الجمعة، 7 يونيو 2019

مُدن الملح... من التيه لبادية الظلمات!

"مُدن الملح" ملحمة روائية للروائي عبدالرحمن مُنيف، كُتبت بين عاميّ 1981 - 1988، وصوّر من خلالها ورسم بأجزائها الخمسة واقع الجزيرة العربية وحياة سُكّان تلك الصحراء الواسعة والمليئة بالانتظار والترقب والتغيّر!

كيف بدأت حكاية التغيير؟
بأن تتحول الصحراء لمُدن وبأن تكون هذه المُدن من ملح!
من "وادي العيون" تبدأ الحكاية، وادٍ ذي زرع وماء، يسكنهُ البدو ولا يُقلقهم شيء، ولا يعتريهم ذلك الخوف!
وادي العيون، واحة وإستراحة للقوافل، وأهل الوادي لا يَرهبون كثرة الزوار وإزدحامهم، وفجأة ومع طمأنينة الزمن... تأتي قافلة "الأمريكان"!
ويبدأ التيه... ومتعب الهذال وحدهُ ليس مُطمئنًا لهؤلاء الغُرباء!
ويبقى التساؤل المُبهم عصيًا عن جواب: مَن هم؟ ولماذا جائوا؟
الصحراء تبتلع الأحداث وتُطوى المواقف كما تُطوى صفحاتُ كتاب!
وادي العيون وبسرعة ربما لأن الزمن يبدو قصيرًا عندما تتسلسل الأحداث... بسرعة يتحوّل لوادٍ غير ذي زرع، ليس لأن المُناخ تغيّر والسنوات أعقبت جفافًا وخرابًا، بل لأن الأمريكان أو الغرباء أرادوا ذلك...!
حَدث ما قد أوجس منه متعب الهذال، وكان للشيخ وباقي السُكان رأيٌ آخر... لم يفهموا توجس الهذال ولم يَعوا بأنه إختفى لأنه ربما لم يعد قادرًا على رؤية موت الوادي بصمت!

ولـ"حرّان" ينتقل مُنيف ليرسم لنا ملامح البداية، من هُناك من تلك المدينة الوليدة، وعلى الأرض تُقسم... مكان للعرب(العُمال) ومكان للأمريكان (أرباب العمل)، ما هو العمل؟ إستخراج النفط!
والصفحات تصوّر الحال هُناك، كيف أصبح الشيخ دُمية وألعوبة، وكيف أتى المُستعمر ودون جُهد، ليُصبح سيدًا مُطاعًا...؟
كيف الشيخ أو الأمير والذي سيُصبح فيما بعد جلالة الملك، يبدو سخيفًا ويلتهي بأجهزة كالمنظار والراديو والتلفاز، ويتعجب منها... من تلك التكنولوجيا، يخافها بالبداية ومن ثم يدمنها... والشعب يعمل ويكدّ في التنقيب عن النفط، بأمر الأمريكان وتحت أنظارهم، وهذا هو الشعب الذي سيموت جوعًا أو تعزيرًا بقطع الرؤوس أو ستُبنى السجون لتتسع للمزيد من الناس، الذين لم يكونوا "عبيدًا" للسلطان كما يجب!
من التيه، مرورًا بـ الأخدود وتقاسيم الليل والنهار والمُنبت وأخيرًا بادية الظلمات، تبدو الحكاية طويلة، ولكن ثمة تغيّر وتبدّل مُستمر، ومن الأب خريبط، لخزعل وفنر...
تتسلسل الأحداث وتتوقف في المُنبت لحال السُلطان المخلوع خزعل، وهو الذي أدمن الزواج وأصبح مهووسًا به، وبعد زواجات كثيرة تنتهي حكايته بعد أن غادر "موران" ليقضي أيام العسل في ألمانيا مع زوجته الصغيرة إبنة مستشاره، ومن هُناك يتم إخباره بإنقلاب أخوه فنر عليه أو عزله بسبب... لأسباب عديدة تعزُّ عن الطرح!

وفي بادية الظلمات، ترتسم ملامح الحكاية بشكل أوضح، النفط والمال الكثير والسُلطة ودهاليزها، وكيف تتحول المدينة لشخص يحزن ويفرح ويصمت ويحتضر ولا يموت؟ وكيف تبدأ الحروب ولا تنتهي؟
كيف تُصبح الثروة مصدرًا للرِدة والهزيمة والتبعية؟!
وكيف تُبنى "مُدن الملح"؟
وكيف تكون الشعوب مقهورة وبلا قيمة ومعنى؟!!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق