الخميس، 22 نوفمبر 2018

كخطيئةٍ أرتكبها داعرٍ أو عاهرة، تبدو الحياة.

في غَمرة إنشغاله المحموم، كانت الأفكار التي يُجاهد حَرفياً في إبعادها عن وعيه، تُحاولُ إحتلالهُ وإسقاطه في وحلها اللزج والعميق. 
أفكارٌ مُتنوعة، ولكنها تتشابه... تتشابه في صعوبتها واشياءٌ آخرى لم يُدركها العقل البشريُّ بعد!. 

أسئلةُ الـ "لماذا ؟" هي التي ولّدت قَلقنا الوجوديّ وبحثنا عن أجوبة حقيقية جعلنا نُبحر في مُحيط اليأس بلا قارب، وكان وما زال سبب بؤسنا، هو الأمل بالوصول لميناء او شاطئ نجاتنا ! 

الساعةٌ تعمل، والأصوات بعيدة لكنها مُزعجة... كلّ الأصوات يُمكن تحمّلها إلا أصوات البشر البعيدين والقريبين أيضا... والهدوء الدائم ليسَ إلا عاصفةٌ هوجاء تقترب... وأنا أهذي، وعربيدٌ ما ينتشي فوق جُثة إمرأةٍ كانت قبل قليل تتأوه وجعاً أو شَبقاً...!

أنا أهذي، وطفلٌ يموتُ جوعا، هكذا ببساطة، وآخر بسهولة يموت لأنه لم يجد علاجاً أو وطن يحتضنهُ ويُخفف من أوجاعه... هكذا ببساطة !
تعتقد بأن الحياة قد تُنصفك، تُعاملك بما تستحق، وتنسى او لا تعلم بأن الحياة، هكذا ببساطة مُجرد "خطيئة" أُرتكبت بشكل عادي وبلا أدنى شعور بذنب..!

الساعةُ تعمل. وأنا ما زلت أهذي... والعطش يشلُّ اركاني وأنا جائعٌ جداً، وأعلم بأنني لن أشبع...!

وأعلم بأنني مُجرمٌ بشكلٍ او بآخر. 
لماذا لا تموت الساعات ؟ 
ولماذا بتُّ أكره إنسانيتيّ ؟ وأكره أن أرى جرواً مات ولم تُقم عليه أمهُ حِداداً وجنازة ! هل الآباء (الحيوانات) لا يملكون أدنى مسؤولية في العناية بأبنائهم ! أم أن الأمر بسيط... وأنا أهذي فقط ؟

في الخارج الأمر مُختلفٌ كُلياً. أنت هُنا في عالمٍ آخر، عالمٌ خاص. تسلل إلى الخارج، وأقتلع بعض الأغصان النضرة، وأشعل أوراق اللوز الخضراء، ونمّ على صخرةٍ... النار لونها أزرق سماويّ ! وسماء النهار الوردية ملئيةً بالنجوم الضخمة والصغيرة جداً. 
والشمس حمراء، والقمر أخضر داكن. والتراب لونهُ رماديّ... والنهر ذو اللون الأصفر لا يجري، والصحراء تلوحُ في الأفق، وورائها يبدو الجبل الأسود شامخاً، كإلهٍ ما... وأنت تستيقظ للتو. تُمسك هاتف «الصارخ» لتطفئه او تُحطمه... تُسكته وتضعه جانباً. تُغمض عينيك وتتخيل عودتك للنوم... تقوم في الحال. تترنح في مشيتك. تكاد تسقط ولا تسقط بل تدخل الحمام لتخرج بعد دقيقتين وقد غسّلت وجهك جيداً. عيناك بل وجهك كلّهُ مُتورم.

ترتدي ملابسك العمليّة. وتنسى وضع القليل من العطر، وتتذكر جوع بطنك، ولا تملك وقتاً، لإختلاس -أي شيء يُمكن أكله-. بالفعل منذ خمس دقائق تنتظر قدوم الباص. وها أنت تجلس في المقعد، وتهتز مع اهتزاز المركبة. ذهنك صافٍ وعيناك ذابلتان. وأنت ناقمٌ وغاضب، لا تعرف على مَن بالضبط ؟!

وكسجين مُقيد، ويجلس في حَضرة مُحقق حقير... لا تملك سوى الاستسلام، لسماع برامج الصباح المُقرفة وإعلانات المذياع المُبتذلة، وروائح الناس من حَولك تُصفعك حيناً وتُدغدك حيناً آخر... وتصل إلى وجهتك، مُجهداً، تنزل كمولود او كسجين تم الإفراج عنه... وترى بأن كل شيء يبدو غريباً... غريباً جداً. 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق