الجمعة، 17 أغسطس 2018

وداعاً..

هل من السهل قبول "الوداع" كقاعدة "حتميّة" للحياة؟
ومتى يُؤمن الإنسان بأن الحياة هي مُجرد لحظات وداعية؟؟
أشكالُ "الوداع" كثيرة.. نحن نُمارس الوداع كل لحظة..
ولكن لابد ويطرقُ رؤوسنا تساؤلٌ ساذج؛ لماذا الوداع؟؟
نقبل الوداع عندما نتصالح مع فكرةٍ مفادها بأن: "لكل شيء نهاية" وللأسف قد لا نَعي بأننا سننتهي وبأننا لحظيون في هذا الكون.. بأننا نتقدم نحو النهاية في كل لحظةٍ وثانية.. نحن نحيا كخالدين مُخلدين وحتى إن توهمنا واوهمنا أنفسنا بأننا عابرون في هذه الحياة الفانية..!!
*****
في وداعاتهم كانوا "يُمثلّون"، يرتدون أقنعةً ويبذلون جُهدا لكي لا يظهروا على حقيقتهم، كعقد الذراعين وراء ظهورهم حتى لا تفضحهم اياديهم المُرتعشة.. وعندما يخلو كل واحد منهم إلى نفسه، لا يملك إلا الانهيار والسقوط في وحل الذكريات العنيدة..
كلماتهم كانت موقوفةٌ.. مُعلّقةٌ.. بقيت في اعماقهم ولم يلفظو إلا الزيف.. كوداعاً، كان أحدهم سيقول: لا تذهب.. أنا لا أحتمل غيابك.. وكان الآخر سيردّ: وأنا كذلك.. ،حتى ولو تعذّر وأصرّ على الوداع، حتما سيكون وداعا حقيقيا لا جُرحا داخليا لا يمكن تضميده.. !!
*****
نحنُ لا نقوى على "الترك" لأننا -غالبا- ننصهر بكامل قوانا في الآخرين.. بينما نترك أنفسنا للخواء والجوع المُستمر لكلمات.. أفعال.. وجود الآخرين، الذين قد لا يكونون أهلاً لمسؤولية إشباعنا..
لا نقبل إنسانيتنا.. ضعفنا.. وحاجتنا.. وبالتالي لا نستطيع قبول واقعنا الذي يبدو قاسيا وصعبا، ولو أدركنا أنفسنا جيدا لوجدنا -دائما- وسيلةً ما تحمينا من قسوة وصعوبة الحياة، كيف يُدرك الإنسان نفسه؟
يُمكن عندما يبدأ برؤية الأشياء كما هي.. لا كما يتمنى، عندما يُدرك بأنه إنسان لا آلةً صمّاء أو ملاكٌ طاهر أو شيطانٌ رجيم..
*****
كانت في كل ليلة تخاف فراشها وظلام غرفتها.. غرفتها التي لا ينطفئ ضوئها إلا في الصباح.. تخافُ الصمت والضجيج وحتى الضحك.. وكانت لا تحتمل صُراخ ولد الجيران عندما لا يسمح له أبوه بالخروج من باب المنزل للشارع المُزدحم.. ولا حديث الجارة اليومي مع أمها.. ولا نظرات أهلها التي تظن في كلّ مرة بأنها تخترقها لتكتشف سرّها..
حتى صديقاتها تحولنّ لمصدر إزعاج لا يُمكن تحمله.. تحمل في أعماقها شيءٌ ثقيل، "فَصلها" ذلك الشيء عن الواقع.. وكأنها سُجنت عن كل شيء.. وحدها سجينه ولا أحد يفهم ذلك.. ووحدها تحمل "الأثقال" ولا أحد يستطيع رؤية حِملها.. ولكن عندما تنهار وتسقط أخيرا يرى الجميع سقوطها وانهيارها الذي يبدو بلا سبب أو بسبب تخترعه تحليلاتهم وفرظياتهم..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق