هي خطة "جديدة" لرئيس أمريكي جديد من أجل السلام في الشرق الأوسط،"خُطط السلام" التي بدأت بين مصر والكيان الصهيوني بإتفاقية "كامب ديفيد" عام 1978م، وبدأت بشكل فعلي بين الدول العربية والكيان الصهيوني منذ تسعينيات القرن الماضي، بدايةً بـ "مؤتمر مدريد" عام 1991م، و"إتفاقية أوسلو" عام 1993م، و"مُعاهدة وادي عربة" في السادس والعشرين من أكتوبر عام 1994م، واتفاقيات طابا عام 1995 ووادي ريفير عام 1998 وشرم الشيخ وكامب ديفيد (مُجددا) عام 2000م، وخطة السلام السعودية عام 2002م، وأخيرا وليس آخرا "خارطة الطريق" عام 2003م... كل تلك الاتفاقيات -ما عدا مُعاهدات السلام ما بين مصر والأردن والكيان- كُلها لم تُسفر عن شيء سوى مزيدا من النزاع -غير المُتكافئ- ومزيدا من المستوطنات وما زلنا نسمع شعارات عَفى عليها الزمن كـ "لا تفريط بـ: حق اللاجئين.. وحق قيام دولة فلسطينية عاصمتها القدس..الشرقية.. و و..".
واليوم وبعد مرور سنوات يأتي مُجددا رئيسٌ أمريكي يُقدم "حلا ً نهائيا".. هذا الحل النهائي بصراحة يختلف عن تلك الحلول السابقة التي لم تتجاوز قاعات المؤتمرات.. إعلاميا تم تداوله بإسم "صفقة القرن"، وهي خطة لم تُعلن عنها الإدارة الأمريكية بشكل رسمي حتى الآن، وقد جائت كنتيجة مُباحثات بين الأمريكان و"الصهاينة" ودول عربية، ومُعظم المُحللين السياسيين يخشون أن تؤدي هذه الصفقة إلى "تصفية القضية الفلسطينية، وتسليم مدينة القدس للاحتلال، وشطب حق العودة".. والسؤال الذي قد يتبادر للذهن للوهلةِ الأولى، لو افترضنا أن القضية الفلسطينية ما زالت قائمة (رُغم معاهدات السلام العربية والتنسيق الأمني بين السلطة الفلسطينية وقوات الإحتلال واستمرار الاستيطان..)، هل كانت القدس فعلا تحت حكم العرب (منذ احتلال الضفة عام 67) ؟
وهل كان من الممكن أصلا عودة اللاجئين الفلسطينيين الذين "حصلوا على جنسيات عربية" أو الذين ما زالوا لاجئين.. عودتهم لاراضيهم التي تحولت لمدن ومناطق سكن للمُحتلين (المُعترف بهم دوليا وعربيا) ؟؟
ماذا تقول "التسريبات" ؟
في شهر 5 الماضي، تحدثت تسريبات بأن الرئيس الأمريكي ترامب سيطرح الخطة الأمريكية للسلام في الشرق الأوسط (صفقة القرن) في شهر 6 وبالتحديد بعد نهاية شهر رمضان بأيام قليلة، بشرط عدم حدوث تطورات في المنطقة تؤخر طرحها لتكون "صفقة هذا القرن".. ولعلها حدثت تلك التطورات بالفعل !!
التسريبات تكشف أيضا بأن صهر الرئيس الأمريكي جاريد كوشنر ومبعوث أمريكا الخاص للمفاوضات الدولية جيسون غرينبلات هُما المسؤولين عن "الخطة/الصفقة"، وقد بدأ "عرابيّ الصفقة" كوشنر وغرينبلات عملهما بالترويج لها لشركاء وحلفاء أمريكا.
دلائل عن بدء التنفيذ:
أول هذه الدلائل هو "نقل السفارة الأمريكية للقدس"، وما نجم عن ذلك القرار من غضب واحتجاج عربي(إدانات) واحتجاج فلسطيني(مواجهات دامية في الضفة وغزة)، وقد تم الضغط على الفلسطينيين لقبول قرارت الأمريكان بدايةً بنقل السفارة وما يليها من قرارات عن طريق "المُساعدات" التي تُقدم للفلسطينيين والانروا (وكالة غوث وتشغيل الفلسطينيين)، فبحسب بيانات وزارة الخارجية الأمريكية فقد كان من المُقرر تقديم أكثر من 200 مليون دولار كمُساعدات للفلسطينيين في عام 2018م، وإلى الآن لم يتم تقديم سوى 50 مليون دولار، وبالتالي فإن مبلغ 150 مليون مُعلّق لأجل غير مُسمى !! *المصدر: وكالة أسوشييتد برس.
ما هي مُخططات غرينبلات وكوشنر ؟
جهاد الحرازين القيادي في حركة فتح يقول بأن الهدف من "الخطة الأمريكية" هو المزيد من الإحتلال للأراضي الفلسطينية وزيادة وتيرة الاستيطان وتطبيق يهودية الدولة، وقد كان حديث جهاد قبل 3 شهور، وقد أقر الكنيست قبل أسابيع قليلة قانون القومية اليهودية للدولة الصهيونية.
وبموجب الخطة الأمريكية ستخضع الضفة الغربية (بكاملها) للسيادة الأمنية الصهيونية، وسيتم تقسيمها لثلاثة مناطق غير مترابطة جغرافيا ومن كل جانب تُحاصرها المستوطنات، وسيتم منح السلطة الفلسطينية صلاحيات محدودة للحُكم "المؤقت".
أما غزة فسيتم تحويلها لـ "كيان سياسي فلسطيني"، بمعنى دويلة صغيرة.. والقارئ في المشهد السياسي يُدرك أهمية الانقسام الفلسطيني ما بين الفصائل والقيادات لتنفيذ هذا القرار.. سيتوسع القطاع الصغير لمنطقة العريش المصرية، من أجل إقامة منطقة حرة تسمح للفلسطينيين بالاستثمار المحدود والعمل الذي يوفر لهم سبل العيش "الكريم"، يتم إعطاء سكان القطاع حق الإقامة في مصر وقد يتم منحهم الجنسية فيما بعد.. وهذا يعني ببساطة بأنه بعد سنوات قليلة من تنفيذ "مشروع غزة" سيحمل سكان القطاع الجنسية المصرية، وقد عرضت "قناة الجزيرة القطرية" قبل أسبوعين في الجزء الثاني من وثائقي "المسافة صفر" كيف تم "تنظيف" المسافة الجغرافية بين القطاع والعريش من خلال صور جوية تم عرضها في الوثائقي.. التنظيف شمل إزالة كل شيء من بيوت ومزارع وجعل الأرض مهجورة ومُستوية تماما.
في عمليات يقوم بها الجيش المصري لتطهير سيناء من المُتطرفين منذ أواخر العام 2013م، فهل سيقبل الغزيّون ذلك المُخطط ؟
المواطن الغزاوي الفقير والذي لا يجد وسيلة عيش كريمة تضمن له حياة إنسانية، لابد وسيقبل أن يتم تأمين كل ذلك من خلال مشروع صغير له في "المنطقة الحرة المصرية".. المنطقة الحرة التي تم الاتفاق على تمويلها بالكامل من قبل دول الخليج العربي بحسب أمين سر هيئة العمل الوطني في غزة محمود الرق.
مساحة القطاع حوالي 360 كم مربع، وبتعداد سكاني يفوق المليوني نسمة بحسب إحصاء عام 2017م، مما يعني بأن هُناك 4600 شخص يعيشون في كل كم مربع.
الضغوطات على الدول العربية لقبول الخطة..
النائب في البرلمان الأردني خالد رمضان يُؤكد بأن الضغط على الحكومة الأردنية (حكومة هاني الملقي آنذاك)، تجاوز كل الحدود من أجل "تقديم تنازلات في القضية الفلسطينية ولقبول خطة ترمب"، الخطة التي ترمي لوقف الوصاية الأردنية على المُقدسات وتوطين اللاجئين على الأرض الأردنية، وقد تم الضغط على الأردن في وقت رفضت فيه دول الخليج تقديم مساعدات للأردن لمواجهة أزمتها الاقتصادية، وكذلك إستغلال الأزمات في سوريا والعراق لقبول الخطة.
وأشار اللواء السابق في الاستخبارات المصرية شريف إسماعيل، بأن الخطة تتضمن إلغاء حق العودة وبالتالي توطين الفلسطينيين في مناطق لجوئهم، وقيام عاصمة للفلسطينيين في حي أبو ديس، وسيتم إنشاء ميناء ومطار في غزة، وقد يتم إقامة مفاوضات بين الجانب المصري والأمريكي خلال الفترة المقبلة للاتفاق حول مسائل الحدود وتبادل الأراضي، كدخول مدينة رفح المصرية (750كم) لحدود قطاع غزة، كيف ستقبل مصر ؟
يقول إسماعيل بأن أزمة المياة والضغوط من البنك الدولي على مصر مع "تخاذل خليجي عن منح ومُساعدة مصر"، ومع الأزمة الاقتصادية الخانقة، لابد وإن تقبل مصر الخطة الأمريكية.. ولكن القاهرة لن تتنازل عن سيناء لأحد، يختم إسماعيل كلامه.
ما هو موقف المقاومة الفلسطينية ؟
في شهر 4 الماضي، صرّح مسؤول في معهد Middle East Forum القريب من اللوبي الصهيوني، بأن المسؤولين القطريين اخبروا غرينبلات بأن "حماس" مُستعدة لقبول الخطة الأمريكية بشرط السماح لهم بالعمل في الضفة الغربية، ويذكر التقرير بأن الرسالة التي تُفيد بتعهد قطر بالضغط على حماس لقبول الخطة، تلك الرسالة -عالاغلب- كانت من أمير قطر تميم بن حمد.
وفي شهر 5 الماضي زار "عرّاب الخطة" غرينبلات قطر والتقى المسؤولين هناك كوزير الخارجية محمد بن عبد الرحمن.. ولا يعلم إلا الله ما الذي دار في تلك اللقائات !!
هل إلتقى "العرّاب" بقية القادة العرب ؟
في نفس توقيت زيارة غرينبلات للدوحة، قام مدير مكتب ولي العهد السعودي بنشر صورة تم التقاطها في مصر تجمع محمد بن سلمان والرئيس المصري السيسي وملك البحرين حمد بن خليفة، وولي عهد أبوظبي محمد بن زايد، وقد علّق مدير المكتب على الصورة بأنها أُلتقطت في لقاء جمع القادة في القاهرة قبل عدة ايام !! وفي ذات الوقت قامت وكالة اسوشييتد برس بنشر تقرير بأن الإدارة الأمريكية "بلشت" في إخبار حلفائها بالخطة وتفاصيلها..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق