أجلسُ على الأريكة في غرفتي وهي مضافة بيتنا أيضًا، جاهز للذهاب للجامعة أقصد الكلية الجامعية... كان حُلمي علم الاجتماع/جامعة اليرموك، ونتيجة القبول التنافسي:"الخدمة الإجتماعية/كلية الأميرة رحمة الجامعية"، ولا بأس... الآن أنا عاطلٌ عن العمل وطالبٌ جامعي، وعندي أمل كبير ولا يحتمل الشك أن أصل الجامعة قبل المحاضرة الأولى "مهارات الاتصال" والتي تبدأ في الساعة التاسعة والنصف، الكلية وليست الجامعة للتصحيح...
الساعةُ أمامي على الحائط تتحرك ببطئ... لا تتحرك، قبل نصف ساعة كانت العقارب تُشير للسادسة وأربعون دقيقة والآن تُشير إلى السادسة وأربعون دقيقة، اللعنة تتنزل وتلتصق بالعقارب كبيرها وصغيرها...
سأذهب إلى السلط تحديداً منطقة علّان مواصلات ولأول مرة في تاريخي، واليوم الإثنين هو اليوم الأول في الجامعة، ولهذا اليوم خصوصيته...
الشمسُ لم تُشرق بعد. وغادرت البيت، لماذا تتأخر الأشياء التي ننتظرها بفارغ الصبر، هل للإنتظار المُضني دورٌ في تأخرها؟ كما هي حالتي الآن في إنتظار باص قريتنا اللعين.
وصلتُ المُجمع القديم، ومن ثم إستخدمتُ باص ليوصلني للمُجمع الجديد، والسؤال الذي يُدمدمُ في رأسي، أين الباصات التي تُوصلُ للجامعة أقصد للكلية....؟
صعدت في باص الزرقاء-صويلح، ولم أجد مقعد. جلستُ على درج الباب، أنظر للخارج، وتملأني الأسئلة والهواجس.
وكما عادتهُ أوتستراد عمان/الزرقاء مُزدحم ومشوار النصف ساعة مثلاً يأخذ ساعتين، ويمشي الوقت بسرعة، وفي منتصف الطريق وعند المدينة الرياضية تقريبًا، أيقنتُ بأنني لن ألحق مُحاضرتي الأولى...
قبل ذلك، وعند جسر البيبسي، توقف الباص وإنفتحت الأبواب الإلكترونية كأنها أنياب حيوان مُفترس، لإنزال راكب، ونهضت فتاة كانت تجلس قُرب الباب الذي أجلس على درجه... بالمُناسبة انا أجلس في منتصف الباص ولم ينتابني سوى شعور بالبلادة والقرف... كان يجلس بجواري شاب ضائع في عالم آخر، نزلت الفتاة وأنغلق الباب على رأسها. دوّى صراخها، ولثوانٍ أحسستُ بأن ما يحدث ليس سوى حُلم... وكل الذي حدث كان لحظة، تحرر رأس الفتاة من الباب، وجلست مُمسكة رأسها، تذكرت بأنني أحمل قنينة ماء، ناولتها القنينة وصمت كل شيء، الركاب ذاهلون، صامتون كفزاعات... كأن طيورًا تقف على رؤوسهم!، نهضت الفتاة وبدأت تشتم السائق... وأنتهت اللحظة،
بقيت عالقًا، في تلك اللحظة. كنت قد جلست في مقعد، وبجانبي النافذة، وكل شيء أراه، كان يبدو غريبًا... لا يعنيني بشيء، نسيت المحاضرة والكلية و... كان المُستحيل يُحاصرني، ولم أتحرر منه إلا عند دوار صويلح،
ووجدتني جالسًا في باص جديد. لم أنتبه للخارج، صعدنا... هبطنا... إلتففنا كثيرًا، وفجأة وجدتني عند الكلية، والساعة تُشير للعاشرة وشيء، وكان الخواء واللاشيء يملؤني، كان النهارُ كأنه إنتهى... وبأنني بحاجة نوم عميق، ولم أنم بل بدأت إكتشاف الكلية، وأين قاعات محاضراتي...
ذلك اليوم الأول كان أبيض ثقيل وواضح، الآن بعد مرور أكثر من عام وأستذكر... لا تفوتني حتى التفاصيل: كيف دخلت إلى الكلية وأستوقفني عند البوابة الرئيسية والوحيدة رجل الأمن، كان بشوشًا وأنا كنت مُستعجل جدًا، أخرجت البطاقة الجامعية ورآها وحيّاني ومضيت... لم أدخل قبل ذلك أيّ جامعة إلا آل البيت دخلتها قبل أيام لحضور تخريج قريبي، وهذه الكلية لا تُشبه آل البيت كونها صورة الجامعة الطبيعية في رأسي، صدمني هذا الأمر مع أنني كنت أدرك بأنها كلية وليست جامعة... في خمسة دقائق كنت قد أنهيت جولتي في الكلية، وبعد ذلك عرفت أماكن محاضراتي(مدخل إلى علم الاجتماع، ومهارات التواصل الآن أتذكر بأنها كانت آخر محاضرة وليست الأولى، وإنجليزي 99 ومادة نسيتها الآن...)
مرّت اللحظات بسرعة، وبعد آخر محاضرة، جلستُ في مكان بين مبنى العمادة والكُلية، لآكل حبات بسكوت وكنت أفكر بالصلاة.. صلاة الظهر على الأقل قبل مُغادرتي، ولكن أين الطلاب؟
فجأة لم غادر الجميع، و عندما نهضت لأدخل الكلية وأجد حمام لأتوضأ... رأيت جموع غفيرة من الطلاب يقفون عند البوابة الوحيدة، وأحسستُ بالوحدة الباردة... وبأنني ربما لو تأخرت خمسة دقائق، سأُنسى هُنا!
غذذتُ الخُطى نحو البوابة، وكان باص يقف بين جموع الطلبة وهو مُمتلأ تمامًا، وناداني:"صويلح يلا صويلح..." ووجدتني في مُنتصف الباص أقف، بين أجساد كثيرة،
وصلتُ صويلح بعد غروب الشمس، ووجدت باص الزرقاء وصعدت وجلست... كان رأسي محموم ومليء، كانت روحي قد تضائلت وأنكمشت، وصار الفراغ داخلي مُؤلمًا... ساعة أو أكثر، حتى وصلت مجمع الزرقاء، كان الليل قد هَبط من زمان... كنت بحاجة الصلاة، ومن المجمع الجديد مشيًا على الأقدام إلى المجمع القديم،
صليت الظهر والعصر والمغرب والعشاء... وغادرتُ فاقدًا للأمل بأن أجد باص "حلابات"، وجدتُ باص قريتي!
أذكر بأنني جلستُ في مقعدي، وشعورٌ باللافهم يلتهمني، كنتُ حزينًا ومُحبطًا ومُرهقًا جدًا، في ذلك النهار لم أجد وقت للتدخين حتى! وها أنا في الباص أنتظر أن يتحرك، وألعن في داخلي كل شيء، خصوصًا المواصلات وقريتي البعيدة ووجوه الناس... وكانت الحيرة من كيف سأستمر بهذا العذاب تطوحني في كل الأماكن وكانت فكرة تنبضُ في رأسي بقوة تتناقض مع تلك الحيرة المُرة:"كل شيء سيكون على ما يُرام"!
إلى عجلون...
اليوم الأربعاء. اليوم الثاني لدوامي بالكلية... لم أذهب مواصلات. فقد كان والدي سيذهب إلى جامعة البلقاء في السلط ليُنجز أوراق المنحة/المكرمة الدراسية،
وصلنا الكلية في الوقت المُناسب، تقريباً الساعة التاسعة وشوي، وكنا قد فكرنا أنا وأبي بكلية عجلون الجامعية، كخيار أفضل من هذه الكلية. لإعتقادنا بأن مواصلاتها أفضل... وبالفعل وأنا في المحاضرة الأولى "مدخل إلى علم الاجتماع" وفي نهايتها، رأيت أبي ينتظرني عند الباب، خرجتُ إليه وبشرني بإمكانية النقل إلى عجلون دون أي تعقيد وإجراءات... غادرنا علّان لعجلون،
وصلنا كلية عجلون بعد مشوار طويل، وكنتُ قد تحررت من شعور تملكني منذ يوم الاثنين، شعور فظيع بالمستحيل والحُزن!
نفس التخصص، الخدمة الإجتماعية، ولكن هذه المرة في كلية عجلون الجامعية...
لم تكن المواصلات مُيسرة،.. كنت لألحق محاضرتي الأولى (رياضة وصحة للجميع، الساعة 9:30)، عليّ أن أخرج من الساعة السادسة صباحًا... باص قريتنا لا يأتي إلا في السابعة، وكان لي إبن عم يعمل مُدرسًا في ماركا ويُغادر القرية بسيارته (البكم) عند السادسة...
بعد أربعاء النقل لعجلون، وإتمام تسجيلي هُناك، تسللت طمأنينة خفيفة إليّ... لن أعود لأركب باص صويلح، والذي يختنق وهو يمشي خببًا، في شارع الاوتستراد، لن أصل لنهاية العالم حيث الكلية... كلية رحمة،
كنتُ أظن، وكم خاب ظننا...؟ لو أننا نتوقف عن الظن ونبحث عن الشيء الحقيقي لجنبنا أنفسنا كثيراً من المصاعب!
كان ظنّي بأن في مُجمع الزرقاء القديم، باصات لعجلون.. أصعد في أحدها ويمضي في شارع بلا أزمات وإختناقات مرورية!
نزلت من باص قريتنا، والساعة تُشير إلى الثامنة إلا شيء... ورحتُ أبحث عن باصات عجلون، ووجدت باص وحيد يقف خاويًا... كأنه هُنا منذ بدء الخليقة!
صعدت وجلست، لا يوجد ركاب إلا أنا وثلاثة... بعد دقائق، صعد السائق، ورجاهُ أحد الركاب بأن يمضي نحو عجلون وأعلن السائق بلا مجال للنقاش:" لن أتحرك قبل أن يمتلأ الباص"... لعله سيمتلأ بسرعة... مرت الدقيقة تلو الأخرى، إقتربت أول محاضرة وما زلت في الزرقاء... لعلّه يمزح... ولم يتحرك... لم يُشغله حتى، وتسلل اليأس القويّ إلى أعماقي.. أحسستُ بأنني سفيه أو غبي لا أدري لماذا..!
نزلت. وقررتْ:لن أذهب لعجلون.
عدتُ للمنزل تقريباً بعد الظهر، لم يعرفوا بأنني لم أُغادر مجمع الزرقاء، ولم أخبرهم بشيء، فقد كنت لا أستطيع شرح شيء... نعم عدت الآن من الكلية والدوام لطيف والمواصلات نوعًا ما جيدة،
بعد غدٍ الأربعاء بدأ دوامي لعجلون... أصلُ مجمع الزرقاء، وعندما رأس المجمع جهة الشارع الرئيسي، يتجمع رجال مترهلون وكئيبون ولا يلفظون إلا: عجلون... جرش.. عجلون، يلا عجلون... راكب واحد"، ويتلقفونك عندما تأتيهم كأنك "أحد أولادهم"...
مُعظمهم عسكر عائدون لقراهم في الجبال، ويأخذون معهم "حمولة سيارة"، أربعة أشخاص مع السائق، وأجرة الراكب:" من دينارين ونصف إلى دينارين"...
وهكذا، بدأت في كل يوم اعتاد المسافة الطويلة، تقريبًا، ساعة وثلث بالسيارة... والكلية قبل عجلون وبعد عنجرة، تنتصف على جانبيّ الطريق الرئيسي.
مشواري لعجلون كان لا يقل عن 80 كم، أجتاز في ذلك المشوار، الوديان والجبال والقُرى ومدينة جرش... من بعد طواحين العدوان قبل جرش، يبدأ الصعود نحو عجلون...!
وهُناك أمضيت شهرين تقريباً، وبالطبع بعد مرور شهر كأقصى حد، كنت قد أعتدت المشوار وكل شيء، حتى عندما حان موعد وداعي للكلية... في أول أيار/مايو، وددتُ لو أنني لا أرحل عن هذا المكان، الذي لم أعرف فيه أحد إلا الجدران وجموع الطلبة البعيدون دائمًا...
2019/9/18
الساعةُ أمامي على الحائط تتحرك ببطئ... لا تتحرك، قبل نصف ساعة كانت العقارب تُشير للسادسة وأربعون دقيقة والآن تُشير إلى السادسة وأربعون دقيقة، اللعنة تتنزل وتلتصق بالعقارب كبيرها وصغيرها...
سأذهب إلى السلط تحديداً منطقة علّان مواصلات ولأول مرة في تاريخي، واليوم الإثنين هو اليوم الأول في الجامعة، ولهذا اليوم خصوصيته...
الشمسُ لم تُشرق بعد. وغادرت البيت، لماذا تتأخر الأشياء التي ننتظرها بفارغ الصبر، هل للإنتظار المُضني دورٌ في تأخرها؟ كما هي حالتي الآن في إنتظار باص قريتنا اللعين.
وصلتُ المُجمع القديم، ومن ثم إستخدمتُ باص ليوصلني للمُجمع الجديد، والسؤال الذي يُدمدمُ في رأسي، أين الباصات التي تُوصلُ للجامعة أقصد للكلية....؟
صعدت في باص الزرقاء-صويلح، ولم أجد مقعد. جلستُ على درج الباب، أنظر للخارج، وتملأني الأسئلة والهواجس.
وكما عادتهُ أوتستراد عمان/الزرقاء مُزدحم ومشوار النصف ساعة مثلاً يأخذ ساعتين، ويمشي الوقت بسرعة، وفي منتصف الطريق وعند المدينة الرياضية تقريبًا، أيقنتُ بأنني لن ألحق مُحاضرتي الأولى...
قبل ذلك، وعند جسر البيبسي، توقف الباص وإنفتحت الأبواب الإلكترونية كأنها أنياب حيوان مُفترس، لإنزال راكب، ونهضت فتاة كانت تجلس قُرب الباب الذي أجلس على درجه... بالمُناسبة انا أجلس في منتصف الباص ولم ينتابني سوى شعور بالبلادة والقرف... كان يجلس بجواري شاب ضائع في عالم آخر، نزلت الفتاة وأنغلق الباب على رأسها. دوّى صراخها، ولثوانٍ أحسستُ بأن ما يحدث ليس سوى حُلم... وكل الذي حدث كان لحظة، تحرر رأس الفتاة من الباب، وجلست مُمسكة رأسها، تذكرت بأنني أحمل قنينة ماء، ناولتها القنينة وصمت كل شيء، الركاب ذاهلون، صامتون كفزاعات... كأن طيورًا تقف على رؤوسهم!، نهضت الفتاة وبدأت تشتم السائق... وأنتهت اللحظة،
بقيت عالقًا، في تلك اللحظة. كنت قد جلست في مقعد، وبجانبي النافذة، وكل شيء أراه، كان يبدو غريبًا... لا يعنيني بشيء، نسيت المحاضرة والكلية و... كان المُستحيل يُحاصرني، ولم أتحرر منه إلا عند دوار صويلح،
ووجدتني جالسًا في باص جديد. لم أنتبه للخارج، صعدنا... هبطنا... إلتففنا كثيرًا، وفجأة وجدتني عند الكلية، والساعة تُشير للعاشرة وشيء، وكان الخواء واللاشيء يملؤني، كان النهارُ كأنه إنتهى... وبأنني بحاجة نوم عميق، ولم أنم بل بدأت إكتشاف الكلية، وأين قاعات محاضراتي...
ذلك اليوم الأول كان أبيض ثقيل وواضح، الآن بعد مرور أكثر من عام وأستذكر... لا تفوتني حتى التفاصيل: كيف دخلت إلى الكلية وأستوقفني عند البوابة الرئيسية والوحيدة رجل الأمن، كان بشوشًا وأنا كنت مُستعجل جدًا، أخرجت البطاقة الجامعية ورآها وحيّاني ومضيت... لم أدخل قبل ذلك أيّ جامعة إلا آل البيت دخلتها قبل أيام لحضور تخريج قريبي، وهذه الكلية لا تُشبه آل البيت كونها صورة الجامعة الطبيعية في رأسي، صدمني هذا الأمر مع أنني كنت أدرك بأنها كلية وليست جامعة... في خمسة دقائق كنت قد أنهيت جولتي في الكلية، وبعد ذلك عرفت أماكن محاضراتي(مدخل إلى علم الاجتماع، ومهارات التواصل الآن أتذكر بأنها كانت آخر محاضرة وليست الأولى، وإنجليزي 99 ومادة نسيتها الآن...)
مرّت اللحظات بسرعة، وبعد آخر محاضرة، جلستُ في مكان بين مبنى العمادة والكُلية، لآكل حبات بسكوت وكنت أفكر بالصلاة.. صلاة الظهر على الأقل قبل مُغادرتي، ولكن أين الطلاب؟
فجأة لم غادر الجميع، و عندما نهضت لأدخل الكلية وأجد حمام لأتوضأ... رأيت جموع غفيرة من الطلاب يقفون عند البوابة الوحيدة، وأحسستُ بالوحدة الباردة... وبأنني ربما لو تأخرت خمسة دقائق، سأُنسى هُنا!
غذذتُ الخُطى نحو البوابة، وكان باص يقف بين جموع الطلبة وهو مُمتلأ تمامًا، وناداني:"صويلح يلا صويلح..." ووجدتني في مُنتصف الباص أقف، بين أجساد كثيرة،
وصلتُ صويلح بعد غروب الشمس، ووجدت باص الزرقاء وصعدت وجلست... كان رأسي محموم ومليء، كانت روحي قد تضائلت وأنكمشت، وصار الفراغ داخلي مُؤلمًا... ساعة أو أكثر، حتى وصلت مجمع الزرقاء، كان الليل قد هَبط من زمان... كنت بحاجة الصلاة، ومن المجمع الجديد مشيًا على الأقدام إلى المجمع القديم،
صليت الظهر والعصر والمغرب والعشاء... وغادرتُ فاقدًا للأمل بأن أجد باص "حلابات"، وجدتُ باص قريتي!
أذكر بأنني جلستُ في مقعدي، وشعورٌ باللافهم يلتهمني، كنتُ حزينًا ومُحبطًا ومُرهقًا جدًا، في ذلك النهار لم أجد وقت للتدخين حتى! وها أنا في الباص أنتظر أن يتحرك، وألعن في داخلي كل شيء، خصوصًا المواصلات وقريتي البعيدة ووجوه الناس... وكانت الحيرة من كيف سأستمر بهذا العذاب تطوحني في كل الأماكن وكانت فكرة تنبضُ في رأسي بقوة تتناقض مع تلك الحيرة المُرة:"كل شيء سيكون على ما يُرام"!
إلى عجلون...
اليوم الأربعاء. اليوم الثاني لدوامي بالكلية... لم أذهب مواصلات. فقد كان والدي سيذهب إلى جامعة البلقاء في السلط ليُنجز أوراق المنحة/المكرمة الدراسية،
وصلنا الكلية في الوقت المُناسب، تقريباً الساعة التاسعة وشوي، وكنا قد فكرنا أنا وأبي بكلية عجلون الجامعية، كخيار أفضل من هذه الكلية. لإعتقادنا بأن مواصلاتها أفضل... وبالفعل وأنا في المحاضرة الأولى "مدخل إلى علم الاجتماع" وفي نهايتها، رأيت أبي ينتظرني عند الباب، خرجتُ إليه وبشرني بإمكانية النقل إلى عجلون دون أي تعقيد وإجراءات... غادرنا علّان لعجلون،
وصلنا كلية عجلون بعد مشوار طويل، وكنتُ قد تحررت من شعور تملكني منذ يوم الاثنين، شعور فظيع بالمستحيل والحُزن!
نفس التخصص، الخدمة الإجتماعية، ولكن هذه المرة في كلية عجلون الجامعية...
لم تكن المواصلات مُيسرة،.. كنت لألحق محاضرتي الأولى (رياضة وصحة للجميع، الساعة 9:30)، عليّ أن أخرج من الساعة السادسة صباحًا... باص قريتنا لا يأتي إلا في السابعة، وكان لي إبن عم يعمل مُدرسًا في ماركا ويُغادر القرية بسيارته (البكم) عند السادسة...
بعد أربعاء النقل لعجلون، وإتمام تسجيلي هُناك، تسللت طمأنينة خفيفة إليّ... لن أعود لأركب باص صويلح، والذي يختنق وهو يمشي خببًا، في شارع الاوتستراد، لن أصل لنهاية العالم حيث الكلية... كلية رحمة،
كنتُ أظن، وكم خاب ظننا...؟ لو أننا نتوقف عن الظن ونبحث عن الشيء الحقيقي لجنبنا أنفسنا كثيراً من المصاعب!
كان ظنّي بأن في مُجمع الزرقاء القديم، باصات لعجلون.. أصعد في أحدها ويمضي في شارع بلا أزمات وإختناقات مرورية!
نزلت من باص قريتنا، والساعة تُشير إلى الثامنة إلا شيء... ورحتُ أبحث عن باصات عجلون، ووجدت باص وحيد يقف خاويًا... كأنه هُنا منذ بدء الخليقة!
صعدت وجلست، لا يوجد ركاب إلا أنا وثلاثة... بعد دقائق، صعد السائق، ورجاهُ أحد الركاب بأن يمضي نحو عجلون وأعلن السائق بلا مجال للنقاش:" لن أتحرك قبل أن يمتلأ الباص"... لعله سيمتلأ بسرعة... مرت الدقيقة تلو الأخرى، إقتربت أول محاضرة وما زلت في الزرقاء... لعلّه يمزح... ولم يتحرك... لم يُشغله حتى، وتسلل اليأس القويّ إلى أعماقي.. أحسستُ بأنني سفيه أو غبي لا أدري لماذا..!
نزلت. وقررتْ:لن أذهب لعجلون.
عدتُ للمنزل تقريباً بعد الظهر، لم يعرفوا بأنني لم أُغادر مجمع الزرقاء، ولم أخبرهم بشيء، فقد كنت لا أستطيع شرح شيء... نعم عدت الآن من الكلية والدوام لطيف والمواصلات نوعًا ما جيدة،
بعد غدٍ الأربعاء بدأ دوامي لعجلون... أصلُ مجمع الزرقاء، وعندما رأس المجمع جهة الشارع الرئيسي، يتجمع رجال مترهلون وكئيبون ولا يلفظون إلا: عجلون... جرش.. عجلون، يلا عجلون... راكب واحد"، ويتلقفونك عندما تأتيهم كأنك "أحد أولادهم"...
مُعظمهم عسكر عائدون لقراهم في الجبال، ويأخذون معهم "حمولة سيارة"، أربعة أشخاص مع السائق، وأجرة الراكب:" من دينارين ونصف إلى دينارين"...
وهكذا، بدأت في كل يوم اعتاد المسافة الطويلة، تقريبًا، ساعة وثلث بالسيارة... والكلية قبل عجلون وبعد عنجرة، تنتصف على جانبيّ الطريق الرئيسي.
مشواري لعجلون كان لا يقل عن 80 كم، أجتاز في ذلك المشوار، الوديان والجبال والقُرى ومدينة جرش... من بعد طواحين العدوان قبل جرش، يبدأ الصعود نحو عجلون...!
وهُناك أمضيت شهرين تقريباً، وبالطبع بعد مرور شهر كأقصى حد، كنت قد أعتدت المشوار وكل شيء، حتى عندما حان موعد وداعي للكلية... في أول أيار/مايو، وددتُ لو أنني لا أرحل عن هذا المكان، الذي لم أعرف فيه أحد إلا الجدران وجموع الطلبة البعيدون دائمًا...
2019/9/18
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق