ميخائيل ليرمنتوف(1814-1841) |
"ألا ليت الناس يبذلون مزيدًا من الجهد في التفكير، إذن لأدركوا أنّ الحياة لا تستحق أن نُعنىٰ بها كل هذه العناية...
إنّ مَن سيُتاح له، كما أُتيح لي، أن يجتاز الجبال المنعزلة، وأن يتأمّل مناظرها الساحرة طويلًا طويلًا، ىأن يتنشّق هواء الفجاج المنعش في نهم، سيفهم من غير شك رغبتي هذه في الحديث عن تلك المشاهد الخلّابة وفي وصفها والكلام عنها...
إنّي لأعترف بأنّ هذا الشعور شعور طفل، ولكنّ الإنسان حين يبتعد عن المواضعات الاجتماعية، ويقترب من الطبيعة يغدو طفلًا رغم أنفه. فالنفس تتحرّر من المعاني التي اكتسبتها، وتعود إلى ما كانت عليه من قبل، وما قد تصير إليه يومًا ما...
فإنّ ذكرى الحزن أو الفرح لتترجع في نفسي ترجعاً أليماً، وتخرج منها دائماً نفس الأصوات . . . هكذا شاءت الأقدار أن أكون. لا أنسى شئياً، لا أنسى شيئاً... "
تلك إقتباسات من رواية "بطلٌ من هذا الزمان" للكاتب الروسي ميخائيل ليرمنتوف(1814-1841)، الرواية التي قال كاتبها عن بطلها بأنه تجسيد لكل ما يُعاني منه شباب العصر من رذائل في أوج تفاعلاتها، الرواية التي تتناول تفاصيل من حياة "بتشورين" وتبدأ بالفصل الأول (بيلا) وتنتهي بالجبري... وتحتوي على فصل (يوميات بتشورين) يوميات لبطل ذلك الزمان...
ترجم الرواية الأديب السوري سامي الدروبي وله فضل أكيد في روعة الصياغة والأسلوب، والرواية التي قرأتها في أقلَّ من عام مرتين، تأخذ القارئ لنفسية البطل الرئيسي(بتشورين).. بتشورينٌ شابٌ وضابط روسيّ وجد نفسه في بلاد القوقاز، وكان هناك كما منذ لا نعلم متى، يُعاني من إنطفاء في الرغبة ويعيش في لامُبالاة رهيبة... فهو لا يستمتع في حياته أو لا يستطيع ذلك، ويعيشُ أيامهُ ضجرًا لا مسؤولًا، ويُعاني من فراغ وجداني ضاع فيه وتاه... إلى أن ينتهي ذلك الشاب بموت غامض وهو عائدٌ من أو ذاهبٌ إلى بلاد فارس،
الحكاية ليست مُجرد تفاصيل مُملة، بل تجسيد لمُعاناة سيكولوجية وحالة إجتماعية، عانى منها الشباب الروسي في فترة حكم القيصر نيقولاي الأول،
وليرمنتوف في هذه الرواية جسّد الواقع، وربما ليرمنتوف كان كبطله... ليرمنتوف الشاعر الذي وُلد في الرابع عشر من أكتوبر عام 1814، وكتب الشعر في سن مُبكرة وكان إستمرارًا لإبداع الشاعر بوشكين الذي قضى نحبه في مُبارزة وهو في الثلاثين من عمره... وكذا كان مصيرُ بطلنا ليرمنتوف، والذي أبدع في الشعر كدواوين الشاعر والشيطان وغيرها، ولم يكتب في الرواية إلا "بطل من هذا الزمان"، ولم يستمر... لم يعيش ليكتب ويُبدع المزيد، ففي السابع والعشرين من يوليو عام 1841 مات بمبارزة مع صديق... وموت المبارزة هو كخسارة مُقامرة بحياة، ورحل تاركًا وراءه بطل من هذا الزمان وبضعة أشعار، بتشورين بطل ليرمنتوف وبطل ذلك الزمان وربما في كل زمان ثمة أبطال كبتشورين، أبطال عاشوا وماتوا وهم "أحرار"... أبطال رفضوا الواقع المُمل والمكرور والذي يمتلأ بالسطحية والتقليد والجُبن، وهل بتشورين بطل بالفعل أم أنه مُجرد إنسان مُعتل إجتماعيًا ونفسيًا؟ ومن البطل وكيف تكون البطولة؟ والإنسان مُعرض لأن يكون تحت رحمة حكم إستبدادي ومجتمع مليء بكل أنواع الرذائل والعُهر والعبودية التي تستتر تحت عباءة الفضيلة والأخلاق والشرف!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق