الثلاثاء، 17 سبتمبر 2019

صرخة مجنون

لسان حال ماتفي بطل رواية "إعتراف، أين الله؟" لمكسيم غوركي:"ليسَ هذا ما أبغيه"... ولسانُ حالي: ليستُ هذه الحياة صالحة للعيش!
أعي تمامًا بأنني ضئيلٌ جدًا، وأكادُ "لا شيء" مُقابل هذه الحياة الواسعة والعظيمة... لكنني "عظيمٌ جدًا"، والحياةُ هي ما أعي، هذا التناقض هو جوهر الإنسان العظيم والحقير في ذات الوقت!

أُغمضُ عينيّ، وجودي بات ظلامٌ دامس، بلا تفاصيل وملامح وألوان. أفتحهما، لأُعيد للحياة وجودها... وألوانها وأبعادها،
هذا يعني بأن الحياة هي نظرتنا للخارج، وأفكارنا الخاصة والعامة، والتي نستمدها من وعينا الشخصيّ/والجمعيّ، وحواسنا التي نُدرك بها المواد من حولنا... لا شيء موجود لو لم نوجد، والأموات، ماذا عنهم؟ كانت لهم حياة، وإندثرت معهم...
ولكن ماذا عن الأماكن؟ هل هي موجودة لأننا نراها ونُدركها؟! والمكان الذي لا أراهُ/أُدركه هل هو موجود بالفعل؟!

نعيشُ اليوم حياةً "عبثية"... بمعنى: الإنسان يولد ويموت بشكل قسري، وما بين الولادة والموت يحيا الإنسان بعقل محجورٌ عليه، ومليءٌ بالمحفوظات والقواعد والحتميات، وما عليه إلا أن يعيش ليموت كما مات آباءه وأجداده، ويبقى محدودٌ بجسده، وموقنًا بعبوديته لله وللوالدين والمُجتمع والواقع المحترم والنظام السياسي وضعفه ما هو إلا جزء لا يتجزأ من إنسانيته، ولذلك يبقى في دوائر لا يدري كيف ومتى دخلها ومن الذي أوجدها؟ لهذا تتحول الحياة لمُستنقع بُِؤس وشقاء ورعب... الأمس المُرعب واليوم عليّ أن أهرب من رعبي الذي يكبر معي كلما تقدمت بالسن، والغد مُرعب أيضًا لأنه مجهول، وهكذا يصيرُ الإنسان مُجرد كائن مهزوم/ضعيف، وينتظر الخلاص من قوى لا يُدركها لأنه ليس أهلًا لإدراكها. ثمة نعيمٌ ينتظره بعد كل هذا البؤس والشقاء لذلك عليه أن يصبر ويحتسب، ويموتُ راضيًا عن كل شيء...

جموعٌ بشرية لا تستطيع سوى التذمر وإلقاء الكلمات برعب وخوف، جموعٌ غفيرة تخشى... تخشى اللاشيء!
ومن ثم يتسائل البعض، لماذا حياتنا كريهة هكذا؟ لماذا كل شيء يفقد قيمته ويبهت بسرعة، وصار الإنسانُ وحشًا مَدنيًا؟
لماذا المجنون هو من فكّر وكفر بهذا الجحيم الأرضيّ...؟ وليتعافى من جنونه عليه أن ينصهر في هذا المجموع الكليّ والمُشتت، عليه أن يستسيغ ويتبنى الزيف والكراهية والموت المجاني واللاقيمة واللامعنى والعبودية المُقدسة...!
عليه أن يُظهر عكس ما يُبطن، وعليه أن يدّعي كل الفضائل والجماليات، ولسان حاله:" إنظروا إليّ... إنتبهوا... أنا مثلكم ولو دققتم النظر أدركتم بأنني أفضل منكم!.. أنا صادق والكذب هُنا كثير، وأنا شريف وكريم وشجاع وذكي و... أنا تافه أيضًا لا تعنيني التفاصيل والحياة لا تستحق فهي مجرد دار فناء، ولا أؤمن بالمشاعر العاطفية وأنا أملك معلومات قيمة ولم اقرأ إلا بضعة روايات وكم كتاب..."، ذلك هو شكل حياة من عدة أشكال حياتية، ظهرت في ظل التطور والتقدم في شرقنا الأوسط تحديدًا... الثلاثاء، 2019/9/17

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق