الاثنين، 27 أغسطس 2018

تبكي.. ولكن (قصة قصيرة)

                       جوليا بطرس (ألبوم: يا قصص 1994)


الله وحدهُ يعلم ما الذي جرى ؟ 
لم تكن إلّا كما هي منذ طفولتها(هي الآن تبلغ الرابعة والعشرين من عمرها)، كانت وما زالت تبكي قليلاً كل فترة.
تطور بُكائها على مراحل، فقد كانت تبكي صادحةً مولوله في وسط البيت لأنها فقدت عُلبة ألوان أو ربطة شعر نَسيت أين وضعتها ؟
ومن ثم صارت أكثر تماسكاً، لا يُسمع لها بُكاء..
صار يشهدُ بكاءها: جُدران غرفتها وبابها الذي أُقفل بإحكام.. وحدهُ الله شاهداً وبقيّة الأثاث..
لم تعد طفلة لتبكي بحريّة.
وكانت كُلما داهمها سببٌ للضعف المُفضي للبكاء، كانت حينذاك تتماسك وتتماسك حتى تنهار مرةً واحدة.. ودائما إنهيارها ذاك يكون عندما تجد نفسها في مكانٍ لا يراها ولا يسمعها فيه أحد، وبعد ذلك تعود إلى ما كانت عليه قبل البُكاء.. تعود أكثر تماسكاً.
كأن بكائها تَخلّصاً من ما كان ثُقلاً يمنعها من أن تواصل حياتها بشكل عادي، هي لا تخجل من ضعفها أمام الله فقط.
ليسَ لأنوثتها دخلٌ في ذلك، رِقتها قشره خارجية ما أسهلُ خدشها.. وتحت القشرة لا يوجد سوى قسوة.

هي تبدو أقلَّ قوة، تمشي ببطئ وتُحرك أطرافها بهدوء، وعندما تتحدث يأتي صوتها هامساً.. لكن كُل ذلك دخيلٌ عليها.. ليسَ أصيلٌ فيها..
هي ليست على ما يُرام، حتى وإن بَدت كما كل يوم، ترتدي الأنيق.. ووجهها مُلطخ بشكل خفيف ببودرةٍ وروج.. حتى خدّاها ورديان، وعيناها كحيلتان، وعطرها يفوح في الأرجاء حيثُ تواجدت بجسدها المُتناسق ككل يوم أيضاً..!!
كل الحكاية حدثت قبل أسبوع، تُركت بعد أن عُلّقت.. هي تمنعت في البداية(قبل عام)، لكنها أعطت.. وإن أعطت فهي تُعطي كل ما تملك.. وهذه بليّتها !!
أعطت ذلك "العاشق" كل شيء، ولم يُقدم لها سوى بِضع كلمات جوفاء بإسم الحب.. ككذبٍ صادق كانَ كل شيء.
أحبته بقوة جائت من التمنّع، أحبها بنزوةٍ شهوانية جائت من النظر، أحبته ضعيفة.. خائفة.. والخائف لا يرى جيداً، لا يُدرك حقيقة الأمور بل يتخبط ويُخطأ دائما.
عندما أخبرها ذات ليله بأنه سيرحل، لم تتكلم.. لا هي رجتهُ ولا حتى بَكت.. كانت تلتهمه بعينيها وشفتها ترتجف عن نصف إبتسامةٍ.
حتى صمتها ذلك اغضبها.. أرادت حينها أن لا تكون كمن خسر كل شيء.. فاصطنعت قوةً لاتتناسب وقشرتها الرقيقة.. وعندما خَلت إلى نفسها بَكت كطفلةٍ أضاعت دُميتها الوحيدة..
في اليوم التالي خَرجت لدوامها ككل يوم.. بل أنها اُخبرت بكثرة بأنها أكثر تألقاً وحيويةً من المُعتاد، بل أكثر جمالاً..
هاشم عبدالله 2017/11/6

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق