الخميس، 12 سبتمبر 2019

أشجان أيلولية ("هذيان")

لا تركع... حتى وإن تحتّمت نهايتك.أُسقط واقفًا. تداعى كما يتداعى جدار. وتحطم كما تتحطم زُجاجة. لكن لا تركع،

إستبقُ الغد. الساعة الآن الحادية عشرة وأكثر من ثلاثون دقيقة بتوقيت ساعتي الميتة، وبتوقيتي "آخر ليل خريفي أعقب نهارًا حار"، لا جديد فيها-هذه الليلة سوى إحساسٌ جوهرهُ حُبْ وحولهُ كراهية نحو الخارج، الإحساس كدائرة، لها رائحة نتنة... رائحة كراهية وغضب وخواء،
هذا العالم يُفقدني كُلما أمعنتُ في النظر إليه.. يُفقدني إنسانيتي، يمسخني لكائن مُشوّه ومرعوب وهارب،
وكلّما وجدتني فيه. كلّما إستيقظَ ثائرًا داخلي غاضبًا من خارجي، أستعجلُ عودتي حيثُ أعتصم، وأحميني من ألوان باهتة، ونشازٌ يرطنُ بالبرود والزيف والسطحية،
نعم، أنتبه لحماقتي، لأنني مريضٌ بالإنتباه لتفاصيل الأشياء والحوادث... إنتبه وأقرأ ما تتحدث به الوجوه الكئيبة والذاهلة، وما تلهجُ به الألسن، تلهجُ بل تتقيأ ما في جوف أصحابها من... من ما قد إمتلأت به،
والعيون... العيون تُتابع الأجساد الأنثوية التي تلتفُ بغطائات كثيرة، العيون تخشى التحديق في الوجوه القريبة والمألوفة. تُحدّق بكامل ذهولها بأرداف النسوة ووجوههن المُلوّنة،
نقاب يسيرُ هُناك وهُنا ومن بعيد ترى شيئًا أسود يتحرك، وترى رأسًا مُحجبًا، وجسدًا عارٍ لولا قشرة قماش.
وهنّ. نسوة خارجات حيث غربتهنّ، حيث الشارع يُحاكم أيّ زلة أو هفوة، ويغضّ الطرف عن... طفل يتسول، إمرأة تحمل طفلها في حضنها وتستعطي المركبات الفارهة و"المُكندشة".. ورجالٌ بلا طاقة وعنفوان، رجالٌ مترهلون وذاهلون وغاضبون وهزيلون جدًا، زعيمهم يُعاني الثلاسيميا، ومُعظمهم يُعانون/سيُعانون ضغط الدم أو مشاكل في القلب... صوتُ قرآن يسبقُ الأذان، يُؤذن وتختلط حيّ على الصلاة بأيّ شي بالمحل بنيره ويبتاع النعنع يا منعنع...
وفي هذا المُستنقع، نستيقظ لنغرق أكثر، وننام لننجو، ولا نجاة من "واقع محتوم ومُقدر"، واقعٌ مكتوبُ في اللوح المحفوظ، وكأن المولود هُنا، محكومٌ بسجن مع أعمال شاقة، وتهمته: الوجود. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق