منذ ساعتين أو أكثر، تُداعبني... لا، بل تحترق في داخلي كلمات. فوضى من الكلمات التي تصرخُ بي: رتبني أرجوك. بالفعل هي مُبعثرة بل تبدو وكأنها أشباح لا تراها حقًا، لكنك تراها...
حسنًا، ها أنا ذا أستجيبُ لرجائها. لم أعد أحتمل إحتراقي الداخلي. الكلمات تحترق أو تضيع. تبتعد مُتناثرة أمامي في المدى الواسع والضبابيّ،
يجب أن أكتب عن فكرة... عن ألف فكرة وألف معنى،
وعندما أشرعُ في عملي هذا، أجدني خالي الوفاض فارغ تمامًا، وفراغي هذا مؤلم جدًا،
تعالي يا كلماتي التائه. إقتربي...
وتبتعد. تتناثر، وتنسابُ مني، كماء في يد... كقطرات النَدى على زجاج، وكسيل ماء من قمة، يسيلُ للأسفل، حيث يستقر ويختفي،
لماذا أكتب؟
لأنني أفتقد تجاهل اللحظة، وغياب الوعي اللحظي، نعم أنا أمتلك عدسة مُكبرة أمام عيني وأرى من خلالها الوجود،
ولأنني لم أعد طفلًا، والطفولة ليست فقط مرحلة عمرية، بل هي حالة عقلية تتسم بالسذاجة واللافهم واللاقلق والإلمام بسطحية الأشياء،
في ذهني نصٌ مُشتت. أجزاءهُ ضائعة هُناك وهُنا، ولم/لن أستطيع "لملمة" شتاته/أجزاءه، مع إحتمالية أن أستطيع، لو أبذلُ جهدًا أو جُهدًا مُضاعفًا،
لا أدري... يجب أن أكتب، هذا الواجب لا أقدر على رفضه، من باب الحُرية الشخصية التي أعتقد بأنني أمتلكها،
سأنامُ الآن...
كنت سأكتب عن: كيف الأماكن تأخذُ منا أجزاء ونُغادرها ناقصين منّا نتحسس النُقصان، كفقدان يد من جسد... وعن مُستنقع وقمة، تنجو من مستنقع وتهبط من قمة... وعن الخارج الذي يمتلأ باللاشيء... وعن تجمعات بشرية شعارها: أنت وحدك... وعني؛ عن عُزلتي وقَلقي وهواجسي اللعينة...
سأنامْ... ليس هَربًا أو إستعجالًا، بل لأن... لا أدري.
+++
لا أسمع صوتًا، إلّا صوت "خلل ما" بالمروحة، ودقات قلبي للأسف لا أسمعها، لأُصدق بأنني حيّ... هل أنا حيٌ بالفعل؟
الصمت وأصوات بعيدة تحدث كل حين... صوت حديث ما، وصوت سيارة تعبر الطريق صوت وقع أقدام.. أصوات تُقويّ صمت المكان، وتُعزز فرضية أنني ربما لستُ حيًّا... لا أدري كيف. تمامًا، كما يحدث أن لا تنام وأنت نائم...
أمس الجمعة كان يومًا عاديًا. واليوم السبت وغدًا الأحد، بعد أسبوع يبدأ دوامي في الجامعة، بعد إجازة أربعة شهور وواحد وعشرون يومًا. أربعة شهور وواحد وعشرون يومًا، مَضت بسرعة وببطئ رهيب، قبل عام كان قبل قليل، وأمس.. "حذفت ما كتبته بعد أمس"، لأنني مُثقل بأعباء الأمس... اللعنة على الأمس.
أنا عبئٌ ثقيل. أنا دودةٌ شريطية في جسم إنسان كهل يحتضر ولا يموت، أنا أنينُ ألم لا ينتهي، أنا ضحكةٌ مسروقة وإبتسامة ليست باردة... أنا مُنتصف شعور دائم وينتهي بسرعة، أنا من أكون؟
هذه العتمة الضخمة والباهرة. تُثقل كاهلي وأسيلُ منها كدم بارد، على الأرض فوق الأريكة تحت ركام الخردة... جريحٌ وطريد في صحارى شاسعة وضيّقة.
أختنق وأجرُ نفسي بصعوبة، لا أزفر. أكاد أسقط، وأزفرُ دمًا... أو ماء، ماء مُلوث.
مؤقتٌ أنا كثانية إنتهت، وأثقلُ كلحظة أبدية، أنا أتوقف عند اللحظات، ولا أجتازها. أجتازها بصعوبة... أقف هُناك، أمام كل شيء، وأنظر للوراء بعين جديدة، وأتمنى لو أنني لم أنظر للوراء، في الوراء ثمة لا شيء مُؤلم. الوراء شيء غير موجود لكنه واضحٌ، كشمس وراء غيوم، أو كقُرصها يهبط وراء تلال أو جبال أو شيء بعيد...
لا أستسيغُ التكرار، وأرفض عاديّة الأشياء، ليس ثمة شيء عادي، كل شيء مُدهش، لكننا خُدعنا ببساطة، وفَقدنا جوهر وجودنا:"الدهشة والبحث عن المعنى".
الموت... الفَقد... مرور الوقت... ذكريات بعيدة وقريبة، وجدًا قريبة، وبعيدة جدًا... وأماكن وأفكار وأحلام وطموحات وأسماء... كلّها عاديّة ومُستساغة الإنتهاء، كأنها لم تكن، ثمة ألمٌ شديد يُعاني منه أولئك الذين يُعنون بتلك الأشياء، الذين لا يمرون بالأشياء مرور "الميت الحيّ"!
كم ننامُ في حياتنا؟
وهل نُدرك نهايتنا مُستيقظين؟
أم أن الولادة تقترن بغرس فضيلة النوم في ضمير المولود الجديد، إلى أن ينام بشكل أبديّ؟!
والنهاية الحتمية هل تُحرك بنا، رغبة الإستيقاظ ولو بشكل مُؤقت؟!
هل بالفعل نُدرك نهايتنا الحتميّة، أم أننا ننام عن إدراك وجودنا وما ينطوي عليه من مجهول دائم ونهاية معلومة/تنتظرنا وتحدث عاجلًا أو آجلًا؟
الساعة:*2:27ص، سأنام الآن... واللعنة على النوم والجسد الثقيل.
،
صباحًا، الخامس عشر من أيلول...
لن أدع الموت... الخوف من الموت... الموت المجاني... ينتزعني من حُبي للحياة... للصُبح والمساء وآخر الليل، والصباح الباكر... لأغاني فيروز وأم كلثوم... وللشعور بأن الغد واليوم والأمس مِلكي...
إكفروا بالموت...
بالنهايات...
ألحدوا بكل شيء إلا الحياة، آمنوا بها... دافعوا عنها... وموتوا لأجلها... لا تسمحوا للموت بإغتيالكم وغدركم... لا تسمحوا له بأن يسرقكم ويضعكم على رفوف الماضي، تذبلون هُناك وتبتهون وتُنسون...
دافعوا عن الحياة أمام طوفان الموت المجاني واليومي والمُعتاد، وأصرخوا للحياة بما تُريدون، ولا تموتوا قبل الأوان... أنا أحبكم جميعاً
حسنًا، ها أنا ذا أستجيبُ لرجائها. لم أعد أحتمل إحتراقي الداخلي. الكلمات تحترق أو تضيع. تبتعد مُتناثرة أمامي في المدى الواسع والضبابيّ،
يجب أن أكتب عن فكرة... عن ألف فكرة وألف معنى،
وعندما أشرعُ في عملي هذا، أجدني خالي الوفاض فارغ تمامًا، وفراغي هذا مؤلم جدًا،
تعالي يا كلماتي التائه. إقتربي...
وتبتعد. تتناثر، وتنسابُ مني، كماء في يد... كقطرات النَدى على زجاج، وكسيل ماء من قمة، يسيلُ للأسفل، حيث يستقر ويختفي،
لماذا أكتب؟
لأنني أفتقد تجاهل اللحظة، وغياب الوعي اللحظي، نعم أنا أمتلك عدسة مُكبرة أمام عيني وأرى من خلالها الوجود،
ولأنني لم أعد طفلًا، والطفولة ليست فقط مرحلة عمرية، بل هي حالة عقلية تتسم بالسذاجة واللافهم واللاقلق والإلمام بسطحية الأشياء،
في ذهني نصٌ مُشتت. أجزاءهُ ضائعة هُناك وهُنا، ولم/لن أستطيع "لملمة" شتاته/أجزاءه، مع إحتمالية أن أستطيع، لو أبذلُ جهدًا أو جُهدًا مُضاعفًا،
لا أدري... يجب أن أكتب، هذا الواجب لا أقدر على رفضه، من باب الحُرية الشخصية التي أعتقد بأنني أمتلكها،
سأنامُ الآن...
كنت سأكتب عن: كيف الأماكن تأخذُ منا أجزاء ونُغادرها ناقصين منّا نتحسس النُقصان، كفقدان يد من جسد... وعن مُستنقع وقمة، تنجو من مستنقع وتهبط من قمة... وعن الخارج الذي يمتلأ باللاشيء... وعن تجمعات بشرية شعارها: أنت وحدك... وعني؛ عن عُزلتي وقَلقي وهواجسي اللعينة...
سأنامْ... ليس هَربًا أو إستعجالًا، بل لأن... لا أدري.
+++
لا أسمع صوتًا، إلّا صوت "خلل ما" بالمروحة، ودقات قلبي للأسف لا أسمعها، لأُصدق بأنني حيّ... هل أنا حيٌ بالفعل؟
الصمت وأصوات بعيدة تحدث كل حين... صوت حديث ما، وصوت سيارة تعبر الطريق صوت وقع أقدام.. أصوات تُقويّ صمت المكان، وتُعزز فرضية أنني ربما لستُ حيًّا... لا أدري كيف. تمامًا، كما يحدث أن لا تنام وأنت نائم...
أمس الجمعة كان يومًا عاديًا. واليوم السبت وغدًا الأحد، بعد أسبوع يبدأ دوامي في الجامعة، بعد إجازة أربعة شهور وواحد وعشرون يومًا. أربعة شهور وواحد وعشرون يومًا، مَضت بسرعة وببطئ رهيب، قبل عام كان قبل قليل، وأمس.. "حذفت ما كتبته بعد أمس"، لأنني مُثقل بأعباء الأمس... اللعنة على الأمس.
أنا عبئٌ ثقيل. أنا دودةٌ شريطية في جسم إنسان كهل يحتضر ولا يموت، أنا أنينُ ألم لا ينتهي، أنا ضحكةٌ مسروقة وإبتسامة ليست باردة... أنا مُنتصف شعور دائم وينتهي بسرعة، أنا من أكون؟
هذه العتمة الضخمة والباهرة. تُثقل كاهلي وأسيلُ منها كدم بارد، على الأرض فوق الأريكة تحت ركام الخردة... جريحٌ وطريد في صحارى شاسعة وضيّقة.
أختنق وأجرُ نفسي بصعوبة، لا أزفر. أكاد أسقط، وأزفرُ دمًا... أو ماء، ماء مُلوث.
مؤقتٌ أنا كثانية إنتهت، وأثقلُ كلحظة أبدية، أنا أتوقف عند اللحظات، ولا أجتازها. أجتازها بصعوبة... أقف هُناك، أمام كل شيء، وأنظر للوراء بعين جديدة، وأتمنى لو أنني لم أنظر للوراء، في الوراء ثمة لا شيء مُؤلم. الوراء شيء غير موجود لكنه واضحٌ، كشمس وراء غيوم، أو كقُرصها يهبط وراء تلال أو جبال أو شيء بعيد...
لا أستسيغُ التكرار، وأرفض عاديّة الأشياء، ليس ثمة شيء عادي، كل شيء مُدهش، لكننا خُدعنا ببساطة، وفَقدنا جوهر وجودنا:"الدهشة والبحث عن المعنى".
الموت... الفَقد... مرور الوقت... ذكريات بعيدة وقريبة، وجدًا قريبة، وبعيدة جدًا... وأماكن وأفكار وأحلام وطموحات وأسماء... كلّها عاديّة ومُستساغة الإنتهاء، كأنها لم تكن، ثمة ألمٌ شديد يُعاني منه أولئك الذين يُعنون بتلك الأشياء، الذين لا يمرون بالأشياء مرور "الميت الحيّ"!
كم ننامُ في حياتنا؟
وهل نُدرك نهايتنا مُستيقظين؟
أم أن الولادة تقترن بغرس فضيلة النوم في ضمير المولود الجديد، إلى أن ينام بشكل أبديّ؟!
والنهاية الحتمية هل تُحرك بنا، رغبة الإستيقاظ ولو بشكل مُؤقت؟!
هل بالفعل نُدرك نهايتنا الحتميّة، أم أننا ننام عن إدراك وجودنا وما ينطوي عليه من مجهول دائم ونهاية معلومة/تنتظرنا وتحدث عاجلًا أو آجلًا؟
الساعة:*2:27ص، سأنام الآن... واللعنة على النوم والجسد الثقيل.
،
صباحًا، الخامس عشر من أيلول...
لن أدع الموت... الخوف من الموت... الموت المجاني... ينتزعني من حُبي للحياة... للصُبح والمساء وآخر الليل، والصباح الباكر... لأغاني فيروز وأم كلثوم... وللشعور بأن الغد واليوم والأمس مِلكي...
إكفروا بالموت...
بالنهايات...
ألحدوا بكل شيء إلا الحياة، آمنوا بها... دافعوا عنها... وموتوا لأجلها... لا تسمحوا للموت بإغتيالكم وغدركم... لا تسمحوا له بأن يسرقكم ويضعكم على رفوف الماضي، تذبلون هُناك وتبتهون وتُنسون...
دافعوا عن الحياة أمام طوفان الموت المجاني واليومي والمُعتاد، وأصرخوا للحياة بما تُريدون، ولا تموتوا قبل الأوان... أنا أحبكم جميعاً
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق