في كلّ مراحل حياتنا نتعرض لحكم سُلطةٍ ما، ففضلا عن الحكومة قد نتعرض لحكم الأهل والمُقربين أو المسؤولين في العمل أو الأساتذة، والواقع الاجتماعي والاقتصادي حتى نصل إلى أنفسنا التي قد تتحكم بنا وتُخضعنا لها ؟!
في البداية، "السُلطة" بحدّ ذاتها ليست أمر سيء وسلبيٌّ مُطلق، ولكن قد تكون كذلك.. والمواجهة مع السلطة التي تتجاوز حدودها معنا أو مُساعدة من يَتعرض للظلم والاضطهاد وحتى المُضايقة وصولا لقول "لا" إذا كانت أساليب السلطة -أيّاً كانت- لا تتوافق مع إرادتنا، كل تلك الأمور كيف علينا إتقانها وفعلها ؟
السُلطة هُنا هي: المكانة التي تُتيح لأحدهم فرض رأيه وحكمه علينا، ولكن لماذا نعجز عن مواجهة السُلطة ؟
الدماغ البشري قد يكون السبب !!
ولكي يتعامل الدماغ مع المواقف والحالات الصعبة، لابد من تدريب الشخص (دماغيا) لكي يُصبح قويا من الناحية الفكرية والعقلية، هل هذا مُمكن ؟
عالمة الأعصاب إميلي كاسبار قامت بإجراء تجربة "إخضاع أشخاص لصدمات كهربائية" طبعا مُتطوعين والصعق يتم بطريقة علمية آمنه..
في بداية التجربة طلبت من بعض المُتطوعين صَعق آخرين مُقابل مبلغ قليل من المال، وكان لكل واحد 60 فرصة لصعق الآخر، ومع مرور نصف الوقت لم يقم أحد من المتطوعين بصعق آخر، وبعد مرور الوقت تبيّن بأن أكثر من 10 % من الأشخاص لم يقوموا بصعق زملائهم في التجربة، في ال 60 فرصة المُعطاة لهم، ولكن عندما طلبت اميلي بشكل مباشر من المتطوعين بصعق الآخرين، قام الجميع بعملية الصعق.
ومن خلال المسح الكهربائي لادمغة المشاركين، تبيّن بأن تَغيّرا طرأ في نشاط أدمغة المشاركين، وصار الدماغ يجد صعوبة في تحليل واستيعاب حالة الذين تعرضوا للصعق، وبالتالي فقد تبين بأن المُشاركين الذين تولوا مهمة الصعق تلاشت لديهم مشاعر المسؤولية بعد تلاقيهم أوامر من القائمة على التجربة اميلي كاسبار.
وقد أوضحت اميلي بأنها أجرت تلك التجارب على أكثر 400 شخص، وكان عدد الذين رفضوا اوامرها ثلاثة أشخاص فقط..
والأبحاث الطبية التي تمت على مُصابين بخلل عضوي في الدماغ(في الطبقة الخارجية من الجهة الأمامية للدماغ)، يكون هؤلاء الأشخاص أكثر طواعيةً لتنفيذ الأوامر، وقد أوضح إريك اسب وهو إستاذ مساعد في علم النفس، بأن هؤلاء الأشخاص يتلقوّن الأوامر من السلطة دون أن يُحللوها أو حتى يفكروا بشأنها، خصوصا إذا كان الذي يأمر في مكان سُلطةٍ ما.
وهل يستطيع دماغنا جعلنا أكثر قوة في مواجهة السلطة ؟
حتى يتم فهم أمر ما أو فكرة مُعينة، لابد من تصديق الدماغ للأمر أولا، يعني "الإعتقاد=الفهم"، فبعد ثانية واحدة من تلقي الأمر يُمكن للدماغ الشك أو عدم قبول الفكرة، والأشخاص الذين لديهم خلل عضوي في قشرة دماغهم الأمامية فإن عدم قبول الفكرة خيار ضئيل لديهم، وهم يستعيضون بذلك بتنفيذ الأمر دون تحليل وتفسير، بحسب إريك اسب الذي يوضح أيضا بأن هناك أسلوب يُعزز قدرة الشخص على القيام بمواجهة الأوامر، عن طريق التعليم على الشك والمُسائلة، أو التفكير وتوجيه النقد "البناء"..
ويوجد سبب آخر يُؤثر أيضا في طريقة تصرفنا، هو إيماننا وتصديقنا بأن السُلطة أكثر وعيا منّا.
ففي بعض المواقف قد تجد نفسك "ضائعا" بين الآراء والأفكار، وبالتالي وبطبيعة الحال ستتبع الصوت الأقرب والأكثر وضوحا لديك، بغض النظر عن مصداقيته وأهليّته، فللوقوف في وجه السلطة لا نحتاج الشجاعة والثقة أو العناد، بقدر إدراكنا ووعينا بالقضايا الطارئة، من خلال البحث وتقصي الحقائق، فالأمر برمته يعني تحمّل المسؤولية الكاملة عن كل ما يحدث من حولنا..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق