الاثنين، 27 أغسطس 2018

وجود 3

يُعربد الليل في الخارج، ويفرض نفسه على كل شيء، وقد كانت المدينة بلا معالم.. بَدت وكأنها مدينةٌ يقطنها الأموات فحسب !
أمواتٌ لا تصدر عنهم رائحة.. ولا هم جُثث هامدة صار لونها داكناً.. شاحباً.. لا، بل هم أمواتٌ يملئون الشوارع والأرصفة، لهم ضجيجٌ مُدويّ، ولا تسكنُ أجسادهم حتى وهم نيام.. هل ينام الأموات ؟ 
وحده الليل يفضح الأصوات والرغبات والنزوات.. وكل الأشياء التي تمكنت طوال النهار من التخفي.. ولكنّ الليل قد تجاوز حدود المنطق في إسكات التظاهر والخداع ! وفي تعريّة المستور والمخفي وراء الحُجب!! هل كانت الشمس مُجرد خُدعة ؟؟
*****
كان صوتها نازفاً وهي تُحاول قول أشياء لا يُمكن "قولها" كما هي !
-اليوم جرحت اصبعي وأنا اقطّع الخيار.. تصدق إني ما حسيت بالجرح الّا بعد ما خلصت السلطة.. آآآه نسيت أحكيلك إني إمبارح قدرت أنام بدري... آآه ههه نمت عالساعة (اهدعش ونص) بس كنت تعبااااانه لأني كنت صاحيه من السبعة الصبح ورحت عالجامعة عشان أقدّم امتحان (الخلدونيات).. ههه يا الله ما اغباني.. طلع الامتحان بعد بكرا.. 
-كيف... جرحك ؟؟
-لا.. هلأ منيح.. ما يوجعني.. 
-طيب.. ليش.. قصدي كيف دراستك عالامتحان ؟؟
-تمام.. ماشي الحال.. أنت كيف حياتك ؟ ووين غايب كل هالفترة ؟
-والله الحمد لله.. كل شي تمام.. 
-الحمد لله.. أسمع.. بدي أروح هلأ لانو.. بدي أعمل كم شغله ضرورية قبل ما أنام.. تصبح على خير..
-...خوذي راحتك.. مع السلامة.. وإنتي من أهل الخير..
وقد كان يصدح التلفاز بحدوث إنقلاب في تركيا..
******
قد فشل الانقلاب لأن الشعب أراد شيئاً وفعل.. لم يكتفي بالإرادة فقط.. لأنه لم يكن يوما الرصاص أقوى من الجسد الّا في بلاد الأجساد المُنكمشة، المُمتلئة حدّ الضمور..
المُؤلم حقاً هو الشعور بالذنب.. شعورٌ يستنزف طاقة الإنسان ويجعله هشّاً جداً..
وعادةً يكون الشعور بالذنب مُجرد وهمٌ وتخيّل لا أكثر، على سبيل المثال تُراودك رغبة مُلحه بـ "الاستمناء" تنصاع لتلك الرغبة.. تفعل.. تذهب السكرة.. يغزوك ذلك الشعور المُؤلم، وأنت لم تفعل شيئاً.. سوى أنك أفرغت شيئا زاد عنك.. بل وألّح عليك -لم يُرغمك- بأن تسمح له بالخروج !  
الرغبات لا تتناسب مع السموّ.. ارضيتنا لا تُناسب ارتباطنا بالسماء.. وهذا التناقض في "أنصافنا" يجعلنا غير آمنين..  فما بين الرغبة والسمو وما بين أرضنا وسمائنا يضيعُ الكثير.. الكثير..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق