الثلاثاء، 20 أغسطس 2019

أزمة وطن 3(تربية وتعليم)

أزمة الفرد هي صورة مُصّغرة لأزمة الوطن، الفرد الذي يُعاني في مراحل حياته المُختلفة من شتّى أنواع الأزمات (النفسية، الاقتصادية، الفكرية...) هو والأفراد الآخرين (المأزومين بالضرورة) هُم الوطن...
وللفرد في بلادنا وضع يستحق الدراسة والتحليل، وهو الذي يعيش في واقع مليء... بالفراغ والبطالة وإنعدام الأمن المجتمعي والوظيفي وهشاشة الفِكر وفُقدان الشغف والرغبة وتفشي العصبية والمادية والتنافس المُضني ومواكبة التكنولوجيا الحديثة مما يُؤدي للإنعزال الاجتماعي وتحوّل الفرد لشخص إفتراضي موسوس بالمثالية ونظرة الآخرين الإفتراضيين... الخ
يُولد الفرد ليجد نفسهُ في أسرة تتوقع منه الكثير ويفقتد للرعاية المعنوية، فمسؤولية الأبوين تتعلق بالماديات(التغذية... اللباس والمصروف...الخ)، ويكبر الصغير مُحاولًا إرضاء توقعات الوالدين مُنافسًا أقرانه في أن يكون أفضلهم وأكثرهم نجاحًا وأحسنهم تربية وأخلاق... وتنافس الصغار هو تنافس كبار، فالأب والأم يزرعون في وجدان صغيرهم الغيرة والحَسد وحتى البغضاء والكراهية... ولستُ هُنا مُبالغًا، ولا أقول بعدم وجود تربية جيدة... ولكن ويا للأسف ومع أن البيوت أسرار فنحن نلمس هذا الواقع ونتحسسهُ في حياتنا اليومية مع وجود إختلافات ثانوية، أما بشكل عام فالتربية الأسرية لدينا هي جذور أزمتنا الوطنية، والأزمة موجودة بل وظاهرة بقوّة والسبب ربما ما ذكرته بشكل سطحي قبل قليل،
ومن المدرسة تبدأ مرحلة جديدة من تشكيل الطفل وصنعهُ، المدرسة الحكومية التي يُمارس فيها الأساتذة خبراتهم العلمية التي أكتسبوها من تعليم جامعي سيء بشكل عام أيضاً...
المناهج الدراسية تُعزز روح التنافسية بين الأقران في حيازة المركز الأول والعلامات المُرتفعة، والجُهد يتمحور في حفظ الدروس وحلّ الواجبات المدرسية... حفظ الكلمات وإفراغها في ورق الامتحانات وإنتظار النتيجة النهائية المُرتفعة وإلا فالطالب قصّر في الحفظ والتركيز... ويا له من تقصير، في أحسن الأحوال يتم توبيخهُ وزجرة وهُناك من يُعاقب الطالب الطفل بعقوبات قاسية وعنيفة، وكل هذا لأن ابن فلان "أشطر" وإبن علّان "يفهم وذكي.."!،
العملية التربوية والتعليمية لدينا تُعاني من حالة موت سريري، فالمناهج تلقينية ومُملة ومليئة بالحشو الفارغ، والحصة الدراسية غالبًا ما تكون أشبه بسجن مُؤقت والفرج عندما يرن الجرس..
مواد دراسية تتكرر في مراحل المدرسة المختلفة، والإمتياز لمن يحفظ أكثر، وتمتد الأزمة للدراسة العُليا؛ ولنأخذ مرحلة البكالوريوس على سبيل المثال، ففي هذه المرحلة التي تلي المدرسة وضجرها القاتل، والتي تبدأ عند نهاية "التوجيهي" وهو حالة طوارئ وضغط نفسي وعَصبي يعانيها الطالب خلال عام، وتُحدد أهليّته في دخول الجامعة أم لا... وتخضع لسياسة وزارة التربية وتعاملها مع هذه السنة بين التشديد والتراخي، في مرحلة البكالوريوس والتي قد يدخلها الطالب وفق خيارات الاهل وتقديره في التوجيهي، ليدرس تخصص ما...
وما بين الرغبة الذاتية ورغبة العائلة والمجتمع أحيانًا، يجد الطالب نفسه في ذات الدائرة، ولكنه الآن في دائرة أوسع وأضيق... كيف؟
الجامعات تحولنّ لشركات ربحية، والقبول الجامعي بنوعيه التنافسي والموازي يُحتّم على الطالب أن يختار تخصصه وفق المُعدل والقدرة المادية ويا لحسن الحظ لو انه يستطيع الدراسة بمنحة أو "مكرمة"!،
وفي الجامعة يتحول الأستاذ لدكتور، ويبدأ التميّز وقطع الساعات بجهد الحفظ والتركيز بما يُلقنه الدكتور في كل محاضرة، والتنافس في سرعة التخرج وقطع الساعات... ويعيش الطالب قَلق البطالة المُستقبلية مع القلق الآنيّ من مصروفاته اليومية وتماهيه مع الطلاب والرغبة المُلحة في إثبات الذات ومواجهة مزاجيات الأساتذة الجامعيين ونظرتهم الدونية للطالب،
الطالب الذي يفتقد في حياته لمعنى جوهري غير مادي، فكل ما حوله مادي وسطحي، والتحزبات العشائرية وعقدة الجنس الآخر وإستبداد عمادات الشؤون الطلابية وقمع أي فكر جديد أو مُعارض للسلطة، وتفشّي المصالح الشخصية والتمحور حول الأنا وفقدان الذاتية والثقة بالنفس، كلها ظواهر حية تُشكل أزمة الفرد/الوطن تعليميًا... نعم أنا هُنا مرآة تعكس قُبح، وهذا القُبح صار عاديًا للأسف، ولستُ هنا سوى مرآة تعكس الظاهر وما خفي أعظم، الأزمة موجودة وحريٌ بنا مواجهتها بدلًا من إنكارها أو التقليل من شأنها...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق