الأحد، 19 أغسطس 2018

صناعة التطرف




تنويه: هذه التدوينة لا يرى صاحبها نفسه مُحللاً سياسيا/اجتماعيا/دينيا، ولا حتى مُؤرخ.. ولكن هي مُجرد قراءة في المشهد، ولعلّها توّضح بعض الأمور وتكشف بعض الروابط التي قد تكون مخفية.

"داعش"، "أبو بكر البغدادي"، "جبهة النصرة"، "أبو محمد الجولاني"، أسماءٌ شغلت الرأي العام لا العربي فحسب بل العالمي منذ عام 2014م، تمّ التعامل مع تلك الأسماء وكأنها شيء مستحيل وغريب وجديد ومن جهةٍ أخرى ظهرت تفسيرات وتحليلات عديدة تقترن بالمؤامرة على الإسلام والأنظمة السياسية والمُجتمعات العربية، ودور المُخابرات واجهزة الدول في نشأة "تنظيم داعش وأشباهه".. مع كل ذلك اللغط والازدحام والفوضى، يأتي السؤال؛ ما هي الحقيقة ؟؟


لمحة تاريخية

بعد هزيمة الجيوش العربية أمام الجيش الصهيوني في حرب حزيران عام 1967م، وما نتج عن تلك الهزيمة من شعور عام اجتاح الشعوب العربية بالصدمة والخزي والسخط، وفي بداية السبعينيات ظهرت "جماعات" تتخذ من الشريعة الاسلامية نهجاً لها، وتعزو "ضعف العرب" ونكستهم لابتعاد الأنظمة والشعوب العربية عن الإسلام والشريعة، ففي مصر ظهرت "الجماعة الاسلامية" التي أسسها شخص يدعى ناجح إبراهيم، وتولى قيادتها الشيخ عمر عبد الرحمن(شيخ أزهريّ)، وكانت "جماعة الإخوان المسلمين" التي أسسها سيد قطب قد نشأت منذ الثلاثينيات ولكنها تعرضت للقمع والاضطهاد من قبل الانظمة العربية، جماعة الإخوان هي جماعة سياسية/اسلاميه.. أما "الجماعة الاسلامية الجديدة" فهي جهادية، تطمح للحكم وتطبيق الشريعة بقوة السلاح، لا بالسياسة والانتخابات وما إلى ذلك..

لاقت تلك الجماعة والمُتأثرين بها في شتّى الدول العربية رواجاً وقبولا بل وانضماما إليها من قبل الشباب.. كون الانظمة التي لم تطبق الشريعة والدين، خسرت الحرب وبالتالي فقدت اهليّتها وصدقت "تحليلات" أمراء وشيوخ تلك الجماعات، نظّر أولئك الشيوخ لمُجتمع "فاضل" يُشبه مشاهد تاريخية لانتصارات كبيرة وفتوحات عظيمة.. وبيئةٍ إجتماعيةٍ جميلة، لا تجد فيها مظلوما ولا فقيرا، وخليفةً من عامة الشعب ينام في المسجد تحت ظلّ الأشجار  وبطنهُ فارغٌ حتى تمتلئ بطون المسلمين.. هكذا "فُتن" الجيل "المهزوم"، وتعلّق بتلك الصوّر، وصار لا يطمح الّا في تحقيق تلك الأحلام الورديه، عن طريق الرجوع لتلك العصور الغابرة التي لم توجد إلا في صفحات الكتب المنسية على رفوف المكتبات..

من هُنا بدأت الحكاية

في عام 1979م، دخلت القوات السوفياتية الأراضي الأفغانية، لحماية النظام القائم وقمع المُظاهرات وإخماد التمرد على حكومة أفغانية بالطبع تتبع السوفييت(الشيوعيين).
دول كأمريكا والسعودية وإيران والصين، قامت بدعم التمرد في أفغانستان، قد يكون سبب ذلك الدعم هو العداء المُستمر ما بين الانظمة بإختلاف مُسمياتها، وفي بداية الثمانينيات بدأ الدعم الأمريكي/السعودي للتمرد الأفغاني يتخذ طابعاً عسكريا.. لا لم يتم إرسال جيوش لنُصرة الأفغان، بل تمّ إطلاق "الدعوة للجهاد في افغانستان" لحشد وإرسال الشباب العربي(السعودي خاصةً) لخوض غمار المعارك التي بدت وكأنها دعوة للفتح الإسلامي الغائب منذ قرون !!
تمّ الترويج للجهاد الأفغاني إعلاميا/وميدانيا، وبأبواق حكومية عربية، فقام الإعلاميون والكُتاب ورجال الدين بالتنظير والدعوة لـ "الجهاد"، كرئيس هيئة كبار العلماء المسلمين الشيخ عبد العزيز بن باز الذي أفتى بوجوب نُصرة المسلمين في مواجهة الشيوعيين المُلحدين، وما زالت فتوى الشيخ بن باز شاهدةً على ذلك في موقع الشيخ الرسمي على الإنترنت بعنوان: الجهاد في أفغانستان وسُبل دعمه؟؟

لبّى الشباب بحماستهم ورغبتهم في إعادة أمجاد الأجداد الفاتحين، دعوة "الجهاد الأفغاني" وخرجوا مُشيّعين بالورود ودعاء النصر والتمكين.. ومن اولائك الشباب كان اسامه بن لادن، الشاب الذي تخرج من جامعة الملك سعود بتخصص إدارة الأعمال والذي كان يشتغل في شركة والده، خرج من وطنه، ليلتحق بالمُجاهدين وبعد سنواتٍ قليلة يُؤسس تنظيم القاعدة بالتحديد في عام 1989م، بعد أشهر قليلة من خروج السوفييت من افغانستان، تمّ سحب الجنسية السعودية من أسامه عام 1995م.
ومن بين الشباب الذين لبّوا نداء الجهاد، أحمد فضيل نزال الخلايلة وعصام طاهر البرقاوي، وغيرهم من "الأردنيين الأفغان" الذين عادوا في بداية التسعينيات وقاموا بتأسيس تنظيم "بيعة الإمام" أو "جماعة التوحيد والجهاد"  في الأردن، بقيادة مُنظّر الفكر الجهادي عصام البرقاوي الذي كان يُعرف بإسم "أبو محمد المقدسي"، تم سجن أعضاء "بيعة الإمام" في عام 1996م، بتهم تتعلق بالتخطيط لتنفيذ عمليات إرهابية وتقويض نظام الحكم.. اجتمع أحمد فضيل (أبو مصعب الزرقاوي) بالمقدسي (المُعلم) في سجن جويدة وامضيا سنين الحكم الأربعة معاً.. ففي عام 1999م، تم العفو عن جميع السجناء في الأردن بمناسبة جلوس الملك عبدالله الثاني على العرش، وغادر الزرقاوي لافغانستان لقيادة مُعسكرات مُسلحي القاعدة (في الحرب الأهلية الأفغانية التي اشتعلت رأسا بعد خروج السوفييت ما بين الجماعات الجهادية).

وبعد سقوط النظام العراقي في عام 2003م، ومع ظهور الجماعات المُسلحة (المُقاومة للاحتلال الأمريكي)، أسس أبو مصعب "جماعة التوحيد والجهاد في بلاد الرافدين" كامتداد للقاعدة الرئيسية بقيادة بن لادن، وأدى الإختلاف "القائم على كلكم طواغيت الّا أنا" ما بين الجماعات المسلحة في العراق لحدوث الاقتتال الطائفي بين السنة والشيعة الذي استمر لسنوات وحصد حياة مئات بل ملايين العراقيين، سحبت الحكومة الأردنية الجنسية من أبو مصعب في العام 2004م، وفي تلك الأثناء كان إبراهيم عواد البدري، الشاب العراقي الحاصل على شهادة البكالوريوس بتخصص علم التوحيد من جامعة بغداد، -وقد كان يرغب في دراسة القانون لولا معدله المُنخفض-، كان إبراهيم البدري مسجونا في البصرة جنوب العراق في سجن "بوكا"، مع مئات آخرين بتهم تتعلق بمقاومة الغزو الأمريكي.. وكان السجن يضم جنود الجيش العراقي (الصدامي) وبعثيين وغيرهم، تم الإفراج عن البدري بعد 7 أشهر لعدم كفاية الأدلة ضده.. وانضم للقاعدة في بلاد الرافدين وقام بالتخطيط لعمليات تستهدف كل شيء إلا جماعة القاعدة.. إبراهيم البدري سيُصبح بعد سنوات قليلة "أبو بكر البغدادي" وسيعتلي منبر مسجد الموصل في يوليو/تموز 2014م، بعد إتمام فتح نينوى، ليُعلن عن قيام دولة الخلافة الإسلامية في العراق والشام، ومعه رفاقه في سجن "بوكا"..
في إحدى ضواحي دمشق كان ابن الداعية السلفي زهران علوش، محمد زهران الشاب الذي يطمح لدراسة علوم الشريعة السلفية، اقتدائا بوالده، غادر محمد سوريا للسعودية وعاد ليُسجن في عام 2009م، ليُطلق سراحه بسبب عفو رئاسي في عام 2011م، ومع بداية الأزمة السورية وبالتحديد في شهر 5 من عام 2011م، أسس محمد ما بات يُعرف فيما بعد بـ "جيش الإسلام" الذي أشارت تقارير عديدة بأن الداعم الرئيسي لهذا التنظيم هو النظام السعودي الذي اُعطي الضوء الأخضر من قبل الإدراة الامريكية برئاسة أوباما لدعم ما كانت تُسمى بـ "المُعارضة السورية المُعتدلة".. وظهرت في أعقاب الأزمة السورية تنظميات كـ "جبهة النصرة"، و"احرار الشام" و"فيلق الرحمن" و"جيش خالد بن الوليد"، و"الجيش السوري الحر"، وبدأ الاقتتال الطائفي مع وجود حزب الله والحرس الثوري الإيراني(الشيعة) الداعمين للنظام السوري(العلوي وفي روايةٍ أخرى النُصيري).. وكأن أفغانستان والعراق عادتا (وهما مُستمرتيّن) في سوريا..!!

ناقوس خطر
إغماض العينين عن رؤية شيء ما، لا يعني إطلاقا عدم وجود ذلك الشيء!! أعلم كم في كلماتي هذه من سذاجة.. ولكن يبدو بأننا اعتدنا "الإغماض"، الإرهاب أو التطرف ليس أمرا دخيلا أو طارئا بقدر ما هو ثقافة مُتجذرة ولها الكثير من المُعلمين والمُريدين.
"مُكافحة الإرهاب" هي مسؤولية جماعية من رأس النظام الحاكم لأصغر مواطن، الأردن ليس عَصياً.. بل مُستهدفا كبقية الدول، لنتخلى عن الإنكار و"تطمين النفس" ونحاول رؤية الأمور بوضوح، شهدائنا منذ تفجيرات عمّان إلى أحداث الـ 2016م، لأحداث السلط مُؤخرا، ليسوا أرقاما وإحصاءات ولا مادة رثاء وابتذال على دموع احبائهم، هُم ضحايا فكر يُدّرس في المدارس والجامعات ويُلقى في الدروس والخطب الدينية، هم ضحايا بيئة عائلية/إجتماعية قمعيّة تُحفز العصبيّة(العشائرية/الدينية)، ورفض المُختلف، ومجتمع لا يقبل الّا "المثالي..المعصوم"، وبلاد يُعشش فيها الفساد ويحكمها الفاسدون، ولا أنسى حديث أحد الذين اسضافهم التلفزيون الأردني بعد أحداث السلط بيوم وهو رجل دين تحدث بإسهاب عن سماحة الاسلام وبأن الإرهابيين خوراج والخ، قال بأن الأردن سيبقى يُقدّم ابنائه وشبابه فداء لترابه.. تسائلت: لماذا عليهم أن يموتوا هكذا.. فقط لأن أحدهم يُؤمن بأنهم(رجال الأمن) كُفار.. طواغيت.. !!
"الإرهابي" قبل أن يفعل جريمته، كان مثل أي شخص يُدينه.. و"الارهابيين" ضحايا قبل كل شيء.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق