صاحبنا "ت"، موظف بسيط في دائرةٍ حكومية، عُمره 29 عاماً وحالته الإجتماعية أعزب.. وجاهز -تقريباً- للزواج.. جاهز منذُ سنتين، وهو دائماً يشعر عندما يُفكر في الزواج، بأنه كحُلم صعبٌ عليه تحقيقه لكنه ليسَ مُستحيل!.
يعمل في هذه "الدائرة"، منذُ خمسةِ سنوات، ويتذكر بشكلٍ جيّد أيامهُ الأولى هُنا، ويشعر أيضا بأنها -تلك الأيام الأولى- بعيدةً ومُستحيلة، كأن عشرون عاماً مضت عنها..
غالباً يُعلن.. لنفسهِ بأنهُ خَلص قَرف وطفح الكيل.. من ماذا بالضبط ولماذا ؟ لا يعلم.. بل يشعر دائماً بأنه "فسقان"، لأنه -وبحسب إعتقادة- يحيا حياةً يحسدهُ عليها الكثير، فهو يعمل لثمان ساعات يوميا (الجمعة والسبت عطلة).. عملهُ ليس عملاً بل فراغاً يُسمى عمل.. ومع كل هذه الإمتيازات(مع إنها مش امتيازات، بس هو يقنع نفسه دائما بأنها امتيازات)، مع كل ذلك، لا يشعر صاحبنا بالرِضى.. وكلّ يوم -يُجاهد- لكي يُنهيه كما اليوم السابق وهكذا تمضي أيامه.. أيام شبابه العزيزة.
مُؤخراً بدأ ينتابهُ ضيقٌ شديد وإضطراب.. وصار عندما يُجالس اصدقائه/معارفة لا يتحدث الّا عن عمله و"إمتيازاته"، يُخبرهم عن تفاصيل "جميلة" تُثيرهم وتوقظُ في نفوسهم "غِبطة" هذا المحظوظ.. بعد ذلك يتأكد صاحبنا بأنهم يحسدونه ويغارون منه.. يَنتشي لهذا الافتراض او الدليل، ويكرههم لذلك! هو يكره حسدهم لهُ.
وعندما يعلم يقيناً او فرضاً بأن أحدهم او أيّ شخص لا يعرفه حتى.. يستمتع ويُنجز ويُبدع، سواء على الصعيد العملي او الشخصي، يستيقظ في نفسه كُرهٍ مسعور ويُصيبهُ إضطراب مؤقت(قد يستمر لساعات)، ونتيجةً لهذا الاضطراب المؤقت، يستغلّ ايّ فرصة ليُثبت أنه أفضل حال وأكثر إمتيازاً وإنجازاً منهم.. تستمرُ تلك المُحاولات حتى وإن زال ذاك الاضطراب.. مع بقاء حقيقة أنه لا يستمتع، بل يشعر بضيق من عمله وحتى روتين حياته ومُحاولاته والمُنافسة الشديدة لإثبات عكس ذلك(مع أنه ما فيه أحد داري عنه بطبيعة الحال!).
صاحبنا يُصاب بنوبة إكتئاب، أحيانا تستولي عليه لشهور. ذات مساء كان يجلس مع مجموعة أشخاص يعرفهم، وفي تلك الفترة كان صاحبنا يرزح تحت وطأة الاكتئاب اللعين، وفي أثناء الحديث الدائر بين الجالسين، حاصرت بل إستولت على صاحبنا فكرة أنهم يسخرون ويستهزئون به..! لا يعلم إلا الله كيف؟
مع مرور الوقت تأكدّ وأيقن من ذلك، وعندما أُتيحت له فرصة الحديث لأول مرة، زَعل وغضب من أمر ما، وغادر ذلك المجلس مُستعينا بغضبته تلك.. بعد وصوله للبيت، وهدوء أعصابه بعض الشيء، أحسَّ برأسهِ فارغاً الّا من أفكار مبتورةٍ ومُهتاجة. وكان يشعر في أعماقه بأنه إنتصر على مَن يُناصبونه العداء والحسد!، في تلك الأيام كان صاحبنا يُعاني من الانهاك الشديد بلا سبب واضح!، وكان يُعاني أيضا من الأرق والنوم الضَحل المليء بالأحلام المُزعجة بسبب الانهاك حسب اعتقاده.
أحياناً "تنبجسُ" منهُ طاقةً ونشاط مع عدم القدرة على القيام بأيِّ نشاط، وكان يعرف في بعض الأحيان بأنه "مريض"، ما هو مرضه ؟ وما سببهُ وكيف علاجه ؟ لا يعرف ولا يُريد أن يعرف!! او حتى لا نظلمه هو غير مُتأكد تماماً من حالته! فأحيانا كثيرة يتهم نفسه بالفسقنة(عدم معرفة قيمة ما يملك).
في أثناء عمله، ينتابهُ الغضب والتوتر يبلغ مداه الأقصى ومن ثمّ يفتر ويُصيبه خمولٌ وكسل.. ومع ساعات العمل البطيئة، كانت تهجم عليه أفكار لا يدري لماذا يفكرُ بها! ففي شروده المتواصل يتخيّل بأنه في سجن ومحكومٌ عليه بالاعمال الشاقة المُؤبدة.. او بأنه قد يموت في هذا اليوم تحديدا، وهو عائدٌ إلى بيته بحادثٍ يُخفي ويطمس ملامحه.. يُحدّث نفسه "الليله ما رح أنام بدري.. بس أنا تعبان من هسّا.. بس أوصل الدار دغري أنام واسهر بالليل.. طيب ليش اسهر؟ وبلكي ما قدرت أنام بس أرجع؟ رح اسهر بكل الأحوال؟ اوووووف ليش أفكر هيك اناا؟"
ودون أن يشعر يعود ويُفكر في مثل تلك الأمور، دائما يُحاول أن يُشغل نفسه/عقلة بأي شيء.. المُهم الّا يجلس بلا أن يقوم بشيء.. لكنه لا يستطيعُ ذلك، حاولَ كثيراً.. لم ينجح في ايّ محاولة.. بعد لحظات من جلوسه يقوم كممسوس بكهرباء.. في ذلك اليوم أثناء قيادته لسيارته عائداً لبيته، فكّر جدياً بأن يقوم بحادث، لعلّه.. لا أحد يعلم! أنكرَ تفكيرهُ، حاولَ السيطرة على حركته الجسدية، انتابه ارتباكٌ فظيع وقلقٌ رهيب.. لم يقدر على استجماع فكرةً واحدة، أحسَّ بفراغ يملأ ذهنه، فراغٌ مؤلم، كأن اسياخاً هوائية حادّه حارّة، ترتطمُ وتخترقَ رأسه... زاغَ ذهنه، أمسك برأسه، وصرخ صرخةً مُدوية.. كان يسيرُ بإتجاه تجمع سيارات تتوقف أمام إشارة لم تزل حمراء، يسيرُ بسرعةٍ غير معقولة، إنتبه.. أمسكَّ المُقود بكلتا يديه.. وإنحرف جهة اليمين بالسيارة ليتفادى الاصطدام بالسيارات الواقفةُ أمامه، إنحرف نحو وادٍ حجريّ.. يعرف هذا الوادي جيدا، لطالما رآهُ، وتذكر فجأةً بأنه أمس وهو عائدٌ من عمله، بمثل هذا الوقت، فكّر لو أنه بسرعته التي كان يسيرُ بها.. لو أنه إنحرفَ بسيارته وقذف بها في الوادي.. سيكون المشهد مُدهشاً حقاً.. هكذا فكّر في الأمس!
يعمل في هذه "الدائرة"، منذُ خمسةِ سنوات، ويتذكر بشكلٍ جيّد أيامهُ الأولى هُنا، ويشعر أيضا بأنها -تلك الأيام الأولى- بعيدةً ومُستحيلة، كأن عشرون عاماً مضت عنها..
غالباً يُعلن.. لنفسهِ بأنهُ خَلص قَرف وطفح الكيل.. من ماذا بالضبط ولماذا ؟ لا يعلم.. بل يشعر دائماً بأنه "فسقان"، لأنه -وبحسب إعتقادة- يحيا حياةً يحسدهُ عليها الكثير، فهو يعمل لثمان ساعات يوميا (الجمعة والسبت عطلة).. عملهُ ليس عملاً بل فراغاً يُسمى عمل.. ومع كل هذه الإمتيازات(مع إنها مش امتيازات، بس هو يقنع نفسه دائما بأنها امتيازات)، مع كل ذلك، لا يشعر صاحبنا بالرِضى.. وكلّ يوم -يُجاهد- لكي يُنهيه كما اليوم السابق وهكذا تمضي أيامه.. أيام شبابه العزيزة.
مُؤخراً بدأ ينتابهُ ضيقٌ شديد وإضطراب.. وصار عندما يُجالس اصدقائه/معارفة لا يتحدث الّا عن عمله و"إمتيازاته"، يُخبرهم عن تفاصيل "جميلة" تُثيرهم وتوقظُ في نفوسهم "غِبطة" هذا المحظوظ.. بعد ذلك يتأكد صاحبنا بأنهم يحسدونه ويغارون منه.. يَنتشي لهذا الافتراض او الدليل، ويكرههم لذلك! هو يكره حسدهم لهُ.
وعندما يعلم يقيناً او فرضاً بأن أحدهم او أيّ شخص لا يعرفه حتى.. يستمتع ويُنجز ويُبدع، سواء على الصعيد العملي او الشخصي، يستيقظ في نفسه كُرهٍ مسعور ويُصيبهُ إضطراب مؤقت(قد يستمر لساعات)، ونتيجةً لهذا الاضطراب المؤقت، يستغلّ ايّ فرصة ليُثبت أنه أفضل حال وأكثر إمتيازاً وإنجازاً منهم.. تستمرُ تلك المُحاولات حتى وإن زال ذاك الاضطراب.. مع بقاء حقيقة أنه لا يستمتع، بل يشعر بضيق من عمله وحتى روتين حياته ومُحاولاته والمُنافسة الشديدة لإثبات عكس ذلك(مع أنه ما فيه أحد داري عنه بطبيعة الحال!).
صاحبنا يُصاب بنوبة إكتئاب، أحيانا تستولي عليه لشهور. ذات مساء كان يجلس مع مجموعة أشخاص يعرفهم، وفي تلك الفترة كان صاحبنا يرزح تحت وطأة الاكتئاب اللعين، وفي أثناء الحديث الدائر بين الجالسين، حاصرت بل إستولت على صاحبنا فكرة أنهم يسخرون ويستهزئون به..! لا يعلم إلا الله كيف؟
مع مرور الوقت تأكدّ وأيقن من ذلك، وعندما أُتيحت له فرصة الحديث لأول مرة، زَعل وغضب من أمر ما، وغادر ذلك المجلس مُستعينا بغضبته تلك.. بعد وصوله للبيت، وهدوء أعصابه بعض الشيء، أحسَّ برأسهِ فارغاً الّا من أفكار مبتورةٍ ومُهتاجة. وكان يشعر في أعماقه بأنه إنتصر على مَن يُناصبونه العداء والحسد!، في تلك الأيام كان صاحبنا يُعاني من الانهاك الشديد بلا سبب واضح!، وكان يُعاني أيضا من الأرق والنوم الضَحل المليء بالأحلام المُزعجة بسبب الانهاك حسب اعتقاده.
أحياناً "تنبجسُ" منهُ طاقةً ونشاط مع عدم القدرة على القيام بأيِّ نشاط، وكان يعرف في بعض الأحيان بأنه "مريض"، ما هو مرضه ؟ وما سببهُ وكيف علاجه ؟ لا يعرف ولا يُريد أن يعرف!! او حتى لا نظلمه هو غير مُتأكد تماماً من حالته! فأحيانا كثيرة يتهم نفسه بالفسقنة(عدم معرفة قيمة ما يملك).
في أثناء عمله، ينتابهُ الغضب والتوتر يبلغ مداه الأقصى ومن ثمّ يفتر ويُصيبه خمولٌ وكسل.. ومع ساعات العمل البطيئة، كانت تهجم عليه أفكار لا يدري لماذا يفكرُ بها! ففي شروده المتواصل يتخيّل بأنه في سجن ومحكومٌ عليه بالاعمال الشاقة المُؤبدة.. او بأنه قد يموت في هذا اليوم تحديدا، وهو عائدٌ إلى بيته بحادثٍ يُخفي ويطمس ملامحه.. يُحدّث نفسه "الليله ما رح أنام بدري.. بس أنا تعبان من هسّا.. بس أوصل الدار دغري أنام واسهر بالليل.. طيب ليش اسهر؟ وبلكي ما قدرت أنام بس أرجع؟ رح اسهر بكل الأحوال؟ اوووووف ليش أفكر هيك اناا؟"
ودون أن يشعر يعود ويُفكر في مثل تلك الأمور، دائما يُحاول أن يُشغل نفسه/عقلة بأي شيء.. المُهم الّا يجلس بلا أن يقوم بشيء.. لكنه لا يستطيعُ ذلك، حاولَ كثيراً.. لم ينجح في ايّ محاولة.. بعد لحظات من جلوسه يقوم كممسوس بكهرباء.. في ذلك اليوم أثناء قيادته لسيارته عائداً لبيته، فكّر جدياً بأن يقوم بحادث، لعلّه.. لا أحد يعلم! أنكرَ تفكيرهُ، حاولَ السيطرة على حركته الجسدية، انتابه ارتباكٌ فظيع وقلقٌ رهيب.. لم يقدر على استجماع فكرةً واحدة، أحسَّ بفراغ يملأ ذهنه، فراغٌ مؤلم، كأن اسياخاً هوائية حادّه حارّة، ترتطمُ وتخترقَ رأسه... زاغَ ذهنه، أمسك برأسه، وصرخ صرخةً مُدوية.. كان يسيرُ بإتجاه تجمع سيارات تتوقف أمام إشارة لم تزل حمراء، يسيرُ بسرعةٍ غير معقولة، إنتبه.. أمسكَّ المُقود بكلتا يديه.. وإنحرف جهة اليمين بالسيارة ليتفادى الاصطدام بالسيارات الواقفةُ أمامه، إنحرف نحو وادٍ حجريّ.. يعرف هذا الوادي جيدا، لطالما رآهُ، وتذكر فجأةً بأنه أمس وهو عائدٌ من عمله، بمثل هذا الوقت، فكّر لو أنه بسرعته التي كان يسيرُ بها.. لو أنه إنحرفَ بسيارته وقذف بها في الوادي.. سيكون المشهد مُدهشاً حقاً.. هكذا فكّر في الأمس!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق