الاثنين، 10 سبتمبر 2018

فرخندة (قصة قصيرة)

-بابا..
-شو يا ولد ؟
-شو اللي يحترق.. هُناك، تحت السور والناس والشرطة متجمعين حواليه؟
-الله أعلم.. يمكن "قُمامة" جمّعوها واحرقوها..
وتسائل الطفل في نفسه: لمَ لا يُحرقون "فيضان" القُمامة النتنة التي تملأ الأزقة والشوارع الضيّقة في الحيّ الذي يسكنون فيه!؟
...
خَرجت من بيتها.. لتنعم بأجواء الصباح المُنعشة والرائعة حول مسجد "م" الكبير، فاليوم إجازة.. وقد إعتادت التنزة في تلك المنطقة القريبة من نهر "س".. الشوارع تمتلأ بالمُتنزهين والمُتسوقين والباعة.. وعندما وصلت صاحبتنا قُرب المسجد، إنتبهت لشيخ يجلس في ظلّ المسجد، تتجمع حوله النساء.. وهي تعلم بأنه يبيعهنّ حُجب وتمائم، ويدعيّ بأنه يُعالج(بإذن الله) المسحورين والمُصابين بالعين، ويملأ جيوبه بأموال تلك النساء!
أرادت صاحبتنا أن تغضّ طرفها كالعادة وتستمر في المشي.. لكنها توقفت وحدّثت نفسها بأنها إن صمتت كما الجميع سيستمر هذا "الدجال" بإستغلال جهل تلك النسوة، اللواتي إن لم يخلعن النقاب ويعلو صوتهن فالمجتمع مازال بخير..
توقفت قُرب الشيخ ومجموعته.. إنتبه لها، هي لا تلبس الخمار.. ترتدي شالاً خفيفاً على رأسها.. نظر إليها وبَدت على وجهة علائمُ الاشمئزاز والاحتقار.. وبعد أن تضائلت المجموعة نادت عليه، وردّ عليها كأنها زبونةٌ له.. أخبرته أنها تريد الحديث جانباً معه.. قامَ، وصَرخ على مجموعة النساء الواقفات بشتائم، لا تتناسب مع ما يُبديه من وقار وحكمة..! لا بأس فهو رجل وهُنّ نساء!
عرّفته بنفسها.. وتخصصها الجامعي.. أخبرته بأن ما يقوم به لا يجوز، فهو إستغلال لحاجة ومُعاناة الناس!
جَحظت عيناه، وكان يستمع لصاحبتنا وهو يتلّفت بكل الاتجاهات.. هي فَهمت بأنه لا يُريد أن يعلو صوتها حتى لا يسمعها أحد خصوصا "زبوناته"..
خَفظت صوتها.. واستمرت في الكلام.. وأكدّت لنفسها بأنه لا يعي ما تقول.. صَمتت! وبقي هو صامتاً وكان يبدو على وجهة بأنه في ذروة كَمد شديد.. وفجأة بدأ يَصرخ ويُنادي بالناس: "هذه المرأة كافرة.. أحرقت القرآن.. و.." لم يُكمل حديثة.. حتى تجمهّر الناس كأنهم كانوا ينتظرون بفارغ الصبر أمر كهذا..
صاحبتنا تراجعت خطوتين.. مع تجمع الناس حولها وتكاثرهم عليها.. رفعت يديها، واحسّت بأن قلبها سيخرج مقذوفاً من بين اضلعها.. حاولت أن تتكلم ولم تعرف بماذا تتكلم.. تعالت التكبيرات والصيحات.. رأت في الوجوه ظمأ لشيء ما.. 
تكاثرت الأيدي عليها، وسَحلوها.. من شَعرها.. وكلٌّ منهم يُحاول جاهدا أن ينال منها ولو برفسة.. حاولت تفادي ضرباتهم والهروب من هرواتهم ورفسهم وحجارتهم.. كانت تصرخ وتستغيث.. توقفت وهي لا ترى شيئا ولا تسمع سوى طنينٌ حاد في اذنها اليسرى.. بكمّها مسحت الدم الذي غسّل وجهها مُتدفقاً من رأسها المفجوج... لمحت وراء الذين.. يحاولون إفتراسها، رجالٌ كُثر يُشاهدون من بعيد ويُصور بعضهم الحدث.. هل للذكرى يُصورون ! عددهم يفوق المئة.. يُحاصرونني، وجميعهم يُريدون.. قتلي!(في لحظات حدثت نفسها بتلك الكلمات).. ولَمحت رجال الشرطة واقفون بعيداً وينتظرون! واحد ضد مئات.. وكيف والواحد "إمرأة" في بلاد "الذكورية"، في بلاد لا تحترم المرأة.. 
وسقطت صاحبتنا أرضا، ومن يلومها على سقوطها؟ يقفُ فوقها من استطاع الوصول ليضربها بحجر.. او لبنات بناء.. وقطع خشب.. واللهُ أكبر تُدوي.. وهم مستمرون بسحلها(جرّها) وقام أحدهم بتغطية شعرها! ورموها أخيرا من فوق السور.. إلى الأسفل حيث شاطئ النهر القذر.. كوموا فوقها القش والنفايات واحرقوها.. وهدأت ثورتهم.. ولعلّ نفوسهم اطمأنت بعد ذلك؟! "أُحرقت.. وقد كانت تُفكر بأنها تأخرت عن بيتها.. فوالديّها بحاجة مُساعدتها لتحضير وجبة الغداء.. وقبل أن تلتف للعودة، رأت شيخ المسجد والتقت نظراتهما.."

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق