الخميس، 30 أغسطس 2018

كبرنا

                    (2014/7/28)
               

كُنا ستةُ أطفال كبروا قبل اوانهم، (عايد.. معن.. قصي.. محمد.. عمر وهاشم)، لم نجتمع في صورة، ولم نكن نلتقي بالاتصال الهاتفي.. كُنا أطفال. كُنا نلتقي بلا موعد مُحدد، وبلا ايّ تأخير، ونُخطط ونفعل.. أفعالٌ يراها "الآخرون" شاذّه.. مُنحرفة.. ونراها نحن مُجرد أفعال.. أفعالٌ فقط، كالهجوم على مصنع المُخلالات ورمي الحجارة على صفائح الزينكو.. وارتداء "الثياب البيضاء.. واخفاء وجوهنا وراء الشُمغ" والهجوم على مزرعة يوجد فيها عُمّال (مصاروه) ومُناداةِ احدهم بإسمهِ "بووووولص"، ليخرج أحدهم ذاك ويُحاول معرفتنا من خلال ضوء الكشّاف.. ولا يعرفنا. 
إلى أن أردنا فعلاً أكثر حماسة، واتفقنا على الرقص على الشارع في الليل (غرب قريتنا) أمام (أي سيارة قادمة) ومن ثم الهروب في (زرع أبو نايل).. وفعلنا ما خططنا له كالعادة.. رقصنا مرةً واحدة وصار اسمنا بعد ذلك "عصابة الرداء الأبيض"..وكُنا نُسمي أنفسنا "ما بنخافش".. حاولنا كذلك إخضاع عامود هاتف لنا، فأستطعنا إنزال اسلاكه تحت اقدامنا ولم نستطع كسر العامود.. وفي إحدى الليالي (صيف 2012) حصدنا زرعاً لإمرأةٍ كبيرة في السن، وأردنا من ذلك مُفاجئتها وإسعاد قلبها.. في ذلك الحين أحببت الممثلة الكويتية لمياء طارق، وكنت أسمع (دائما) اغنية ناديت وينك لماجد المُهندس، وكنت أُدخن وخلعتُ ضرسين في ذلك الصيف. فقدنا أحدنا، غابَ عنّا في أواخر ذلك الصيف في إحدى ليالي رمضان.. لم نعد كما كُنا، بدى بأن "جماعتنا" وهنت، بعد غياب أحدنا، وأنا كنتُ أكثرهم وهناً.. إبتعاداً.. وكانوا يُحاولون ترميمنا وكنت أنا الغائب الثاني عنهم. لم أكن انتظر سوى عودة "عُمر" وتعافيه من.. فقر الدم ! هكذا أخبروني وصدقتهم..! 
الصورة الوحيدة التي جمعتنا، كانت لأربعة يجلسون في حديقة خضراء و.. يفتقدون أنفسهم ويضحكون، أنا المصور وعمر المفقود، واليوم لم نعد نجتمع الّا في المُناسبات او الصُدف، كبرنا ولم نعد "بنخافش" بل بدأنا نخافُ كثيراً.. أتحدث عن نفسي وعنهم اعتقد ذلك.

الأربعاء، 29 أغسطس 2018

رسالة لمجهول..



مرحباً
في هذه الليلة أنا وحيد. مُش حزين، فقط وحيد منذُ أن أدركت وبدأت وفعلت.. عدة أمور. 
مُؤخرا صرتُ أرى الناس (كُلّهم) بعين الشفقة والاحتقار الممزوج بالحب والبُغض..
هُم (جميع الناس) مُجرد أطفال سُذج.. يعيشون أحلام يقظه ويُواجهون الحياة بروح طفولية.. يُرعبهم الغد لأنهم لا يعيشون اليوم.
تخلّوا عن (الروح) وتمسكوا بالجسد. يَخافون على ما في أيديهم لأنهم ينظرون بنهمٍ إلى ما لا يملكون.
ولأنهم يجهلون أنفسهم، يحكمون على غيرهم ويُقيّمون ويُنظّرون و.. قد لا أكون إلّا ما لا يُرضيني !
لأنني إذا رضيتُ صرت تمثالا لا حياة فيه.
من ذا الذي قال بأن الليل سَكنٌ وراحة ؟
ما الليلُ إلّا شيطانا.. يصحو الشيطان ولا أراه !
وهل يستحق الشيطان هذا الوصف اللعين ؟
أنا الذي سيدكُّ ما هو على وشك الدمار.
سأُضحك الذي يكاد قلبه ينفطرُ من اليأس.. وسأُبكي الإنسانية. سأجعل من المأساة أضحوكة، وسأبني تمثال "المُبتسم على أنقاض العُمران".
سأفعل من الفوضى جمالاً. ولوحتي التي ارسمها، هي لطخاتُ دم الطفل الذي إنهار سقف بيته عليه وهو نائم..
رَسمتُ من تلك الدماء وجهاً قبيحاً، فعيناه مُتباعدتان، وفمهُ فاغرٌ ومنفوخٌ وفيه سنّان فقط.
وجهٌ يجعل الناظر إليه، يحسُّ بأن في الحياة ما زالَ.. لا أعلم !
فما الذي بقيّ لنا ؟ وفلسطين صارت كيان ؟ والقدس قبل أيام صارت عاصمةً للكيان ؟  القدس هي يافا وحيفا وعكّا.. هي الجليل وصحراء النقب.. لكننا سلّمنا يافا فوضعنا رقابنا التي لن تُقطع (وليتها قُطعت) بل ستُداس كل حين بنعلٍ يرتديه جبانٌ رعديد (ليته شُجاع).

كلمات..

                    2018/2/5

إنني لا أفتقدُ شيئاً، ولا أحنُّ إلى تلك الأشياء الثمينة وذات الأهمية لنفسي. إنني أقسوا.. أتصلّب.
إنني أحيا قلقاً لا أدري ما هيّته، نفسي تتوقُ إلى الطمأنينة والهدوء..
أودُّ لو أُغادر كل شيء، لمَ عليّ أنا أن أُغادر ؟ لمَ لا تتركني الأشياء كعادتها ؟ 
لمَ لا تهجرني وتطوي صفحتها البيضاء الناصعة ؟ وتحمل حقائبها وتسيرُ في طريقٍ بلا معالم، الإنارةُ فيه اضوائها مُتجهمة، تكشف عبور الضباب السريع..
ـــ
وحانت منها نظرةً للسماء، لأن رأسها كان مَحنياً، لأنها تبكي حسرةً ويأس. رأت في السماء نجوماً ساطعة، وقمراً هلالياً.. وانهالت دموعها الساخنة على وجنتيها الباردتين جداً.
ـــ
فلتصمت إلى الأبد.. تلك الأصوات والصور التي تدويّ في جُمجمتي. لتمضي نحو الظلام، فتغيب جرّاء النور الساطع.. ذلك السطوع الذي لا يلبثُ أن يتبدد.. أن يَجري مُبتعداً، ككُتلة ضباب يُسيّرها هواء.. كغائب يتحرقُّ شوقاً واستعجالا عندما يلمح ديار الاحبة في المدى البعيد!.
ما زلت أنا، لم اتغيّر ولعليّ لن أتغير ! ما حَولي يجعلني طفلاً، ذو قلبٍ هشٍّ ضعيف ! يُخبرني (قلبي) كم أنا غريبٌ.. أحيا غُربتي (الأبدية) في أرض وُلدت فيها وأمضيت عمري فيها ! هذا (الطفل) يُدرك تماما إنحداره نحو "العلّو الهابط"، وبأنه لن يكون في يوم مُطمئن؛ لأنه أحرق ما لن ينبتُ مجدداً، لأنه دمّر بإصراره وعناده ما لن يُرمم !
أراد أن (يختلف)، وحالته هذه هي الإختلاف لو يُدرك ذلك لأطمئن (ولو قليلاً).
ـــ
هُم جميعاً أوغاد، طيّبون، يحبون بعضهم ببُغض، ويُبغضون بعضهم بالابتسام والكلام الجميل. ينحني أحدهم وهو لا يدري لمن ينحني ؟ فقط ينحني ويُقبّل مواطئ الأقدام.. فقط لكي يحيا !
وأحدهم يموت واقفاً.. هكذا كبناء شاهق سُويّ بالأرض  بالتواطئ مع المُتفجرات، والأول أكثر صدقا ونُبلا وكرامة من الثاني... لأن الأول اختار الحياة بينما الثاني فضّل الموت !
ـــ
ما الذي ألمَّ بي ؟ وجعلني غير الذي كُنت ؟ إنني كقصر خاوٍ، جُدرانه تشققت، وغرفه تصفرُ بها الريح !
بتُّ ظامئ (جدا) لِما كنت لا أتوقع عطشي إليه ؟
تهدّم كل الذي شُيّد لأنه كان قائما على اساسٍ واهن، سئمتُ الانتظار والتظاهر بأن كل شيء على ما يُرام !
ماذا أنتظر ؟
أقوى الآن على أن أكون نجماً.. نعم يُرى ساطعاً في السماء، لكنه مُجرد وهم.. مُجرد ضوء لا يلبث وإن طال امده أن يندثر. أخشى أن استيقظ على ما هو جديد ! أن أصير مُتوحشاً ! أن يصير قلبي قاسيا كحجر.. أن أُدنس رُغماً عني.
ـــ
هذا الليل يسكنني. ضيفي يحمل بيده سيفاً ورائحةٍ كريهة، ولونهُ شديد الوضوح و... يبتسم. أنا مريضٌ بإنسانيتي.. بكوني كائناً إجتماعياً يكره الإجتماعات، لأن لي عينين لا تَريا سوى قُبح وبُؤس وتعاسة الوجود.
ـــ
أُبصق على ليلة البارحة، وابدأ يوما جديد.
ـــ
سأشرب من كأس الحياة حتى أثمل.. أتمنى أن أموت شاباً.. أن لا اتجاوز الخمسين من عُمري..
أن أحيا كمن مات وقد تجاوز مئات السنين من عمره.. لا أخاف الموت، لا أتحدث كآمن بل كموقن..
الموت حقيقة، نهاية جميلة.. 
لذلك (حاول) أن لا تنتهي قبل أن تبدأ.. إبدأ ولو تجاوز عمرك الستين، أو السبعين..!
ـــ
الموت.. كأنه يخطف أرواحٌ مُحددة.. الأرواح الطيبة!
يخطفُ من تسامى بروحه.. كأن (الموت) يحميه من الولوج في تلك المتاهات.. البقاء لشياطين تلك المتاهات!
الأبواب مُشّرعةٌ.. لكنَّ الأرواح تأبى إلّا الشقاء !
يُريدون البقاء.. يتنافسون في تيه ؟!
يألفون النزاعات، ويتظاهرون بالإتحاد والإجتماع.. مَن قُدّر له الخروج.. نَجى !
النجاة تكمن في الخروج بدايةً.. الخروج الأوليّ هو التمرد على تلك العادات الشيطانية وإن ظَهرت بالثوب الملائكيّ.. واعتزال تلك الأرواح التي تُورثُ كلّ ما هو قبيح، وترمي بمن يقترب منها في وديان الضياع والحيرة.

مُجرد شعور (قصة قصيرة)

كان "م" يمضي نحو.. غايته. إلى أن أشرقت في نفسهِ فكرةً لعلّها راودته قبل أن يمضي.. قبل أن يخطو خطواته الأولى..!
ككُل الذين يخرجون من بيوتهم لأجل القيام بأمر "بالغ الأهمية"، كانَ صاحبنا "مشحوناً"، يكاد يَطير من ما يشعر به من إحساس بالإستعجال.. برغبةٍ مُؤلمةٍ للوصول.. 
في قَرارة نفسه، بَزغ شيءٌ مُتوقد.. وقد كان مزاجه في أول الأمر (وهو ينتظر الباص)، كان مزاجهُ كئيباً.. كارهاً لكل شيء، إمتزجت تلك المشاعر، مع شعور يقترن بالصباح عادةً.. إحساسٌ بالوضوح والجمال.

وعندما إستقلَّ الحافلة "المُكتظة"، وجلس في مقعد مزدوج، خلف السائق الذي لا يَظهرُ منه سوى صَلعة رأسه وجاكيته الأسود واهتزازه من جرّاء مطبات الطريق (الصناعية والطبيعية)..
بسرعةٍ حاصرته أصواتٌ مُبهمه وهمهمات، يتميّز عنها صوت الراديو بوضوحه.. كان وهو ينتظر الباص قد تجمدت أطرافه من البرد.. بل من الصقيع الذي يترافق مع هبوب رياح (الشرقية) الديسمبرية والآن يكاد يختنق من حرارة المكان ودُخان السجائر المُقرف..

عن يساره نافذة الباص وعن يمينه يجلس شيخٌ كهل، يُمسك بيديه عُكّازاً ويُحدّق إلى الأمام بذهول.. وإلى يمين الشيخ في المقعد الفردي، تجلس فتاةً تحتضن أوراق وتميلُ بوجهها نحو النافذة إلى يمينها، كأنها تتقي شيءُ ما !
وعلى مقعد يُسمى "الوساطي"، هذا المقعد "المُميز"، فهو بين السائق والكُرسي الأول.. الجالس عليه يكشف كل الباص وكل الوجوه تنظر إليه، وعادةً من يجلس على الوساطي "يرتبك" قليلاً أو كثيرا حسب شخصية الجالس، ولكن لابدَّ له من أن يرتبك.. ويُحاول أن يبدو الناظرين إليه بأنه بوضع طبيعي، فلذلك يُخرج هاتفه ويتصفح.. كما هو حال الشاب الجالس على الوساطي في هذا الباص الذي يركبه صاحبنا.. صاحبنا الذي وبعد دقائق قليلة من جلوسه، أحسَّ بوخزةٍ في صدره.. وانتابهُ غثيانٌ خارق.. فتزحزح عن مقعده قليلاً وسَعل.
صُراخ مُذيع برنامج الصباح، وإنبعاث الاغاني الصباحية (الفيروزية والوطنية)، وقطعها بشكل مُفاجئ بعويلٍ مُدويّ لإعلانات تبعث في الأنفس السأم الشديد..
كلَّ هذا بثّ في نفس صاحبنا شيءٌ من العجز والحنق الذي يتلّون على وجهه بإبتسامة اشمئزاز تشدُّ وجهه.. 
تلاحقت في ذهنه مخاوفٌ وآمال ويأس يُخالطه عزمٌ وقوة مُندفعة.. وعَلا الباص وهَبط من على مطب مُعتنىً به جيدا.. وإلتفت صاحبنا نحو النافذة على يساره.. رأى الرصيف المُزدحم بعض الشيء.. ووراء الرصيف سورٌ مُتداعي.. مُتطاول، وراءه أشجار ضخمة ومبنى قديم على ما يبدو..
وانتبه لإمراة تجلس على الرصيف، ترتدي خماراً أسود بَهت لونه وصار رمادياً.. وفي حضنها ينامُ طفلٌ لم يتجاوز الخامسة على ما يبدو.. ومن خلفها يسير العابرون.. يُسرعون الخُطى.. كُل شيء يُرى سريعا، بعيدا من خلال نافذة الباص المُسرع.

نَزل صاحبنا عند تقاطع م.ن، وصَعد نحو "دائرة ق" التي صار صاحبنا من زبائنها الدائمين، الدائرة تقع في الأعلى.. لذلك من أراد الوصول إليها سيرا على الأقدام، عليه أن يصعد رصيف مُقفر، فالمحلات مُعظمها مُغلقة والناس منذ ساعة تقريبا خرجوا ليومهم.. والشارع خفيف الحركة، ولا يعلم إلا الله كيف تظهر السيارات بشكل مفاجئ عندما يهمُّ أحد الماره بالعبور ! كما حدث لصاحبنا الذي كاد أن يُدهس أثناء عبوره الشارع للجهة الأخرى..
قُلت أن فكرةً أشرقت في نفسه وهو يمضي.. بل يصعد. والفكرة هي أن كل شيء إستوى.. وبأن الأمور قاربت على الإنتهاء، وبأن هذا المكان جميلٌ بعض الشيء، بالرغم من شعور بالإغتراب استولى عليه.. والمزاج الذي يتأثر من جوّ الصباح ورياح الشرقية التي تجعل المكان يبدو مُتجهما رافضاً.. 
ها هو قد عاد مُجددا لهذا المكان ! وعاوده الشعور ذاته كُلما مرَّ من هذا المكان.. الشعور بعدم القبول والرغبة القوية بالإمّحاء والتبدد. وَصل للمبنى.. وما أن دخل حتى فُوجئ ككل مرة بإزدحام الناس.. وفي كل مرة يشعر بفقدان السيطرة.. وبأنه صار خفيفاً (أهبل).
خَرج مثلما دَخل، فقد أُعطي موعدٌ مُؤجل لإسبوعين أراد أن يحتجّ على ذلك.. لكنه أمسك.. فقد كان مُنهكاً تماما، فقد أمضى نصف ساعة وهو ينتظر أن يَحين دوره.. إلى أن حان وقد تبددت قواهُ تماماً.. فلم يملك إلا أن يهزّ رأسه أمام الموظف المُكفهر الوجه ويختم بـ "الله يعطيك العافية".. ويُغادر.  وما أن تجاوز الباب حتى هاجمه الهواء البارد.. وأحسَّ بوهن يتغلغلُ فيه.. ونزل الدرج وهو يشعر باليأس اللذيذ.. ودون أن يدري أين يتوجه ؟ عقد يديه وراء ظهره وتوجه لليسار كآلي مُسيّر، وتذكر لا يدري لماذا تلك المرأة التي كانت تجلس على الرصيف وتحتضن طفلها.. تَذكرها كأن كُل الذي جرى يعنيها !!.
هاشم عبدالله 2017/12/18

الثلاثاء، 28 أغسطس 2018

مُجتمع مُؤدب




عيب.. حرام.. لا يجوز.. الخ
لا أُبالغ إذ أقول بأن هذه العبارات تبدو للجميع مألوفةً جداً، نسمعها منذُ وعينا الأول حتى نلفظ أنفاسنا الأخيرة في هذه الحياة، يتم حشو ادمغتنا بأننا تحت رقابة الناس قبل الله، بأننا مُراقبون جيدا وزلاتنا محسوبةً علينا، لا بل على كل المُحيطين بنا..

نُلقن مِراراً وتكراراً، بأن علينا (دائماً) أن نكون عند حُسن ظن الجميع، والويل كلّ الويل لمن يُخطئ.. يزل.. يفعل شيءُ ما لا يُرضي الناس.. نتحول بشكل إجباري لمُجرد كائنات تجتهد بأن تكون "مثالية.. طاهرة.." ونتحول كذلك لمُقيّمين وهيئة مُحلفيّن وقُضاة نترصد أولئك المُخطئون.. المُذنبون.. الساقطون.. الذين تجرئوا على الأدب العام وتجاوزوا "النمط الملائكي" الذي نعيشه، في مُجتمعاتنا المُؤدبة.. جداً.

مُجتمعات لا يتساوى فيها الناس إلّا في المساجد، حيثُ يقف الجميع صفاً واحدا بلا تمييز.. 
مُجتمعات "مُحافظة" تتغنى بالفضيلة، وتتنكر لكل حَدث يفضح حالة الترديّ والتراجع..
مُجتمعات ينامُ فيها الفقير جائعاً، ما دام لم "يهرول" وراء المُحسنين، ويقفُ على أبواب "الجمعيات الخيرية" يستعطي بضعة أشياء تجعله يشعر بإنسانيته المفقودة.. 
مُجتمعات تعضُّ بالنواجذ على مروروثات الأقدمين، وتتخلى رغما عنها عن "إكرام الضيف.. واحترام الجار.. وإغاثة الدخيل.. والعفو والتسامح.. وعار التخاذل والانهزام والخوف من الحق.." 
مُجتمعات صنعت آلهتها، ورضت بعبوديتها لكل "الاسياد"، الاسياد الذين يُلقنون الفضائل والأخلاق وحب الأوطان والتضحيةُ والفداء.. 

الاثنين، 27 أغسطس 2018

بلا عنوان

لم تكن نهاية العشاء سعيدة. فقد مات الجميع عن بَكرة أبيهم. أعقب الضجيج خمودٌ رهيب. وسُمعت ذبابةٍ تطنُ في الظلام، لا أحد يدري هل قُطع تيار الكهرباء إيذاناً ببدء النهاية ؟ ام أن الأمر حدث بمحض الصدفة؟
كعادة التيار الذي ينقطع متى ما هبَّ الهواء وذاعَ في الأرجاء نبأ "إحتمال" حدوث منخفض جويّ.

إنتهى الحصار. وطَلع الصُبح، ليفضح ليلةً شيطانية.. تزعمها الشيطان وتابع سير العمليات.
الصباح أظهر كل ما كان الليل يستره.. فأعمدةٍ رمادية من الدخان تتوزع بإنتظام فوضوي في أرجاء المدينة، إذ يستحيل أن يتجاور عامودان.
الناس كأنهم ماتوا جميعا في الليلة الماضية. فالصباح لم يُخرجهم من بيوتهم كعادتهم كل صباح، ام أنهم ما زالوا نائمين فحسب؟؟

أخبرتكِ كل شيء دون أن تسمعي. أخبرتك بأنني "ضعيف" ضعفاً لم يبدو ظاهراً عليّ.. لم يكن واقعيا لكنه حقيقيّ ! لكنه موجود..
لذلك تجاسرت الظروف التي ألعنها وأبصق عليها الآن..
تجاسرت من خلالك، دون أن تعي ذلك وتُدركيه..
لم تُدركي لأنني لا أفصح.. لا أتحدث كثيرا.. بل لا أتكلم دائما إلا كواجب !!
ومع ذلك لا أجدُ في بعض الأحيان جانياً مُدان إلا أنتِ!
وأعلم مع ذلك بأنني أُبرئكِ ولا أتهم احداً.
هل تُدركين معنى "الموت" الأسمى ؟ هل تعرفين أنني أؤمن بأن هذه الحياة لا شيء.. إلّا وهمٌ يُفضي إلى عدم !
أنا أتخبط في هذا الوجود كتائه.. وأعلم علّتي، وهي أنني لا أُدرك الوجود كإدراكي لغياب شمس أو كلمةٍ أنطقها !
لم اتوصل بعد ليقين ولعلّني لن اتوصل أبدا.. أعلم بأنه يجب عليّ أن لا أُتابع في هذه المتاهة، ولكنني ألقيت نفسي فيها.
هاشم عبدالله 6:22م، 2017/10/18

لأنها تجاوزت حدودها (قصة قصيرة)

لم تكن "رنا" بإحسنِ حال مما كانت عليه قبل حديثها على الهاتف مع صاحبتها، إستغرقت المُكالمة نصفُ ساعةٍ.. لأمر ما، تناولت "رنا" هاتفها ورنّت على "نُهى"..
فالمُكالمة لم تكن تسليةً وإمضاءً للوقت قبل موعد النوم(الذي يحين عادةً فيما بعد الساعة الحادية عشر مساءً).. 
رنا تبلغ من العمر اثنان وعشرون عاماً.. ابنة المُتقاعد العسكري برتبة نقيب سعيد أبو اللبن.. وإن كانت عادتها "عدم النوم الباكر" فهي دائما تستيقظ باكراً على صوت مُنبه هاتفها قبل موعد أذان الفجر بخمسة دقائق.
قبل ساعات كانت في عملها.. تعمل في "جمعية ام الرمان الخيرية" كسكرتيرة و.. مسؤولةً عن كل شيء، اللهم إلا إدارة الجمعية.. فالادارة لها أصحابها الذين لا يكونون شباباً كما هي العادة.
موعد عودتها للمنزل(إنتهاء يوم العمل)، ما بين الواحدة ظهرا والرابعة عصرا(حسب الوضع).. لن أتحدث عن راتبها.. فهو عبارة عن "مصروف" مواصلات لعدة أيام.. لا يكفي ليوم تسوّق الغاية منه شراء حذاء (أجلّكم الله)!.
ورنا تُعامل في أروقة الجمعية وكأنها في وكالة إستخبارات أو غرفة تحكم مسؤولة عن منع تدمير مكان مأهول.
رغم تفوقها الدراسي فيما قبل التوجيهي، إلا إنها لم تتجاوز عتبة التوجيهي.. وهي ترغب بإعادة المحاولة، ولا تقدر على ذلك، لتضافر عدة عوامل أبرزها "الوضع المادي" الذي تُعاني منه أسرتها.
هي ككل فتيات وشُبان وطننا، ترغب وتأمل في تحقيق أمور وإنجاز ما تُريد، لكنها تشعر بالإحباط يغزوها كل فترة وأخرى، وتتعامل مع مُجريات الحياة بطفولية، وهذا الأمر يجعلها دائمة الحماسة والترقب والاندفاع، الذي يصطدم عادةً بالواقع الحياتيّ.. ودون تَوقع "تُطعن" في ظهرها.. لا ترى طاعنها أبدا ! 
تجد نفسها، لا يُحيطُ بها سوى مجموعة أُناس لا يُؤَمن منهم شيء.. وحتى ابتساماتهم الصامتة تبدو فظيعة!
كل ذلك عرفته.. بعدما أحبت.. لا كمُراهقة اسكرتها مسلسلات الأتراك والهنود الخارقين، وليس لأنها احتاجت أن تُحب. أحبت لأنها لم تستطع سوى أن تُحب!
أحبت شاباً ممتلئاً رجولة وفيه شيء لم تقدر على فهمه.. شيءٌ كان يجعلها فاقدةً للتركيز وتظهر بشكل تعلم هي بأنه مُضحكٌ جدا.
ولأنها ما "يزبط"  أن تُبادر هي وتخطو الخطوة الأولى نحو "عشيقها المُحتمل".. بقيت تنتظر أن ينتبه لها، وأن يُبادر هو كما يجب عليه، وما عليها هي سوى مُحاولات جاهدة للفت إنتباهه..
ولمُجرد أن تراه يُلاطف هذه أو تلك، تشعر بغضب شديد..وكره لا يُغالب يتحول لرغبة أشد في ذلك "المُمتنع".. البعيد..
في هذا اليوم، والساعة حوالي الثانية ظهرا الّا.. كانت وهو يقفان وراء طاولة تحول بينهما وبين مجموعة مُنتفعين من أُعطيات ومنح إحدى المُنظمات..
أغضبها، هذا الإحساس بالخفة والبلاهه، كلما رأته قريبٌ منها.. 
فكيف وإن كلّمها بـ "صباح الخير" مثلاً ؟ يغدو وجهها متلوناً، وتتكلم كمن أُمسك مُتلبساً في دناءةٍ ما..
هو يُسجل ويقوم بما يجب القيام به.. وصاحبتنا غدت  كفزاعةِ طير، لونها يَشي بأنها في ورطةٍ ما.. فقد إنساح بريق عينيها، وغاب رونق وجهها الفاتن.. هي الآن أشبه بزومبي.. بمن يقف فوق منصة إعدام ينتظر تنفيذ الحكم !
مع مرور الدقائق، أصبح وضعها "مش مزبوط" لمن تعمل لديهم، فهي تحمل تاريخاً حافلا بالعِناد والتمرد على السيدة رانيا ام رامي رئيسة الجمعية..
وكانت في أثناء شرودها ذاك، تحت مُراقبة حثيثة من إحدى العاملات معها.. تلك التي رافقت صاحبتنا ذهبت بسرعةٍ نحو الإدارة حيث السيدة رانيا، وبحديث لم يتجاوز خمسة دقائق، تَقرر طرد أو الاستغناء عن خدمات رنا الساذجة.. البليدة.. لأنها تجاوزت الحدّ في.. 
تم استدعاء رنا واُخبرت بالقرار النهائي، لم تكن تتوقع شيء من هذا القبيل، بل كانت تأمل بمُضاعفة أجرها كونها تعمل لساعات طويلة..
سمعت "بهدلتها" وبأنها لم تكن عند حسن الظن، وكانت تفكر بأنها ستعود لتلك الحالة من الفراغ.. لتغدو حياتها يومٌ واحد فقط، وفي دخيلتها تعلم بأنها اخطئت حتما عن قصد أو بدون عندما "كانت تسأل كثيرا.. وتبحث عن إجابات لا تعنيها!" وهي تبكي أمام أعين السيدات.. احسّت بأنها فقط.. فقط أحبت ذلك الشاب! وعرفت عن تلكم السيدات الكثير.. مثلا بأنهن يستغللن أسماء المُحتاجين في السجلات لغايات الربح الخاص.. وفي هاتفها صورٌ لكل شيء.. وفكرت بأنها غبيّة.. وعليها قبل كل شيء أن ترمي هاتفها في أقرب سلة مهملات..
لم تنطق بحرف، خرجت من باب الإدارة مُسرعةً وهي تشهق وتمسح دموعها بكمها.. وتُلاحقها شتائم وتوبيخات، كـ "حماره.. هبلا.. غبيّة.."، رآها الشاب واستعلم عن الأمر وأُجيب:"بأنها.. هالـ***** تتجسس لصالح جمعيات تُنافس جمعية ام الرمان"، هزّ الشاب رأسه بأسف بعدما قطّب حاجبيه.. وراح يُناول أحد الكبار بالسن كيسا فيه جاكيتا وجوزين من الجرابات القُطنية.
هاشم عبدالله 2017/10/28

تبكي.. ولكن (قصة قصيرة)

                       جوليا بطرس (ألبوم: يا قصص 1994)


الله وحدهُ يعلم ما الذي جرى ؟ 
لم تكن إلّا كما هي منذ طفولتها(هي الآن تبلغ الرابعة والعشرين من عمرها)، كانت وما زالت تبكي قليلاً كل فترة.
تطور بُكائها على مراحل، فقد كانت تبكي صادحةً مولوله في وسط البيت لأنها فقدت عُلبة ألوان أو ربطة شعر نَسيت أين وضعتها ؟
ومن ثم صارت أكثر تماسكاً، لا يُسمع لها بُكاء..
صار يشهدُ بكاءها: جُدران غرفتها وبابها الذي أُقفل بإحكام.. وحدهُ الله شاهداً وبقيّة الأثاث..
لم تعد طفلة لتبكي بحريّة.
وكانت كُلما داهمها سببٌ للضعف المُفضي للبكاء، كانت حينذاك تتماسك وتتماسك حتى تنهار مرةً واحدة.. ودائما إنهيارها ذاك يكون عندما تجد نفسها في مكانٍ لا يراها ولا يسمعها فيه أحد، وبعد ذلك تعود إلى ما كانت عليه قبل البُكاء.. تعود أكثر تماسكاً.
كأن بكائها تَخلّصاً من ما كان ثُقلاً يمنعها من أن تواصل حياتها بشكل عادي، هي لا تخجل من ضعفها أمام الله فقط.
ليسَ لأنوثتها دخلٌ في ذلك، رِقتها قشره خارجية ما أسهلُ خدشها.. وتحت القشرة لا يوجد سوى قسوة.

هي تبدو أقلَّ قوة، تمشي ببطئ وتُحرك أطرافها بهدوء، وعندما تتحدث يأتي صوتها هامساً.. لكن كُل ذلك دخيلٌ عليها.. ليسَ أصيلٌ فيها..
هي ليست على ما يُرام، حتى وإن بَدت كما كل يوم، ترتدي الأنيق.. ووجهها مُلطخ بشكل خفيف ببودرةٍ وروج.. حتى خدّاها ورديان، وعيناها كحيلتان، وعطرها يفوح في الأرجاء حيثُ تواجدت بجسدها المُتناسق ككل يوم أيضاً..!!
كل الحكاية حدثت قبل أسبوع، تُركت بعد أن عُلّقت.. هي تمنعت في البداية(قبل عام)، لكنها أعطت.. وإن أعطت فهي تُعطي كل ما تملك.. وهذه بليّتها !!
أعطت ذلك "العاشق" كل شيء، ولم يُقدم لها سوى بِضع كلمات جوفاء بإسم الحب.. ككذبٍ صادق كانَ كل شيء.
أحبته بقوة جائت من التمنّع، أحبها بنزوةٍ شهوانية جائت من النظر، أحبته ضعيفة.. خائفة.. والخائف لا يرى جيداً، لا يُدرك حقيقة الأمور بل يتخبط ويُخطأ دائما.
عندما أخبرها ذات ليله بأنه سيرحل، لم تتكلم.. لا هي رجتهُ ولا حتى بَكت.. كانت تلتهمه بعينيها وشفتها ترتجف عن نصف إبتسامةٍ.
حتى صمتها ذلك اغضبها.. أرادت حينها أن لا تكون كمن خسر كل شيء.. فاصطنعت قوةً لاتتناسب وقشرتها الرقيقة.. وعندما خَلت إلى نفسها بَكت كطفلةٍ أضاعت دُميتها الوحيدة..
في اليوم التالي خَرجت لدوامها ككل يوم.. بل أنها اُخبرت بكثرة بأنها أكثر تألقاً وحيويةً من المُعتاد، بل أكثر جمالاً..
هاشم عبدالله 2017/11/6

وجود 4

لا تتبعهم إن أرادوا تركك، وأنت في أمسّ الحاجة إليهم.. متى لم تكن مُحتاجاً لهم ؟ متى وجدت نفسك مُرتاحاً.. سعيداً لوحدك ؟
متى كان الظلامُ.. صمت المكان.. يملأك راحةً وطمأنينة؟
متى أصبحت الجُدران الصمّاء رفيقتك ؟ 
دعني أُحدثك عن مكانٍ ما.. لا تهتم بالمُسميات، دعها تلك الأسماء، فهي مُجرد زخارف وبهرجة !
المكان هو غُرفةٌ لا تحوي كثيرا من الأثاث، هي مُجرد طاولة خشبيّة قد نخرها السوس، وكُرسيٌ قديم مُهترئ.. مع ذلك فقد حملت الطاولة اثقالي كلّ ليلة والكُرسي لم يتهالك بي وأنا أجلس عليه ساعاتٌ طويلة..!!
آخر مرة أخبرني أحدهم بأنني "عاقلٌ كمجنون"، كانت قبل يومين، قالها لي وأنا أصمت في حضوره، أصمت بشكل -أعتقد- بأنه مُستفزٌ لكل شخص لو كان مكان ذلك "الاحدهم". لم أكن كئيباً ولا حتى "قرفان..زهقان" كنت فقط انتظرُ بفارغ الصبر تركي لوحدي..!!
اسئم.. أغضب.. وأحيانا أصبح عدوانياً بشكل حيواني، عندما أجد نفسي مُحاطاً بالناس.. لا بل مُحاصرٌ بهم، هكذا أشعر، وهذا الشعور يجعلني اُفكر دائما بالمُغادرة.. أقصد اُفكر في مُشاجرة الجميع وطردهم و... كيف اطردهم وأنا الذي جاء إليهم ؟؟ ما سر الحاجة "الماسّة" للوجود مع الآخرين ؟؟ 
أنا مجنون.. غريب.. مُختل.. مُمكن !!
ولكن لا اكرهني وهذا يكفيني.. 
أُحبني جداً.. وأعشق شكلي في مرآتي، واتغزل بي أحيانا عندما اكون ضجراً.. وعندما أشعر بالتعب أُعاتبني بلا توبيخ، وإذا ما استولى عليّ الجوع ألتهمُ ما لذّ لي ولا أمنع نفسي من ما أريد.  
ربما أبدو نرجسياً.. مغروراً.. رُبما !!
ولكن يكفيني عدم احتياجي لغيري.. يكفيني اكتفائي بي.. ولكن.. آآهٍ من "اللاكن"، مَن يقدر على الحياة وحيداً ؟ دون أن يُجن أو يتألم كثيرا.. أو لا يخافُ من المجهول والخريف التالي و... هل تتذكر نصاً قرأته واخذك للبعيد ؟ 
وما هي أكلتك المُفضلة ؟ المنسف.. الكبسة.. المجدرة.. أو المُفركة ؟
لا تهتم لخياراتي تلك.. هي اكلاتي المُفضلة، بإستثناء الكبسة والمجدرة.. ذكرتها لعلّك تختار "المنسف" وافرح كثيرا، لأننا نُفضل ذات الأكلة. 

وجود 3

يُعربد الليل في الخارج، ويفرض نفسه على كل شيء، وقد كانت المدينة بلا معالم.. بَدت وكأنها مدينةٌ يقطنها الأموات فحسب !
أمواتٌ لا تصدر عنهم رائحة.. ولا هم جُثث هامدة صار لونها داكناً.. شاحباً.. لا، بل هم أمواتٌ يملئون الشوارع والأرصفة، لهم ضجيجٌ مُدويّ، ولا تسكنُ أجسادهم حتى وهم نيام.. هل ينام الأموات ؟ 
وحده الليل يفضح الأصوات والرغبات والنزوات.. وكل الأشياء التي تمكنت طوال النهار من التخفي.. ولكنّ الليل قد تجاوز حدود المنطق في إسكات التظاهر والخداع ! وفي تعريّة المستور والمخفي وراء الحُجب!! هل كانت الشمس مُجرد خُدعة ؟؟
*****
كان صوتها نازفاً وهي تُحاول قول أشياء لا يُمكن "قولها" كما هي !
-اليوم جرحت اصبعي وأنا اقطّع الخيار.. تصدق إني ما حسيت بالجرح الّا بعد ما خلصت السلطة.. آآآه نسيت أحكيلك إني إمبارح قدرت أنام بدري... آآه ههه نمت عالساعة (اهدعش ونص) بس كنت تعبااااانه لأني كنت صاحيه من السبعة الصبح ورحت عالجامعة عشان أقدّم امتحان (الخلدونيات).. ههه يا الله ما اغباني.. طلع الامتحان بعد بكرا.. 
-كيف... جرحك ؟؟
-لا.. هلأ منيح.. ما يوجعني.. 
-طيب.. ليش.. قصدي كيف دراستك عالامتحان ؟؟
-تمام.. ماشي الحال.. أنت كيف حياتك ؟ ووين غايب كل هالفترة ؟
-والله الحمد لله.. كل شي تمام.. 
-الحمد لله.. أسمع.. بدي أروح هلأ لانو.. بدي أعمل كم شغله ضرورية قبل ما أنام.. تصبح على خير..
-...خوذي راحتك.. مع السلامة.. وإنتي من أهل الخير..
وقد كان يصدح التلفاز بحدوث إنقلاب في تركيا..
******
قد فشل الانقلاب لأن الشعب أراد شيئاً وفعل.. لم يكتفي بالإرادة فقط.. لأنه لم يكن يوما الرصاص أقوى من الجسد الّا في بلاد الأجساد المُنكمشة، المُمتلئة حدّ الضمور..
المُؤلم حقاً هو الشعور بالذنب.. شعورٌ يستنزف طاقة الإنسان ويجعله هشّاً جداً..
وعادةً يكون الشعور بالذنب مُجرد وهمٌ وتخيّل لا أكثر، على سبيل المثال تُراودك رغبة مُلحه بـ "الاستمناء" تنصاع لتلك الرغبة.. تفعل.. تذهب السكرة.. يغزوك ذلك الشعور المُؤلم، وأنت لم تفعل شيئاً.. سوى أنك أفرغت شيئا زاد عنك.. بل وألّح عليك -لم يُرغمك- بأن تسمح له بالخروج !  
الرغبات لا تتناسب مع السموّ.. ارضيتنا لا تُناسب ارتباطنا بالسماء.. وهذا التناقض في "أنصافنا" يجعلنا غير آمنين..  فما بين الرغبة والسمو وما بين أرضنا وسمائنا يضيعُ الكثير.. الكثير..

الأحد، 26 أغسطس 2018

ميمي (قصة قصيرة)




كانت زوجة الزوج "ف"، تُنادى بـ "ميمي" وتُشبه تلك الكلمة من حيث رقتها وأمرٌ آخر لا أجد لهُ اسما مُناسباً..
منذُ شهرين وتسعة ايام كان زفافها لرجل رأته أول مرةٍ في جلسة "النظرة الشرعية" قبل ستة شهور أو سبعة. 
المُهم.. في تلك الليلة "ليلة النظرة الشرعية"، كانت قبل أسبوع منها قد هزّت رأسها عندما أخبرت بتقدم الشاب "ف" لخطبتها.. وهزّ الرأس يعني إنها وافقت..ولو بشكل مبدئي.

فلماذا عساها لا تُوافق ؟ والرجل الذي تقدم لها قد نجح في إختبار "اهليّته" من حيث أنه مُقتدرٌ ماديا.. يملك بيتا جاهزا.. وسيارة وعمل ذا راتبٍ كبير.. وتبدو عليه (سُبحان الله) من النظرة الأولى لوجهه علائمُ الطيبة والرأفة كما أخبرها والدها.. وبالنسبة للنظرة الشرعية فهي من الشكليات اللابدَّ منها كما أُخبرت قبل النظرة وبعدها.. حتى أنها توقعت بأنهم سيخبروها بذلك وهي تجلس بجانب عريسها على الكوشة يوم الزفاف!

فترة الخطوبة كانت أربعة أشهر تقريبا.. وقد كانت أحاديث "الزوجين إلا قليلا" تدور حول مواضيع شتّى.. وهي كانت تعلم بأنه يعلم بأنها وهو "كذابيّن مُتصنعيّن".. كان يتنغم بصوته وهي تتغنج له وتمطُ كلماتها، ويتبادلان الضحكات الهامسه.. الخ، لقائاتهما الحيّة كانت "سخيفة" من ناحيةِ إبتذالها وتكرارها.. وأنها وهو كانا بطليّن أمام جمهور مبهور، يُصفق حينا ويصرخ بملاحظةٍ جافةٍ حينا آخر.. راحت الأيام تتقدم بسرعة.. الأيام أحيانا تُربكنا.. تجعلنا لا نُصدق حقيقتها، فهي تطيرُ في فترةٍ ما وتثبت كوتد مغروس في فترة أخرى، عادةً ما تطيرُ الأيام في فترة سعادة الإنسان وراحة باله.. وأحيانا تطير لأن هُنالك يومٌ مُحدد ومُنتظر في المستقبل(القريب)، وهذا اليوم لا يُرجى مجيئه.. فتطير الأيام لذلك اليوم.

في ليلة "الدُخلة" أي بعد ساعات من التتويج والاحتفاء بالبطليّن والفرح والانتصار الذي ينتاب العريسيّن وذويهم.. خصوصاً العروس.. كان كل شيء على ما يُرام.. فالعروس "شريفة" طاهرة، والدم الذي سالَ من بين فخذيها (قطرة أو قطرتين) هو الدليل الصارخ لذلك.. والزوج بلا أدلة.. هو شريفٌ طاهر بكل الأحوال.. إذا لم تكن ريّابين شكّاكين، رُغم الأسئلة (المُحرجة) التي كانت "ميمي" تُهاجمه بها.. بإستفهام ساذج.. بريء وخافت.. وكان "ف" وهي لا تراه فهي تسمعه هاتفيا.. ينعجق بلطف وبلاهه.. ويردّ بهمهماتٍ خافتة.. تعني بأنه كانت له بعض الغزوات في الماضي لكنه لا يُريد (إطلاقاً) تذكرها.. لأنها نَزوات لا غزوات..
لم "تُهاجمه" بتلك الأسئلة في أي لقاء حي جمعهما، وفي تلك المُسائلات الهاتفية.. كان ل "ف" السَبق، ولكن بإسلوب أكثر جسارة بل بوقاحه.. ولكنه لم يكن يتوقع من خطيبته سوى "بهدلةٍ" بسيطة.. تُنبئه بأنه وجد "قطته المُغمضة" التي فتحت عينيها عليه، بصراحة لم يُهاجمها بتلك الأسئلة سوى مرة واحدة، في ساعة استولت عليه عاطفة اعجزته عن كبح جماح نفسه.. التي طارت به إلى إحدى عشيقاته.. آخر عشيقاته التي تزوجت قبل ثلاثة عام.. والتي أحبها بعنف.. لكنها تزوجت وتركته كما السابقات.. تزوجت في فترة كان صاحبنا يشحدُ فيها الملح، بعدها صار كارهاً لـ "جنس حوا" بل ويحتقرهنّ ومع ذلك فقد تعرف بعد عشيقته تلك على عدد من النساء اللواتي كُن (بعضهن) له حُضنا دافئ.. واُخريات كُنَّ يتمنعن ويأبيّن التلطخ بالعار.. واكثرية هؤلاء المُمتنعات كن يرضخن أخيرا ويُصبحن شريكات لجسد عشيقهن، لمدة ساعتين أو أقل من ذلك ومن ثم يشمئز منهنّ ومن الجنس اللطيف كلّه! كأن إحتقار الشيء يعني رغبة شديدةً فيه.. لهذا السبب بعينه "ارعبهُ" هاجسٌ بأن خطيبته قد كانت فيما مضى شريكة جسدٍ مؤقته.

"ميمي" لم تتجاوز الخامسة والعشرون من عمرها.. والزوج تجاوز الأربعون، لكن يبدو عليه بأنه في ميّعةِ الصِبا، فشعرهُ أسودٌ فاحم.. وشاربهُ كذلك.. لا ليست صلعةً تلك التي تلتمع فوق رأسه.. بل تساقط خفيف للشعر.
في الأيام الأولى من حياة الزوجية، كان الزوجين مُحرجيّن من بعضهما تماماً، يتعاملان برسميّة ظنّا أنهما تجاوزاها في ثالث يوم بعد الخطوبة ! والوجود الدائم، يفضح السرائر.. فها هي تتوالى بالظهور صفاتٍ وأفعال قد تسوء الآخر، اقلّها شخير النوم أو رائحة الفم الكريهة..
واليوم بعد ، في أثناء خروج الزوج لعمله، في الساعة العاشرة صباحا، غادرت الزوجة ميمي "عِش الزوجية" للسوق القريب.. وللقاء لا أستطيع إثبات ما هو ؟ لكنها ستلتقي شابا تعرفه منذ.. أسبوع، إلتقت به بمحض الصدفة أو بالأحرى "فتنها" شيءٌ فيه.. غيّبها.. قيّدها.. اخضعها.. وبعد تمنّع وتطنيش (منها) استغرق نصف ساعة.. كان الشاب وميمي يتحادثان.. هي بخجل واستحياء وهو مُحرجٌ بعض الشيء.. يبدو على وجهها إنها مفتونةٌ تماما.. زوجها لا يعود للمنزل قبل الرابعة عصرا، وها هي تُسرع الخُطى، وتنهشها حماسةً شديدة..
تتجه نحو مكان اتفقا عليه، بعيدا عن عيون الناس وفي هذه المدينة لا مَناص عن عيون الناس، سوى بجدران اسمنتية وبابٌ مُقفلٌ بإحكام.
منذ أن "تحولت" في تلك اللحظة قبل أسبوع، وانسابت نحو هذا الشخص.. فيها شيء إشتعلّ وتوّقد.. كأنه كان مخفيٌّ وظهر.. وها هي كأنها تُجرُّ جراً بمعنى الكلمة تتجه.. تُجرُّ نحو.. 
مع أنها تعرف ما الذي سيحدث هُناك.. إلا إنها لا تستطيع أن تقف على فكرة واحدة من دوامة الأفكار التي تعصف برأسها.. وصلت وطلبت الباب، واستقبلها "الشاب" في شقته.. خوفٌ جافٌ ران عليها.. وعجزٌ قاسٍ شلّها تماما.. وجدت نفسها بين يديه.. صقيعُ يده التي أمسكت بقسوة عنقها.. وبالاخرى حوّط خصرها.. جعلتاها كالذي يقبع تحت مقصلة لا يدري متى تنزل على رقبته، حاصرها كُليا وصارت هي كشيء مُنكمشٌ على نفسه..ومُكوّمٌ، وتركها "مُرميّةً" فوق الأريكة ليأتي بشيء ما.. عاد.. وحاصرها مجددا، لم تتمنع.. لأنه بادر إلى تحريكها ووضعها في وضعية السجود.. لم يُعريّها من شيء.. فقط أنزل "جينزها" قليلا.. وهي جامدة تحته.. ورأسها مُلقىً على الأرض وشعرها الناعم الغزير  يُغطي وجهها المُتعرق اللاهث.. وضع مادةً أعلى "ثُقبها" وادخل إصبعيه "السبابة والوسطى" شيئا فشيئا فيها.. أخرج أصابعه، وخرقها بقضيبه المُتورم.. وراحت تئن وتلهث وتشهق.. وبعد لحظات أخرج قضيبه وقذف مائهُ فوق مؤخرتها.. وابتعد عنها، وبزغ في نفسه اشمئزازٌ شديدٌ منها.. حتى أراد أن يركلها بقدمه وهي تستلقي هكذا تحته كجثتةٍ هامده.. 
ولحسن حظ "ميمي" بأنه تماسك عن ركلها.. وتهالك فوق الأريكة.. ولم يفعل شيء سوى رفع بنطاله.. وينظر بنهمٍّ لهذه الشقيّة.. التي هَرعت إلى الحمام.. لتغتسل وتتنظف من الدنس الذي لحق بها. وعادت بعد ثلث ساعة يُجللها خزيٌّ لم تستطع اخفاءه. ونصحها الشاب بأن تضع شيء يمتص الماء الذي قد يخرج منها ويفضح فعلتها.. 
وبعد أسبوعين.. وهذه هي المرة الثالثة. من هكذا "موعد مُضاجعة".. ولكنها كما أول مرة تذهب وكأنها تُجرّ.. وبعد كل "موعد" تشعر بالخطر الحقيقي الذي لا يزيدها إلا اقداما.. وجسارةً، ففي هذا اليوم زوجها لم يذهب للعمل.. مع ذلك خرجت لموعدها، مُتعللةً بالذهاب للتسوق.. وقد أسرع الزوج خارجا على إثرها، يُلاحقها مع أنها أخبرته، بأنها ذاهبةً إلى.. السوق، وقد أراد الزوج أن يرى السوق الذي تذهب إليه زوجته في الأسبوعين ثلاثة مرات ! وصباحاً !!
تفاجئ بها.. بسرعتها.. ونفاذ صبرها.. في كل شيء تفاجئ، ولم يُقدم على الاقتراب من العمارة التي دخلت إليها زوجته.. لكنه اوجس ما قد راوده منذُ.. وقف كالذي سُحب منه دمه، وغُصب على شربه.. أنتظرها ساعةً كاملة، وخلال هذه الساعة "الأبدية" كان قد حُصر فكره في جهةٍ واحدة، وهي: خيانة الزوجة.. وشرفه الذي لُطخ بالعار.. وكان في أول تلك الساعة يُطمئن نفسه، بأنها حتما تزور إحدى صديقاتها.. أو أنها تفعل ايّ شيء إلا الخيانة. ولكن ها هي تخرج ذابلةً.. مُظلمه.. انكرها في أول الأمر، لم يتعرف إليها.. كأنها خلعت ملابسها وارتدتها بعجل، هكذا خُيّل إليه.. بقعة ماءٍ رآها واضحة أسفل حوضها، و... ظَهر لها، مُمسكا بيده سيخاً حديدياً يلونه الصدى.. صُعقت من ظهوره بهذا الشكل.. وهل كان لشكل آخر أن لا يصعقها ؟! وقفت ترتعد.. وارتسم على وجهها تعبيرٌ مؤلم.. عاجز.. تقدم إليها بسرعة كأن الثواني كفيلةً بأن تجعله يهربُ منها لا خوفاً بل.. لا يعلم.
ضربها بالسيخ على جمجمتها.. ورنّت الضربة في الهواء، ورشّ دمها دفعةٌ واحدة كأنه كان فائراً.. محشورا.. زائداً في رأسها !
وما أن تهالكت تحته على الأرض.. لم يفعل الزوج شيئا سوى النظر.. والانتظار. من أعلى العمارة حيث شقة الشاب.. الذي لم يزل عاريا إلا من ملبسه الداخلي.. كان المشهد من خلال النافذة "مُحير"، ارتسمت الحيرةُ على وجه الشاب الذي عبّر وجهه عن ألمٌ وشفقة.. ولكن احتقاره واشمئزازه منها لم يَزل.. فرائحة عطرها.. وانفاسها تعبق في المكان، صوت انينها يتردد في مسمعه.. بعد أن تهالكت على الأرض نازفةً لتموت.. أعاد الستارة لوضعها السابق، ووضع سماعات أذنيه.. واتصل بحبيبته التي رنّت عليه منذ الليله البارحة عشرات المرات.. وبعد دقائق قليلة ضَحك الحبيبيّن.. وأُعتقل الزوج ونُقلت جُثة "ميمي".
هاشم عبدالله 2017/11/15

ذات الرداء الخمريّ (قصة قصيرة)




في يومٍ (نوفمبريّ)، كان ذلك اليوم فُجائيٌّ من ناحيةِ برده اللاسع وهواءه العاصف جداً.
كُلّ شيء يسير كالعادة: تمطر السماء، وتتحول الشوارع لبرك ماء، وسيول سكنية قذره، وترتفعُ نسبة الحوادث..
وبكل الأحوال مهما كان الوضع، يبقى لأول هطول مطر الذي يَعقب شهور الحرّ والغُبار.. يبقى لذلك الهطول الأول شيءٌ خاص يُشبه "الشعور بالامتنان".

هَطل المطر مُجدداً. مُتقطعٌ هطوله.. لا يعلم إلّا الله متى يحين ومتى ينقطع.. 
لذلك هَطل غزيراً الآن.. فوق (آية) التي كانت تقف في منطقةٍ لا وجود فيها لمكان قد يحميها من هذا الهطول، في وسط العاصمة على رصيف شارع مُزدحم دائماً.. وقد شاء الله لها أن تقف في ذلك الحيّز المُقفر لتنتظرَ باصا أو تاكسي.
كانت "مُستاءةً" من ذلك الإنتظار الذي طال خمسة دقائق.. والآن وهي ترتدي جاكيتاً خمريّ لم يزل يعبق برائحةِ خزن الملابس الشتوية، قبل الهطول كان الجاكيت يَفي بالغرض من ناحيةِ حمايتها من لَسعات البرد(بعض الشيء)، أما الآن وقد صارت كأنها تقفُ تحت مزراب ماء.. صار الجاكيت قانياً.. غامقاً.. ثقيلاً.. وللحظات في اثناء سماعها ورؤيتها قطرات المطر الهاطلة.. أحسّت كأنها "نُسيت" في هذا المكان من رفقةٍ ما.. ولأنها لو استمرت بالوقوف دقيقةً واحدة لحُممت وغسّلت ملابسها مراتٍ عديدة..
أكيد لم تنتظر، ودون أن تختار أو حتى تنظر أمامها.. راحت تركض يساراً وتميل بجسمها للإمام، لتحمي نفسها من الهطول !!

طالَ وقت الإشارة وهي حمراء.. وهطول المطر زاد الاستعجال والحماس لدى الذين يجلسون خلف المقوّد.. وبين هؤلاء "المُستعجلين" الزوج العائد من أخذ زوجته المُعلمة من عملها.. وكان حواراً مُشتعلا بين الزوجين، عندما لمحت الزوجة خيالا يركضُ في الجهةِ المُقابلة.. وقد كان الزوج مائلاً نحوها يُحاججها كالعادة في نقاشٍ بينهما.. يتكرر كل فترة، دون أن ينتهي.. كأن وجودهما معاً يعني نقاشات وحوارات مُعظمها عقيمٌ وفارغ، وإلّا صمتاً مُطبقاً.. مُحرجٌ ذلك الصمت لهما.. مُحرجٌ جدا.
احسّت بعدما رأت الخيال الراكض، بأن وجه زوجها كريهٌ على غير العادة، مُنفرٌ كأيّ وجه غريب.. وكشعور جديد وهو يحدث عادةً في لحظات خاصة، كيوم فيه مُقابلة لعمل لا أمل فيه.. أو يوم امتحان مصيريّ.. بَزغ فيها هذا الشعور الساحق، والنفس في تلك الحالة لا تثبت على مزاج واحد.. والتفتت للأمام، لترى مجموعة باعة متجولون بين السيارات الواقفة أمام الإشارة الحمراء وكان المطر قد خفَّ هطوله، كأنهم (الباعة) وهم ثلاثةُ أشخاص خرجوا من وسط الشارع!!
 يسيرون نحو السيارات ويُعرضون بضاعتهم، أحدهم معه باقات ورود حمراء صناعية.. لكنها تبدو جميلة، وظهرت فتاةٌ قد تجاوزت العشرين من العمر، ترتدي من رأسها إلى قدميها سواداً كَحت لونه.. وتُمسك "ممسحةً" ودون أن تطلب شيئا.. تَمسح زجاج السيارات.. وعندما وصلت سيارة الزوجين، نَطقَ الزوج بأسىً مرير: "شوفي.. شوفي البنت.. يا حرام.. يا رب سترك ورحمتك.."، ومن محفظة الزوجة أُعطيت الفتاة..(نصف دينار)، وأرادت الزوجة وبكامل قواها العقلية أن تُناولها المحفظة كلها.. والزوج أمسكَ في اللحظات الأخيرة على أن يُخرج محفظته التي امتلأت قبل قليل براتب التقاعد(الذي سيندثر أكثر من نصفه بعد أقل من ساعة)، أمسك عن تسليمها للفتاة بنفس مُمتنة بل شاكره..

عادا (سعدٌ وعبد الله)، من ما قد جعلهما خفيفيّ العقل.. زائغيّ النظرات.. وفي جبهات الرؤوس ارتخاءٌ حاد.. سعدٌ وموضع في من أسنانه لا يُؤلمه إلا في ايام تتشابه وهذا اليوم، حتى صار يُدرك من هذا الألم أنه تأخر عن شيء ما.. كالتدخين أو الأكل.
وكان هطول المطر خفيف جداً، والغروب قد يحين بعد بضعة دقائق.. عندما رَكنا السيارة كأنما تخلصا منها، في مُجمع الباصات المُزدحم غالباً.. عَقدا العزم بلا كلام على تناول شيئا.. كحلويات(الجو يدعو لذلك) أو صحن فول ساخن مع كم حبة فلافل إذا لم يُريدا تناول الشاورما أو البروستد، بعد خطوات من مشيهما أحسَّ عبد الله ببرد لا يتناسب مع لبسه الشتويّ الكامل.. لم "يُدقق" ومَضى ورفيقه نحو "مطعم الإخلاص"، تخرج من "نفق الروائح العطره"، وتمشي بالطبع جهة الغرب في شارع "السعادة".. وفي أول دخلةٍ على يمينك.. وبعد خطوات قليلة وعلى جهة اليسار يوجد المطعم.. إفترسَّا صحنيّ فول وحمص وصحن فلافل(سبعة حبات)، أحترم (جداً) اولائك الذين يأكلون بغضب، الذين ترتجفُ أطرافهم من الجوع، وتستغيث بطونهم وتَفرغ رؤوسهم الاّ من طنين.. بعد "الافتراس" الارتجاف يتحول لخدر والرأس يُصبح محموما.. خصوصاً إذا ما توجه الآكلون نحو.. وقد توجه صاحبيّنا نحو "القاضي" ومَن لا يعرف القاضي ؟
كانا قبل الوصول للقاضي في "نصف الأحسن حال"، والنصف هو خيرُ الأمور، لكننا في شؤوننا الجسمانية لا نرضى بانصاف الأمور.. فحُطت أمامهما أنصاف بل اوقيتيّن من الكنافة الناعمه.. الساخنة.. الغارقة في قطرها.. ومذاقها "القاضي" الذي يحتوي نكهة سمنٍ خفيفه.
حاذرَ الرفيقين من المُبالغة، لأن النتيجة كارثية، فغثيان الكنافة كانتظراها لتأتي.. صعبٌ جداً.
وقد بالغَ سعدٌ، ولأنه كان قد وصل حدا تحت الصفر من فقدان الطاقة.. كان الأثر خفيفاً عليه، غادرا القاضي.. يمينا سارا في زحمة رصيف السعادة.. الذي صار زاهياً ومُتلئلئاً باضواء ساطعة.. وصرّح سعدٌ بأن شعور البرد الذي هاجمه قبل كل الذي صار قد زال الآن.. وفهم عبد الله قصد سعد.
وهما يصعدان الدرج بعد عبور النفق.. لم يكونا قد لاحظا عندما نزلا قبل نصف الساعة.. لم ينتبها أبدا لرجل يبدو قد تجاوز الخمسين من العمر، مُنكمشٌ بطريقةٍ مُثيرة للإنتباه.. يجلسُ على الدرجات وإلى يمينه عُلبةُ علك (أبو القرشين ونص).
ومن عينيّ عبد الله الذي يصعد الدرج وعن يمينه سعدٌ المُنطلق.. يُشاهد أحد العابرين بعد أن تجاوز "بائع العلك" كأن ذلك العابر تذكر شيئا فجأة.. عاد وناول البائع الذي بقيّ مُنكمشا بـ "وضع غير طبيعي"، لعلّه بردان ؟!
هُناك لحظات عَجز لا يستطيع الإنسان إدراكها في حينها أو التعامل معها.
أراد عبد الله إعطاء البائع.. لم يتوقف.. لم تتحرك يده لإخراج "ايّ فراطه".. كانا كأنهما يهربان نحو سيارتهما.. وبعد أن صعد عبد الله أعلى درج النفق المُفضي إلى المُجمع.. وكان مُمسكا بيده علبة ماء صغيرة.. أحسّ بأنها (العلبة) تمنعه.. أراد وضعها على رف أحد محلات العطور.. ليعود ادراجه ويُعطي بائع العلك أي شيء.. أكمل مسيرهُ كمشدود.. وللحظةٍ أحس بأنه يمكنه الرجوع.. وقد حانت منه التفاته للوراء، وقد رأى في عيون كُل الذين يصعدون.. رأى في عيونهم تأثراً بل وشيء يشبه الغضب.. وتذكر (لا يدري لماذا) تلك الفتاة ذات الرداء الخمريّ التي رآها تركض تحت هطول المطر الغزير.. وهو في السيارة ينتظر الفرج.. في إخضرار لون الإشارة قبل ساعةٍ ونصف.

هاشم عبدالله 2017/11/22

عادت..(قصة قصيرة)

عادت.. وهي تكاد تختنق.
نهايات ديسمبر وأجواء وإن كانت أقلُّ صقيعاً من الأعوام الماضية(رُغم إنحسار المطر وهبوب الرياح الشرقية -وما أدراك ما الشرقية- يومياً)، يبقى الشعور بالبرد والقشعريرة أمرٌ لا مَناص منه..
بدأت تختنق. قبل "إختناقها" لحظة وصولها للبيت، كادت أن تستفرغ بسبب غثيان مؤلم إنتابها وهي في مقعد الباص وهي عائدة لبيتها(مرتين جائها ذلك الغثيان الرهيب).

في الصباح وبعد أن تجمدت أصابع يدها وصارَ أنفها قطعة جليد.. جاء الباص (المليء دائماً).
صعدت بعدما توقف بشكل مُفاجئ، وهي تتعرض لوابل من الكلمات تسمعها كطنين الأذن(يلااا.. يا صبيّة.. طالعه ؟؟ يلااا.. وقفف)، جلست مكان أحدهم، وممر الباص مُزدحم، ومع مُضيّ الباص للأمام يتكدس الجالسون فيه.. ولا يعلم إلا الله كيف لثلاثة صبايا أن يجلسن في مقعد لا يكفي لإثنين ؟!.

في المقعد الثالث وراء السائق جلست صاحبتنا، وهي ترزح تحت وطأة انفعال -يتكرر كلّ يوم حتى صار عادياً-، يسارها شباك الباص ذات الوحل الجاف.. وعن يمينها تجلس عجوز.. هذه العجوز تمحورت في ذهن صاحبتنا على أنها كثيرة.. ليست واحدة بل هي مجموعة أشخاص !
المُهم.. وبعد هدوء إنفعالها قليلاً بدأت الأصوات تتصادم في رأسها مع الروائح والمشاهد.. رؤوسٌ تهتزُّ أمامها، ووجهٌ كلّه نظّارة شمسية، يجلس في "مقعد الوساطيّ" تشعر كلما نظرت إليه بأنه يلتهمها.

في البداية كانت أعماقها حادّه.. ومن ثم نما وبَزغ في أعماقها تدريجيا غثيانٌ أبديّ.. يبدأ من أبعد نُقطةٍ في البطن.. وكلّما "قَدحت ولّاعه" تسللت رائحة الدُخان إلى رأسها.. وقد صار الغثيان واضحاً..
سَمعها جيّد، وككل البشر تعتقد بأنها مُعافاة مما قد يُصيب باقي البشر..

فجأةً صارت الأصوات بعيدة.. لها صدىً مكتوم.. ترى أمامها وجهاً يتحدث لأشخاص.. يُحدثهم بأمر ما.. المُتحدث قريبٌ منها !، ترى تفاصيل وجهه جيدا.. 
المُتحدث هو (كنترول الباص)، لهُ وجهٌ مُميز، يُثير في الناظر إليه شعورا بالعجز وعدم التصديق.. وهو يتلّفت لكل الجهات عندما يتحدث لا يعلم إلا الله لماذا ؟
والذين يستمعون لحديثه ثلاثة أشخاص.. يستمعون له بإنصات.. وكانت صاحبتنا قد شُدّت لهم بإهتمام.. لا تدري لماذا هذا الانشداد؟ ولا لماذا اعتقدت -بيقين- أن المُتحدث يكذب أو يُبالغ في حديثه -شو ما كان- ؟ وبأن الذين يستمعون له لا يُصدقونه.. بل يسخرون منه في دخيلتهم.. حركة فم المُتحدث وصفير أُذنيها، جعلتاها تدخل في حالة من الذهول.. إلى أن حدّق المُتحدث بها.. وهي لم تكن تنظر لهم إنما فقط تختلس نظرات. إلتفتت يمينا، صوتٌ مُبهم يأتي من وراء العجوز الجامدة.. وكان قد توقف الباص أمام بوابة الجامعة.. وكانت آخر النازلين، ولولا رحمة الله لأكملت (رحلتها) نحو آخر محطة للباص.
هاشم عبدالله 2017/12/24

رسالة إلى مجهول..

مرحباً
كيف حالك ؟

كُنت سأكتب لك هذه الكلمات منذ مُدة، ولكنني في كل مره كنت أجد نفسي عاجزا عن صياغة الكلمات التي تُناسب الموضوع.. الغاية.. الشيء الأساسي، من رسالتي إليك.
قد أبدو مُتعجرفا، أو شخصا لا يدري ما يقول ! لكن أقرأ رسالتي قبل أن تحكم علي.. اقرأها جيدا، ولا تنسى فهم الكلمات ومغزاها بعد القراءة.

في هذا اليوم أدركتُ بأنني تجاوزت "مرحلة الطفولة" وبدأت أعقل.. أفهم.. أخافُ.. وأخشى.. !!
ممَ أخاف ؟ وما هو الشيء الذي أخشاه ؟ لا أدري
لكنني غير مره، أحسستُ بأنني لا أستطيع فعل شيء ما.. كالكتابة لك مثلاً، فقط لأنني عقلت ومن ثم فهمت بأن كلماتي قد تبدو غبيّة أو غير مُتناسقة، لذلك تسلل الخوف إليّ ومن ثم بدأت أخشى الكتابة !! كذلك الأمر ببساطة.
في غمرة العقلانية التي إجتاحتني، تسائلتُ مَن أنا ؟ ولا أُبالغ إذ أقول بأنني إلى الآن لم أجد جوابا يروي ظمأي للإجابة.. 
ولكن -أحيانا- السؤال، لا يحتاج جواب، خصوصا عندما تتشعب عنه تساؤلاتٌ تبدأ بالتفرع والتمدد فوق عجزنا وقَلقنا الجديد.

دعني أسألك، مَن أنت ؟

لا تستقبل سؤالي، بإبتسامة ظَفر، وبحركة جسد مُتحفزة، بل أصمت فقط، ودع السؤال يَمضي في غَمرة الصمت إلى بعيد، حيث يستقر ساكنا، وابدأ حديثك معي، بسؤال كيف حالك ؟ 
لا تضيق ذرعا، بإملائي عليك ما يجب عليك فعله تجاهي، ولكنني لا أرغب -صدقني- بإدخالك فضاء التساؤلات المُظلم، ولا أتمنى إطلاقا أن تبدأ بالعيش في هامش الحوارات، إذ لابد لك من أن تكون طفلا حتى تخوض في حوارٍ دون أن تغيب في متاهة الأسئلة اللانهائية، ومن أصعب الاسئلة، تلك التي تبدأ بـ "لماذا ؟".

الطفولة، هي الدهشات المُتتاليات، والأسئلة البسيطة، والبحث الدائب عن تفسير لما يحدث من حولنا؛ على سبيل المثال أين تذهب الشمس عند المغيب ؟ 
عندما نتقدم في العمر، تبدأ الدهشة بالتلاشي والانطفاء، وتأخذ مكانها الأسئلة، والأسئلة يا صديقي لا تعدو مُحاولة فهم -غير طفولية- لما يجري من حولنا، لكننا ومع تقدمنا في العمر كذلك نُدرك خطورة السؤال، وما هيّة الخوف العميق، والخشية من اللاشيء طبعا..!!

فعندما نقول، لماذا ؟ يكون الأمر أشبه بإحتجاج على شيء ما، شيء بدا غير واضحا لنا، أو شيء لم نحتمل غموضه ومُسبباته، فكان لزاما علينا أن نقول "لماذا؟".
في آخر مره إلتقينا بها، رأيت فيك سؤالا ما، تُخفيه أو تخافه.. لا يُهم؛ المهم هل أنت لم تتغير كما كنت ؟ ام أنك تغيرت مثلي وصرت شخصا غيرك !!
قد يبدو سؤالي ضبابيا، لا بأس؛ حتى أنا أحيانا كثيرة لا اعرفني، بل واجهل تماما ما الذي أريده أو أنوي فعله !!
لذلك لو تفحصت وجهي جيدا، لرأيت تجاعيد بدأت ترتسم حول عينيّ، ولو انتبهت لقسمات وجهي أثناء لقائنا الأخير، لرأيت جمودا وقسوة تعلو تلك القسمات.
هل أخبرتك بأنني بعد لقائنا ذاك، بقيتُ لساعاتٍ وحدي في ظلام غرفتي، ألعن تسرعي في الحُكم على الأشياء، وأبكي بلا دموع وداعنا بلا وداعٍ فعليّ، وبأنني على الأقل كان يتوجب عليّ التمسك بك حتى ولو رفضت رجائي لك بالبقاء.. ولو قليلا، لأنني وللأسف لم اتجاوز بعد مرحلة الطفولة في هذا الأمر، هل جرّبت "الفَقد" ؟
مثلا، فَقدك للشغف أو للحياة !!
يرتبط الفَقد عادةً بالأشياء ذات الأهمية، تلك الأشياء التي لا تمتنع عن الرحيل مَتى ما أرادت ذلك، حتى ولو حاولتْ جاهدا ثنيها عن الرحيل، سترحل مع ذلك، وتتركك ورائها مُتحسرا عليها، تُعاني خُسرانا أو فراغا لا يملئه إلا الهواء البارد، فكيف والمفقود هو انت ؟ 
يفقد الإنسان نفسه عندما لا يدري ما هو ؟ ويفقد الإنسان الأشياء عندما يعتبرها جزءا منه، جزءا قد يكون مُجرد شيء بلا قيمة، لكنه يملأ فراغا ما..


الخميس، 23 أغسطس 2018

السعادة.. ببساطة !





هل "السعادة" شيء أمامنا يَحتاج مِنّا الإستمرار والسُرعة في التقدم للوصول إليه ؟
وهل "الحياة" مُجرد تحديات تستمر وتتوالى ؟
ما هو ثمن "السعادة" ؟
وهل من المُمكن بأننا نمنع أنفسنا عن "السعادة" بحثاً عنها ؟!
وهل نعيش حياتنا فعلاً ام أننا نعيشُ في ماضٍ ولّى ومُستقبل مجهول ؟

ما هي "السعادة" ؟

بحسب "مُعجم أوكسفورد" فإن السعادة تعني: "الحال التي تكون فيها سعيداً."
-بهذه البساطة ؟؟
-مُمكن..

السعادة ترتبط بطبع وشخصية الإنسان، وما هيّة الأهداف التي يسعى لتحقيقها، ومدى تحقيقهُ لها، وبالتالي فإن مفهوم "السعادة" يختلف من شخص لآخر، وغالبا ما تكون "الأهداف" التي ترتبط بـ "سعادة" الشخص، مُؤجلة إلى أجل غير معلوم.. كتحقيق الذات والنجاح والعمل والطمانينة ومُساعدة الآخرين والإقدام على المُغامرات وغيرها من الأمور التي لن تحدث الآن بطبيعة الحال، وتبقى كمشاهد بعيدة وأحلام يقظه قد تُخفف من وطأة الواقع قليلا..

والسعادة بحسب "علم النفس القديم" هي بالابتعاد عن التعاسة والبؤس، والاعتلالات النفسية التي تحدث بسبب ضغوطات الحياة اليومية، فالسعادة هي تجاوز الاحباطات والضغوطات الحياتيّة بشتّى أشكالها ودرجاتها، ولكن "علم النفس الحديث"، عرّف السعادة بأنها "متعة اللحظة الآنية"، وهي الشعور بما قد يكون السعادة في الوقت الحالي(الآن)، بدلاً من التفكير والضياع بمتاهات المستقبل وانجازاتنا المُعلّقة، يبدو بأننا آمنّا وصدقنا بأن التعب وبذل الجهد المُستمر هو الخيار الأفضل بل الصحيح تماما من أجل حياة سعيدة، والراحة والاسترخاء ارتبطتا بالكسل والتقاعس وبالتالي التأخر عن الإنجاز والنجاح، وبأن "الاستمتاع" لم يحينُ وقته بعد ؟ وباننا يجب علينا دائما خوض التجارب القاسية والتحديات المُستمرة لنحصل على.. سعادتنا طبعاً !!

لماذا لا تكون "السعادة" مُجرد أمور بسيطة ؟ كجلوس في حديقة منزل بلا انشغال الّا بالانصات لصوت المكان، أو بإبتسامةِ طفل وسقيّ أشجار وورود الحوش دون القلق بشأن قوة المياه وضعفها، وهل السعادة هي مُجرد بحث عن معنى للحياة ؟
طيب.. أين نبحث عن ذلك المعنى الغامض ؟ وهل جرينا السريع وانشغالنا الدائب هو "البحث" ؟ هل سباقنا المحموم مع الوقت ؟ وتوقيت نزول "الراتب" في الصراف الآلي ؟ هي "وهم السعادة" التي نبحث عنها ونعترف بأننا ما زلنا نبحث ونبحث..!!

كيف أجذب السعادة لحياتي ؟ 

^شعور السعادة ليسَ شخصيّ بحت، بل يرتبط بعلاقة الشخص بالآخرين من حوله، وحتى لا تتأثر "مشاعرك" بشكل مُعاكس للسعادة، إحرص على مُجالسة مَن يُشعرونك بالفرح والايجابية.

^هل تقوم بأعمالك بشغف ؟ أو هل تجد في أعماقك حُباً لما تقوم به كل يوم ؟؟
فالشغف أو الحب يجعل من كل لحظة (عمل) فرصة جديدة للمتعة والنشوة.. بدلاً من أن يكون العمل مُجرد سجن يضع احدنا نفسه فيه.

^المشاعر والاحاسيس دائمة التبدل والتغيّر.
^هل "الأهداف" التي تطمح لتحقيقها "واقعية" يُمكن تحقيقها ؟ اهداف منطقية نتدرج في تحقيقها بدلا من النظر الدائم لنتيجة نهائية جميلة غالبا ما تكون مستحيلة.




الاثنين، 20 أغسطس 2018

ليلة عيد

هذه ليلةُ عيد جديد..
لماذا الأيام تمضي مُسرعةً كأنها هاربة.. خائفة ؟ ولماذا كل عام (منذ ثلاثة أعوام) اتسائل نفس السؤال (في ليلة العيد) ؟؟ 
العيد يومٌ واحد بل ساعاتٌ قليلة.. هو ساعات الصباح الأولى قبل آذان الظهر تحديداً.
العيد في هذه السنوات يأتي في شهور الصيف القائضة..
لكنني أتذكر ذلك العيد الذي جاء مع سماء مُمطرة، وتلاهُ عيدٌ بااردٌ زمهرير.. 
 لم أكن أعي شيئاً.. سوى افلام كرتون (السنافر، سابق ولاحق، أبطال الديجيتال..) تلك الافلام استحوذت على مُخيلتي، وبعضُ "هلوسات" الكبار تتردد كل حين في ذهني دون أن تجد مكانا تستقر فيه !!
في صباح ذلك العيد (عيد الأضحى، 2006/12/31)، لا اذكر سوى مشهد لتلفزيون في مضافة جدي، وعلى الكنبات يجلس عدد من الرجال، ويُشاهدون شاشةً تعرض خبر "إعدام الرئيس العراقي السابق صدام حسين".. كنت أعرف "صدام"، هتفنا بإسمه ونحن نلعب بجانب بيتنا في أواخر شهر 3 عام 2003، مُشجعين إياه في حربه مع الأمريكان، وكنا نتسائل -نحن الصغار- فيما بيننا؛ "مين تشجع العراق ولّا أمريكا؟"، طبعاً العراق، لذلك هتفنا كلنا: "يا رب تفوز العراق.." وسقطت بغداد.. وأحسست في ذلك الحين بوخزة الخذلان الأولى، إلا إنها لم تتمكن من اختراقي تماما.. يُمكن لأنني لم أكن كبيراً بعد؟
منذ ذلك اليوم، ارتبط عيد الأضحى لديّ بشعور قاتم ومزاجٌ حزين، بعكس عيد الفطر الذي ولسبب ما.. أصبح من أجمل وأحبّ أيام العام لديّ.. 
وكلُّ "العيد" صار مشهدا جميلا يحتوي لحناً جنائزيا ولوناً رمادياً يطغى على لونٍ أحمر وآخر أخضر..

وجود 2




مَتى نعترف ونُصدّق بإننا عابرون في هذه الحياة ؟ 
والعابر عليه أن يبقى مُتمسكا برغبة الوصول، والّا يُطيل الارتياح والتأمل حتى لا يألف المكان كثيرا، وبالتالي يتسلل الخوف إليه..
****
هل العبودية هي الحياة ؟ وطلب الحرية هو الكُفر ؟
والخوف؛ هذا الشيطان الذي استوطننا وعشعش فينا.. وجعلنا نرضى كثيرا ونسخط قليلا، نسخط بمقدار سلامتنا ونرضى لنحيا كالعبيد.. وما بين العبودية والحرية نعيشُ بلا وطن ونُقدّس الأموات والاسماء.. نخافُ الحرف ونكسر القلم ونبحث لاهثين عن لقمة عيش، يمنّون علينا إن وجدناها ويطالبوننا بشكرهم وتعظيمهم.. على ماذا ؟ لا أحد يعلم !!
الشيطان هو خوفنا الأزلي من.. كل شيء تقريبا؛ من الله وكلام الناس والجار الفضولي والقريب المُترصد والغريب الذي التقينا به ذات مره وخشينا نظراته..
ولكن ما هو الشيء الذي يبدو صحيحاً في هذا السيل العارم من الخطأ ؟ 
في الحقيقة الصح والخطأ لا يبدوان سوى كرأيان شخصيان يخضعان لثقافة الشخص وتربيته وتأثير العقل الجمعي عليه.. لذلك يبدو بأن الشك هو الصح ! 
لا أدري ؟ 
ولكن كيف لي أن أحيا وقد بدى لي بأنني أعيش بين جُبناء يخافون من الظلّ وصوت قرع الأبواب ونفاذ الهواء من شقوق النوافذ ؟ 
هل أستطيع أن لا أكون جبانا واستمرُ بالحياة ؟ وهل في هذا العالم مكان يسكنه أُناس تجاوزوا جُبنهم وخوفهم ؟؟؟
***
عندما تبحث عن نفسك في المرآة، ولا تعثر عليك ستُدرك كم كان فقدك للأشياء سهلا مُقابل فَقدك لنفسك !
عندما تتذكر.. وتتذكر، وتتحول لمُجرد ذاكرة تحوي الكثير من الماضي، حينها تُدرك بأنك ما عدت حاضرا.. لستَ مُستعدا للحياة، بقدر استعدادك لنبشك مُجددا.. أنت مُحاصر تماما ولا تملك سوى الاستسلام للقيد الذي وضعته بمعصميك واحكمت ربطه جيدا..
تموت اللحظات وتجد مكانها في برزخك، تبقى هُناك وأنت هُنا.. لا ترى سواها ولا تستطيع مد يدك إليها لأنك لم تمت بعد..!
احدنا يموت كثيرا.. قد يموت كل يوم أكثر من مره، لكن موته ليسَ ذا معنى للآخرين، الآخرين الذين سيعنيهم كثيرا موته فقط عندما يتوقف قلبه عن النبض..!
*****
هي أجزاءٌ منك، أو صارت كذلك؛ لا يُهمّ.. المهم هو أنك مهما حاولت استئصالها.. بترها.. التنكر لها.. نسيان وجودها.. ستبقى محاولاتك تلك، أشبه بمن يُحاول قطع يده أو أنفه، ستبقى منك وقد تتحول كلّك هي.. كرائحة عطر.. أو صورةٍ ما زلت تحتفظ بها.. أو كأغنيةٍ لا تدري لماذا تتحاشى سماعها.. أو مُحادثةٍ تحفظ كلّ تفاصيلها كتوقيت الرسائل والكلمات والمشاعر التي راودتك حينها..  
*****
يا... كُلّي البعيد.. كيف يستطيع الجسد أن يبقى هكذا؟ محضُ جسد.. يتحرك.. يسكن.. يمرض.. يتعافى.. بالمُقابل بلا روح !! 
وكيف تُغادر الروح بلا موت ؟؟
ام أن الموت لهُ أشكالٌ عديدة، منها الذي جرى لي ؟؟!
بيننا مسافات.. جُدران.. بحار وصحارى شاسعةٍ، وأنا هُنا بقربي منكِ.. وأنت ما زلتِ هُناك، ولعلّكِ ستبقين وابقى محضٌ جسدٍ بلا روح.









الأحد، 19 أغسطس 2018

صناعة التطرف




تنويه: هذه التدوينة لا يرى صاحبها نفسه مُحللاً سياسيا/اجتماعيا/دينيا، ولا حتى مُؤرخ.. ولكن هي مُجرد قراءة في المشهد، ولعلّها توّضح بعض الأمور وتكشف بعض الروابط التي قد تكون مخفية.

"داعش"، "أبو بكر البغدادي"، "جبهة النصرة"، "أبو محمد الجولاني"، أسماءٌ شغلت الرأي العام لا العربي فحسب بل العالمي منذ عام 2014م، تمّ التعامل مع تلك الأسماء وكأنها شيء مستحيل وغريب وجديد ومن جهةٍ أخرى ظهرت تفسيرات وتحليلات عديدة تقترن بالمؤامرة على الإسلام والأنظمة السياسية والمُجتمعات العربية، ودور المُخابرات واجهزة الدول في نشأة "تنظيم داعش وأشباهه".. مع كل ذلك اللغط والازدحام والفوضى، يأتي السؤال؛ ما هي الحقيقة ؟؟


لمحة تاريخية

بعد هزيمة الجيوش العربية أمام الجيش الصهيوني في حرب حزيران عام 1967م، وما نتج عن تلك الهزيمة من شعور عام اجتاح الشعوب العربية بالصدمة والخزي والسخط، وفي بداية السبعينيات ظهرت "جماعات" تتخذ من الشريعة الاسلامية نهجاً لها، وتعزو "ضعف العرب" ونكستهم لابتعاد الأنظمة والشعوب العربية عن الإسلام والشريعة، ففي مصر ظهرت "الجماعة الاسلامية" التي أسسها شخص يدعى ناجح إبراهيم، وتولى قيادتها الشيخ عمر عبد الرحمن(شيخ أزهريّ)، وكانت "جماعة الإخوان المسلمين" التي أسسها سيد قطب قد نشأت منذ الثلاثينيات ولكنها تعرضت للقمع والاضطهاد من قبل الانظمة العربية، جماعة الإخوان هي جماعة سياسية/اسلاميه.. أما "الجماعة الاسلامية الجديدة" فهي جهادية، تطمح للحكم وتطبيق الشريعة بقوة السلاح، لا بالسياسة والانتخابات وما إلى ذلك..

لاقت تلك الجماعة والمُتأثرين بها في شتّى الدول العربية رواجاً وقبولا بل وانضماما إليها من قبل الشباب.. كون الانظمة التي لم تطبق الشريعة والدين، خسرت الحرب وبالتالي فقدت اهليّتها وصدقت "تحليلات" أمراء وشيوخ تلك الجماعات، نظّر أولئك الشيوخ لمُجتمع "فاضل" يُشبه مشاهد تاريخية لانتصارات كبيرة وفتوحات عظيمة.. وبيئةٍ إجتماعيةٍ جميلة، لا تجد فيها مظلوما ولا فقيرا، وخليفةً من عامة الشعب ينام في المسجد تحت ظلّ الأشجار  وبطنهُ فارغٌ حتى تمتلئ بطون المسلمين.. هكذا "فُتن" الجيل "المهزوم"، وتعلّق بتلك الصوّر، وصار لا يطمح الّا في تحقيق تلك الأحلام الورديه، عن طريق الرجوع لتلك العصور الغابرة التي لم توجد إلا في صفحات الكتب المنسية على رفوف المكتبات..

من هُنا بدأت الحكاية

في عام 1979م، دخلت القوات السوفياتية الأراضي الأفغانية، لحماية النظام القائم وقمع المُظاهرات وإخماد التمرد على حكومة أفغانية بالطبع تتبع السوفييت(الشيوعيين).
دول كأمريكا والسعودية وإيران والصين، قامت بدعم التمرد في أفغانستان، قد يكون سبب ذلك الدعم هو العداء المُستمر ما بين الانظمة بإختلاف مُسمياتها، وفي بداية الثمانينيات بدأ الدعم الأمريكي/السعودي للتمرد الأفغاني يتخذ طابعاً عسكريا.. لا لم يتم إرسال جيوش لنُصرة الأفغان، بل تمّ إطلاق "الدعوة للجهاد في افغانستان" لحشد وإرسال الشباب العربي(السعودي خاصةً) لخوض غمار المعارك التي بدت وكأنها دعوة للفتح الإسلامي الغائب منذ قرون !!
تمّ الترويج للجهاد الأفغاني إعلاميا/وميدانيا، وبأبواق حكومية عربية، فقام الإعلاميون والكُتاب ورجال الدين بالتنظير والدعوة لـ "الجهاد"، كرئيس هيئة كبار العلماء المسلمين الشيخ عبد العزيز بن باز الذي أفتى بوجوب نُصرة المسلمين في مواجهة الشيوعيين المُلحدين، وما زالت فتوى الشيخ بن باز شاهدةً على ذلك في موقع الشيخ الرسمي على الإنترنت بعنوان: الجهاد في أفغانستان وسُبل دعمه؟؟

لبّى الشباب بحماستهم ورغبتهم في إعادة أمجاد الأجداد الفاتحين، دعوة "الجهاد الأفغاني" وخرجوا مُشيّعين بالورود ودعاء النصر والتمكين.. ومن اولائك الشباب كان اسامه بن لادن، الشاب الذي تخرج من جامعة الملك سعود بتخصص إدارة الأعمال والذي كان يشتغل في شركة والده، خرج من وطنه، ليلتحق بالمُجاهدين وبعد سنواتٍ قليلة يُؤسس تنظيم القاعدة بالتحديد في عام 1989م، بعد أشهر قليلة من خروج السوفييت من افغانستان، تمّ سحب الجنسية السعودية من أسامه عام 1995م.
ومن بين الشباب الذين لبّوا نداء الجهاد، أحمد فضيل نزال الخلايلة وعصام طاهر البرقاوي، وغيرهم من "الأردنيين الأفغان" الذين عادوا في بداية التسعينيات وقاموا بتأسيس تنظيم "بيعة الإمام" أو "جماعة التوحيد والجهاد"  في الأردن، بقيادة مُنظّر الفكر الجهادي عصام البرقاوي الذي كان يُعرف بإسم "أبو محمد المقدسي"، تم سجن أعضاء "بيعة الإمام" في عام 1996م، بتهم تتعلق بالتخطيط لتنفيذ عمليات إرهابية وتقويض نظام الحكم.. اجتمع أحمد فضيل (أبو مصعب الزرقاوي) بالمقدسي (المُعلم) في سجن جويدة وامضيا سنين الحكم الأربعة معاً.. ففي عام 1999م، تم العفو عن جميع السجناء في الأردن بمناسبة جلوس الملك عبدالله الثاني على العرش، وغادر الزرقاوي لافغانستان لقيادة مُعسكرات مُسلحي القاعدة (في الحرب الأهلية الأفغانية التي اشتعلت رأسا بعد خروج السوفييت ما بين الجماعات الجهادية).

وبعد سقوط النظام العراقي في عام 2003م، ومع ظهور الجماعات المُسلحة (المُقاومة للاحتلال الأمريكي)، أسس أبو مصعب "جماعة التوحيد والجهاد في بلاد الرافدين" كامتداد للقاعدة الرئيسية بقيادة بن لادن، وأدى الإختلاف "القائم على كلكم طواغيت الّا أنا" ما بين الجماعات المسلحة في العراق لحدوث الاقتتال الطائفي بين السنة والشيعة الذي استمر لسنوات وحصد حياة مئات بل ملايين العراقيين، سحبت الحكومة الأردنية الجنسية من أبو مصعب في العام 2004م، وفي تلك الأثناء كان إبراهيم عواد البدري، الشاب العراقي الحاصل على شهادة البكالوريوس بتخصص علم التوحيد من جامعة بغداد، -وقد كان يرغب في دراسة القانون لولا معدله المُنخفض-، كان إبراهيم البدري مسجونا في البصرة جنوب العراق في سجن "بوكا"، مع مئات آخرين بتهم تتعلق بمقاومة الغزو الأمريكي.. وكان السجن يضم جنود الجيش العراقي (الصدامي) وبعثيين وغيرهم، تم الإفراج عن البدري بعد 7 أشهر لعدم كفاية الأدلة ضده.. وانضم للقاعدة في بلاد الرافدين وقام بالتخطيط لعمليات تستهدف كل شيء إلا جماعة القاعدة.. إبراهيم البدري سيُصبح بعد سنوات قليلة "أبو بكر البغدادي" وسيعتلي منبر مسجد الموصل في يوليو/تموز 2014م، بعد إتمام فتح نينوى، ليُعلن عن قيام دولة الخلافة الإسلامية في العراق والشام، ومعه رفاقه في سجن "بوكا"..
في إحدى ضواحي دمشق كان ابن الداعية السلفي زهران علوش، محمد زهران الشاب الذي يطمح لدراسة علوم الشريعة السلفية، اقتدائا بوالده، غادر محمد سوريا للسعودية وعاد ليُسجن في عام 2009م، ليُطلق سراحه بسبب عفو رئاسي في عام 2011م، ومع بداية الأزمة السورية وبالتحديد في شهر 5 من عام 2011م، أسس محمد ما بات يُعرف فيما بعد بـ "جيش الإسلام" الذي أشارت تقارير عديدة بأن الداعم الرئيسي لهذا التنظيم هو النظام السعودي الذي اُعطي الضوء الأخضر من قبل الإدراة الامريكية برئاسة أوباما لدعم ما كانت تُسمى بـ "المُعارضة السورية المُعتدلة".. وظهرت في أعقاب الأزمة السورية تنظميات كـ "جبهة النصرة"، و"احرار الشام" و"فيلق الرحمن" و"جيش خالد بن الوليد"، و"الجيش السوري الحر"، وبدأ الاقتتال الطائفي مع وجود حزب الله والحرس الثوري الإيراني(الشيعة) الداعمين للنظام السوري(العلوي وفي روايةٍ أخرى النُصيري).. وكأن أفغانستان والعراق عادتا (وهما مُستمرتيّن) في سوريا..!!

ناقوس خطر
إغماض العينين عن رؤية شيء ما، لا يعني إطلاقا عدم وجود ذلك الشيء!! أعلم كم في كلماتي هذه من سذاجة.. ولكن يبدو بأننا اعتدنا "الإغماض"، الإرهاب أو التطرف ليس أمرا دخيلا أو طارئا بقدر ما هو ثقافة مُتجذرة ولها الكثير من المُعلمين والمُريدين.
"مُكافحة الإرهاب" هي مسؤولية جماعية من رأس النظام الحاكم لأصغر مواطن، الأردن ليس عَصياً.. بل مُستهدفا كبقية الدول، لنتخلى عن الإنكار و"تطمين النفس" ونحاول رؤية الأمور بوضوح، شهدائنا منذ تفجيرات عمّان إلى أحداث الـ 2016م، لأحداث السلط مُؤخرا، ليسوا أرقاما وإحصاءات ولا مادة رثاء وابتذال على دموع احبائهم، هُم ضحايا فكر يُدّرس في المدارس والجامعات ويُلقى في الدروس والخطب الدينية، هم ضحايا بيئة عائلية/إجتماعية قمعيّة تُحفز العصبيّة(العشائرية/الدينية)، ورفض المُختلف، ومجتمع لا يقبل الّا "المثالي..المعصوم"، وبلاد يُعشش فيها الفساد ويحكمها الفاسدون، ولا أنسى حديث أحد الذين اسضافهم التلفزيون الأردني بعد أحداث السلط بيوم وهو رجل دين تحدث بإسهاب عن سماحة الاسلام وبأن الإرهابيين خوراج والخ، قال بأن الأردن سيبقى يُقدّم ابنائه وشبابه فداء لترابه.. تسائلت: لماذا عليهم أن يموتوا هكذا.. فقط لأن أحدهم يُؤمن بأنهم(رجال الأمن) كُفار.. طواغيت.. !!
"الإرهابي" قبل أن يفعل جريمته، كان مثل أي شخص يُدينه.. و"الارهابيين" ضحايا قبل كل شيء.


الانتحار




مُعظم الناس عندما يتعرضون للصِعاب والمِحن ولا يجدون مَخرجاً من ازماتهم ولا يرون في الأفق الّا الظلام، غالبا ما يُفكرون بوضع حدّ لحياتهم...

"الانتحار" كلمة ما زالت (في مُجتمعاتنا المُحافظة) تُحاط بهالةٍ من الخجل والتغاضي والانكار، ولكن مُعدلات الانتحار (في العالم أجمع وليس في بلداننا العربية فقط) تُخبرنا بأننا أمام ظاهرة خطيرة لا يُمكن السكوت عنها.. أو إنكارها وربطها بأمور أخلاقية/دينية.
ففي الأردن وخلال عاميّ 2016 و2017 أقدم على الانتحار حوالي 230 شخص تتراوح أعمار أغلبهم ما بين 18 و 28، وفي هذا العام (2018) وصل عدد المُنتحرين لـ 17 شخص حتى شهر 3 الماضي، بحسب تقارير مديرية الأمن العام.
والسبب الرئيسي وراء عمليات الانتحار (في الأردن) هي الأمراض والاضطرابات النفسية/العقلية.. تلك الأمراض التي ما زالت لا تُعامل بجديّة، بل تُعامل كخطيئة/فضيحة يجب التستر عليها من قبل الأهل(المجتمع)، وكذلك عدم توفر اهتمام حكومي بالصحة النفسية والعقلية في المستشفيات، وفي التعليم المدرسي/الجامعي، والإعلام الالكتروني والعادي .. والانكار لا يعني سوى مزيدا من التدهور، وإغماض العينين عن رؤية شيء ما لا يعني عدم وجوده إطلاقا ً..

ما هو الانتحار ؟
بحسب عالم الإجتماع "إميل دركايم" فإن الانتحار يعني: كل أشكال الموت الذي ينتج مباشرة أو غير مباشرة عن تصرف سلبي/مُتعمد، تقوم بهِ الضحية وهي تعرف نتيجة فعلها سلفا.
والانتحار هو فعل تم التخطيط له، وقد تهيأت الظروف لإتمام القيام به، وبطبيعة الحال هو ليس نتيجة لعدم الإيمان بالله أو مسّ الشياطين وما إلى ذلك.. فهل للتوعية بالانتحار وكيفية التعامل مع الحياة بطريقةٍ عقلانية وتقديم العلاج السلوكي والدوائي بسهولة للمرضى (غير الجسديين) وتوضيح أسباب الإقدام على الانتحار كتردي الأحوال الاقتصادية وانتشار البطالة والمُخدرات لوضع حلول قد تُقلل من فرص الانتحار ؟؟

العاشر من أيلول/سبتمبر هو اليوم العالمي لمنع الانتحار، وقد قامت منظمة الصحة العالمية وبالتزامن مع يوم منع الانتحار في عام 2016م، قامت المنظمة بنشر تقرير يُفيد بأن نسب الانتحار عالميا وصلت لـ 800 الف شخص (في أقل تقدير) ينتحرون كل عام، وهذا يعني بأن هُناك شخص يُقدم على الانتحار كل 45 ثانية تقريبا !!
وهذا يعني ببساطة بأن "الانتحار" صار مشكلة صحية عامة، تستدعي بذل جهود أكثر جدية في مجاليّ التوعية والعلاج.. وعدم التغاضي عن اسباب الانتحار، والاهتمام بالصحة الجسدية والنفسية لجميع المواطنين دون تمييز وحرمان، والاعتراف بالمشاكل الاجتماعية والنفسية، كالاغتصاب والابتزاز والعنف الجسدي والنفسي، والبطالة والفساد والظلم الاجتماعي، والتحرش الجنسي..

نفسية المُنتحر..
أفكار تزدحم في الرأس، تُحاصره تماما، ويواجهها وحده، ولا يتجرأ على الحديث عنها، لأنه يخجل من أنه قد يبدو "ضعيفا" للآخرين.. قد لا يفهمونه.. قد يسخرون منه.. والافكار الانتحارية ليست بالضرورة فكرة العنف الذاتي.. قد يُمارس الشخص الانتحار باساليب وطُرق شتّى؛ كتعاطي الكحوليات بافراط والمخدرات أو يقوم بجريمةٍ ما بحق الآخرين..

لمواجهة تحديات وصعوبات الحياة اليومية لابد من وجود "إتزان نفسي" لدى الإنسان، يسمح له ذلك الاتزان بالصمود النفسي وعدم الشعور باليأس، ولكن كيف للإنسان أن يُحافظ على ذلك الاتزان ؟؟
-لا تكبت مشاعرك، شو ما كانت سلبية، وتحدث بما تريد وما ترى لصديق يسمعك جيدا أو لأحد أفراد العائلة، أو لاخصائي نفسي..
-ذكّر نفسك دائما بالأمور الرائعة/الجميلة التي حدثت أو ما زالت تحدث في حياتك..
-مارس هواياتك/مهاراتك، وكون اجتماعي قد ما تقدر، أبتعد قدر الإمكان عن جوّ الغضب والتشاجر..
-تريّح.. تريّح.. تريّح.. من كل شيء يستهلك طاقتك، "خوذ قسطا من الراحة" دائما..
-متى آخر مره تنفست بها ؟! جرّب الآن خذ نفس عميق واسمع لصوت الشهيق، ومن ثم أخرج النفس..
-أحمِ نفسك من الخطر.. ايّ خطر.
-لا تخجل من ضعفك.. فأنت إنسان تذكر ذلك...

الجمعة، 17 أغسطس 2018

وداعاً..

هل من السهل قبول "الوداع" كقاعدة "حتميّة" للحياة؟
ومتى يُؤمن الإنسان بأن الحياة هي مُجرد لحظات وداعية؟؟
أشكالُ "الوداع" كثيرة.. نحن نُمارس الوداع كل لحظة..
ولكن لابد ويطرقُ رؤوسنا تساؤلٌ ساذج؛ لماذا الوداع؟؟
نقبل الوداع عندما نتصالح مع فكرةٍ مفادها بأن: "لكل شيء نهاية" وللأسف قد لا نَعي بأننا سننتهي وبأننا لحظيون في هذا الكون.. بأننا نتقدم نحو النهاية في كل لحظةٍ وثانية.. نحن نحيا كخالدين مُخلدين وحتى إن توهمنا واوهمنا أنفسنا بأننا عابرون في هذه الحياة الفانية..!!
*****
في وداعاتهم كانوا "يُمثلّون"، يرتدون أقنعةً ويبذلون جُهدا لكي لا يظهروا على حقيقتهم، كعقد الذراعين وراء ظهورهم حتى لا تفضحهم اياديهم المُرتعشة.. وعندما يخلو كل واحد منهم إلى نفسه، لا يملك إلا الانهيار والسقوط في وحل الذكريات العنيدة..
كلماتهم كانت موقوفةٌ.. مُعلّقةٌ.. بقيت في اعماقهم ولم يلفظو إلا الزيف.. كوداعاً، كان أحدهم سيقول: لا تذهب.. أنا لا أحتمل غيابك.. وكان الآخر سيردّ: وأنا كذلك.. ،حتى ولو تعذّر وأصرّ على الوداع، حتما سيكون وداعا حقيقيا لا جُرحا داخليا لا يمكن تضميده.. !!
*****
نحنُ لا نقوى على "الترك" لأننا -غالبا- ننصهر بكامل قوانا في الآخرين.. بينما نترك أنفسنا للخواء والجوع المُستمر لكلمات.. أفعال.. وجود الآخرين، الذين قد لا يكونون أهلاً لمسؤولية إشباعنا..
لا نقبل إنسانيتنا.. ضعفنا.. وحاجتنا.. وبالتالي لا نستطيع قبول واقعنا الذي يبدو قاسيا وصعبا، ولو أدركنا أنفسنا جيدا لوجدنا -دائما- وسيلةً ما تحمينا من قسوة وصعوبة الحياة، كيف يُدرك الإنسان نفسه؟
يُمكن عندما يبدأ برؤية الأشياء كما هي.. لا كما يتمنى، عندما يُدرك بأنه إنسان لا آلةً صمّاء أو ملاكٌ طاهر أو شيطانٌ رجيم..
*****
كانت في كل ليلة تخاف فراشها وظلام غرفتها.. غرفتها التي لا ينطفئ ضوئها إلا في الصباح.. تخافُ الصمت والضجيج وحتى الضحك.. وكانت لا تحتمل صُراخ ولد الجيران عندما لا يسمح له أبوه بالخروج من باب المنزل للشارع المُزدحم.. ولا حديث الجارة اليومي مع أمها.. ولا نظرات أهلها التي تظن في كلّ مرة بأنها تخترقها لتكتشف سرّها..
حتى صديقاتها تحولنّ لمصدر إزعاج لا يُمكن تحمله.. تحمل في أعماقها شيءٌ ثقيل، "فَصلها" ذلك الشيء عن الواقع.. وكأنها سُجنت عن كل شيء.. وحدها سجينه ولا أحد يفهم ذلك.. ووحدها تحمل "الأثقال" ولا أحد يستطيع رؤية حِملها.. ولكن عندما تنهار وتسقط أخيرا يرى الجميع سقوطها وانهيارها الذي يبدو بلا سبب أو بسبب تخترعه تحليلاتهم وفرظياتهم..

ما هو تأثير "الصداقة" على العلاقات العاطفية ؟




الصداقة هي العلاقة "الأقوى" التي تستمر عادةً بلا إنهيارات ومشاكل مُعقدة لا تنتهي إلا بإستزاف طاقة/مشاعر الشريكين، ويبدو أن التناقض صار واضحا ما بين علاقات الصداقة وعلاقات الارتباط العاطفي كالزواج، فالصداقة تعني صدق المشاعر والانفعالات وتقبّل الإختلاف وعدم الشعور بالحاجة لإرضاء الآخر على حساب الشخصية والطبع، فكيف يمكن المزج ما بين الصداقة والحب لتصبح العلاقة العاطفية متينة؟ ام أن للعلاقة العاطفية مبدأ لا يتغير وهو إلغاء الذات والتضحية والمُداراة، لتبقى تلك العلاقة مُستمرة ؟!

هل "الصداقة" في الحب ضرورية ؟
في استبيان تم على عدد من المتزوجين وتم طرح السؤال عليهم، فكانت اجاباتهم كما يلي:
"أنا أفضل البوح لاصدقائي، رغم حبيّ لزوجتي وقربها مني.. لكنني اتحاشى توجيه أي نقد أو وجهة نظر قد تكون سلبية لها حتى لا تحزن وتشعر بأنني لم أعد قادرا على حبها".
"اذهب لصديقتي وأتحدث إليها عن مشاكلي، لأنني أعتقد بأن زوجي لن يهتم بحديثي، رغم أننا أنا وهو نشترك في واجبات كثيرة عائلية".
"اتواجد عادةً مع أصدقائي، لأنني اُمارس الرياضة وأعشق المغامرات، وزوجتي لا تُفضل سوى التسوق ومُتابعة المُسلسلات".
"بعد الزواج فقدنا التواصل الحقيقي، كنا صديقين قبل الزواج.. ولكن بدأنا بالتنازل عن اهتماماتنا لنحافظ على إستمرار الزواج..".
من تلك الأقوال نستطيع استنتاج بعض الأمور، فالحديث عن المشاكل الطارئة وعدم تقديم تنازلات شخصية وتضحيات جسيمة قد تؤدي في النهاية لفشل العلاقة الزوجية، وبأن الأصدقاء يتحولون لمصادر راحة ومُستمعين جيدين للشكوى والبوح، وكأن الأمر يُشبه الهروب من البيت والشريك حتى ولو كانت العلاقة مبنية على الحب كعنصر أساسي! وكأن الصدق والتعبير العفوي المُريح لا يجد له مكان بين الاحبة ؟!
في دراسة بريطانية تناولت موضوع العلاقة بين الزواج والسعادة، تبين لدى الباحثين رابطا رئيسيا ما بين الزواج والرضا عن الحياة والذات عند الأزواج الذين جعلوا حياتهم الزوجية مبنية على الصداقة، ومن نتائج الدراسة أيضا: إن الحياة الزوجية الصادقة التي لا تحتاج تصنع وانتقاء للكلمات وإخفاء للمشاعر-أيّاً كانت- وكذلك الشعور بالراحة والتسلية بدلا من الواجب والرسميات وقبول المشاكل والعمل على معالجتها معا، تُساعد تلك الحياة على تحسّن حياة الزوجين على الصعيد الشخصي والعملي، ويجعلهم أكثر رضا وقبول لذواتهم وأنفسهم.

وجود الصداقة في العلاقات العاطفية، يجعلها أقوى وأمتن، لأن الحياة ليست دائماً "رايقةٌ" وسعيدة وجميلة.. فتكون الصداقة هي "الحبل" المتين الذي يُثبت تلك العلاقة ويحميها من السقوط..

ما هي حقيقة "صفقة القرن" ؟



هي خطة "جديدة" لرئيس أمريكي جديد من أجل السلام في الشرق الأوسط،"خُطط السلام" التي بدأت بين مصر والكيان الصهيوني بإتفاقية "كامب ديفيد" عام 1978م، وبدأت بشكل فعلي بين الدول العربية والكيان الصهيوني منذ تسعينيات القرن الماضي، بدايةً بـ "مؤتمر مدريد" عام 1991م، و"إتفاقية أوسلو" عام 1993م، و"مُعاهدة وادي عربة" في السادس والعشرين من أكتوبر عام 1994م، واتفاقيات طابا عام 1995 ووادي ريفير عام 1998 وشرم الشيخ وكامب ديفيد (مُجددا) عام 2000م، وخطة السلام السعودية عام 2002م، وأخيرا وليس آخرا "خارطة الطريق" عام 2003م... كل تلك الاتفاقيات -ما عدا مُعاهدات السلام ما بين مصر والأردن والكيان- كُلها لم تُسفر عن شيء سوى مزيدا من النزاع -غير المُتكافئ- ومزيدا من المستوطنات وما زلنا نسمع شعارات عَفى عليها الزمن كـ "لا تفريط بـ: حق اللاجئين.. وحق قيام دولة فلسطينية عاصمتها القدس..الشرقية.. و و..".

واليوم وبعد مرور سنوات يأتي مُجددا رئيسٌ أمريكي يُقدم "حلا ً نهائيا".. هذا الحل النهائي بصراحة يختلف عن تلك الحلول السابقة التي لم تتجاوز قاعات المؤتمرات.. إعلاميا تم تداوله بإسم "صفقة القرن"، وهي خطة لم تُعلن عنها الإدارة الأمريكية بشكل رسمي حتى الآن، وقد جائت كنتيجة مُباحثات بين الأمريكان و"الصهاينة" ودول عربية، ومُعظم المُحللين السياسيين يخشون أن تؤدي هذه الصفقة إلى "تصفية القضية الفلسطينية، وتسليم مدينة القدس للاحتلال، وشطب حق العودة".. والسؤال الذي قد يتبادر للذهن للوهلةِ الأولى، لو افترضنا أن القضية الفلسطينية ما زالت قائمة (رُغم معاهدات السلام العربية والتنسيق الأمني بين السلطة الفلسطينية وقوات الإحتلال واستمرار الاستيطان..)، هل كانت القدس فعلا تحت حكم العرب (منذ احتلال الضفة عام 67) ؟
وهل كان من الممكن أصلا عودة اللاجئين الفلسطينيين الذين "حصلوا على جنسيات عربية" أو الذين ما زالوا لاجئين.. عودتهم لاراضيهم التي تحولت لمدن ومناطق سكن للمُحتلين (المُعترف بهم دوليا وعربيا) ؟؟

ماذا تقول "التسريبات" ؟

في شهر 5 الماضي، تحدثت تسريبات بأن الرئيس الأمريكي ترامب سيطرح الخطة الأمريكية للسلام في الشرق الأوسط (صفقة القرن) في شهر 6 وبالتحديد بعد نهاية شهر رمضان بأيام قليلة، بشرط عدم حدوث تطورات في المنطقة تؤخر طرحها لتكون "صفقة هذا القرن".. ولعلها حدثت تلك التطورات بالفعل !!
التسريبات تكشف أيضا بأن صهر الرئيس الأمريكي جاريد كوشنر ومبعوث أمريكا الخاص للمفاوضات الدولية جيسون غرينبلات هُما المسؤولين عن "الخطة/الصفقة"، وقد بدأ "عرابيّ الصفقة" كوشنر وغرينبلات عملهما بالترويج لها لشركاء وحلفاء أمريكا.

دلائل عن بدء التنفيذ:

أول هذه الدلائل هو "نقل السفارة الأمريكية للقدس"، وما نجم عن ذلك القرار من غضب واحتجاج عربي(إدانات) واحتجاج فلسطيني(مواجهات دامية في الضفة وغزة)، وقد تم الضغط على الفلسطينيين لقبول قرارت الأمريكان بدايةً بنقل السفارة وما يليها من قرارات عن طريق "المُساعدات" التي تُقدم للفلسطينيين والانروا (وكالة غوث وتشغيل الفلسطينيين)، فبحسب بيانات وزارة الخارجية الأمريكية فقد كان من المُقرر تقديم أكثر من 200 مليون دولار كمُساعدات للفلسطينيين في عام 2018م، وإلى الآن لم يتم تقديم سوى 50 مليون دولار، وبالتالي فإن مبلغ 150 مليون مُعلّق لأجل غير مُسمى !! *المصدر: وكالة أسوشييتد برس.



ما هي مُخططات غرينبلات وكوشنر ؟

جهاد الحرازين القيادي في حركة فتح يقول بأن الهدف من "الخطة الأمريكية" هو المزيد من الإحتلال للأراضي الفلسطينية وزيادة وتيرة الاستيطان وتطبيق يهودية الدولة، وقد كان حديث جهاد قبل 3 شهور، وقد  أقر الكنيست قبل أسابيع قليلة قانون القومية اليهودية للدولة الصهيونية.
وبموجب الخطة الأمريكية ستخضع الضفة الغربية (بكاملها) للسيادة الأمنية الصهيونية، وسيتم تقسيمها لثلاثة مناطق غير مترابطة جغرافيا ومن كل جانب تُحاصرها المستوطنات، وسيتم منح السلطة الفلسطينية صلاحيات محدودة للحُكم "المؤقت".


أما غزة فسيتم تحويلها لـ "كيان سياسي فلسطيني"، بمعنى دويلة صغيرة.. والقارئ في المشهد السياسي يُدرك أهمية الانقسام الفلسطيني ما بين الفصائل والقيادات لتنفيذ هذا القرار.. سيتوسع القطاع الصغير لمنطقة العريش المصرية، من أجل إقامة منطقة حرة تسمح للفلسطينيين بالاستثمار المحدود والعمل الذي يوفر لهم سبل العيش "الكريم"، يتم إعطاء سكان القطاع حق الإقامة في مصر وقد يتم منحهم الجنسية فيما بعد.. وهذا يعني ببساطة بأنه بعد سنوات قليلة من تنفيذ "مشروع غزة" سيحمل سكان القطاع الجنسية المصرية، وقد عرضت "قناة الجزيرة القطرية" قبل أسبوعين في الجزء الثاني من وثائقي "المسافة صفر" كيف تم "تنظيف" المسافة الجغرافية بين القطاع والعريش من خلال صور جوية تم عرضها في الوثائقي.. التنظيف شمل إزالة كل شيء من بيوت ومزارع وجعل الأرض مهجورة ومُستوية تماما.
في عمليات يقوم بها الجيش المصري لتطهير سيناء من المُتطرفين منذ أواخر العام 2013م، فهل سيقبل الغزيّون ذلك المُخطط ؟
المواطن الغزاوي الفقير والذي لا يجد وسيلة عيش كريمة تضمن له حياة إنسانية، لابد وسيقبل أن يتم تأمين كل ذلك من خلال مشروع صغير له في "المنطقة الحرة المصرية".. المنطقة الحرة التي تم الاتفاق على تمويلها بالكامل من قبل دول الخليج العربي بحسب أمين سر هيئة العمل الوطني في غزة محمود الرق.
مساحة القطاع حوالي 360 كم مربع، وبتعداد سكاني يفوق المليوني نسمة بحسب إحصاء عام 2017م، مما يعني بأن هُناك 4600 شخص يعيشون في كل كم مربع.

الضغوطات على الدول العربية لقبول الخطة..

النائب في البرلمان الأردني خالد رمضان يُؤكد بأن الضغط على الحكومة الأردنية (حكومة هاني الملقي آنذاك)، تجاوز كل الحدود من أجل "تقديم تنازلات في القضية الفلسطينية ولقبول خطة ترمب"، الخطة التي ترمي لوقف الوصاية الأردنية على المُقدسات وتوطين اللاجئين على الأرض الأردنية، وقد تم الضغط على الأردن في وقت رفضت فيه دول الخليج تقديم مساعدات للأردن لمواجهة أزمتها الاقتصادية، وكذلك إستغلال الأزمات في سوريا والعراق لقبول الخطة.

وأشار اللواء السابق في الاستخبارات المصرية شريف إسماعيل، بأن الخطة تتضمن إلغاء حق العودة وبالتالي توطين الفلسطينيين في مناطق لجوئهم، وقيام عاصمة للفلسطينيين في حي أبو ديس، وسيتم إنشاء ميناء ومطار في غزة، وقد يتم إقامة مفاوضات بين الجانب المصري والأمريكي خلال الفترة المقبلة للاتفاق حول مسائل الحدود وتبادل الأراضي، كدخول مدينة رفح المصرية (750كم) لحدود قطاع غزة، كيف ستقبل مصر ؟
يقول إسماعيل بأن أزمة المياة والضغوط من البنك الدولي على مصر مع "تخاذل خليجي عن منح ومُساعدة مصر"، ومع الأزمة الاقتصادية الخانقة، لابد وإن تقبل مصر الخطة الأمريكية.. ولكن القاهرة لن تتنازل عن سيناء لأحد، يختم إسماعيل كلامه.

ما هو موقف المقاومة الفلسطينية ؟

في شهر 4 الماضي، صرّح مسؤول في معهد Middle East Forum القريب من اللوبي الصهيوني، بأن المسؤولين القطريين اخبروا غرينبلات بأن "حماس" مُستعدة لقبول الخطة الأمريكية بشرط السماح لهم بالعمل في الضفة الغربية، ويذكر التقرير بأن الرسالة التي تُفيد بتعهد قطر بالضغط على حماس لقبول الخطة، تلك الرسالة -عالاغلب- كانت من أمير قطر تميم بن حمد.
وفي شهر 5 الماضي زار "عرّاب الخطة" غرينبلات قطر والتقى المسؤولين هناك كوزير الخارجية محمد بن عبد الرحمن.. ولا يعلم إلا الله ما الذي دار في تلك اللقائات !!
هل إلتقى "العرّاب" بقية القادة العرب ؟
في نفس توقيت زيارة غرينبلات للدوحة، قام مدير مكتب ولي العهد السعودي بنشر صورة تم التقاطها في مصر تجمع محمد بن سلمان والرئيس المصري السيسي وملك البحرين حمد بن خليفة، وولي عهد أبوظبي محمد بن زايد، وقد علّق مدير المكتب على الصورة بأنها أُلتقطت في لقاء جمع القادة في القاهرة قبل عدة ايام !! وفي ذات الوقت قامت وكالة اسوشييتد برس بنشر تقرير بأن الإدارة الأمريكية "بلشت" في إخبار حلفائها بالخطة وتفاصيلها..

الخميس، 16 أغسطس 2018

هل يُمكن للانفصال (العاطفي) أن يكون ودياً ؟



"حبيبتي إحنا لازم نترك بعض.. حبيبي خطبتي الأسبوع الجاي.. حبيبتي أنا أموت فيكِ بس الحياة قاسية على الاحبة(بصوت رقيق).. حبيبي صارلك دهر تحكيلي رح اتقدملك.. حبيبتي متى رح تتقدملي لأن خُطّابي وطالبي يدي كثروا.. حبيبتي إنتي ليش ما تفهميني "واللهِ أحبك" وودي اتزوجك ونعيش مع بعض بس الظروف والواقع ضدنا"، تعددت الأسباب والنتيجة واحدة.. علاقة "حُب" على اعتبار إنها دامت لوقتٍ طويل..تنتهي، ولابد من "إنكسار" قلبيّ طرف العلاقة أو أحدهما.. والله يعين الذي كان صادقا، تلك الحالة من "النهاية" غير السعيدة التي صارت قدرا يُلاحق مُعظم علاقات الحب، هل من المُمكن تفاديها على الأقل ؟وما الذي نخسرة بالتحديد مع الإنفصال؟ وليش تبدو تلك الخسارة وكأنها خسارة للنفس قبل الآخر الذي يتأهب للرحيل ؟

سؤالٌ إستباقيّ؛ هل بالفعل كانت العلاقة/الرابطة موجودة ام أن وهم العلاقة كان هو المعيار لأجل الشعور بالأمان على سبيل المثال ؟؟

ضحيةٌ وجلاد !

كمشهدٍ درامي، أبطالٌ (شاب وفتاة)، أحبّا بعضهما بقوةٍ وفجأة وفي الحلقات الأخيرة، وفي مشهد تختلط فيه الوجوه الحزينة الدامعة بلحنٍ موسيقي حزين بل كئيب، ينتهي كل شيء، وتبدأ المُعاناة الأبدية للبطلين، هكذا يميل عقل الإنسان لتصوير "حَدث الإنفصال"، الضحية هو الطرف الذي تعرض للخذلان والخديعة، والجلاد هو الطرف القاسي الذي كان يلعب ويتسلى ومن ثم بدأ بكيل الأعذار والأسباب.
نادرا ما يتحدث المُنفصلون "عاطفيا" عن بعضهم بطريقةٍ "مُحترمة"، غالبا ما يعيش أحدهما أو كلاهما دور الضحية الذي تعرض للانكسار والخيانة، وبالتالي يجد "الضحية" التبرير الذي يحميه من ايّ شعور بالذنب أو تأنيب الضمير لاحقا.

قد يكون "الإنفصال" هو الحل الأمثل، لعلاقة صارت صعبة.. لا يمكن تصويبها.. مُعالجة مُعضلاتها.. ومع ذلك يكون الإنفصال هو الأصعب والأسوأ دائما..
بحسب تقرير لإفادات تقدم بها عدد من الأشخاص الذي عايشوا الإنفصال العاطفي.. تقول "فاتن" التي انفصلت عن حبيبها بعد اربعة سنوات من علاقة حب قويّة بحسب وصفها.. تقول:"أنا حزينة على كل الوقت الذي ضيّعته معه"، وأفادت بأنها تغيّرت كثيرا وبذلت الكثير من الجهد للحصول على إعجاب شريكها، ولكن تركها لأنه أحس بـ "الضجر" من علاقتهما.
"فاتن" تقول بأنها ارتاحت من عبئ العلاقة معه، ولكن تشعر في الوقت نفسه بالضياع والخوف، وهي تضع اللوم عليه لأنه حملّها أمور كثيرة كانت تفعلها لأجله، وهي الآن ضحيّة تلك العلاقة التي لا تدري ماذا تسميها..
المُحلل النفسي "روبيرت فايرستون"، يقول بأن "الرابط الوهمي" مع الطرف الآخر، هو السبب وراء الشعور بالانكسار والخسارة الفادحة، ذلك الرابط غير الحقيقيّ الذي ظَهر أساسا من حاجة غريزية لدى الإنسان من أجل الشعور بالأمان "المفقود" وبالتالي يبحث عنه لدى الطرف الآخر، وبسرعة اندمج في ذلك الشعور الذي توفر وصار ممكنا، وصار التفكير بالانفصال ضربٌ من الخيال، وعندما صار الخيال حقيقةً ذاب وامّحى ذلك الرابط الوهمي وأخذ معه الشعور بالأمان ليرجع "الضحية" لحالة الخوف والضياع.
ربما الخسارة تكون خسارة للذات وليست خسارة شخص، وقد تكون الحاجة للشعور بحب الآخرين وقبولهم من أسباب الألم الناجم عن الإنفصال، كونه يُعزز فرضية "عدم استحقاق الحب والقبول" من الطرف الآخر.
وبجميع الأحوال فإن للعلاقات الإنسانية روابط لابد من وجودها لتبقى قائمة.. اهم تلك الروابط "الحب الحقيقي" الذي يقبل من خلاله طرفي العلاقة بعضهما كما هُما..

فوبيا المرأة الحديدية



الرجل القوي قائد بالفطرة، والمرأة القوية إستثناء !
المرأة القوية أو "الحديدية" هي مَحل تقدير وإعجاب مُعظم الناس، ولكن.. يشعر أغلبية الرجال مُقابل تلك المرأة "الحديدية" بالتهديد أو بالشعور السلبي، فتبدأ مُحاولات إقصائها وتحجيمها أو حتى الطعن في شخصيتها(أخلاقيا)، إما عن سبق إصرار وترصد أو بسبب الثقافة الذكورية السائدة في مُجتمعاتنا العربية.

وحتى المرأة "الحديدية"، غالبا ما يُراودها شعورٌ بالذنب تجاه نفسها وتشعر دائما بضرورة الاستسلام والتسليم بالأمر الواقع وهو خضوعها للرجل بطبيعة الحال.. والسؤال القوي ليش هالتنافس الشرس بين المرأة والرجل ؟؟ وشو السر وراء عدم قبول الغالبية العظمى من الرجال تفوق المرأة أو نجاحها سواء الشخصي أو العملي أو السياسي أو الأدبي ؟؟

طبعا لا أحد يُنكر "تحسّن" حال المرأة كثيرا في العالم ككل من حيث الحقوق الإنسانية ودخولها لعالمها الذي كان مُحرما عليها حتى قبل عقود من الآن، كالمُشاركة في الانتخابات والأحزاب السياسية، وتفوقها العلمي والاقتصادي ودخولها مضمار السياسة وإن كان على استحياء.. ولكن ومع هذا "التحسّن" الطارئ لحياة المرأة، إلا أنه وبحسب علماء الإجتماع واخصائيي العلاقات العائلية، فإن مُعدلات الإنفصال والطلاق وعدم الزواج اختياريا/نسائيا ارتفعت عالميا، وبشكل منطقي وبسيط يستحيل ربط "التحسّن" في حياة المرأة وتلك المُعدلات، ببساطة لكون التحسن كان بديهيا أو أمرا كان يجب أن يوجد ولكنه كان موقوف لأسباب عديدة.. إذاً ما الأمر ؟؟

"التنافس بين الرجل والمرأة"

دائما يزداد التنافس بينهما، ومبدأ التنافس الحتميّ هو وجود فائز وخاسر، وقد يرجع التنافس الباقي في جينات إنسان اليوم، للإنسان القديم عندما كان الرجل يُطارد ويصطاد فريستة، وهُنا تكون النتيجة إما صيد بمعنى فوز وشعور بالثقة والتميّز، أو فشل بالصيد ويعني خسارة وشعور بإنعدام الثقة.
قد لا يُمانع مُعظم الناس بل ويُشجعون تلك المرأة التي تطمح للتفوق والنجاح، ولكن هُناك في اللاوعي يكمن الخوف الغريزي.. الخوف من أن يخسر الرجل دورة القيادي ومكانته المُتفوقة، وبالتالي تصبح المراة ندا مُساويا له..طبعا تلك المبادئ التي يتربى عليها الناس وتتناقلها الأجيال لا يُمكن قبول تغييرها بسهولة، ولا ننسى "القيمة العُليا" التي يتعامل بها المجتمع أساسا مع الرجال، فهو أفضل منها فقط لأنه رجل بلا أي مُقومات -غير جنسية-، وبالتالي يكون الرجل بين خيارين؛ فإما أن يقبل التغيّر ويرضى بالواقع بقناعة شخصية، أو يقوم بالانتقام اللاواعي من خلال عدم احترام المرأة وتهميشها بل ومُمارسة العنف ضدها.
وللمراة نصيبها من الخوف، خصوصا مع ظهور الفكر النسوي الذي غالبا ما يُصوّر الرجال على أنهم أعداء ووحوش يترصدون للمرأة ويحاولون الانقضاض عليها متى ما حانت الفرصة، فدخلت المرأة باب الخوف من خلال مُحاولات إثبات تفوقها للرجل -كمُنافسة- لا من حيث تحقيق رغبتها هي، وهذا الخوف يُغذي في نفس المرأة الصراع الداخلي بين ما هو جديد أو قديم.. هو خوفٌ مُزدوج يضع الإنسان (إمرأة ورجل)، في حالةِ تأهبٍ قسوى، تتأثر ايّ علاقة قد تنشأ بينهما بذلك الخوف.

أُمة الضاد



نحنُ أمة الضاد، "ض" الحرف الذي تميّزت به لغتنا العربية عن سائر لغات العالم، ولعلنا تميّزنا أكثر مما يجب.. !!
نحنُ "ضاد".. لا، عفوا نحن "الأضداد"، اغفروا لي هذا التعميم الذي قد لا يروق لمُعظمكم، لكنني أجدهُ خير وصف لأمتنا الـ.... لا أدري ما أقول !!
نحن شعوبٌ شربت حتى ثملت من.. الكثير، كالخيبات والخُذلان، كالخيانات والانكسارات والنكسات والنكبات..!!
والقبيح في الأمر أننا ما زلنا نتكرر، ونُعيد مدّ يدنا في جحر الأفعى التي تلدغنا مرةً تلو الأخرى، ما زلنا نبكي الأندلس.. حتى بكينا القدس وبغداد، وبيروت وغزة، وطرابلس ودمشق والقاهرة وصنعاء، ما الذي بَقيّ لنا؟؟؟
بقيّ لنا أصنامٌ وقطعُ حجارةٍ وبئر ماء ماتت فيها كلابٌ كثيرة..!!
لكننا لم نتغيّر، نحن صامدون، ما زلنا نخاف الحرية.. ونخشى الصوت العالي.. ما زلنا نخاف المشي في منتصف الرصيف وتعودت مفاصلنا على "ضبضبة" سيقاننا حتى لا تتجاوز طول اللحاف.. ما زلنا نُنادي بصوتٍ قد بُحَّ، نُنادي بيبرس وابن الخطاب والايوبي والفاتح، ما زلنا نُقدّس الكلمات ورجال الدين وقبور الأموات وصوّر الراحلين، ما زلنا نخضع لعادات الأولين، بل ونعضُّ عليها بالنواجذ.. وما زلنا نجوعُ ونظمأ، ونُصلي في قصر الله حتى نطلبه الستر والمعونة والجنة ونعوذ به من النار..
لم نتغير كثيرا، بل في كل عام نتقدم خطوات للـ....لا أدري !!
المُهم نتقدم، فقد ركبنا الأمواج لا غُزاةً وفاتحين، بل هاربين من أوطاننا.. من بطشنا وطُغياننا، وكُفرنا بالحياة وايماننا العميق بالموت..!!
نغضب كلّ حين، ولا يتحول غضبنا لشيء سوى كرماد "الكرتون" عندما يحترق وتذروهُ الرياح.. غضبنا في البداية لأرض فلسطين المسلوبة، وغضبنا لبيروت وبغداد وغزة، وحلب ودمشق وصنعاء.. وغضبنا حتى على أنفسنا،  وظلَّ غضبنا كامنا فينا، وانطفئ اخيرا، تُثيرنا المشاهد بشكل مؤقت.. موقوف؛ كسجينٍ وراء قضبان لا يملك سوى الرؤية والشعور.
حتى صرنا خائفين جداً من كل شيء، ولا شيء يُغرينا لتغيير حالنا سوى الزمن الذي يُغيرنا رغما عنّا..!!
الزمن الذي يمشي بكل شيء، إلا عند جُغرافية أرضنا يعود للوراء ويُعيدنا كذلك.. يُعيدنا للخسارات التي لم نعترف بها، وللنكبات التي غضضنا أبصارنا عنها، يُعيدنا لليلٍ لا ينتهي وصباحٌ يبدو كخيالٍ لحالم..!!


الأربعاء، 15 أغسطس 2018

لماذا علينا مواجهة السُلطة ؟



في كلّ مراحل حياتنا نتعرض لحكم سُلطةٍ ما، ففضلا عن الحكومة قد نتعرض لحكم الأهل والمُقربين أو المسؤولين في العمل أو الأساتذة، والواقع الاجتماعي والاقتصادي حتى نصل إلى أنفسنا التي قد تتحكم بنا وتُخضعنا لها ؟!

في البداية، "السُلطة" بحدّ ذاتها ليست أمر سيء وسلبيٌّ مُطلق، ولكن قد تكون كذلك.. والمواجهة مع السلطة التي تتجاوز حدودها معنا أو مُساعدة من يَتعرض للظلم والاضطهاد وحتى المُضايقة وصولا لقول "لا" إذا كانت أساليب السلطة -أيّاً كانت- لا تتوافق مع إرادتنا، كل تلك الأمور كيف علينا إتقانها وفعلها ؟

السُلطة هُنا هي: المكانة التي تُتيح لأحدهم فرض رأيه وحكمه علينا، ولكن لماذا نعجز عن مواجهة السُلطة ؟
الدماغ البشري قد يكون السبب !!
ولكي يتعامل الدماغ مع المواقف والحالات الصعبة، لابد من تدريب الشخص (دماغيا) لكي يُصبح قويا من الناحية الفكرية والعقلية، هل هذا مُمكن ؟
عالمة الأعصاب إميلي كاسبار قامت بإجراء تجربة "إخضاع أشخاص لصدمات كهربائية" طبعا مُتطوعين والصعق يتم بطريقة علمية آمنه..
في بداية التجربة طلبت من بعض المُتطوعين صَعق آخرين مُقابل مبلغ قليل من المال، وكان لكل واحد 60 فرصة لصعق الآخر، ومع مرور نصف الوقت لم يقم أحد من المتطوعين بصعق آخر، وبعد مرور الوقت تبيّن بأن أكثر من 10 % من الأشخاص لم يقوموا بصعق زملائهم في التجربة، في ال 60 فرصة المُعطاة لهم، ولكن عندما طلبت اميلي بشكل مباشر من المتطوعين بصعق الآخرين، قام الجميع بعملية الصعق.

ومن خلال المسح الكهربائي لادمغة المشاركين، تبيّن بأن تَغيّرا طرأ في نشاط أدمغة المشاركين، وصار الدماغ يجد صعوبة في تحليل واستيعاب حالة الذين تعرضوا للصعق، وبالتالي فقد تبين بأن المُشاركين الذين تولوا مهمة الصعق تلاشت لديهم مشاعر المسؤولية بعد تلاقيهم أوامر من القائمة على التجربة اميلي كاسبار.
وقد أوضحت اميلي بأنها أجرت تلك التجارب على أكثر 400 شخص، وكان عدد الذين رفضوا اوامرها ثلاثة أشخاص فقط..
والأبحاث الطبية التي تمت على مُصابين بخلل عضوي في الدماغ(في الطبقة الخارجية من الجهة الأمامية للدماغ)، يكون هؤلاء الأشخاص أكثر طواعيةً لتنفيذ الأوامر، وقد أوضح إريك اسب وهو إستاذ مساعد في علم النفس، بأن هؤلاء الأشخاص يتلقوّن الأوامر من السلطة دون أن يُحللوها أو حتى يفكروا بشأنها، خصوصا إذا كان الذي يأمر في مكان سُلطةٍ ما.

وهل يستطيع دماغنا جعلنا أكثر قوة في مواجهة السلطة ؟
حتى يتم فهم أمر ما أو فكرة مُعينة، لابد من تصديق الدماغ للأمر أولا، يعني "الإعتقاد=الفهم"، فبعد ثانية واحدة من تلقي الأمر يُمكن للدماغ الشك أو عدم قبول الفكرة، والأشخاص الذين لديهم خلل عضوي في قشرة دماغهم الأمامية فإن عدم قبول الفكرة خيار ضئيل لديهم، وهم يستعيضون بذلك بتنفيذ الأمر دون تحليل وتفسير، بحسب إريك اسب الذي يوضح أيضا بأن هناك أسلوب يُعزز قدرة الشخص على القيام بمواجهة الأوامر، عن طريق التعليم على الشك والمُسائلة، أو التفكير وتوجيه النقد "البناء"..
ويوجد سبب آخر يُؤثر أيضا في طريقة تصرفنا،  هو إيماننا وتصديقنا بأن السُلطة أكثر وعيا منّا.

ففي بعض المواقف قد تجد نفسك "ضائعا" بين الآراء والأفكار، وبالتالي وبطبيعة الحال ستتبع الصوت الأقرب والأكثر وضوحا لديك، بغض النظر عن مصداقيته وأهليّته، فللوقوف في وجه السلطة لا نحتاج الشجاعة والثقة أو العناد، بقدر إدراكنا ووعينا بالقضايا الطارئة، من خلال البحث وتقصي الحقائق، فالأمر برمته يعني تحمّل المسؤولية الكاملة عن كل ما يحدث من حولنا..

ما هي "التيليفوبيا" وإنقراض الـ "الو" !



صارَ من الطبيعيّ أن يمر اليوم دون سماع رنين الهاتف أو الردّ على مُكالمات من أشخاص آخرين، وقد صاحب هذا "الانقراض" إنعدام الشعور بالحياة من حَولنا، وتمت الاستعاضة عن تلك الاصوات بأحرف وصور و"ايموجي"..

في مقال لـ "زوي ويليامز" في صحيفة الغارديان البريطانية، تُؤكد زوي بأن مُعظم الناس توقفوا عن استعمال الهواتف للمُكالمات وصار استعمالهم لها مُخصص للانترنت، ففي احصائيات رسمية فقد انخفضت أعداد المكالمات في العام 2017 بنسبة 40%، وفي دراسة تمت على مجموعة بريطانيين أكد 92% منهم بأن استعمالهم الأساسي للهواتف هو الوصول إلى الإنترنت..

فيما يبدو بأن "الكلام من خلال الهاتف"، بدأ يختفي بالفعل.. فما الأسباب التي تجعل الناس لا يوّدون إجراء الاتصالات الهاتفية مع الآخرين ؟

في مقال على موقع أتلانتيك للكاتب أليكسيس مارديغال، فقد أوضح الكاتب بأن في الماضي كان الردّ على الهاتف -لحظة الرنين- أمرا حتميا ولابد منه، فبباسطة كان الشخص يُمسك السماعة ويرفعها لأُذنه ويجيب بـ "الوو" بلا تفكير مُسبق.. فلم يكن احدنا يعرف مَن المُتصل، وكذلك فإن عدم الرد على الهاتف بالوقت المناسب قد يعني فوات الأوان لأن الهواتف آنذاك لم تكن تسمح بإعادة الإتصال بالرقم المُتصل(الذي فاتنا الرد عليه)، وبالتالي لابد من انتظار مُعاودة إتصاله مع التفكير بـ "مين اللي إتصل؟؟ وشو وده ؟؟ طيب بلكي عنده خبر مهم أو بشارة خير ؟؟ يمكن واحد يتخوث أو..."، الأمر أشبه بمن يطرق باب البيت، وصاحب البيت يقف وراء الباب !! وبالتالي فإن عدم الرد على الهاتف كان يُعتبر "قلّة أدب" في حال عدم وجود سبب لعدم الرد بطبيعة الحال..

كانت الإتصالات الهاتفية كالروتين والشيء المهم لأفراد العائلة جميعا، فيتسابق الأطفال قبل الكبار لرفع السماعة وقول: الوو.. و"الوو" هي المعيار، فهي الإجابة العفوية.. البسيطة.. ولكن ما الذي تغيّر ؟؟
قد يكون السبب الأبرز هو وجود عدد كبير من خيارات التواصل(الواتس آب، الماسنجر، الرسائل النصية..)، التي تُغني مُعظم الناس عن إجراء الاتصالات، وأيضا بأننا أصبحنا لا نتحمل ازعاج الآخرين وثرثراتهم إن صح التعبير، فالمُكالمات المُهمة لا تتجاوز نسبتها ال 5 %، ومن الإسباب أيضا وجود "طريقة خاصة" للرد على الهاتف فيما مضى، فمثلا في "طبقات المجتمع العُليا" كان الرد على الهاتف من اختصاص الخادم أو السكرتير وكانت الدعوة للعشاء مثلا عن طريق الهاتف "أمر مُستهجن"، ولكن بطبيعة الحال ومع مرور الوقت صارت القواعد أكثر بساطه اوريحيه.. وكذلك فإن الهاتف كان يُعتبر جهاز عمليّ داخل المنزل إلى أن صار سببا من أسباب التفاعل والتواصل الاجتماعي..

هل تُعاني من "فوبيا الإتصالات" ؟

هل صوت النغمة مُرعب ويجعل نبضات القلب تتسارع؟ وهل مُحاولة إجراء مُكالمة هاتفية تُثير الارتباك والقَلق ؟؟
الفوبيا أو الخوف المَرضي، قد يُصيب الشخص من رؤية الحبيب الأول في مكان ما، أو صعود لمكان مرتفع، أو رؤية حشرة كالصرصور أو الفأر مثلا، أو الخوف من الظهور بمظهر سيء للناس.. وكذلك الخوف من إجراء مكالمة أو الرد على الهاتف !!
تُسمى بـ "telephobia"، وهي جزء من اضطراب القلق الإجتماعي، وبحسب الأخصائيين النفسيين فإن المصاب قد لا يجد صعوبة في إلقاء المُحاضرات أمام ملأ كبير من الناس ولكن يُصيبه الارتباك وينضح جسده بالعرق لمُجرد تبادر فكرة إجراء مكالمة هاتفية إلى ذهنه.. والخوف في "التيليفوبيا" لا يكون من الهاتف كجهاز بل من موضوع التفاعل والتواصل مع الآخر، والخوف من عدم القبول أو الظهور بمظهر غير لائق من خلال الصوت..

الجمعة، 10 أغسطس 2018

وجود 1


موجودٌ في الهامش، على الحافة واطمح في الوصول..
إلى إين ؟ أعلم ولا أعلم !!
الإنسان ضعيف، ويخاف ويخاف ويخاف.. ويُطيع حتى لا يخاف.. ويموت وهو خائف !
يموت وهو يتمنى.. ويُريد.. ويرتجي.. ولا يرى الّا السراب الكثيف !
***
 هذا الليل يُحاصرني ؟
هل أنا وحدي.. أم أنني غير موجود إلّا في مُخيلتي..
لماذا ننام ؟ ونخاف (جداً) من الاستيقاظ !
هل نحن خوّافون جُبناء أم أننا اوغاد أو أعداد كصفر على اليسار مثلاً..
نحن أمة الصفر والماضي الجميل والحاضر القذر..
نحن الذين نموت قبل أن نحيا، ونحيا خائفين من الموت والله وناره المُوقدة..
****
قد لا تكفيني هذه الحياة، ولو عشتُ فيها حتى تتساقط أسناني، وتُغطي عيوني حواجبي البيضاء، ولا أقوى على الاستقامه، وسأتقبل بصدرٍ رحب إنحناء ظهري ونسياني لاسمي وأسم فتاتي.. لا أرغب إطلاقا بأن أحيا كثيرا، بل أرغب بشدّة أن أحيا بشكل حقيقي.. أتمنى أن لا يُقيّدني الخوف، ويهدمني اليأس، واستسلم للحياة لتعبث فيّ كيفما شائت..
أتمنى أنا لا انساني واضيع مع الضائعين في متاهة الحياة.. الباحثين عن جنة الله، الخائفين من الجحيم..
القوة.. كيف لي أن أعرفها ؟ والضعف كيف شكله وما هو طعمه ؟ نعم؛ جرّبت ذلك الشعور مراراً.. شعورٌ بالخوف الممزوج بالرغبة في الانتهاء.. لكنني لا أستطيع تسميته الخوف !!
كذلك جربت الإحساس بالضفر والنجاح والانتصار.. ولكن أجزم بأن ذلك ليس هو القوة.. نحن ننتصر عندما نتقبل الخوف ولا نُنكره.
ونقوى عندما نضعف كثيرا.. ويبدو لنا بأننا اوشكنا على الارتطام.. والتحطم..
الحياة مُجرد وهم وسراب بعيد.. ونحن ظمأى جدا.. لا تروينا بحار الدنيا !
نرتوي عندما نموت.. لنُدرك بأننا لم نعش سوى باحثين عن ماء هو موجودٌ تحت أقدامنا..!!
ما دمنا بحاجة الأشياء، سنبقى عبيدا مُقيدين، ولا توهمنا بأننا شجعان وأبطال خارقين..وكفى.
****
إلتقيا بمحض الصُدفة، وعاشا بمحض الواجب، وما بين الأمرين كانا يُحاولان رتق.. ترقيع.. ملئ.. الفراغ الذي يبدو وكأنه ثُقب يُفضي إلى العدم..
كانا يعيشان معاً.. جنبا إلى جنب، لكنهما جسدين مُنفصلين أحدهما بارد حدّ الانجماد.. والآخر حار كنهارات آب.
كل شيء مُؤجل إلى وقتٍ غير معلوم.. بينما نعيشُ بصبرٍ ينفذ بشكل مُتسارع، بإنتظار حدوث أمر غير عادي؛ كموت أو حدوث كارثة.
نحنُ ماديّون، انانيون، ولا نعترف إطلاقا بأننا كذلك، لأننا نخشى.. اللاشيء طبعا..
الخشيّة، عدو الإنسان الأول، بقيّ عدونا كما هو، وتغيرنا نحنُ كثيرا.. فما عدنا نحن.. نحن..
~أين الخطأ في أن يُحب احدنا نفسه ؟
*ماذا لو تحرر الإنسان من حاجته -المُلّحه- للمادة ؟
-ماذا لو لم نُنكر أنفسنا، وتجردنا من اثقالنا !! ونمنا بلا تفكير.. بلا خوف.. بلا تمني وترقب و.. نمنا فقط، لسنا أطفالا لنملك تلك النعمة.. وكنا أطفالا لا نرضى ونتمنى يوم نُصبح فيه "كبارا"، وبدا لنا بأن الكبار يُفكرون كثيرا.. ويموتون الف ميته بسبب ذلك التفكير..
****
وأنا أتصفح صوري القديمة، أمر بصورتك مرور العابرين، أعود إليها، وأرى ملامحك التي لا تتغير، ووجهك الهادئ الذي يبدو سعيدا.. مُطمئنا لحظة إلتقاط تلك الصورة.. ولم أعد استسيغ الهدوء أبدا، والاطمئنان صار وهما، وينتابني إحساسٌ غريب.. يُشبه الخواء. لا أستمر في النظر، أترك الصورة وابحث مُجددا عني بين صوري القديمة.. التي لا تذكرني إلا بك.. وتُخبرني كم أنا غريب.
****
لماذا(ليه..ليش)، هذا السؤال الأصعب بل المُستحيل.. لا تبحث عن الإجابات(كثيرا)، لأنك ستصطدم بحائط الشك.. اليأس.. الخوف.. !!
الإجابات مُؤجله.. بل غير موجودة !!
لكننا نرتاح لفكرة السبب(الأكيد)، لكل ما يجري، حتى لا نصل مرحلة إدراك إننا مهما تمدّنا وتحضرنا، نبقى وحوشا تتبع غرائزها..
****
الحياة سيئة بجهورها.. ونحنُ مُجرد إمتداد لهذا السوء!
إمتداد قد ينطفأ، في القريب "غير العاجل" على ما يبدو.
ومع إنها -الحياة- سيئة، وسيئة هذه مُصطلح فضفاض واسع.. ولكن الشيء السيء لا يحتمل شكلين، فهو ذا شكل واحد وإن تبدلت ملامحه وألوانه.. إذن لماذا نستمر في هذا السوء ؟
قد يكون السبب "عدم قدرتنا على الإختيار"، بدايةً من حيث إختيار جودنا وبسبب خوفنا ورهبتنا الاصيلة من النهاية أو إختيار التوقف..
نحن ماذا نختار في حياتنا ؟ ونحن نخشى دائما الفشل أو الوحدة !!
وتعمل ادمغتنا المريضة على تقييدنا وارهابنا من كل شيء !