عدم السكوت... عدم الخوف/تجاوز دوائر الخوف المدفون في الأعماق..." صدقوني لا تهمّ الأسامي، الأسامي عبودية لغوية،
هل الحُرية خطيئة؟
في كتب السماء والأرض، هل ثمة لعنة/خطيئة إسمها "حرية"؟
تحرر يا سجين... غادر حُجرة سجانك، غادر سقفك اللعين وجدرانك الصمّاء، مُت شهيدًا... مُت غاضبًا، ففي أوطاننا الموتُ حياة!
***
مللتُ كل شيء... مللتُ هذا العام قبل إنتهاءه ومللت العام القادم، مللت الأمس والغد والآن...! 1:06ص.
الحزن يملأ الأرجاء والزيف أيضًا؟ ما هو "الزيف"؟
صراعٌ مُستمر وتكرار وتداعي للانهاية... صعود وهبوط... تكرار... موت كبير يبتلع حيواتٌ صغار، تكرار... تكرار... اللعنة على التكرار، والدائرة ملعونة والمُربع أيضاً...
الخوف يمتدُّ كضباب، والشمس ضعيفة لا تستطيع شيء... ولا شيء.
اللهُ في مهب الريح...!
كل شيء هُنا... بلا معنى تمامًا... هُنا ثمة لا معنى كبير!
لماذا الحُب في هذا العالم الرديء؟
لأن العالم ليس إلا فوضى رتيبة ومُستمرة، رُغمًا عنك وعن مُحاولاتك ترتيب الفوضى من حَولك... الفوضى حولك حتمية، والحُب إختيار، أن تُحب يعني أن تكون شُجاعًا، أن تتقبل غُربتك وأن تعيك... كأنك تقف أمام مرآة تكشفك،
ربما الحُب ليس فعلًا واقعيًا، وهو مُجرد وهم أو كذبة تعيشها... شيءٌ من أعماقك يقول، أحيانًا يصرخ أو يبكي: أنت تعيش كذبة كبيرة، أنظر للحقيقة من حولك، ليس ثمة حُب، كل شيء يسير بشكل كريه و... وهُنا تكون "أو لا تكون"، كيف ستخرج من تلك المتاهة دون أن تُصبح عبدًا للفوضى والكراهية، كيف ستستخدم الحُب كوسيلة نجاة من حتمية الموت؛ بحيث تتحول لكائن ميت/حيّ؟!
الحُب هو وسيلتنا الوحيدة للنجاة، إن أردنا النجاة.
الحُب سيُرتب فوضى الخارج وينعكس ذلك الترتيب على الداخل، وتستتب حالة الترتيب في النهاية... كل شيء مُرتب*هذه الكلمات كتبتها وأنا في حالة نُعاس هذياني، وبعد يوم طويل وشاق إنتهى بوقوفي جوار فتاتي(سارة) وإلى الآن أرى ضحكتها وعيونها المُشتعلة والطفولية... والآن سأنام.
***
كفكف دموعك وأنهض. إصعد أو إهبط... تقدم وتراجع، حاول... وأستسلم، وعَشْ فقط بلا مُبررات ولا تفسير ولا تعليل، دع الأشياء تتداعى كما الأفكار التي تنهمر ولا تسقط... لا ترتطم الأفكار بالقاع أو بالسقف أو بالجُدران الجانبية. تطير الأفكار وتتكاثر وتتشرذم
لا تضع بعد الكلمة الأخيرة ثلاثة نقاط أو أربعة أو سبعة. ضع نقطة بدل فاصلة، لا تهتم بالترتيب. دع الكلمات تتناثر على الصفحة، دعها تتماسك أو تذوب. دعها تطير للأعلى أو للأسفل، دعك من مُحاولة تجميل القبيح وتقبيح الجميل والحُكم على الأشياء والبحث عن معانيها.
وأغرق لتنجو وتبحث عن أسباب غرقك لتكفَّ عن البحث وتغرق مُجددًا وتنجو، تخيّل نفسك طائر حُر أو شجرة باسقة أو جدار قديم... تخيّل حياةً موازية... حياة وردية أو سوداء، تخيّل وفاتك غريبًا أو مقتولًا لسبب ما، مثلًا: إغتيالك. لأنك مُزعج لمُستبد ما، مصدر إزعاج، كُن كذلك، أو كُن لاشيء، اللاشيء شيء، والإزعاج فعلٌ لهُ وزنه. والوزن رقم، مثلاً 2 كيلو جرام... ونحن أرقام في سجلات الحكومة، ولنا وزننا الغير ثقيل، لأننا هواء... شيءٌ بلا كُتلة ولهُ وزن لا يقل عن 40 كيلو جرام... تخيّل! شيء وزنه 63 وبلا كُتلة، مُجرد لا شيء!
كم وزن هذه القطعان البشرية؟!
كم وزن المواطنين؟!
***
خطيبُ الجُمعة يتحدث، وأسمعهُ مُرغمًا لأنني لستُ أطرش... بدأ خطبته بتلك العبارة المُكررة التي تنتهي بأما بعد.
عن الشُبهات والتغرير بالشباب تحديدًا يتحدث الخطيب، وأنا أراه دون أن أراهُ واقفًا على المنبر، مُمسكًا ورقة ويقرأ "خطبته" المُملة... إسبوعيًا تتكرر الحكاية. يجتمع الناس ليجلسون ويسمعون الخطبة، ويُغادرون... مجموعة بشرية ضمن مجموعات مُتشابهة، تُكوّن أمة السامعين الصامتين... والسامع الصامت، يملُّ ولا يُنصت، بل ينتظر نهاية اللحظة المُملة/المكرورة، بفارغ الصبر... كم نصبر. لأننا نعتقد بأننا لا نملك خيارًا آخر.
حدّثني يا هذا عن غرابة عالمنا ورداءة الواقع... حدّثني عن الغد المجهول والمُرعب، عن فوضى اليوم وأخطاء الأمس المُستمرة، وعن وجودنا العبثيّ، أخبرني بأننا نواجه المُستقبل بلا قوة ولا عتاد... وبأننا نتهيأ لهزيمة حتمية!
لا تستعجل، أنت الآن تُرتل بصوت واهن آيات قرآنية َوتركع ليركع المُصلون معك وتسجدون، وتهربون من قصر الله للبيوت التي تكرهونها... للأرض المقتولة، ولجثث الأشجار الهزيلة.