كان يقف بمُحاذاة الباب الضخم والمفتوح دائماً.
يقفُ ساهماً وكشجرةٍ باسقةٍ إنحنت مع مرور الوقت، بدا كاهلهُ الذي إنحنى وتقوّس قليلاً.
هو حارسٌ لهذه البلدة التي أصبحت مؤخراً غريبة ومُوحشة بشكلٍ لا يُصدق، يحرسها منذُ ثلاثةِ عقود.
في الليل، وبعد إنتشار الهدوء في الأرجاء، يُشعل النار في سطل زيت مُثقّب بشكل طولي، ويجلس خارج كوخه ليحرس بلدةً نامت بعد يومٍ شاق!،
في الليل ينامُ بشكل مُتقطع، وإن أردنا الحقيقة هو لا ينام ولو أغمض جفنيّه، وعَلا صوتُ شخيره المُتحشرج،
وحول مائدة العشاء، تحلّقت عائلةُ سعيد الصغيرة، زوجته وإبنته وولديّة، سعيد يكاد ينغمس في النوم، والليل في أولهُ، وبعد أقلّ من ساعة سعيد نائمٌ بعُنف، عنيفٌ في نومه لأنه أمضى يومهُ حمّالاً للاثقال في سوق البلدة المُزدحم،
كانَ يسير بإتجاه المسجد القريب، عندما لَمح شبحها. توقف، وتلّفت في كلّ الاتجاهات، قبل أن يحلقَ وراء هيئتها المُدبرة، ترتدي سواداً وتضعُ فوق رأسها دفتر... وتجري كأنها تهرب من وحش،
"الصلاةُ خيّرٌ من النوم..."، وتنبّه من غفوته اللذيدة، واستسلم لخدر الناعسين، وقامَ مُتثاقلاً ليتوضأ... الجوّ بارد بل قارس، وتخيّل إستحالة انتهاء اللحظة، وبدأ يملأ إبريق الوضوء من ماء حنفية السبيل،
عشرون عاماً.. بل ثلاثون. ما الفرق ؟ قبل... عام كُنت شاباً وهاانا أكاد أسقط في حفرتي المُظلمة ! عشرون عاماً او ثلاثين، منذ كنت اربعينيا يُعاني من ضغط الدم وأعراض الروماتيزم، واليوم لا أعاني فقط من مرض خبيث...!
ما الفرق، بين ولادتي واحتضاري القريب !،
وأمسك عصاه، ومضى نحو بيته لينام قليلاً.
كم نموت في حياتنا ؟ عفواً، كم ننام ؟
وصلا مُفترق طُرق، هي توقفت عن الجري أو الهرب، وهو كذلك توقف على بُعد سبعة أمتار منها ! إلتفتت والتقت عيناهما، ولم يلتقيا بعد ذلك أبداً؛ هو ذهب للقتال في جبهات الشمال، وهي تزوجت من إبن عمها العائد من بلاد الواق واق.! سبعة أمتار، كسبعة أعوام عاد بعدها الجُندي، يحمل فوق كاهله عبء الحياة وجدواها وغايتها ومُنتهاها، عادَ يائساً من كل شيء، فقد تلاشى إيمانهُ تماماً، وتصحّرت أرضه، وصار البردُ ساكناً فيه لا يَبرحهُ، هل بدأ عذابه يوم لحاقه بهيئة الهاربةُ منه ؟ لو أنه لم يلحق هل كان سيطمئن قلبهُ كالعادة عندما يخرج من باب المسجد ؟ لو أنهُ...
يقفُ ساهماً وكشجرةٍ باسقةٍ إنحنت مع مرور الوقت، بدا كاهلهُ الذي إنحنى وتقوّس قليلاً.
هو حارسٌ لهذه البلدة التي أصبحت مؤخراً غريبة ومُوحشة بشكلٍ لا يُصدق، يحرسها منذُ ثلاثةِ عقود.
في الليل، وبعد إنتشار الهدوء في الأرجاء، يُشعل النار في سطل زيت مُثقّب بشكل طولي، ويجلس خارج كوخه ليحرس بلدةً نامت بعد يومٍ شاق!،
في الليل ينامُ بشكل مُتقطع، وإن أردنا الحقيقة هو لا ينام ولو أغمض جفنيّه، وعَلا صوتُ شخيره المُتحشرج،
وحول مائدة العشاء، تحلّقت عائلةُ سعيد الصغيرة، زوجته وإبنته وولديّة، سعيد يكاد ينغمس في النوم، والليل في أولهُ، وبعد أقلّ من ساعة سعيد نائمٌ بعُنف، عنيفٌ في نومه لأنه أمضى يومهُ حمّالاً للاثقال في سوق البلدة المُزدحم،
كانَ يسير بإتجاه المسجد القريب، عندما لَمح شبحها. توقف، وتلّفت في كلّ الاتجاهات، قبل أن يحلقَ وراء هيئتها المُدبرة، ترتدي سواداً وتضعُ فوق رأسها دفتر... وتجري كأنها تهرب من وحش،
"الصلاةُ خيّرٌ من النوم..."، وتنبّه من غفوته اللذيدة، واستسلم لخدر الناعسين، وقامَ مُتثاقلاً ليتوضأ... الجوّ بارد بل قارس، وتخيّل إستحالة انتهاء اللحظة، وبدأ يملأ إبريق الوضوء من ماء حنفية السبيل،
عشرون عاماً.. بل ثلاثون. ما الفرق ؟ قبل... عام كُنت شاباً وهاانا أكاد أسقط في حفرتي المُظلمة ! عشرون عاماً او ثلاثين، منذ كنت اربعينيا يُعاني من ضغط الدم وأعراض الروماتيزم، واليوم لا أعاني فقط من مرض خبيث...!
ما الفرق، بين ولادتي واحتضاري القريب !،
وأمسك عصاه، ومضى نحو بيته لينام قليلاً.
كم نموت في حياتنا ؟ عفواً، كم ننام ؟
وصلا مُفترق طُرق، هي توقفت عن الجري أو الهرب، وهو كذلك توقف على بُعد سبعة أمتار منها ! إلتفتت والتقت عيناهما، ولم يلتقيا بعد ذلك أبداً؛ هو ذهب للقتال في جبهات الشمال، وهي تزوجت من إبن عمها العائد من بلاد الواق واق.! سبعة أمتار، كسبعة أعوام عاد بعدها الجُندي، يحمل فوق كاهله عبء الحياة وجدواها وغايتها ومُنتهاها، عادَ يائساً من كل شيء، فقد تلاشى إيمانهُ تماماً، وتصحّرت أرضه، وصار البردُ ساكناً فيه لا يَبرحهُ، هل بدأ عذابه يوم لحاقه بهيئة الهاربةُ منه ؟ لو أنه لم يلحق هل كان سيطمئن قلبهُ كالعادة عندما يخرج من باب المسجد ؟ لو أنهُ...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق