الثلاثاء، 4 يونيو 2019

كتابٌ مقلوب ودفتر قديم وعلبتيّ سجائر، إحداهن فارغة والأخرى تحتوي ثلاثة سجائر أو إثنتين، وكوب زجاجي يحتوي قهوة باردة، وآرائك وجُدران بيضاء وساعة مُتعطلة وليل... المكان هادئ والجو بارد والهواء يهبُّ أحيانًا بنسيم بارد. يُحرك الستائر ويزيدني شعورًا بالتعب... أنا مُتعب جدًا
مُتعب من هذا الهدوء والضجيج البعيد، ويصعب علي الآن أن أقوم من مكاني... رغم كرهي الشديد لمكاني هذا، ما الذي ألمَّ بي؟!
إنني أشعرُ بشيء لا يُطاق، يعصرني بين جنبيّه!

كل شيء يبدو بلا لون، إنني أنزفُ من جرحي القديم، وأحاول لمس جرحي لأجده وأتعرف عليه... وأفشل!!
لماذا أنا هكذا؟ لماذا!!
لماذا كل الناس صاروا كريهين لهذه الدرجة؟ هل في عينيّ يكمن الخلل!!

أشياء لا تُكتب ورغبةٌ لا تُفهم...
كأن تكون الآن زهرة لم تجف أو طيرًا لم يسقط بعد، أن تجف كزهرة وتسقط كطير، وتنتهي القصة!
صحرائي واسعة ومُقفرة... لعلّ بي واحة، مكانٌ منسيّ يحوي شُجيرات وعين ماء!

ظلي سأم المسير وجسدي بات ثقيلًا، ظلي يتبعني مُرهقًا يصرخ بي أن كُفّ عن جريك وأسترح... للأبد إسترح!
لكنني لم أكتفي، ولعليّ لن أكتفي!
لماذا لا أُعلن فشلي وهزيمتي وأرفع رايتي البيضاء وأثمل وأنا أتملّى هزائمي بعيني الناعسة، وأبصق على كل شيء وأغمض عيني لأنام بلا غد!

لأستيقظ مرةً أخرى وأجدني تائهًا وخائفًا وجاهلًا بي وأتسائل بكل سذاجة: أين أنا؟
أعرف بأنني هُنا وأستيقظتُ للتو... وأذكر كل شيء بصورة جديدة أو أوضح، وأدرك ما في الإستيقاظ من آلام وأوجاع!
أنا سعيدٌ ومُرتاح البال، أقف على ربوة وأنظر للمدى الواسع أمامي. أنا سعيدٌ جدًا لأنني هُنا في هذا المكان الضيّق والخانق، وأتطلع ليوم أرحلُ فيه عن أسباب تعاستي، هل تعاستي خارجي؟؟
هل أنا سعيدٌ لولا الأسباب؟!

ليس ثمة رابح، كُلنا خاسرون في النهاية!
في كل يوم نخسر... نحن نعبر نحو النهاية عن طريق الخسارات!

لا تخافي،
 لن أخاف ولن أدعكِ خائفة!
نحن نخافُ وحدنا، وثمة غباء فادح في إفتراض فهم الآخرين (أيًا كانوا) لخوفنا!

من مُنتصف أو من نهاية، أبدأ! خوفي بات واضحًا، وتُرددي وقَلقي ومن ثم أُدرك كم أنا خاسر... لكَم خسرت، والآن أعلم بأن خساراتي إستمرت، لم تنتهي عندما تجاوزت أو تناسيت أيّ خسارة!
نحن لا نتجاوز، نحن نُغمض أعيننا، وننتظر مرور القليل من الوقت... والآن عُدنا كما كُنا، ما الذي كُناه؟
كُنا أطفالًا وكبرنا مع كل خسارة، لماذا الخسارة تُحاصرني بهذه الصورة؟ لماذا الصورة ليست واضحة؟!

حسنًا... في هذه الليله أنا فارغٌ تمامًا... فارغٌ كبيت مهجور وقد تخلّعت نوافذه وبابهُ مفتوحٌ على مصراعيه... وهذا لا يعني بأنني حزين أو كئيب أو سعيد... يعني فقط بأنني فارغ!
وفارغ يا أصدقائي تعني مقدار كبير من الألم والخوف والرغبة المُلحة والعجز المُطبق!
فارغ ليس لأنني عديم الفائدة وأجلس بلا أي عمل، فارغ لأنني كنت مُمتلئ بأشياء غادرتني على مهل!
الساعةُ تمضي، وأنا وحدي هُنا، معي الليل وعلبة سجائر، وكتابٌ مقلوب، وقهوة باردة...
وأنا وهالليل إصحاب، ما نَحكي، كُلُّ حديثنا صامت... ولا نعرف كيف هو الصمت؟
هل الصمت يعني النوم.. فُقدان الوعي أو الموت؟!
معي أيضًا، أشياءُ كثيرة... ليست موجودة لكنها تملأ مكاني... وتفيض!
بداخلي بُكاء أو شيء ما... بداخلي دموع تُريد أن تسيل!
لماذا لا أبكي؟
بدأتُ عامي هذا بالبُكاء، واليوم ذهبت للمزارع القريبة من القرية... الوقت قبل السابعة مساء، وهواءٌ ليس حار يهبُّ ويكاد يعصف، كان نهارًا حارًا... ووجدتني أسيرُ نحو حقول، وقفت شرق أحواض البرسيم، كتت أقف على الشارع، وكلبيّن أحدهما ينبح والآخر يبدو مُتعبًا أو حزين...
مشيت لليسار... واقتربت من أحواض الشعير.. حقل مليء بسنابل صفراء، الشمسُ وراء الحقل... والهواء يُحرك السنابل، أمامي موجٌ أصفر، للحظة كل شي تغيّر أو لا أدري.. لمحت سيارة بكب وحوضها مليء بالأطفال... وأحببتُ كل شيء

أبحثُ دائمًا عن شيء وأشيائي ليست كاملة دائمًا هُناك شيء مفقود وأجدني دائمًا أبحث عن ذلك الشيء... هل هو شيء؟ هل أنا بالفعل أبحث... أم أنني لا أدري!
أكتبُ كأني بصدد حديث... حديث مُهمٌ جدًا، لذلك تضيع من الكلمات، وأعلم بأنني أتحدث إلى اللاشيء!

ليتني أغادر هذا المكان!
الأريكة سئمت مني والجُدران أيضًا وحتى السقف بات حزينًا أو غاضبًا!
أين سأذهب؟ وهل سأحيا عبدًا للأماكن؟
هل سأتمكن من تمالك أعصابي إزاء سُخرية وغباء الوجود من حولي؟؟
ليتني... والليت ضعف! نحن ضعفاء... أنا ضعيف!
النحن... وأنا، أنا موجود أستطيع الآن لمسي والإحساسُ بي، أين النحن؟؟!

أنا يا أنا مُشبع جدًا بخيبات وخُذلان وخسارات وأنتصرتُ كثيرًا، لكنني أتذكر يا أنا وأحزن... وأمضي أحملُ فوق كاهلي أحزاني، وأُحاول الإبتسام! مُؤخرًا أُحاول تقبّل البكاء!
ليس البُكاءُ عارًا... نحن نبكي لأننا نشعر! وهذا ليس عار... حتمًا ليس عار!
لكنني الآن لا أحتمل خسارة مُمكنة وخيبة قد تحدث وخُذلان من المُمكن جدًا أن يُحاصرني... لطالما عشتُ تعاسات... لكنني الآن أنا ضعيفٌ ولا أحتمل، هكذا أشعر بصدق، ربما أنا واهم! أو لعلّني لن أقوى على حياة... لن أموت قريبًا أنا موقنٌ من ذلك، ولن أقتل نفسي... لأنني لم أعد أرتجي من هذه الحياة شيء، أنا أحيا كخالد ولا يحزنني موتي!

إلى اللقاء يا أنا... أين ومتى يحين اللقاء؟
 هي وداعات تتكرر، وحقائب تحمل أجملُ ما قد حدث وترحل نحو الضباب، الضباب لا يعني عدم الرؤية... الضباب يعني الضباب فقط!
أجملُ ما بي يُغادرني... أنا لم أتشبثُ به أم أنهُ سهل أم أن الأمر كله لا يعدو مرور... عبور... نهاية... ما الذي غادرني؟

تعالي وذوّبي صقيعي... كما عودتني!
لماذا تستسلمين الآن... لماذا لم تضعفي منذ البداية؟ لماذا نجتمع على موعد مع وداع؟
حسنًا، هذا الشعور أعرفه، وهو جديدٌ الآن، خائفٌ أنا... من أمسي ومن غدي ولا أقوى إلا على الاستسلام، على التظاهر ولبس القناع الذي ينزاح عن وجهي الحزين... وأقوم بتثبيته وأفشل، هو قناعٌ لا يثبت، يترنح ويُوشك على السقوط ولا يسقط... حسنًا انا بخير وتمام!

أُشاهد تفاصيل الأشياء وأبكيها رغمًا عني!

أُشاهدها دائمًا وأتعثّر دائمًا وأنهض... أخافُ تعثّري الأخير!

ثمة شعورٌ علويّ وآخر يهبط إلى أسفل نُقطة

نعي ونتألم أكثر، لماذا الألم يرتبط بالوعي؟

في التفاصيل ملامح حزينة، وفي كل شيء ثمة بُؤس وتعاسة!
أنظر جيدًا يا صديقي (الغير موجود) سترى كم هي حياتنا "مهزلة"، والحماقة التي قد لا نعيها هي رغبتنا بالإستمرار!
وكم نحنُ إستمرار للحماقة... ونحيا وهم الخلود، فثمة جِنان سنحيا فيها بلا قَلق من موت، ونحيا بلا تفكير نشرب اي شيء وللممنوعات أهمية خاصة ونأكل ما لذّ وطاب ونُمارس الجنس... هل ثمة وقت في الجِنان؟
هل للنوم أهمية... تلك الجِنان حتمًا ستكون مُملة!! وحتى الذين في حياتهم "الفانية" يفعلون ما قد يحرمهم الجنة... هم يُؤمنون جدًا بأنهم لن يدخلوا غيرها... الجحيم سيمتلأ ولكن بآخرين!!

أنا أشعر بأنني مهجور... كأن جسدي يخونني وفكري وكلي عدوي!
الملل السأم برود الأشياء وتكرارها
وبأنني ضعيفٌ أمام هذه الحياة...!

سأبقى حيث العاصفة الهوجاء، لن أتراجع نحو السلامة...
سأنتحر ربما في يوم ما، لكنني سأنتحر وأنا سعيد!
لن أموت قبل موتي، ولن أستسلم إلا بموتي... ليس لي إله وشيطاني مات، وأنا أكتب هذه الأسماء(إله... شيطان) أشعر بسخافتها... فكيف من المُمكن أن أؤمن بما هو سخيف!
سأضعف وسأحزن وسألمسُ وجودي البارد وسأبكي خوائي وإمتلائي... لكنني لن أستسلم إلا بموتي!

خلع الرداء، وضعه على الشمّاعة
الآن هو عارٍ وخفيف... الرداء ثقيل وخشن!

سقط الرداء،
 لم يسقط أصلًا،
لأن الشمّاعة ليس لها وجود!

في بلادي أموت ببطئ!
هو شعور يزداد كل حين، شعورٌ بأننا لا نملك من أمرنا شيئاً
بأن بلادنا إستحالت مقابر وسجون وسوق من الفوضى والعبث!
هُنا ثمة هدوء الخائفين... وسكوت الضعفاء... أو الذين يُريدون السلامة، ولكن من الواضح بأن الظلام هُنا يزداد، ليس هُنا نور!
نتكاثر ونزداد موتًا
 أموات يخافون الموت وكل شيء، وكل شيء هو الله!
الأوطان باتت لا تحتمل أبنائها... والأبناء ليسوا إخوة كما يظنون!
وحياتنا نزوة أو خطأ، والثمن هو اللاجدوى، لخمسين... ستين... سبعين عام!
علينا حتمًا أن نقف فورًا، أن نصرخ وأن نُدمر هشاشتنا، لعلّ الدمار يُحيينا،
للأسف نحن أدوات وضحايا وجودنا اللعين... ونحن المسؤولين أيضًا، عن سكوتنا وإغماض العيون وصمّ الأذان!

الملل والضجر يملأني... يملأ مكاني حتى تنفسّي ثقيل!
الأيام تتشابه وأنا مسجون هُنا... لماذا لا أترك هذه الأماكن وأطير!
أنا الذي يقتلني بهدوء، والذين أعرفهم يُثقلون أيامي بوجودهم الهشّ والثقيل!

كيف سأكتب تلك الكلمات التي تتجمع في حلقي وتتزاحم ولا تخرج، تبقى هناك عالقة ومؤلمة!

هل صارت الكتابة كلامي؟
لذلك صار الكلام اليومي ثقيل وصعب!

كيف للكلمات المكتوبة أن تُعبّر وتصف شعورًا كالذي يراودني الآن؟
يراودني الآن ومنذ فترة شعور قوي بأنني لست أنا... لذلك أنا أبذل قصارى جهدي لأعرفني... لأواجه خوفي وقَلقي المُستمر... لأعرف حقيقتي!

في كل صباح، أستيقظ بعد نومي لساعات وأقضي وقتي مُستغرقًا في اللاشيء، وأحاول في كل يوم أن لا أغرق في ذلك الشعور المُظلم بالملل والسخف والحماقة!
وفي كل يوم أشعر بتسربي من الحياة، أتسرب كقطرات وأترك ورائي فراغًا وخواء فظيع!


‏يومًا ما ستلتفت لحياتك التي تركتها وأنت تتقدم نحو اللاشيء...
 اللاشيء أمامك، وورائك حياة كاملة ستبصق عليها ربما.. وستُدرك "سخافة" كل شي بعد فوات الأوان!

هذه شعوبٌ لن تثور!
ربما لأنها تواطئت مع الحياة وقررت الرضا والتسليم بواقع الحال!
أو لأنها تشرّبت الخضوع والإستسلام والخوف، حتى صار النهوض أو مُحاولة التغيير ضربٌ من الإنتحار أو الجنون!
هذه شعوبٌ مقهورة وبات القهرُ ربّها... وهُناك فيما بعد هذه الحياة سيأخذ كل ذي حق حقه!

الجنةُ هي دار الجميع، والجحيم كذلك، الرب سيحتار حتمًا!
يعيشُ الإنسان خائفًا وخانعًا... لأب لمُدرس لأزعر ما لمسؤول، وكل هؤلاء يتألهون... يمارسون دور "الله"!
الله رحيمٌ ومُستبد، إزدواجية سخيفة!

الشر ليس إلا شيطان، والإنسان ضحية، والله هو المُخلّص... لله أبناء لهم حظوة وإمتياز، ولهم أن يعيشوا معبودين... من مخلوقات أوجدها الله لذلك الغرض!
 آه كم هو الأمر غبي وسيء!

إنني بحاجة ذلك الصبح البعيد عندما تُشرق الشمس وتبدأ العصافير بالتحليق... السماء ليست صافية، ثمة غيمات بعيدات عن بعضهن، والهواء بارد... وقهوة في كوب ورق، بخار القهوة يتصاعد، ورائحتها تعبق، وصوت فيروز يُناجيني... والمكان فارغ من البشر، وأسفل شجرة أمامي ينام قط!
يُنهض رأسه ويتلّفت، ويعود... تتحرك الأغصان مع هبّات الهواء!

إنني لم أبحث يومًا عن أحدهم، ليأتي ويملأ عالمي... لم يكن عالمي فارغًا!
وقد أستغرقتُ في وحدتي كثيرًا، إنني تجاوزت حاجتي للآخرين... وبات وجودهم يبعثُ في نفسي إحساسًا كريهًا...
 إقترابهم يزعجني، ويستفز بي رغبة الهرب أو القسوة!
لستُ وحيدًا...
 والإتكاء يعني الضعف، والضعف هو موتٌ فظيع، ما لم يُدرك الضعيف سوء الإتكاء!
علماء الاجتماع يقولون: إن الإنسان حيوان إجتماعي! وأنا أقول: إن الإنسان أحمق ويبحث عن مُبررات لوجوده، وضعفهُ ما هو إلا حالة نكوص نحو الطفل الخائف من كل شيء، واللعنة على علماء الاجتماع!
علاقاتنا زائفة، ونُمارس أدوار مُتناقضة، وندّعي دائمًا بأننا مخذولون.. نحن بحاجة ذلك الشعور بالخُذلان، لنستسلم لإفتراضاتنا، بأننا "ضحايا"!
مَن المُذنب؟ لا أحد، وكلنا ضحايا ومُذنبون وحمقى!

هُنا مُتدينون وفارغون ومرضى!

هُنا يسخرون من أوجاعهم بسخافات... يغضبون بخوف... ويخافون حقيقتهم!

هُنا الموت ولا غير الموت!

وعندما أسهو أو أجلس وحدي ودائمًا أجلسُ وحدي... أجدني وقد غرقتُ في مُحيط أفكاري،
 ليست أفكار إنما مشاهد وأشياء تغلي على مهل وتستمر حتى تضعني مُرهقًا أمام أسئلة صعبة... لابد من إجابات، وأعجز حتى عن التفكير بإجابة!

الأشياء تبدو أكبر كلما إقتربت منها، هذه حقيقة بديهية!



















ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق