لم تكن "رنا" بإحسنِ حال مما كانت عليه قبل حديثها على الهاتف مع صاحبتها، إستغرقت المُكالمة نصفُ ساعةٍ.. لأمر ما، تناولت "رنا" هاتفها ورنّت على "نُهى"..
فالمُكالمة لم تكن تسليةً وإمضاءً للوقت قبل موعد النوم(الذي يحين عادةً فيما بعد الساعة الحادية عشر مساءً)..
رنا تبلغ من العمر اثنان وعشرون عاماً.. ابنة المُتقاعد العسكري برتبة نقيب سعيد أبو اللبن.. وإن كانت عادتها "عدم النوم الباكر" فهي دائما تستيقظ باكراً على صوت مُنبه هاتفها قبل موعد أذان الفجر بخمسة دقائق.
قبل ساعات كانت في عملها.. تعمل في "جمعية ام الرمان الخيرية" كسكرتيرة و.. مسؤولةً عن كل شيء، اللهم إلا إدارة الجمعية.. فالادارة لها أصحابها الذين لا يكونون شباباً كما هي العادة.
موعد عودتها للمنزل(إنتهاء يوم العمل)، ما بين الواحدة ظهرا والرابعة عصرا(حسب الوضع).. لن أتحدث عن راتبها.. فهو عبارة عن "مصروف" مواصلات لعدة أيام.. لا يكفي ليوم تسوّق الغاية منه شراء حذاء (أجلّكم الله)!.
ورنا تُعامل في أروقة الجمعية وكأنها في وكالة إستخبارات أو غرفة تحكم مسؤولة عن منع تدمير مكان مأهول.
رغم تفوقها الدراسي فيما قبل التوجيهي، إلا إنها لم تتجاوز عتبة التوجيهي.. وهي ترغب بإعادة المحاولة، ولا تقدر على ذلك، لتضافر عدة عوامل أبرزها "الوضع المادي" الذي تُعاني منه أسرتها.
هي ككل فتيات وشُبان وطننا، ترغب وتأمل في تحقيق أمور وإنجاز ما تُريد، لكنها تشعر بالإحباط يغزوها كل فترة وأخرى، وتتعامل مع مُجريات الحياة بطفولية، وهذا الأمر يجعلها دائمة الحماسة والترقب والاندفاع، الذي يصطدم عادةً بالواقع الحياتيّ.. ودون تَوقع "تُطعن" في ظهرها.. لا ترى طاعنها أبدا !
تجد نفسها، لا يُحيطُ بها سوى مجموعة أُناس لا يُؤَمن منهم شيء.. وحتى ابتساماتهم الصامتة تبدو فظيعة!
كل ذلك عرفته.. بعدما أحبت.. لا كمُراهقة اسكرتها مسلسلات الأتراك والهنود الخارقين، وليس لأنها احتاجت أن تُحب. أحبت لأنها لم تستطع سوى أن تُحب!
أحبت شاباً ممتلئاً رجولة وفيه شيء لم تقدر على فهمه.. شيءٌ كان يجعلها فاقدةً للتركيز وتظهر بشكل تعلم هي بأنه مُضحكٌ جدا.
ولأنها ما "يزبط" أن تُبادر هي وتخطو الخطوة الأولى نحو "عشيقها المُحتمل".. بقيت تنتظر أن ينتبه لها، وأن يُبادر هو كما يجب عليه، وما عليها هي سوى مُحاولات جاهدة للفت إنتباهه..
ولمُجرد أن تراه يُلاطف هذه أو تلك، تشعر بغضب شديد..وكره لا يُغالب يتحول لرغبة أشد في ذلك "المُمتنع".. البعيد..
في هذا اليوم، والساعة حوالي الثانية ظهرا الّا.. كانت وهو يقفان وراء طاولة تحول بينهما وبين مجموعة مُنتفعين من أُعطيات ومنح إحدى المُنظمات..
أغضبها، هذا الإحساس بالخفة والبلاهه، كلما رأته قريبٌ منها..
فكيف وإن كلّمها بـ "صباح الخير" مثلاً ؟ يغدو وجهها متلوناً، وتتكلم كمن أُمسك مُتلبساً في دناءةٍ ما..
هو يُسجل ويقوم بما يجب القيام به.. وصاحبتنا غدت كفزاعةِ طير، لونها يَشي بأنها في ورطةٍ ما.. فقد إنساح بريق عينيها، وغاب رونق وجهها الفاتن.. هي الآن أشبه بزومبي.. بمن يقف فوق منصة إعدام ينتظر تنفيذ الحكم !
مع مرور الدقائق، أصبح وضعها "مش مزبوط" لمن تعمل لديهم، فهي تحمل تاريخاً حافلا بالعِناد والتمرد على السيدة رانيا ام رامي رئيسة الجمعية..
وكانت في أثناء شرودها ذاك، تحت مُراقبة حثيثة من إحدى العاملات معها.. تلك التي رافقت صاحبتنا ذهبت بسرعةٍ نحو الإدارة حيث السيدة رانيا، وبحديث لم يتجاوز خمسة دقائق، تَقرر طرد أو الاستغناء عن خدمات رنا الساذجة.. البليدة.. لأنها تجاوزت الحدّ في..
تم استدعاء رنا واُخبرت بالقرار النهائي، لم تكن تتوقع شيء من هذا القبيل، بل كانت تأمل بمُضاعفة أجرها كونها تعمل لساعات طويلة..
سمعت "بهدلتها" وبأنها لم تكن عند حسن الظن، وكانت تفكر بأنها ستعود لتلك الحالة من الفراغ.. لتغدو حياتها يومٌ واحد فقط، وفي دخيلتها تعلم بأنها اخطئت حتما عن قصد أو بدون عندما "كانت تسأل كثيرا.. وتبحث عن إجابات لا تعنيها!" وهي تبكي أمام أعين السيدات.. احسّت بأنها فقط.. فقط أحبت ذلك الشاب! وعرفت عن تلكم السيدات الكثير.. مثلا بأنهن يستغللن أسماء المُحتاجين في السجلات لغايات الربح الخاص.. وفي هاتفها صورٌ لكل شيء.. وفكرت بأنها غبيّة.. وعليها قبل كل شيء أن ترمي هاتفها في أقرب سلة مهملات..
لم تنطق بحرف، خرجت من باب الإدارة مُسرعةً وهي تشهق وتمسح دموعها بكمها.. وتُلاحقها شتائم وتوبيخات، كـ "حماره.. هبلا.. غبيّة.."، رآها الشاب واستعلم عن الأمر وأُجيب:"بأنها.. هالـ***** تتجسس لصالح جمعيات تُنافس جمعية ام الرمان"، هزّ الشاب رأسه بأسف بعدما قطّب حاجبيه.. وراح يُناول أحد الكبار بالسن كيسا فيه جاكيتا وجوزين من الجرابات القُطنية.
هاشم عبدالله 2017/10/28
فالمُكالمة لم تكن تسليةً وإمضاءً للوقت قبل موعد النوم(الذي يحين عادةً فيما بعد الساعة الحادية عشر مساءً)..
رنا تبلغ من العمر اثنان وعشرون عاماً.. ابنة المُتقاعد العسكري برتبة نقيب سعيد أبو اللبن.. وإن كانت عادتها "عدم النوم الباكر" فهي دائما تستيقظ باكراً على صوت مُنبه هاتفها قبل موعد أذان الفجر بخمسة دقائق.
قبل ساعات كانت في عملها.. تعمل في "جمعية ام الرمان الخيرية" كسكرتيرة و.. مسؤولةً عن كل شيء، اللهم إلا إدارة الجمعية.. فالادارة لها أصحابها الذين لا يكونون شباباً كما هي العادة.
موعد عودتها للمنزل(إنتهاء يوم العمل)، ما بين الواحدة ظهرا والرابعة عصرا(حسب الوضع).. لن أتحدث عن راتبها.. فهو عبارة عن "مصروف" مواصلات لعدة أيام.. لا يكفي ليوم تسوّق الغاية منه شراء حذاء (أجلّكم الله)!.
ورنا تُعامل في أروقة الجمعية وكأنها في وكالة إستخبارات أو غرفة تحكم مسؤولة عن منع تدمير مكان مأهول.
رغم تفوقها الدراسي فيما قبل التوجيهي، إلا إنها لم تتجاوز عتبة التوجيهي.. وهي ترغب بإعادة المحاولة، ولا تقدر على ذلك، لتضافر عدة عوامل أبرزها "الوضع المادي" الذي تُعاني منه أسرتها.
هي ككل فتيات وشُبان وطننا، ترغب وتأمل في تحقيق أمور وإنجاز ما تُريد، لكنها تشعر بالإحباط يغزوها كل فترة وأخرى، وتتعامل مع مُجريات الحياة بطفولية، وهذا الأمر يجعلها دائمة الحماسة والترقب والاندفاع، الذي يصطدم عادةً بالواقع الحياتيّ.. ودون تَوقع "تُطعن" في ظهرها.. لا ترى طاعنها أبدا !
تجد نفسها، لا يُحيطُ بها سوى مجموعة أُناس لا يُؤَمن منهم شيء.. وحتى ابتساماتهم الصامتة تبدو فظيعة!
كل ذلك عرفته.. بعدما أحبت.. لا كمُراهقة اسكرتها مسلسلات الأتراك والهنود الخارقين، وليس لأنها احتاجت أن تُحب. أحبت لأنها لم تستطع سوى أن تُحب!
أحبت شاباً ممتلئاً رجولة وفيه شيء لم تقدر على فهمه.. شيءٌ كان يجعلها فاقدةً للتركيز وتظهر بشكل تعلم هي بأنه مُضحكٌ جدا.
ولأنها ما "يزبط" أن تُبادر هي وتخطو الخطوة الأولى نحو "عشيقها المُحتمل".. بقيت تنتظر أن ينتبه لها، وأن يُبادر هو كما يجب عليه، وما عليها هي سوى مُحاولات جاهدة للفت إنتباهه..
ولمُجرد أن تراه يُلاطف هذه أو تلك، تشعر بغضب شديد..وكره لا يُغالب يتحول لرغبة أشد في ذلك "المُمتنع".. البعيد..
في هذا اليوم، والساعة حوالي الثانية ظهرا الّا.. كانت وهو يقفان وراء طاولة تحول بينهما وبين مجموعة مُنتفعين من أُعطيات ومنح إحدى المُنظمات..
أغضبها، هذا الإحساس بالخفة والبلاهه، كلما رأته قريبٌ منها..
فكيف وإن كلّمها بـ "صباح الخير" مثلاً ؟ يغدو وجهها متلوناً، وتتكلم كمن أُمسك مُتلبساً في دناءةٍ ما..
هو يُسجل ويقوم بما يجب القيام به.. وصاحبتنا غدت كفزاعةِ طير، لونها يَشي بأنها في ورطةٍ ما.. فقد إنساح بريق عينيها، وغاب رونق وجهها الفاتن.. هي الآن أشبه بزومبي.. بمن يقف فوق منصة إعدام ينتظر تنفيذ الحكم !
مع مرور الدقائق، أصبح وضعها "مش مزبوط" لمن تعمل لديهم، فهي تحمل تاريخاً حافلا بالعِناد والتمرد على السيدة رانيا ام رامي رئيسة الجمعية..
وكانت في أثناء شرودها ذاك، تحت مُراقبة حثيثة من إحدى العاملات معها.. تلك التي رافقت صاحبتنا ذهبت بسرعةٍ نحو الإدارة حيث السيدة رانيا، وبحديث لم يتجاوز خمسة دقائق، تَقرر طرد أو الاستغناء عن خدمات رنا الساذجة.. البليدة.. لأنها تجاوزت الحدّ في..
تم استدعاء رنا واُخبرت بالقرار النهائي، لم تكن تتوقع شيء من هذا القبيل، بل كانت تأمل بمُضاعفة أجرها كونها تعمل لساعات طويلة..
سمعت "بهدلتها" وبأنها لم تكن عند حسن الظن، وكانت تفكر بأنها ستعود لتلك الحالة من الفراغ.. لتغدو حياتها يومٌ واحد فقط، وفي دخيلتها تعلم بأنها اخطئت حتما عن قصد أو بدون عندما "كانت تسأل كثيرا.. وتبحث عن إجابات لا تعنيها!" وهي تبكي أمام أعين السيدات.. احسّت بأنها فقط.. فقط أحبت ذلك الشاب! وعرفت عن تلكم السيدات الكثير.. مثلا بأنهن يستغللن أسماء المُحتاجين في السجلات لغايات الربح الخاص.. وفي هاتفها صورٌ لكل شيء.. وفكرت بأنها غبيّة.. وعليها قبل كل شيء أن ترمي هاتفها في أقرب سلة مهملات..
لم تنطق بحرف، خرجت من باب الإدارة مُسرعةً وهي تشهق وتمسح دموعها بكمها.. وتُلاحقها شتائم وتوبيخات، كـ "حماره.. هبلا.. غبيّة.."، رآها الشاب واستعلم عن الأمر وأُجيب:"بأنها.. هالـ***** تتجسس لصالح جمعيات تُنافس جمعية ام الرمان"، هزّ الشاب رأسه بأسف بعدما قطّب حاجبيه.. وراح يُناول أحد الكبار بالسن كيسا فيه جاكيتا وجوزين من الجرابات القُطنية.
هاشم عبدالله 2017/10/28
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق