الاثنين، 12 نوفمبر 2018

كانت في كل ليلة، عندما تخلد للفراش، تتأمل الصورة وتراودها رغبةٌ جامحة في حرق الهاتف الذي يحتوي تلك الصورة، لكي تتخلص من عبء ثقيل ترزح تحت وطأته! لا تحرقه ولا حتى تُغلقه او تحذف تلك الصورة، تضع الهاتف بجانبها وتتغطى بلحافها وتنام بعد تفكير طويل...!

وقد كان ينامُ منذ ساعة تقريباً، ينامُ كميت! فهو لم ينم بشكل حقيقي منذ يومين، وها هو يدفع الثمن. يعودُ من العمل المُضني الذي يستنزف ساعات نهارة وبضعة ساعاتٍ من ليله، وقد أُنهك تماماً ولا يملك سوى الاستسلام !

استسلمت المدينة، ورفعة راياتها البيضاء. وقبل المغيب كانت الرايات قد تلوّنت بالأحمر القانيّ.. والشوارع باتت مهجورة وكئيبة ومُظلمة... وفيها لونٌ أشبه بالرماد لا يُرى لكنهُ يُحسّ بإحساسٍ غامضٍ مُريب!، 

عادت وقد تغيّر شكل الحي، فعمارة الإسكان باتت مهجورة ومُدمرة، ومُزينة بثقوبٍ عميقة. والأشجار إختفت، والشارع ... الشارع بات مأوى للكلاب الضالة...

الجُثث... الجُثث لا تُدفن، هل تغيّرت العادات ؟ 
ولم يعد هُناك فرق بين جُثة كلب مات مدهوساً، وتم التعاطف معه بإلقاء جثمانه بجانب الطريق، وبين جثة إنسان لم يتعاطف أحد معها لتُلقى بجانب الطريق... يا للعار !!

وهي تتهادى في الطريق الفارغ المُظلم، عائدةً من بيت آخر زبائنها، وتحمل في حقيبتها مئتي دولار وزُجاجة عطر وكيس مليء بالواقيات الذكرية وعدد من الجوارب الطويلة الشفافة... وهوية شخصية وصورة لطفلة تبتسم. 
كان رأسها مليءٌ بالضجيج وفي عينيها أثقال ودموع حارة... هي علامات الإفراط في شُرب الكحول، وفي أنفها رائحةٌ نافذة ممزوجة بروائح عديدة ومُتناقضة، أبرزها رائحة المنيّ الذي قُذف على وجهها عدة مرات في هذه الليلة...! وصلت حيث شقتها، خلعت حذائها ذو الكعب العالي، ودون أن تُبدل ملابسها، رمت بجسدها فوق سريرها الذي أنَّ من تحتها وراحت في غياهب النوم...!

في جُنح الظلام، كان الليلُ ساكناً والمكان بدا وكأنه توقف عن الوجود، في تلك اللحظات كان أحدهم يُحاول بيأسٍ شديد، إيجاد وجبة طعام... لا بل بقايا أي وجبة شبع صاحبها قبل إتمامها ولم يضعها في سلة المُهملات، وَجد كيساً فيهِ بقايا فطيرة بيتزا وعلبة عصير فارغة، أكل البقايا ورمى الكيس في سلة المُهملات، وراح يبحث عن مكان مُناسب للنوم، 

عندما صَعد للحافلة، وجلس في المقعد الفردي، بالقرب من الباب، تنفسّ الصعداء، واوشك على تقبيل رأس السائق... لأنه منذ ثلث الساعة وهو ينتظر قدوم أي شيء يُقلّه... ليصل الجامعة ليحضر المُحاضرة... غير المُهمة، أزمة المرور الصباحية، تُخبر الجميع بأن المشي او الركض نحو الوجهة خيرٌ من إمتطاء الحافلات...!



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق